فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (11):

{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)}
فهم في حُكم الله من جملة الكفار، والله أَعَدَّ لهم ولأمثالهم من الكفار وعيدَ الأبدِ فلا محالة يُمْتحنون به.
قوله: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً}: دليلٌ على جواز التكليف بما لا يقدر عليه العبدُ في الحالِ؛ لأنه أخبر أنهم لا يستطيعون سبيلاً، وهم معاتبُون مُكلَّفُون.

.تفسير الآية رقم (12):

{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)}
فوحشةُ النارِ توجد من مسافة بعيدة قبل شهودِها والامتحان بها، ونسيمُ الجنةَ يوجد قبل شهودِها والدخولِ فيها، والنار تُسَجَّر منذ سنين قبل المحترقين بها، والجنة تُزَيَّن منذ سنين قَبْلَ المسْتَمتِعين بها. وكذَبَ مَنْ أحال وجودهما قبل كون سكانهما وقطانهما من المنتفعين أو المعاقبين، لأن الصادق أخبر عن صفاتهما التي لا تكون إلا بموجود.

.تفسير الآيات (13- 14):

{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)}
راحةُ الجنة مقرونة بسعتها، ووحشة النار مقرونة بضيقها، فيُضيِّق عليهم مكانَهم، ويضيِّق عليهم قلوبهم، ويضيق عليهم أوقاتهم. ولو كانت حياتُهم تبطل وكانوا يتخلصون منها لم يكن البلاء كاملاً، ولكنها آلام لا تتناهى، ومِحَنٌ لا تنقضي؛ كلما راموا فرجةً قيل لهم: فلن نزيدكم إلا عذاباً.

.تفسير الآية رقم (15):

{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)}
المتقون أبداً في النعيم المقيم؛ حور وسرور وحبور، ورَوْحٌ وريحان، وبهجة وإحسان، ولطف جديد وفضل مزيده، وألذُّ شرابٍ وكاساتُ محابِّ، وبسطُ قلبٍ وطيبُ حالٍ، وكمال أُنْسٍ ودوام طرب وتمام جَذَلٍ، لباسهم فيها حرير وفراشهم سندس وإستبرق. والأسماء أسماءٌ في الدنيا والأعيان بخلاف المعهودات فيها. ثم فيها ما يشاؤون، وهم أبداً مقيمون لا يبرحون، ولا هم عنها يخرجون.

.تفسير الآية رقم (16):

{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)}
قوله جلّ ذكره: {لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ}.
ولكن لا يخلق في قلوبهم إلا إرادةَ ما عَلِم أنه سيفعله، فما هو المعلوم لله أنه لا يفعله لا تتعلق به إرادتُهم، ويمنع من قلوبهم مشيئتَه.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}
اللَّهُ يحشرُ الكفارَ ويحشر الأصنامَ التي عبدوها من دون الله، فَيُحْيِيها ويقول لها: هل أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ فيتبرأون.. كلُّه تهويلٌ وتعظيمٌ للشأن، وإلا فهو عليم بما كان وما لم يكن. فالأصنام تُتبرأ منهم، تقابلهم بالتكذيب، وهم ينادون على أنفسهِم بالخطأ والضلالِ، فيُلْقَون في النار، ويَبْقَوْنَ في الوعيد إلى الأبد.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
قوله جلّ ذكره: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ في الأَسْوَاقِ}.
أخبر أن الذين تَقْدَّموه من الرسل كانوا بَشَراً، ولم تكن الخصوصية لهم إلا ظهورَ المعجزات عليهم. وفي الجملة الفضائل بالمعاني لا بالصورة، ثم قال: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً}.
فَضَّلَ بعضاً على بعض، وأمر المفضولَ بالصبر والرضاء، والفاضلَ بالشكر على العطاء وخصَّ قوماً بالبلاء وجعلهم فتنة لأهل البلاء، وخصَّ قوماً بالعوافي، وأخرين بالأسقام والآلام، فلا لِمَن نَعَّمَه مناقب، ولا لِمَنْ امتحنه معايب فبحُكمِه لا يِجُرْمهم، وبفضله لا بفعلهم، وبإرادته لا بعبادتهم، وباختياره لا بأوضارهم، وبأقذاره لا بأوزارهم، وبه لا يهم.
قوله: {أَتَصْبِرُونَ} استفهام في معنى الأمر، فَمَنْ ساعَدَه التوفيقُ صبر وشكر ومن قارنه الخذلان أبي وكفر.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
{لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا}: لا يؤمنون بالحشر والنشر والرجوع إلى الله في القيامة من الدنيا. وكما كانوا لا يخافون العذابَ، ولا ينتظرون الحَشْرَ كذلك كانوا لايُؤْمِنون لقاءَ الله. فَمُنْكِرُ الرؤيةِ من أهل القِبْلَةِ- ممن يؤمِن بالقيامة والحشرِ- مُشَارِكٌ لهؤلاء في جُحْدِ ما وَرَدَ به الخبرُ والنقلُ؛ لأن النَّقْلَ كما وَرَدَ بكوْنِ الحَشْرِ بكون الرؤية لأهل الإيمان.
فالذين لم يؤمنوا قالوه على جهة رؤية المقام لأنفسهم، وأنه مُسَلَّمٌ لهم ما اقترحوه من نزول الملائكة عليهم ورؤية ربهم. وذلك وإن كان في القدرة جائزاً- إلا أنه لم يكن واجباً بعد إزاحة عُذْرِهم بظهور معجزات الرسول عليه السلام، فلم يكن اقتراح ما قالواه جائزاً لهم.

.تفسير الآية رقم (22):

{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
اقترحوا شيئين: رؤيةَ الملائكةِ ورؤيةَ اللَّهِ، فأخبر أنهم يرون الملائكة عند التوفيِّ، ولكن تقول الملائكةُ لهم: {إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ}.
{حِجْراً مَّحْجُوراً}: أي حراماً ممنوعاً يعني رؤية الله عنهم، فهذا يعود إلى ما جرى ذكره، وحَمْلُه على ذلك أَوْلى من حَمْلِه على الجنة، ولم يجر لها هنا ذكْرٌ. ثم فيه بشارة للمؤمنين بالرؤية لأنهم يرون الملائكة ويبشرونهم بالجنة، قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ} [فصلت: 30] فكما لا تكون للكفارة بشارة ٌ بالجنة وتكون للمؤمنين لا تكون الرؤيةُ للكفار وتكون للمؤمنين.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
هذه آفة الكفار؛ ضاع سعيُهم وخاب جُهْدُهم، وضاع عمرُهم وخَسِرَتْ صفقتُهم وانقطع رجاؤهم {وَبَدَا لَهُمُ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]، {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَاً} [الكهف: 104].
وأما أصحاب الحقائق وأرباب التوحيد فيلوح لقلوبهم من سماع هذه الآية ما يحصل به كمال رَوْحِهم، وتتأدَّى إلى قلوبِهم من الراحات ما يضيق عن وصفه شرحهُم، ويتقاصر عن ثنائه نُطْقُهم، حيث يسمعون قوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} ولقد ظهرت قيمة أعمالهم حيث قال الحقُّ لأجله {وَقَّدِمْنَا إلى...} فَهُم إذا سمعوا وَجَبَ لهم من الأريحية ما يشغلهم عن الاهتمام لقوله: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} ويقولون: يا ليت لنا أعمال أهل الدارين ثم لا تُقْبَلُ منها ذرةٌ وهو يقول بسببها: {وَقَدِمْنَآ إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ...}! لأنهم إذا تخلصوا من مواضع الخلل وموجبات الخجل من أعمالهم عدُّواً ذلك من أجلِّ ماينالون من الإحسان إليهم، وفي معناه أنشدوا:
سأرجع من حجِّ عامِيَ مُخْجِلاً ** لأنَّ الذي قد كان لا يُتَقَبَّلُ

.تفسير الآية رقم (24):

{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
أصحابُ الجنةِ هم الراضون بها، الواصلون إليها، والمُكتَفون بوجدانها، فحسُنَتْ لهم أوطانُهم، وطابَ لهم مُستَقَرُّهم.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)}
يريد يومَ القيامة إذا بَدَتْ أهوالُها، وظَهَرت للمبعوثين أحوالُها عَمِلُوا وتحققوا- ذلك اليومَ- أنَّ المُلْكَ للرحمن. ولم يتخصص ملكُه بذلك اليوم، وإنما علْمُهم ويقينهُم حَصَلَ لهم ذلك الوقت.
ويقال تنقطع دواعي الأغيار، وتنتفي أوهامُ الخلْق فلا يتجدَّدُ له- سبحانه- وصفٌ ولكن تتلاشى للخلْق أوصاف، وذلك يومٌ على الكافرين عسير، ودليل الخطاب يقتضي أنَّ ذلك اليوم على المؤمنين يسيرٌ وإلا بطل الفرقُ؛ فيجب ألا يكون مؤمن إلاَّ وذلك اليوم يكون عليه هيناً.

.تفسير الآيات (27- 28):

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)}
يندم الكافر على صحبة الكفار. ودليل الخطاب يتقضي سرورَ المؤمنين بمصاحبة أخدانهم وأحبائهم في الله، وأمَّا الكافر فَيُضِلُّ صاحبَه فيقع معه في الثبور، ولكن المؤمن يهدي صاحبه إلى الرشد فيصل به إلى السرور.

.تفسير الآيات (30- 31):

{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)}
قوله جلّ ذكره: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هَذَا القُرْءَانَ مَهْجُوراً}.
شكا إلى الله منهم، وتلك سنَّةُ المرسلين؛ أخبر الله عن يعقوب- عليه السلام- أنه قال: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] فَمنْ شكا من الله فهو جاحد، ومنْ شكا إلىلله فهو عارف واجد.
ثم إنه أخبر أنه لم يُخْلِ نبياً من أنبيائه صلوات الله عليهم إلا سلَّطَ عليه عَدُّواً في وقته، إلا أنَّه لم يغادِرْ من أعدائِهم أحداً، وأذاقهم وبالَ ما استوجبوه على كفرهم وغَيَّهم قوله جلّ ذكره: {وَكَفَى بِرَبِكَ هَادِياً وَنَصِيراً}.
كفى بربك اليوم هادياً إلى معرفته، وغداً نصيراً على رؤيته.
ويقال آخر فتنة للمؤمنين ما ورد في الخبر: «أن كل أمة ترى في القيامة الصنم الذي عبدوه يتبعونه فيحشرون إلى النار، فيُلْقَوْن فيها ويبقى المؤمنون، فيقال لهم: ما وقفكم؟ فيقولون: إنهم رأوا معبودهم فتبعوه ونحن لم نرَ معبودنا! فيقال لهم: ولو رأيتموه... فهل تعرفونه؟ فيقولون: نعم. فيقال لهم: بِمَ تعرفونه؟ فيقولون: بيننا وبينه علامة. فيريهم شيئاً في صورة شخص فيقول لهم: أنا معبودكم. فيقولون: معاذ الله.... نعوذ بالله منك! ما عبدناك. فيتجلَّى الحقُّ لهم فَيَسجدون له».

.تفسير الآية رقم (32):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)}
أي إنما أنزلناه متفرقاً لِيسُهل عليك حِفْظُه؛ فإنه كان أمياً لا يقرا الكتب، ولأنه لو كان دفعة واحدة لم يتكرر نزول جبريل عليه السلام بالرسالة إليه في كل وقت وكل حين... وكثرةُ نزوله كانت أوجبَ لسكون قلبه وكمال رَوْحه ودوام أُنْسه، فجبريل كان يأتي في كل وقت بما كان يقتضيه ذلك الوقتُ من الكوائن والأمور الحادثة، وذلك أبلغُ في كونه معجزةً، وأَبعدُ عن التهمة من أن يكون من جهة غيره، أو أن يكون بالاستعانة بمن سواه حاصلاً.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)}
كان الجوابُ لما يوردونه على جهة الاحتجاج لهم مفحماً، ولفساد ما يقولونه موضحاً، ولكن الحقَّ- سبحانه- أجرى السُّنّة بأنه لم يزد ذلك للمسلمين إلا شَفَاءً وبصيرةً ولهم إلا عَمَىً وشبهة.
ثم أخبر عن حالهم من مآلهم.

.تفسير الآية رقم (34):

{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)}
يحشرون على وجوههم وذلك أمارة لإهانتهم، وإن في الخبر: «الذين أمْشاهم اليومَ على أقدامهم يُمْشيهم غداً على وجوههم» وهو على ذلك قادر، وذلك منه غير مستحيل.

.تفسير الآيات (35- 36):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}
قلَمَّا يجري في القرآن لنبينا- صلى الله عليه وسلم- ذِكْرٌ إلا ويذكر الله عُقَيْبَه موسى عليه السلام. وتكررت قصته في القرآن في غير موضع تنبيهاً على علو شأنه، لأنه كما أن التخصيص بالذكر يدل على شرف المذكور فالتكرير في الذكر يوجب التفصيل في الوصف؛ لأن القصة الواحدة إذا أعيدت مراتٍ كثيرة كانت في باب البلاغة أتمَّ لاسيما إذا كانت في كل مرة فائدةٌ زائدة.
ثم بيَّن أنه قال لهما: {فَقُلْنَا اذهبآ إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرأً}
أي فَذَهبا فَجَحَدَ القومُ فدمرناهم تدميراً أي أهلكناهم إهلاكاً، وفي ذلك تسليةٌ للنبي- صلى الله عليه وسلم- فيما كان يقاسيه من قومه من فنون البلاء، ووَعْدٌ له بالجميل في أنه سَيُهْلك أعداءَه كُلَّهم.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)}
أَحْلَلْنا بهم العقوبة كما أحللنا بأمثالهم، وعاملناهم بمثل معاملتنا لقرنائهم. ثم عَقَّبَ هذه الآيات بذكر عادٍ وثمود وأصحاب الرَّسِّ، ومَنْ ذكرهم على الجملة من غير تفصيل، وما أهلك به قوم لوطٍ حيث عملوا الخبائث كل ذلك تطييباً لقلبه صلى الله عليه وسلم، وتسكيناً لِسرِّه، وإعلاماً وتعريفاً بأنه سيهلك مَنْ يُعاديه، ويدمِّر مَنْ يناويه، وقد فَعَلَ من ذلك الكثير في حال حياته، والباقي بعد مُضِيِّه- عليه السلام- من الدنيا وذهابه.