فصل: تفسير الآية رقم (114):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (113):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)}
أَتْبَعْنا دليلاً بعد دليل، وبعثنا رسولاً بعد رسول، وحَذَّرْناهم بوجوهٍ من التعريفات، وإظهارِ كثيرٍ من الآيات.

.تفسير الآية رقم (114):

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}
قوله جلّ ذكره: {فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ}.
تعالى اللَّهُ في كبريائه؛ وكبرياؤه: سناؤه وعُلاه ومَجْدُه ورِفْعَتُه وعظَمَتُه، كل ذلك بمعنى واحد، وهو استحقاقه لأوصاف الجلال والتعظيم.
و{المَلِكُ}: مبالغةً من المالك، وحقيقة الملك القدرة على الإيجاد، والانفراد بذلك.
و{الحَقُّ}: في وصفه- سبحانه- بمعنى الموجود، ومنه قوله عليه السلام: «العين حق» أي موجود.
ويكون الحق بمعنى ذي الحقِّ، ويكون بمعنى مُحِقِّ الحق...... كل ذلك صحيح.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلماً}.
كان يتعجل بالتلقف من جبريل مخافَة النسيان، فأَمَرَه بالتثبت في التلقين، وأَمَّنَه من طوارِق النسيان، وعرَّفه أن الذي يحفظ عليه ذلك هو الله.
والآية تشير إلى طَرَفٍ من الاحتياط في القضاء بالظواهر قبل عرضها على الأصول، ثم إنْ لم يوجد ما يُوجَبُ بالتحقيق أجراه على مقتضى العموم بحقِّ اللفظ، بخلاف قول أهل التوقف.
فالآية تشير إلى التثبت في الأمور وضرورة التمكث واللبث قصداً للاحتياط.
قوله: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً}: فإذا كان أَعْلَمُ البَشَرِ، وسيِّدُ العرب العجم، ومَنْ شهد له الحقُّ بخصائص العلم حين قال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ} [النساء: 113] يقال له: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً}- عُلِمَ أَنَّ ما يخصُّ به الحقُّ أولياءَه من لطائف العلوم لا حَصْرَ له.
ويقال أحاله على نفسه في استزادة العلم. وموسى عليه السلام أحاله على الخضر حتى قال له: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف: 66] فشتان بين عبدٍ أحيل على عبدٍ في ذلك ثم قيل له: {إنَّكَ لَن تَسْتَطِيِعَ مَعِىَ صَبْراً} [الكهف: 72] ثم كل ذلك التطلف قال له في آخر الأمر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ...} [الكهف: 78] وبين عبدٍ أَمَرَه عند استزادة العلم بأن يطلبه من قِبَلِ ربه فقال: قُلْ يا محمد: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً}.
ويقال لما قال عليه السلام: «أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له» قال له: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً} لِيُعْلَمَ أَنَّ أشرف خِصالِ العبدِ الوقوفُ في محلِّ الافتقار، والاتصاف بنعت الدعاء دون الوقوف في مَعْرِضِ الدعوى.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)}
لم تجد له قوةً بالكمال، وانكماشاً في مراعاة الأمر حتى وقعت عليه سِمةُ العصيان بقوله: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ} [طه: 121].
ويقال: {لم نَجد له عزماً}: على الإصرار على المخالفة.
ويقال لم نجد عزماً في القصد على الخلاف، وإن كان.. فذلك بمقتضى النسيان، قال تعالى: {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} على خلاف ألأمر، وإنْ كان منه اتباعُ لبعض مطالبات الأمر.
ويقال شرح قصة آدم- عليه السلام- لأولاده على حجة التسكين لقلوبهم حتى لا يقنطوا من رحمة الله؛ فإن آدم عليه السلام وقع عليه هذا الرقم، واستقبلته هذه الخطيئة، وقوله تعالى: {فَنَسِىَ} من النسيان، ولم يكن في وقته النسيان مرفوعاً عن الناس.
ويقال عاتبه بقوله: {فَنَسِىَ} ثم أظهر عُذْرَه فقال: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}.

.تفسير الآية رقم (116):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)}
السجود نوع من التواضع وإكبار القَدْر، ولم تتقدم من آدم عليه السلام طاعة ولا عبادة فَخَلَقه الحقُّ بيده، ورَفَعَ شأنهَ بعدما علَّمه، وحُمِلَ إلى الجنة، وأمَرَ الملائكةَ في كل سماءٍ أن يسجدوا له تكريماً له على الابتلاء، واختباراً لهم. فسجدوا بأجمعهم، وامتنع إبليسُ من بينهم، فَلَقِيَ من الهوان من سبق له في حكم التقدير. والعَجَبُ ممن يخفى عليه أنَّ مثل هذا يجري من دون إرادة الحقِّ ومشيئته وهو عالِمٌ بأنه كذلك يجري، واعتبروا الحكمةَ في أفعاله وأحكامه، ويزعمون أنه علم ما سيكون من حال إبليس وذريته، وكثرة مخالفات أولاد آدم، وكيف أن الشيطان يوسوس لهم ثم يقولون إن الحقَّ سبحانه أراد خلاف ما عَلِمَ، وأجرى في سلطانه ما يكرهه وهو عالِمٌ، وكان عالماً بما سيكون! ثم خلق إبليس ومكَّنه من هذه المعاصي مع إرادته ألا يكون ذلك! ويدَّعُون حُسْنَ ذلك في الفعل اعتباراً إنما هو الحكمة.... فسبحانَ مَنْ أَعْمَى بصائِرَِهم، وعَمَّى حقيقةَ التوحيد عليهم!

.تفسير الآية رقم (117):

{فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)}
وما كان ينفعهم النُّصْحُ وقد أراد بهم ما حذَّرَهم، وعَلِم أنهم سيلقون ما خوَّفهم به. قوله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى}: علم أنهم سيلقون ذلك الشقاء؛ وأَمَّا إنَّه أضاف الشقاءَ إلى آدم وحدَه- وكلاهما لحقَهَ شقاءُ الدنيا- فذلك لمضارعة رؤؤس الآي، أو لأن التعبَ على الرجال دون النساء. ومَنْ أصغى إلى قول عدوِّه فإِنه يتجَرَّعُ النَّدَمَ ثم لا ينفعه.

.تفسير الآيات (118- 119):

{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)}
لا تصديقَ اممُّ من تصديقِ آدم، ولا وعظَ أشدُّ رحمةً من الله، ولا يقينَ أقوى من يقينه ولكن ما قاسى آدمُ الشقاءَ قبل ذلك، فلمَّا استقبله الأمرُ وذاق ما خُوِّف به من العناءِ والكدِّ نَدِمَ وأطال البكاء، ولكن بعد إبرام التقدير.
{وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُوا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى} أُوْثِرَ بكل وجه؛ فلم يعرف قَدْرَ العافيةِ والسلامةِ، إلى أن جرى ما هو محكواً به من سابقِ القسمة.
ويقال تنعَّمَ آدمُ في الجنة ولم يعرف قدر ذلك إلى حين استولى في الدنيا عليه الجوعُ والعطشُ، والبلاء من كل (...).
وكان آدم عليه السلام إذا تجدَّد له نوعٌ نم البلاء أخذ في البكاء، وجبريل عليه السلام- يأتي ويقول: ربُّك يُقْرِئِكُ السلامَ ويقول: لِمَ تبكي؟ فكان يُذَكِّر جبريلَ عليه السلام وهو يقول: أهذا لاذي قُلْتَ: {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلآَ تَضْحَى}....! وغير هذا من وجوه الضمان والأمن؟!

.تفسير الآية رقم (120):

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)}
وسوس إليه الشيطان وكان الحقُّ يعلم ذلك ولم يذكُرْ آدمُ في الحال أن هذا من نزعات مَنْ قال له- سبحانه-: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ} [طه: 117].
ويقال: لو عَمَّى على إبليس تلك الشجرة حتى لم يعرفها بعينها، ولو لم يكن (...) حتى دلَّه على تلك الشجرة إيش الذي كان يمنعه منه إلا أَنَّ الحُكمَ منه بذلك سَبَقَ، والإرادةَ به تعلَّقت؟
ويقال إن الشيطان ظهر لآدم عليه السلام بعد ذلك فقال له: يا شقيُّ، فعلتَ وصنعتَ..!
فقال إبليس لآدم: إنْ كنتُ شيطانَك فَمَنْ كان شيطاني؟
ويقال سُمِّي الشيطان شيطاناً لبعده عن طاعة الله، فكلُّ بعيدٍ عن طاعة الله يُبْعِدُ الناسَ عن طاعة الله فهو شيطان، ولذلك يقال: شياطين الإِنْسِ، وشياطين الإِنْسِ شرٌّ من شياطين الجن.
ويقال لما طمع آدم في البقاء خالداً وَجَدَ الشيطان سبيلاً إليه بوسوسَتِه.
والناسُ تكلموا في الشجرة: ما كانت؟ والصحيحُ أَنْ يقالَ إنها كانت شجرة المحنة.
ويقال لو لم تُخْلَقْ في الجنة تلك الشجرة لَمَا كان في الجنة نقصانٌ في رتبتها.
ويقال لولا أنه أراد لآدم ما كان لطالت تلك الشجرة حتى ما كانت لِِتَصلَ إليها يَدُه، ولكنه- كما في القصة- كانت لا تصل لى أوراقها يده- بعد ما أكل منها- حينما أراد أَنْ يأخذَ منها لِيَسْتُرَ عورتَه.

.تفسير الآية رقم (121):

{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)}
لمَّا ارتكبا المنهيَّ عنه ظهر ما يُسْتَحْيَي مِنْ ظهوره، ولكنَّ اللَّهَ- سبحانه- أَلْطَفَ معهما في هذه الحالة بقوله: فَبَدَتْ لهما سوآتهما، ولم يَقُلْ- مُطْلَقاً- فبدت سَوْءَتُهما؛ أي أنه لم يُطْلِع على سوءتهما غيرَهما.
ويقال لَمَّا تجرَّدَا عن لِباس التقوى تناثر عنهما لباسهما الظاهر.
قوله جلّ ذكره: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ}.
أولُ الحِرَفِ والصناعات- على مقتضى هذا- الخياطةُ، وخياطةُ الرّقاع بعضها على بعض للفقراء ميراثٌ من أبينا آدم- عليه السلام.
ويقال كان آدمُ- عليه السلام- قد أصبح وعليه من حُلَلِ الجنة وفنونِ اللِّباس ما اللَّهُ به أعلمُ، ثم لم يُمس حتى كان يخصف على نفسه من ورق الجنة، وهكذا كان في الابتداء ما هو موروثٌ في أولاده من هناء بعده بلاء.
قوله تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنِ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22] عند ذلك وقعت عليهما الخَجْلَةُ لمَّا وَرَدَ عليهما خطاب الحقِّ: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عن} [الأعراف: 22] ولهذا قيل: كفى للمُقَصِّر الحياء يو اللقاء.
قوله تعالى: {قَالاََ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا...} [الأعراف: 23] لم يتكلما بلسان الحجة فقالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23]، ولم يقولا: بظلمنا صرنا من الخاسرين، بل قالا: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] ليُعْلَم أَنَّ المدارَ على حُكْم الربِّ لا على جُرْمِ الخَلْق.
قوله جلّ ذكره: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.
لَمَّا وَقَعَتْ عليه سِمَةُ العصيان- وهو أَوَّلُ البشرِ- كان في ذكر هذا تنفيسٌ لأولاده؛ أن تجري عليهم زَلَّةٌ وهم بوصف الغيبة في حين الفترة.
ويقال كانت تلك الأكلةُ شيئاً واحداً، ولكن قصتها يحفظها ويرددها الصبيانُ إلى يوم القيامة.
وعصى آدم ربَّه ليُعْلَم أن عِظَمَ الذنوبِ لمخالفةِ الآمِرِ وعِظَمِ قَدْرِه.... لا لكثرة المخالفة في نفسها.

.تفسير الآية رقم (122):

{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}
أخبر أنه بعدما عصى، وبعد كلِّ ما فَعَلَه اجتباه ربُّه؛ فالذي اصطفاه أولاً بلا عِلَّة اجتباه ثانياً بعد الزَّلَّة، فَتَابَ عليه، وغَفَر ذنبَه، {وَهَدَى}: أي هداه إليه حتى اعتذر واستغفر.

.تفسير الآية رقم (123):

{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)}
أوقع العداوة بين آدم وإبليس والحية، وقد توالت المحنُ على آدم وحواء بعد خروجهما من الجنة بسمة العصيان، ومفارقة الجنة، ودخول الدنيا، وعداوة الشيطان والابتلاء بالشهوات. ثم قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ...} وترَكَ هواه، ولم يعمل بوسوسة العدوِّ فله كُلُّ خير، ولا يلحقه ضَيْر.

.تفسير الآيات (124- 126):

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}
قوله جلّ ذكره: {وََمنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}.
الكافر إذا أعرض عن ذكره بالكلية فله المعيشة الضنك في الدنيا، وفي القبر، وفي النار، وبالقلب من حيث وحشة الكفر، وبالوقتِ من حيث انغلاق الأمور.
ويقال مَنْ أعرض عن الانخراط في قضايا الوفاق انثالت عليه فنون الخذلان، ومن أعرض عن استدامة ذكره- سبحانه- بالقلب توالت عليه من تفرقة القلب ما يسلب عنه كلَّ رَوْحٍ.
ومَنْ أعرض عن الاستئناس بذكره انفتحت عليه وساوسُ الشيطان وهواجسُ النَّفس بما يوجِب له وحشةَ الضمير، وانسداد أبواب الراحة والبسط.
ويقال مَنْ أعرض عن ذِكْرِ الله في الخلوةِ قَيَّضَ اللَّهُ له في الظاهر من القرينِ السوءِ ما توجِبُ رؤيتُه له قَبْضَ القلوبِ واستيلاَءَ الوحشة.
قوله جلّ ذكره: {وَنَحْشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى}.
في الخبر: «مَنْ كان بحالةٍ لَقِيَ اللَّهِ بها» فَمَنْ كان في الدنيا أعمى القلب يُحْشَرُ على حالته، ومَنْ يَعِشْ على جهلٍ يحشر على جهلٍ، ولذا يقولون: {مَنْ بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا}؟ [يس: 52] إلى أَنْ تصيرَ معارفُهم ضروريةً.
وكما يَتْرُِكُون- اليومَ- التَدبُّرَ في آياتِه يُتْرَكُون غداً في العقوبة من غير رحمةٍ على ضعفِ حالاتهم.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)}
جَرَتْ سُنَّتُه بأَنْ يُجازِيَ كُلاً بما يليق بحاله، فما أسلفه لنفسِه سيلقى غِبَّه؛ على الخبر خيراً، وعلى الشرِّ شَرَّاً.

.تفسير الآية رقم (128):

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)}
أي أفلا ينظرون فيتفكرون؟ ثم إذا استبصروا أفلا يعتبرون؟ وإذا اعتبروا أفلا يزدجرون؟ أم على وجوههم- في ميادين غَفَلاتِهِم يركضون، وعن سوءِ معاملاتهم لا يرجعون؟ أَلا ساء ما يعملون!