فصل: تفسير الآية رقم (127):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (113):

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)}
أصلُ الدين التَبَرِّي من الأعداء، والتولِّي للأولياء، والوليُّ لا قريبَ له ولا حميم، ولا نسيبَ له ولا صَديق؛ إنْ وَالَى فبأمر، وإنْ عادى فَلِزَجْر.

.تفسير الآية رقم (114):

{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)}
لما أمَرَ المسلمين بالتبرِّي عن المشركين والإعراض عنهم والانقباض عن الاستغفار لهم بَيَّنَ أنَّ هذا سبيلُ الأولياء، وطريقُ الأنبياء عليهم السلام، وأَنَّ إبراهيمَ- عليه السلام- وإنْ استغفر لأبيه فإِنما كان مِنْ قَبْل تَحَقُّقِهِ بأنه لا يُؤْمِنُ، فلمَّا عَلِمَ أنه عدوٌّ لله أَظْهَرَ البراءةَ منه.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)}
إنَّ الله لا يحكم بضلالكم وذهابكم عن طريق الحقِّ باستغفاركم للمشركين إلا بعد ما تبيَّن لكم أنكم مُنْهِيُّون عنه، فإذا علمتم أنكم نُهِيتُمْ عن استغفارَكم لهم فإنْ أَقْدَمْتُمْ على ذلك فحينئذ ذللتم عن الحقِّ بفعلكم بعد ما نُهيتم عنه, هذا بيان التفسير للآية، والإشارة فيها أنه لا سَلْبَ لعطائه إلا بِتَرْكِ أدب منكم.
ويقال مَنْ أَحَلَّه بِسَاطَ الوصلة ما مُنِيَ بعده بعذاب الفرقة، إلا لِمَنْ سَلَفَ منه تَرْكُ حُرْمة.

.تفسير الآية رقم (116):

{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)}
الحقُّ لا يَتَجمَّلُ بوجود مملوكاته، ولا يلحق نَقْصٌ بِعَدَم مخلوقاته، فَقَبْلَ أَنْ أوجد شيئاً من الحادثات كان مَلِكاً- والمَلِكُ أكثر مبالغةً من المالك- ومُلْكُه قدرتُه على الإبداع؛ والمعدوم مقدوره ومملوكه، فإذا أَوْجَدَه فهو في حال حدوثه مقدوره ومملوكه، فإذا أعدمه خرج عن الوجود ولم يخرج عن كونه مقدوراً له.
{يُحْىِ وَيُمِيتُ} يحيي مَن يشاء بعرفانه وتوحيده، ويميت من يشاء بكفرانه وجحوده.
ويقال يُحيي قلوبَ العارفين بأنوار المواصلات، ويُميتُ نفوسَ العابدين بآثار المنازلات.
ويقال يُحيي مَنْ أقبل عليه بِتَفَضُّله، ويميت من أعرض بِتَكَبُّرِه.

.تفسير الآية رقم (117):

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)}
قَبِلَ توبتهم، وتاب على نبيِّه- صلى الله عليه وسلم- في إذنه للمنافقين في التخلف عنه في غزوة تبوك، وأَمَّا على المهاجرين والأنصار الذين قد خرجوا معه حين هَمُّوا بالانصراف لِمَا أَصَابهم من العُسْرة من الجوع والعطش والإعياء في غزوة تبوك، كما قال: {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ}: وتوبته عليهم أنه تدارَكَ قلوبَهم حتى لم تزغ، وكذا سُنَّةَ الحقِّ- سبحانه- مع أوليائه إذا أشرفوا على العَطَبِ، وقاربوا من التّلفِ، واستمكن اليأسُ في قلوبهم من النصر، ووَطَّنوا أنفسهم على أنْ يذوقوا البأسَ- يُمْطِرُ عليهم سحائبَ الجود، فيعود عودُ الحياةِ بعد يَبْسِه طريّاً، ويُرَدُّ وَرْدُ الأُنْس عقب ذبوله غضاً جَنِيَّاً، وتصير أحوالهم كما قال بعضهم:
كُنَّا كَمَنْ أُلْبِسَ أكفانَه ** وقُرِّب النَّعْشُ من اللَّحد

فجال ماءُ الرُّوحِ في وَحْشَةٍ ** وردَّه الوصل إلى الورْدِ

تبارك الله سبحانه ** ما (...) هو بالسرمد

.تفسير الآية رقم (118):

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}
لمَّا صَدَقَ منهم اللجاء تداركهم بالشِّفاء وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكَوِّرُ نهار اليُسْرِ على ليالي العُسْر، ويُطلِعُ شموسَ المحنة على نحوس الفتنة، ويُدِير فلكَ السعادة فيمحق تأثير طوارق النكاية؛ سُنَّةٌ منه- تعالى- لا يُبَدِّلها، وعادةٌ منه في الكَرَمِ يُجْرِيها ولا يحوِّلها.

.تفسير الآية رقم (119):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}
يا أيها الذين آمنوا برُسُلِ الله، يا أيها الذين آمنوا من أهل الكتاب كونوا مع الصادقين المسلمين، يا أيها الذين آمَنُوا في الحال كونوا في آخر أحوالكم مع الصادقين؛ أي استديموا الإيمان. استديموا في الدنيا الصدقَ تكونوا غداً مع الصادقين في الجنة.
ويقال الصادقون هم السابقون الأولون وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وغيرهم.
ويقال الصدق نهاية الأحوال، وهو استواءُ السِّرِّ والعلانية، وذلك عزيز. وفي الزَّبور: كذب مَنْ ادَّعَى محبتي وإذا جَنَّة الليلُ نام عنِّي.
والصدقُ- كما يكون في الأقوال يكون في الأحوال، وهو أَتَمُّ أقسامِهِ.

.تفسير الآيات (120- 121):

{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)}
لا يجوز لهم أن يؤثِروا على النبيِّ- صلى الله عليه وسلم- شيئاً من نَفْسٍ وروح، ومالٍ ووَلَدٍ وأهلٍ، وليسوا يخسرون على الله وأنَّى ذلك..؟ وإنهم لا يرفعون لأجْلِه خطوةً إلاَّ قابَلَهم بأَلفِ خطوة، ولا ينقلون إليه قَدَماً إلا لقَّاهم لطفاً وكرماً، ولا يُقاسُون فيه عَطَشاً إلا سقاهم من شراب محابِّه كاسا، ولا يتحملون لأجله مشقةً إلا لقَّاهم لطفاً وإيناساً، ولا ينالون من الأعداء أَذَىً إلا شَكَرَ اللهُ سَعْيَهم بما يوجب لهم سعادة الدارين!.

.تفسير الآية رقم (122):

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}
لو اشتغل الكُلُّ بالتَّفَقُّه في الدِّين لَتَعَطَّل عليهم المعاش، ولبقي الكافة عن درك ذلك المطلوب، فجعل ذلك فرضاً على الكفاية.
ويقال جعل المسلمين على مراتب: فعوامُّهم كالرعية للمَلِك، وكَتَبَةُ الحديثِ كخُزَّان المَلِك، وأهلُ القرآن كحُفَّاظ الدفاتر ونفائس الأموال، والفقهاء بمنزلة الوكلاء للمَلِك إذ الفقيه (...) عن الله، وعلماءُ الأصول كالقُوَّادِ وأمراء الجيوش، والأولياءُ كأَركان الباب، وأربابُ القلوبِ وأصحابُ الصفاء كخواص المَلِكِ وجُلَسائه.
فيشتغل قومٌ بحفظ أركان الشرع وآخرون بإمضاء الأحكام، وآخرون بالردِّ على المخالفين، وآخرون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقوم مُفْرَدُون بحضور القلب وهم أصحاب الشهود، وليس لهم شُغْلٌ، يراعون مع الله أنفاسَهم وهم أصحاب الفراغ، لا يستفزُّهم طَلَبٌ ولا يهزُّهم أَرَبٌ، فَهُمْ بالله لله، وهم محو عما سوى الله.
وأمَّا الذين يتفقهون في الدِّين فهم الداعون إلى الله، وإنما يُفْهمُ الخلْقَ عن الله مَنْ كان يَفْهَمْ عن الله.

.تفسير الآية رقم (123):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}
أقربُ الأعداء إلى المسلم من الكفار، الذي يجب عليه منازعته هو أعدى عدوِّه أي نَفْسُه. فيجب أن يبدأ بمقاتلة نَفْسِه ثم بمجاهدة الكفار، قال عليه السلام: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
قوله: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} من حابى عدوه قهره، وكذلك المريد الذي ينزل عن مطالباتِ الحقيقة إلى ما يتطلبه من التأويلات فيفسخ عَهْدَه، وينقض عَقْدَه، وذلك كالرِّدَّةِ لأهل الظاهر.

.تفسير الآية رقم (124):

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)}
جَعَلَ الله- سبحانه- إنزالَ القرآن لقومٍ شِفَاءً. ولقوم شَقَاءً؛ فإِذا أُنْزِلَتْ سورةٌ جديدةٌ زاد شكُّهم وتحيُّرهم، فاستعلم بعضُهم حالَ بعضٍ، ثم لم يزدادوا إلا تحسُّراً؛ قال تعالى: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] وأمَّا المؤمنون فزادتْهم السورةُ إيماناً فارتقوا مِنْ حدِّ تأمل البرهان إلى روْح البيان، ثم مِنْ روْح البيان إلى العيان، فالتجويز والتردد و(....) والتحيُّر مُنْتَفًى بأجمعه عن قلوبهم، وشموسُ العرفانِ طالِعةٌ على أسرارهم، وأنوار التحقيق مالكة أسرارهم، فلا لَهُم تعبُ الطلب، ولا لهم حاجة إلى التدبير، ولا عليهم سلطان الفكر. وأَشِعةُ شموس العرفان مستغرقة لأنوار نجوم العلم، يقول قائلهم:
ولما استبانَ الصبحُ أدرك ضوءُه ** بإِسْفارِه أنوارَ ضوءِ الكواكب

.تفسير الآية رقم (126):

{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)}
لم يُخْلِ الحقُّ- سبحانه- أربابَ التكليف من دلائل التعرِيف، التعريفُ لهم في كل وقت بنوع من البيان، والتكليفُ في كل أوان بضرب من الامتحان؛ فما لم يزد لهم في إيضاح البرهان لم يتجدد لهم من الله إلا زيادة الخذلان والحجبة عن البيان.
وأمَّا أصحاب الحقائق فما للأغيار في كل عام مرة أو مرتين فلهم في كل نَفَسٍ مرة، لا يخليهم الحقُّ- سبحانه- من زواجِرَ توجِبُ بصائر، وخواطر تتضمن تكليفاتٍ وَأوَامِرَ قال قائلهم:
كأنَّ رقيباً منك حَلَّ بمهجتي ** إذا رُمْتُ تسهيلاً عليَّ تَصَعَّبَا

.تفسير الآية رقم (127):

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)}
تَقَنَّعوا بِخمارِ التلبيس ظانِّين أنهم يبقون في سِرٍّ بتكلفهم، والحقُّ أَبى إلا أن فَضَحَهم، وكما وَسَمَهم برقم النَّكَرَة أَطْلَعَ أسرارَ الموحِّدِين على أحوالهم فعرفوهم على ما هم عليه من أوصافهم.

.تفسير الآية رقم (128):

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}
جاءكم رسولٌ يشاكِلُكم في البشرية، فَلِمَا أفردناه به من الخصوصية ألبسناه لباسَ الرحمة عليكم، وأقمناه بشواهد العطف والشفقة على جملتكم، قد وَكَلَ هِمَمَه بشأنكم، وأكبرُ هَمِّه إيمانُكم.

.تفسير الآية رقم (129):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}
أَمَره أَنْ يَدْعُوَ الخَلْقَ إلى التوحيد، ثم قال: فإنْ أعرضوا عن الإجابة فكُنْ بنا بنعت التجريد.
ويقال قال له: يأيها النبي حسبُك الله، ثم أمره بأن يقول حسبي الله وهذا عين الجمع، وقوله: {فَقُلْ حَسْبِىَ اللهُ} فَرْق بل هو جمع الجمع أي: قُلْ، ولكنك بنا تقول، ونحن المتولي عنك وأنت مُسْتَهْلَكٌ في عين التوحيد؛ فأنت بنا، ومَحْوٌ عن غيرنا.

.سورة يونس:

.تفسير الآية رقم (1):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قوله جل ذكره: {الر تِلْكَ ءَايَتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ}.
الألف مفتاح اسم الله، واللام مفتاح اسم اللطيف والراء مفتاح اسم الرحيم، أقسم بهذه الأسماء إن هذا الكتابَ هو الموعودُ لكم يوم الميثاق، والإشارة فيه أنا حققْنَا لكم الميعاد، وأَطْلنا لكم عِنان الوداد وانقضى زمانُ الميعاد، فالعَصَاةُ مُلقَاة، والأيامُ بالسرور مُتَلْقَاة، فبادِروا إلى شُرْبِ كاساتِ المحابِّ، واستقيموا على نَهْجِ الأحباب.

.تفسير الآية رقم (2):

{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
قوله جلّ ذكره: {أَكَانَ لِلنَّاس عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ}.
تعجبوا من ثلاثة أشياء: من جواز البعث بعد الموت، ومن إرسال الرسل إلى الخَلْق، ثم من تخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة مِنْ بين الخلق، ولو عرفوا كمال مُلْكِه لم يُنْكِروا جواز البعث، ولو علموا كمال ملكه لم يجحدوا إرسالَ الرُّسل إلى الخلْق، ولو عرفوا أنَّ له أنْ يفعلَ ما يريد لم يتعجبوا من تخصيص محمد- صلى الله عليه وسلم بالنبوة مِنْ بين الخَلْق، ولكنْ سُدَّتْ بصائرُهم فتاهوا في أودية الحيرة، وعَثَرُوا- من الضلالة- في كل وَهْدَةٍ. وكان الأستاذ أبو علي الدَّقاق- رحمه الله- يقول: جَوَّزُوا أن يكون المنحوتُ من الخشب والمعمولُ من الصخر إلهاً معبوداً، وتعجبوا أن يكون مثلُ محمد- صلى الله عليه وسلم- في جلالةِ قَدْرِه رسولاً!!هذا هو الضلال البعيد.
قوله جلّ ذكره: {وَبَشِّرِ الَّذِنَ ءَامَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}.
وهو ما قدَّموه لأنفسهم من طاعاتٍ أخلصوا فيها، وفنونِ عباداتٍ صَدَقُوا في القيام بقضائها.
ويقال هو ما قَّدم الحقُّ لهم يومَ القيامة، مع مقتضى العناية بشأنهم، وما حَكَمَ لهم من فنون إحسانه بهم، وصنوفِ ما أفردهم به من امتنانهم.
ويقال: {قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}: هو ما رفعوه من أقدامهم في بدايتهم في زمان إرادتهم، فإنّ لأقدام المريدين المرفوعِة لأَجْلِ اللَّه حُرْمَةً عند الله، ولأيامِهم الخاليةِ في حالِ تردُّدِهم، وليالَيهم الماضية في طلبه وهم في حُرْقَةِ تحيّرهم مقاديرَ عند الله. وقيل:
مَنْ يَنْسَ داراً قد تخونها ** رَيْبُ الزمان فإني لست أنساكا

وقيل:
تلك العهودُ تشدُّها لتَحُلَّها ** عندي كما هي عقدها لم يُحللِ