فصل: تفسير الآية رقم (14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.سورة الشورى:

.تفسير الآيات (1- 2):

{حم (1) عسق (2)}
الحاء مفتاح اسمه: حليم وحافظ وحكيم، والميم مفتاح اسمه: مَلِك وماجد ومجيد ومنَّان ومؤمن ومهيمن، والعين مفتاح اسمه: علام وعدل وعالٍ، والعين مفتاح اسمه: سيِّد وسميع وسريع الحساب، والقاف مفتاح اسمه قادر وقاهر وقريب وقدير وقدوس.

.تفسير الآية رقم (3):

{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
أقسم بهذه الأسماء وهذه الحروف إنه كما أوحى إلى الذين مِنْ قَبْلِكَ كذلك يوحِي إليك العزيز الحكيم، كما أوحى إليهم العزيز الحكيم.

.تفسير الآية رقم (4):

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)}
له ما في السموات وما في الأرضِ مُلْكاً.
{وَهُوَالْعِلىُّ الْعَظِيمُ}: عُلُوُّه وعظمتُه استحقاقُه لأصاف المجد؛ أي وجوب أن يكون بصفات المجد والجلال.

.تفسير الآية رقم (5):

{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)}
أي تكاد السموات تتشقق مِنْ عظمة مَنْ فوقهن وهو الله تعالى، والفوقيه هنا فوقية رتبة؛ وذلك من شدة هيبتهن من الله.
ويقال مِنْ ثِقَلِ الملائكةِ الذين هم فوق السموات لكثرتهم. وفي الخبر: «أطت السماء أطاً وحق لها أن تئط؛ ما مِنْ موضع قَدَمٍ في السموات إلا وعليه قائم أو راكع أو ساجد».
ويقال إنه على عادة العرب إذا أخبروا عن شيء قالوا كادت السموات تنشقُّ له.. وهنا لُقْبح قول المشركين ولجرأتهم على الله تعالى، ولعِظَم قولهم كادت السموات تنشقُّ.... قال تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إدّاً تَكَادُ السَّمَاواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} [مريم: 89- 91] وعلى هذا التأويل: {يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَ} أي إلى أسفلهن، أي تتفطر جملتُها.
ومع أنَّ أولادَ آدم بهذه الصفة إلا أن الملائكة يسبحون بحمد ربهم لا يفترون، ويستغفرون لمن في الأرض.. ثم قال: {أَلاَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ}: أي يغفر لهم مع كثرة عصيانهم. وفي الوقت الذي يرتكب فيه الكفارُ هذا الجُرْمَ العظيمَ بسبب شِرْكهم فإنه- سبحانه- لا يقطع رِزْقَه ونَفْعه عنهم- وإنْ كان يريد أَنْ يعذِّبَهم في الآخرة.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}
المشركون اتخذوا الشياطين أولياءَ مِنْ دونه، وذلك بموافقتهم لها فيما توسوس به إليهم. وليس يخفى على الله أمرُهم، وسيعذبهم بما يستوجبونه. ولستَ- يا محمد- بمُسَلَّطٍ عليهم.
وفي الإشارة: كلُّ مَنْ يعمل بمتابعة هواه ويترك لله حدَّاً أو ينقض له عهداً فهو يتخذ الشياطينَ أولياءَ، والله يعلمه، ولا يخفى عليه أمره، وعلى الله حسابه.. ثم إنْ شاء عذَّبه، وإن شاء غَفَرَ له.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}
أنزلنا عليكَ قرآناً يُتْلَى بلغة بالعرب لتخوِّفَ به أهلَ مكة والذين حولَها. وجميعُ العالَم مُحْدِقٌ بالكعبة ومكة لأنها سُرَّةُ الأرضِ.
{وَتُنِذرَ يَوْمَ الْجَمْعِ} تنذرهم بيوم القيامة. والإنذارُ الإعلامُ بموضع المخافة. ويوم الجمع- وهو اليوم الذي يُجْمَعُ فيه الخَلْقُ كلُّهم، ويُجْمَعُ بين المرءِ وعمله، وبين الجسد وروحه وبين المرء وشكله في الخير والشرِّ- لا شكَّ في كَوْنه. وفي ذلك اليوم فريقٌ يُبْعَثُ إلى الجنة وفريقٌ يحصل في السعير. وكما أنهم اليومَ فريقان؛ فريق في راحة الطاعات وحلاوة العبادات، وفريق في ظلمة الشِّرْكِ وعقوبة الجحد.. فكذلك غداً؛ فريقٌ هم أهل اللقاء، وفريقٌ هم أهل الشقاء والبلاء.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)}
إنْ أراد أن يجمعَهم كلَّهم على الهدى والرشاد لم يكن مانع.. وإذاً لا زَيْنَ لهم. ولو شاء أن يجمعَهم كُلَّهم على الفساد والعناد لم يكن دافع- وإذاً لا شينَ منه. وحيث خَلَقَهم مختلفين- على ما أراد- فلا مبالاة بهم.. إنه إله واحدٌ جبَّارٌ غيرُ مأمور، متولٍ جميع الأمور؛ من الخير والشر، والنفع والضر. هو الذي يحيي النفوسَ والقلوبَ اليومَ وغداً، ويميت النفوسَ والقلوبَ اليومَ وغداً.. وهو على كل شيءٍ قدير.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)}
{فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}: أي إلى كتاب الله، وسُنَّةِ نبِّيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأئمة، وشواهِد القياس. والعبرةُ بهذه الأشياء فهي قانون الشريعة، وجملتها من كتاب الله؛ فإنَّ الكتابَ هو الذي يدلُّ على صحة هذه الجملة.
ويقال: إذا لم تهتدوا إلى شيءٍ وتعارضت منكم الخواطر فَدَعُوا تدبيركم، والتجِئوا إلى ظلِّ شهود تقديره، وانتظرِروا ما ينبغي لكم أن تفعلوه بحُكمْ تيسيره.
ويقال إذا اشتغلت قلوبكم بحديث أنفسكم؛ لا تدرون أبا لسعادة جَرَى حُكْمُكُم أم بالشقاوة مضى اسمُكُم؟ فَكِلُوا الأمرَ فيه إلى الله، واشتغلوا في الوقت بأمر الله دون التفكُّر فيما ليس لكم سبيل إلى عِلْمِه عن عواقبكم.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
خَلَقَ لكم من أنفسكم أزواحاً: أي أَشكالاَ؛ فَخَلَقَ حواءَ مِنْ آدم. وخَلَقَ- بسبب بقاء التناسل- جميعَ الحيواناتِ أجناساً.
{يَذْرَؤُكُمْ}: يُكْثِر خَلْقكم. فيه الهاء تعود إلى البطن أي في البطن، وقيل: في الرَّحِم، وقيل: في التزويج.
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ} لأنه فاطر السموات والأرض، ولأنه لا مِثْلَ يُضَارِعهُ، ولا شكلَ يشاكله. والكاف في ليس كمثله صلة أي ليس مثله شيء. ويقال: لفظ كمثله شيء وهو هو، فلمَّا قال: {لَيْسَ كَمِثْلِه شَئ} فمعناه ليس له مثل، والحقُّ لا شبيهَ له في دلاته ولا في صفاته ولا في أحكامه.
وقد وقع قومٌ في تشبيه ذاته بذات المخلوقين فوصفوه بالحدِّ والنهاية والكون في المكان، وأقبحُ قولاً منهم مَنْ وصفوه بالجوارح والآلات؛ فظنوا أن بَصَره في حدقة، وسَمْعَه في عضوٍ، وقدرته في يدٍ.... إلى غير ذلك.
وقومٌ قاسوا حُكْمَه على حُكْمِ عباده؛ فقالوا: ما يكون من الخَلْقِ قبيحاً فمنه قبيح، وما يكون من الخَلْق حسناً فمنه حَسَنٌ!! وهؤلاء كلهم أصحاب التشبيه- والحقُّ مستحِقٌّ للتنزيه دون التشبيه، مستحق للتوحيد دون التحديد، مستحق للتحصيل دون التعطيل والتمثيل.

.تفسير الآية رقم (12):

{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}
مقاليد أي مفاتيح، والمفاتيح للخزائن، وخزائنه مقدوراته. وكما أن في الموجودات معادن مختلفة فكذلك القلوب معادن جواهر الأحوال؛ فبعض القلوب معادن المعرفة، وبعضها معادن المحبة، وبعضها للشوق، وبعضها للأُنْس.. وغير ذلك من الأحوال كالتوحيد والتفريد والهيبة والرضا. وفائدة التعريف بأن المقاليد له: أَنْ يقطع العبدُ أفكارَه عن الخَلْق، ويتوجَّه في طلب ما يرد من الله الذي {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ}، والذي هو: {بِكُلِ شَئ عَلِيمٌ}: يوسِّع ويضيِّق أرزاقَ النفوسِ وأرزاقَ القلوب حسبما شاء وحَكَمَ وعَلِمَ.

.تفسير الآية رقم (13):

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)}
{شَرَعَ}: أي بَيَّنَ وأظهر. {مِّنَ الدِّينِ} أراد به أصول الدين؛ فإنها لا تختلف في جميع الشرائع، وأمَّا الفروع فمختلفة، فالآية تدلُّ على مسائلَ أحكامُها في جميعِ الشرائعِ واحدَةٌ.
ثم بيَّن ذلك بقوله: {أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ}.... وفي القصة أن تحريم البنات والأخوات إنما شُرعَ في زمان نوح عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)}
قوله جلّ ذكره: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَأ جَآءَهُمُ العِلْمُ بَغْيَاً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ}.
يعني أنهم أَصّرُّوا على باطلهم بعد وضوح البيان وظهور البرهان حين لا عُذْرَ ولا شكَّ. {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ}..... وهو انه حَكَمَ بتأخيرِ العقوبةِ إلى يومِ القيامة لعَجَّل لهم ما يتمنونه..

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}
أي أُدْعُ إلى هذا القرآن، وإلى الدين الحنيفي، واستقَمْ في الدعا، وفي الطاعة.
أَمَرَ الكُلَّ من الخَلْقِ بالاستقامة، وأفرده بذكر التزام الاستقامة.
ويقال: الألف والسين والتاء في الاستقامة للسؤال والرغبة؛ أي سَلْ مني أن أقيمك، {وَلاَ تَتَبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}: أمرت بالعدل في القضية، وبأن أُعْلِمَ أنَّ اللَّهَ إلهُ الجيمع، وأَنّه يحاسِب غداً كلاً بعمله، وبأن الحجةَ لله على خَلْقِه، وبأن الحاجةَ لهم إلى مولاهم.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)}
يجادلون في الله من بعد ما استُجِيبَ لدعاء محمدٍ صلى الله عليه وسلم يومَ بدرٍ على المشركين.
وحُجَّةُ هؤلاء الكفار داحضة عند ربهم لأنهم يحتجون بالباطل، وهم من الله مستوجِبون للعنة والعقاب.

.تفسير الآية رقم (17):

{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)}
أَنزلَ الكتابَ، وأنزل الحُكْمَ بالميزان أي بالحق.
ويقال ألهمهم وزنَ الأشياء بالميزان، ومراعاةَ العدل في الأحوال.
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}: يزجرهم عن طول الأمل، وينبههم إلى انتظار هجوم الأجَل.

.تفسير الآية رقم (18):

{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)}
المؤمنون يؤمنِون بالبعث وما بعده من أحكام الآخرة، ويَكِلُون أمورَهم إلى الله؛ فلا يتمنون الموتَ حَذَرَ الابتلاء، ولكن إذا وَرَدَ الموتُ لم يكرهوه، وكانوا مستعدين له.

.تفسير الآية رقم (19):

{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)}
{لَطِيفُ} أي عالم بدقائق الأمور وغوامضها. واللطيف هو المُلْطِف المحسن.. وكلاهما في وصفه صحيح. واللطف في الحقيقة قدرة الطاعة، وما يكون سبب إحسانه للعبد اليومَ هو لُطْفٌ منه به.
وأكثرُ ما يستعمل اللطف- في وصفه- في الإحيان بالأمور الدينية.
ويقال: خَاطَبَ العابدين بقوله: {لَطيفٌ بِعِبَادِهِ}: أي يعلم غوامضَ أحوالهم. من دقيق الرياء والتصنُّع لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم وأعمالهم. وخاطَبَ العُصاةَ بقوله: لطيف: لئلا ييأسوا من إحسانه.
ويقال: خاطَبَ الأغنياءَ بقوله: لطيف: ليعلموا أنه يعلم دقائقَ معاملاتهم في جمع المال من غير وجهه بنوع تأويل، وخاطَبَ الفقراءَ. بقوله: لطيف أي أنه مُحْسِنٌ يرزق من يشاء.
ويقال: سماعُ قوله: اللَّهُ يوجِبَ الهيبةَ والفزع، وسماعُ لطيفٌ يوجِبُ السكونَ والطمأنينة. فسماعُ قوله: اللَّهُ أوجب لهم تهويلاً، وسماع قوله: لطيفٌ أوجب لهم تأميلاً.
ويقال: اللطيفُ مَنْ يعطي قَدْرَ الكفاية وفوق ما يحتاج العبدُ إليه.
ويقال: مَنْ لُطفِه بالعبد عِلْمُه بأنه لطيف، ولولا لُطفُه لَمَا عَرَفَ أنه لطيف.
ويقال: مِنْ لُطْفِه أنه أعطاه فوق الكفاية، وكَلَّفَه دون الطاقة.
ويقال: مِنْ لُطفِه بالعبد إبهام عاقبته عليه؛ لأنه لو علم سعادتَه لاتَّكَلَ عليه، وأَقَلَّ عملَه ولو عَلِمَ شقاوتَه لأيِسَ ولَتَرَكَ عَمَله.. فأراده أن يستكثرَ في الوقت من الطاعة.
ويقال: من لطفه بالعبد إخفاءُ أَجِلِه عنه؛ لئلا يستوحش إن كان قد دنا أَجَلُه. ويقال: من لطفه بالعبد انه يُنْسِيَه ما عمله في الدنيا من الزلّة؛ لئلا يتنغَّص عليه العَيْشُ في الجنة.
ويقال: اللطيفُ مَنْ نَوَّر الأسرارَ، وحفظ على عبده ما أَوْدَعَ قلبَه من الأسرار، وغفر له ما عمل من ذنوبٍ في الإعلان والإسرار.