فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (14- 15):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)}
ما زادهم طولُ مقامه فيهم إلا شَكا في أمره، وجهلا بحاله، ومُرْية في صدقه، ولم يزدد نوح- عليه السلام- لهم إلاَّ نُصْحاً، وفي الله إلا صبراً. ولقد عرَّفه اللَّهُ أنه لن يؤمِنَ منهم إلا الشَّرْذِمة اليسيرةُ الذين كانوا قد آمنوا، وأَمَرَهُ باتخاذ السفينة، وأغرق الكفار ولم يغادر منهم أحداً، وَصَدَقَ وَعْدَه، ونَصَرَ عَبْدَه.. فلا تبديلَ لِسُنَّتِه في نصرة دينه.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)}
كَرَّرَ ذَكْرَ إبراهيم في هذا الموضع، وكيف أقام على قومه الحُجَّة، وأرشدهم إلى سَوَاءِ المحجة، ولكنهم أصروا على ما جحدوا، وتعصبوا لِمَا من الأصنام عبدوا، وكادوا لإبراهيم كيداً.. ولكن انقلب ذلك عليهم من الله مكراً بهم واستدراجاً. ولم يَنْجَعْ فيهم نُصْحُه، ولا وَجَد منهم مساغاً وَعْظُه.

.تفسير الآية رقم (17):

{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)}
لا يُدْرَى أيهما أقبح.. هل أعمالكم في عبادة هذه الجمادات أم أقوالكم- فيما تزعمون كذباً- عن هذه الجمادات؟ وهي لا تملك لكم نفعاً ولا تدفع عنكم ضراً، ولا تملك لكم خيراً ولا شراً، ولا تقدر أن تصيبكم بهذا أو ذاك.
وبيَّنَ أنهم في هذا لم يكونوا خالين عن ملاحظة الحظوظ وطلب الأرزاق فقال: {فَابْتَغُواْ عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} لتَصِلوا إلى خير الدارْين.
وابتغاءُ الرزق من الله إدامةُ الصلاة؛ فإن الصلاةَ استفتاحُ بابِ الرزق، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً} [طه: 132].
ويقال ابتغاء الرزق بشهود موضع الفاقة فعند ذلك تتوجه الرغبة إلى الله تعالى في استجلاب الرزق.
وفي الآية تقديمٌ الرزقُ على الأمر بالعبادة؛ لأنه لا يُمْكِنه القيام بالعبادة إلا بعد كفاية الأمر؛ فبالقوة يمكنه أداء العبادة، وبالرزق يجد القوة، قالوا:
إذا المرءُ لم يطلب معاشاً لنفسه ** فمكروهَ ما يلقى يكون جزاؤه

{وَاشْكُرُواْ لَهُ}: حيث كفاكم أمر الرزق حتى تفرغتم لعبادته.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)}
وبالُ التكذيب عائدٌ على المُكَذِّب، وليس على الرسول- بعد تبليغه الرسالة بحيث لا يكون فيه تقصير كي يكون مُبَيِّناً- شيء آخر. وإلا يكون قد خرج عن عهدة الإلزام.
وفيما حلَّ بالمكذِّبين من العقوبة ما ينبغي أن يكون عِبْرَةً لِمَنْ بعدهم.

.تفسير الآيات (19- 20):

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}
الذي دَاخَلَهم فيه الشكُّ كان بعث الخَلْق، فاحتجَّ عليهم بما أراهم من إعادة فصول السَّنةِ بعد تقضِّيها على الوجه الذي كان في العام الماضي. وبَيَّنَ أن جَمْعَ أجزاءِ المكلَّفين بعد انقضاص البِنية كإعادة فصول السنة؛ فكما أن ذلك سائغٌ في قدرته غيرُ مُسْتَنْكَرٍ فكذلك بعثُ الخَلْق.
وكما في فصول السنة تتكرر أحوالُ العِبادة في الأحوال العامة المشتركة بين الكافة، وفي خواص أحوال المؤمنين من استيلاء شهوات النفوس، ثم زوالها، إلى موالاة الطاعات، ثم حصول الفترة، والعود إلى مثل الحالة الأولى، ثم بعد ذلك الانتباه بالتوبة.. كذلك تتكرر عليهم الأحوال.
وأربابُ القلوبِ تتعاقب أحوالُهم في القبض والبسط ثم في الهيبة والأُنْس. ثم في التجلي والسَّتْر، ثم في البقاء والفناء، ثم في السُكْر والصحو.. وأمثال هذا كثير. وفي هذا المعنى قوله: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق ثُمَّ الله يُنشِئ النشأة الآخرة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وفي معنى تكرير الأحوال ما أنشدوا:
كلُّ نَهرٍ فيه ماءٌ قد جَرَى ** فإليه الماءُ يوماً سيعود

.تفسير الآية رقم (21):

{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)}
أجناسُ ما يعذِّبُ به عبادَه وأنواعُ ما يرجم به عباده.. لا نهاية لها ولا حَصْر؛ فَمِنْ ذلك أنه يعذِّب من يشاء بالخذلان، ويرحم من يشاء بالإيمان. يعذِّب من يشاء بالجحود والعنود، ويرحم من يشاء بالتوحيد والوجود. يعذب من يشاء بالحِرْضِ ويرحم من يشاء بالقناعة. يعذِّب من يشاء بتفرقة الهمِّ ويرحم من يشاء بجَمْعِ الهِمَّة. يعذب من يشاء بإلقائه في ظلمة التدبير، ويرحم من يشاء بإشهاده جريان التقدير. يعذب من يشاء بالاختيار من نَفْسِه، ويرحم من يشاء برضاه بحُكْم ربِّه. يعذب من يشاء بإعراضة عنه، ويرحم من يشاء بإقباله عليه. يعذب من يشاء بأن يَكِلَه ونَفْسَه، ويرحم من يشاء بأن يقوم بحُسْنِ تولِّيه. يعذب من يشاء بحبِّ الدنيا ويمنعها عنه ويرحم من يشاء بتزهيده فيها وبَسْطِها عليه. يعذب من يشاء بأن يثبته في أوطان العادة، ويرحم من يشاء بأن يقيمه بأداء العبادة.... وأمثال هذا كثير.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)}
نُقَلِّب الجملةَ في القبضة، ونُجْري عليهم أحكام التقدير: جحدوا أو وَحَّدوا، أقبلوا أم أعرضوا.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)}
تعجلت عقوبتهم بأنْ يئسوا من رحمته ** ولا عقوبةَ أشدُّ من هذا.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)}
لمَّا عجزوا عن جوابه ولم يساعدهم التوفيق بالإجابة أخذوا في معارضته بالتهديد والوعيد، والسفاهة والتوبيخ، والله تعالى صرف عنه كَيْدَهم، وكفاه مَكْرَهم، وأفلج عليهم حُجَّته، وأظهر للكافة عجزَهم، وأَخبر عما يلحقهم في مآلهم من استحقاق اللَّعْنِ والطردِ، وفنون الهوان والخزْي.

.تفسير الآية رقم (26):

{فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)}
لا تَصِحُّ الهجرةُ إلى الله إلاّ بالتبرِّي- بالكمالِ- بالقلبِ عن غير الله. والهجرةُ بالنَّفْسِ يسيرةٌ بالإضافة إلى الهجرة بالقلب- وهي هجرة الخواص؛ وهي الخروج عن أوطان التفرقة إلى ساحات الجَمْعِ. والجمعُ بين التعريجِ في أوطان التفرقة والكوْنِ في مشاهد الجَمْعِ مُتنافٍ.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)}
لمَّا لم يُجِبْ قومُه، وبذل لهم النصح، ولم يدَّخر عنهم شيئاً من الشفقة- حقَّقَ اللَّهُ مرادَه في نَسْلِه، فوهب له أولادَه، وبارك فيهم، وجعل في ذريته الكتابَ، والنبوة، واستخلصهم للخيرات حتى صلحت أعمالُهم للقبول، وأحوالهم للإقبال عليها، ونفوسُهم للقيام بعبادته، وأسرارُهم لمشاهدته، وقلوبهم لمعرفته.
{وَإِنَّهُ في الأَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} للدنوِّ والزلفة والتخصيص بالقربة.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28)}
لا مَهُم على خصلتهم الشنعاء، وما كانوا يتعاطونه على الله من الاجتراء، وما يُضَيَّعُونه من المعروف ويأتون من المنكر الذي جملته تخليته الفُسَّاق مع فِسقهم، وترك قلة احترام الشيوخ والأكابر، ومنها التسويف في التوبة، ومنها التفاخر بالزلَّة.
فما كان جوابُهم إلا استعجالَ العقوبة، فحلَّ بهم من ذلك ما أهلكهم وأهلك من شاركهم.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)}
التبس على إبراهيم أمرُهم فظَنَّهم أضيافاً؛ فتكلَّفَ لهم تقديم العجل الحنيذ جرياً على سُنَّتِه في إكرام الضيف. فلما أخبروه مقصودَهم من إهلاك قوم لوط تكلَّم من باب لوط.... إلى أن قالوا: إنَّا مُنَجُّوه. وكَان ذلك دليلاً على أن الله تعالى لو أراد إهلاك لوطٍ- وإِنْ كان بريئاً- لم يكن ظلماً؛ إذ لو كان قبيحاً لما كان إبراهيم عليه السلام- مع وفرة عِلْمِه- يشكل عليه حتى كان يجادل عنه. بل لله أن يعذِّب منْ يعذِّب، ويُعَافِي مَنْ يُعَافِي.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)}
لمَّا أن رآهم لوطٌ ضاق بهم قلبُه لأنه لم يعلم أنهم ملائكةٌ، فخاف عليهم من فساد قومه: فكان ضِيقُ قلبه لأَجْلِ الله- سبحانه، فأخبروه بأنهم ملائكة، وأنَّ قومه لن يَصِلُوا إليهم. فعند ذلك سَكَنَ قلبُه. وزال ضيقُ صَدْرِه.
ويقال أقربُ ما يكون العبد في البلاء من الفرج إذا اشتدَّ عليه البلاءُ؛ فعند ذلك يكون زوال البلاء، لأنه يصير مُضْطّراً، واللَّهُ سبحانه وَعََدَ المضطرين وشيك الإجابة. كذلك كان لوط في تلك الليلة، فقد ضاق بهم ذَرْعاً ثم لم يلبث أَنْ وَجَدَ الخلاصَ من ضيقة.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)}
فَمْنَ أراد الاعتبارَ فله في قصتها عِبْرة.

.تفسير الآيات (36- 40):

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}
قوله جلّ ذكره: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً...} الآيات.
ذَكَر قصةَ شعيبٍ وقصة عادٍ وثمود وقصة فرعون، وقصة قارون.. وكلهم نَسَجَ بعضُهم على مِنْوال بعضٍ، وسلك مسلكَهم، ولم يَقْبَلوا النصحَ، ولم يُبَالوا بمخالفة رُسِلِهم، ثم إن الله تعالى أهلكهم بأجمعهم، إمضاءً لِسُنّتِه في نصرة الضعفاء وقهر الظالمين.

.تفسير الآية رقم (41):

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}
العنكبوب يتخذ لنفسه بيتاً، ولكن كلما زاد نسجاً في بيته ازداد بُعْداً في الخروج منه؛ فهو يبني ولكن على نفسه يبني.....كذلك الكافر يسعى ولكن على نفسه يجني.
وبيتُ العنكبوتِ أكثره في الزوايا من الجدران، كذلك الكافر أمره على التّقِيّةِ والكتمان، وأمَّا المؤمِن فظاهِرُ المعاملةِ، لا ستر ولا يُدْخِمس.
وبيتُ العنكبوت أوهنُ البيوت لأنه بلا أساسٍ ولا جدران ولا سقف ولا يمسك على أَدْوَن دَفْع.. كذلك الكافر؛ لا أصلَ لشأنه، ولا أساسَ لبنيانه، يرى شيئاً ولكن بالتخييل، فأمَّاً في التحقيق.. فَلاَ.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)}
الكلُّ يشتركون في سماع الأمثال، ولكن لا يصغي إليها مَنْ كان نَفُورَ القلبِ، كنودَ الحالِ، متعوداً الكسلَ، مُعَرَّجاً في أوطان الفَشَلِ.

.تفسير الآية رقم (44):

{خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)}
{بِالْحَقِّ}: أي بالقول الحق والأمر الحق.

.تفسير الآية رقم (45):

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)}
أي من شأن المؤمن وسبيله أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر، أي على معنى ينبغي للمؤمن أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر، كقوله: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] أي ينبغي للمؤمن أن يتوكل على الله، فإن قُدِّرَ أن واحداً منهم لا يتوكل فلا يخرج به ذلك عن الإيمان- كذلك من لم ينتهِ عن الفحشاء والمنكر فليست تخرج صلاته عن كونها صلاة.
ويقال بل الصلاةُ الحقيقية ما تكون ناهيةً لصاحبها عن الفحشاء والمنكر؛ فإن لم يكن من العبد انتهاءٌ فالصلاةُ ناهيةٌ على معنى ورود الزواجر على قلبه بألا يفعل، ولكنه يُصِرًّ ولا يطيع تلك الخواطر.
ويقال بل الصلاة الحقيقية ما تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر. فإن كان- وإلا فصورة الصلاة لا حقيقتها.
ويقال الفحشاء هي الدنيا، والمنكر هو النّفْس.
ويقال الفحشاء هي المعاصي، والمنكر هو الحظوظ.
ويقال الفحشاء الأعمال، والمنكر حسبانُ النجاة بها، وقيل ملاحظتُه الأعواض عليها، والسرور والفرح بمدح الناس لها.
ويقال الفحشاء رؤيتها، والمنكر طلب العِوض عليها.
{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}: ذكر الله أكبر من ذكر المخلوقين؛ لأن ذكره قديم وذكر الخلْق مُحْدَث.
ويقال ذكر العبد لله أكبر من ذكره للأَشياء الأخرى، لأن ذكره لله طاعة، وذكره لغيره لا يكون طاعة.
ويقال ولذِكْرُ اللَّهِ لَك أكبرُ من ذكرْك له.
ويقال ذكْرهُ لك بالسعادة أكبرُ من ذكْرك له بالعبادة.
ويقال ذكر الله أكبر من أن تبقى معه وحشة.
ويقال ذكر الله أكبر من أن يُبْقى للذاكر معه ذِكْر مخلوق.
ويقال ذكر الله أبر من أن يُبْقى للزّلةِ معلوماً أو مرسوماً.
ويقال ذكر الله أكبر من أن يعيش أحدٌ من المخلوقين بغيره.
ويقال ولذكر الله أكبر من أن يُبْقَى معه للفحشاء والمنكر سلطاناً؛ فلِحُرمه ذكره زَلاَّتُ الذاكر مغفورةٌ، وعيوبه مستورةٌ.