فصل: تفسير الآية رقم (32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (20):

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}
{مَن كَانَ يُرِدُ حَرْث الأَخِرَةِ} نَزِدْه- اليومَ- في الطاعات توفيقاً، وفي المعارف وصفاء الحالات تحقيقاً. ونَزِدْه في الآخرة ثواباً واقتراباً وفنونَ نجاةٍ وصنوفَ درجاتٍ.
{وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا}: مكتقياً به نؤتِه منها ما يريد، وليس له في الآخرةِ نصب.

.تفسير الآية رقم (21):

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)}
{مَالَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}: أي ليس ذلك مما أمَرَ به، وإنما هو افتراءٌ منهم.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ}: أي ما سبق به الحُكْمُ بتأخير العقوبة إلى القيامة...

.تفسير الآية رقم (22):

{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
إذا حصل الإجرام فإلى وقتٍ ما لا يُعَذِّبُهم الله في الغالب، ولكنه لا محالةَ يعذبهم. وربما يَثْبُتُ ذلك لبعض أصحاب القلوب فيتأسَّفون، ويعلمون أَنَّ ذلك من الله لهم مُعَجَّلٌ قد أصابهم، أَمَّا الكفار.. فغداً يُشْفِقُون مما يقع بهم عند ما يقرؤونه في كتابهم، لأنَّ العذابَ- لا محالةَ- واقعٌ بهم.
{وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ في رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ}: في الدنيا جنان الوصلة، ولذاذة الطاعة والعبادة، وطيب الأُنْسِ في أوقات الخلوة. وفي الآخرة في روضات الجنة: {لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ}: إِنْ أرادوا دوامَ للطفِ دامَ لهم، وإنْ أرادوا تمامَ الكشف كان لهم.. ذلك هو الفضلُ الكبير.

.تفسير الآية رقم (23):

{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}
ذلك الذي يُبَشِّرُ اللَّهُ عبادَه قد مضى ذِكْرُه في القرآن متفرقاً؛ من أوصاف الجنة وأطايبها، وما وَعَدَ اللَّهُ من المثوبة..... ونحو ذلك.
قوله جلّ ذكره: {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى}.
قُلْ- يا محمد- لا أسألكم عليه أجراً. مَنْ بَشَّرَ أحداً بالخير طَلَبَ عليه أجراً، ولكنَّ اللَّهَ- وقد بَشَّرَ المؤمنين على لسان نبيِّه بما لهم من الكرامات الأبدية- لم يطلب عليه أجراً؛ فاللَّهُ- سبحانه- لا يطلب عِوَضاً، وكذلك نبيُّه- صلى الله عليه وسلم- لا يسأل أجراً؛ فإن المؤمنَ قد أخذ من الله خُلُقَاً حَسَناً... فمتى يطلب الرسولُ منهم أجراً؟!. وهو- صلوات الله عليه- يشفع لكلِّ مَنْ آمن به، والله- سبحانه- يعطي الثوابَ لكل مَنْ آمن به.
{إلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى}: أراد أن تثبت مودتك في القربى؛ فتودّ منْ يتقرَّب إلى الله في طاعته.
قوله جلّ ذكره: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
تضعيف الثواب في الآخرة للواحدِ من عَشَرة إلى سبعمائة.... هذه هي الزيادة.
ويقال: الزيادة هي زيادة التوفيق في الدنيا.
ويقال: إذا أتى زيادة في المجاهدة تفضَّلْنا بزيادة.. وهي تحقيق المشاهدة.
ويقال مَنْ يقترِفْ حسنةَ الوظائف نَزِدْ له فيها حُسْنَ اللطائف.
ويقال: تلك الزيادة لا يصل إليها العبدُ بوسعه؛ فهي مما لا يدخل تحت طَوْقِ البَشَر.

.تفسير الآية رقم (24):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)}
أي أَنَّك إنْ افترَيْتَه خَتَمَ اللّهُ على قلبِكَ، ولكنكَ لم تكذِبْ على ربِّكَ.
ومعنى الآية أنَّ اللَّهَ يتصرَّف في عباده بما يشاء: مِنْ إبعادٍ وتقريب، وإدناء وتبعيد.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)}
{وَيَعْفُواْ عِنِ السِّيِّئَاتِ} الألف واللام للجنس مطلقاً، وهي هنا للعهد؛أي تلك السيئات التي تكفي التوبةُ المذكورةُ في الشريعة لقبولها؛ فإنه يعفو عنها إذا شاء. {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}: من الأعمال على اختلافها.
وهو الذي..... الذي من الأسماء الموصولة التي لا يتم معناها إلا بِصِلَةٍ، فهو قد تعرَّف إلى عباده على جهة المدح لنفسه بأنه يقبل توبة العبد؛ فالزَّلّةُ- وإن كانتْ توجِبُ للعبد ذميمَ الصِّفَةِ- فإنَّ قبولَها يوجِبُ للحقِّ حميدَ الاسم.
ويقال: قوله: عباده اسم يقتضي الخصوصية (لأنه أضافه إلى نفسه) حتى تمنَّى كثير من الشيوخ أن يحاسبه حسابَ الأولين والآخرين لعلّه يقول له: عبدي. ولكن ماطلبوه فيما قالوه موجود في {التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}؛ وإذاً فلا ينبغي لهم أن يتمنوا كذلك، وعليهم أن أن يتوبوا لكي يَصِلوا إلى ذلك.
ويقال لمَّا كان حديثُ العفوِ عن السيئات ذكَرَها على الجمع والتصريح فقال: {وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ}. ثم لمَّا كان حديثُ التهديد قال: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فذكره على التلويح؛ فلم يقل: ويعلم زلَّتك- بل قال ويعلم ما تفعلون، وتدخل في ذلك الطاعةُ والزّلةُ جميعاً.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}
قوله جلّ ذكره: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}.
(أي إذا دَعَوْه استجابَ لهم) بعظيم الثواب في الآخرة.
{وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} يقول المفسرون من أهل السُّنَّة في هذه الزيادة إنها الرؤية.
ذَكَرَ التوبة وأهلها، وذكر العاصين بوصفهم، ثم ذكر المطيعين الذين آمنوا وعملوا الصالحات , فلمَّا وصل إلى الزيادة- التي هي الرؤية- قال: ويزيدهم: على الجمع؛ والكناية إذا تَلَتْ مذكوراتٍ رجعت إليهما جميعاً؛ فيكون المعنى أن الطاعاتِ في مقابلها الدرجات، وتكون بمقدارها في الزيادة والنقصان، وأَمَّا الرؤية فسبيلها الزيادة والفضل.... والفضلُ ليس فيه تمييز.
ويقال: لمَّا ذكر أنَّ التائبين تُقْبَلُ توبتُهم، ومَنْ لم يَتُبْ غفر زلَّته، وأنَّ المطيعين لهم الجنة.. فلربما خَطَرَ ببالِ أَحَدٍ: وإذاً فهذه النارُ لِمَنْ هي؟! فقال جل ذكره.
{وَالْكَافِرُون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
فالعصاةُ من المؤمنين لهم عذابٌ.. امَّا الكافرون فلهم عذابٌ شديدٌ؛ لأنَّ دليلَ الخطاب يقتضي هذا وذاك؛ يقتضي أن المؤمنين لهم عذابٌ.. ولكنْ ليس بشديد، وأمَّا عذابُ الكافرين فشديدٌ.
ويقال: إن لم يَتُبْ العبدُ خوفاً من النار، ولا طمعاً في الجنة لَكَان من حقِّه أن يتوب ليَقْبَلَ الحقُّ- سبحانه.
ويقال إن العاصي يكون ابداً منكسرَ القلب، فإذا عَلِمَ أن اللَّهَ يَقْبَلُ الطاعة من المطيعين يتمنى أَنْ ليت له طاعةً مُيَسَّرَةً ليقبلَها، فيقول الحقُّ: عبدي، إنْ لم تَكُنْ لك طاعةٌ تصلح للقبول فَلكَ توبةٌ إنْ أتيْتَ بها تصلح لقبولها.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
هذا الخطاب في الظاهر يشبه الاعتذار في تخاطب الآدميين. والمعنى أنني لم أبسط عليكَ أيها الفقيرُ في الدنيا لِمَا كان لي من العلم أنني لو قَسَمْتُ عليك الدنيا لَطَغَيْتَ، ولسَعَيْتَ في الأرض بالفساد.
ويقال: قوله: ولكن...: لكن كلمة استدارك، فالمعنى: لم أُوَسِّعْ عليكَ الرزقَ بمقدار ما تريد؛ ولم أمنع عنك (الكُلَّ)؛ لأني أُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما أشاء.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
الله- سبحانه مُحْيِي القلوب؛ فكما أنه {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}، فبعدما أصاب الأرضَ جدوبةٌ، وأبطأ نزولُ الغيثِ، وقَنِطَ الناسُ من مجيء المطر، وأشرفَ الوقتُ على حدِّ الفَواتِ يُنَزِّلُ اللَّهُ بفضله الغيثَ، ويحيي الأَرضَ بعد قنوطِ أهلها.. فكذلك العبد؛ إذا ذَبُلَ غُصْنُ وقته، وتكَدَّرَ صَفْوُ ودِّه، وكسفت شمسُ أُنْسِه، وبَعُدَ عن الحضرةِ وساحاتِ القرب عَهْدُه فلربما ينظر إليه الحقُّ برحمته؛ فينزل على سِرِّه أمطارَ الرحمة، ويعود عودُه طريًّا، ويُنْبِتُ في مشاهدة أُنْسِه ورداً جَنِيًّا.. وأنشدوا:
إنْ راعني منك الصدود ** فلعلَّ أيامي تعود

ولعلَّ عهدك باللَّوى ** يحيا فقد تحيا العهود

والغصن ييبس تارةً ** وتراه مُخْضرًّا يميد

.تفسير الآية رقم (29):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)}
جعل اللَّهُ في كلِّ شيءٍ من الخلوقات دلالةً على توحُّدِه في جلاله، وتفرُّدِه بنعت كبريائه وجماله.
{وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ}: والإشارة منها أَنَّ الحقَّ- سبحانه- يغار على أوليائه أن يَسْكَنَ بعضُهم بقلبه إلى بعضٍ؛ فأبداً يُبَدِّدُ شمْلَهم، ولا تكاد الجماعةُ من أهل القلوب تتفق في موضعٍ واحد إلا نادراً، وذلك لمدةٍ يسيرة.. كما قالوا:
رمى الدهرُ بالفتيان حتى كأنَّهم ** بأكنافِ أطرافِ السماءِ نجومُ

وفي بعض الأحايين قد يتفضَّل الحقُّ عليهم فتدنو بهم الديار، ويحصل بينهم- في الظاهر- اجتماعٌ والتقاءٌ، فيكون في ذلك الوقت قد نظر الحقُّ- سبحانه- بفضله إلى أنَّ في اجتماعهم بركاتٍ لحياة العالَم.
وهذا- وإن كان نادراً- فإنه على جَمْعِهم- إذا يشاء- قدير.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}
إذا تحقَّق العبدُ بهذه الآية فإنه إذا أصابته شظيةٌ او حالةٌ مما يسوءُه، وعلِمَ أن ذلك جزاءٌ له، وعقابٌ على ما بَدَرَ منه من سوءِ الأدب لاستحيى بخجلته مِنْ فِعْلِه، ولَشغَلَه ذلك عن رؤية الناس، فلا يحاول أن ينتقمَ منهم أو يكافئَهم أو يدعوَ عليهم، وإنما يشغله تلافي ما بَدَرَ منه من سوءِ الفعلِ عن محاولة الانتصاف لنفسه ممن يتسلَّط عليه من الخَلْق.. تاركاً الأمرَ كلَّه لربِّه.
ويقال: إذا كَثُرَت الأسبابُ من البلايا على العبد، وتوالى عليه ذلك.. فَلْيُفَكِرْ في أفعاله المذمومة.. كم يحصل منه حتى يبلغَ جزاء ما يفعله- مع العفو الكثير- هذا المبلغ؟! فعند ذلك يزداد حُزْنُه وتأسُّفُه؛ لِعِلْمِه بكثرة ذنوبه ومعاصيه.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)}
يريد بها السفن التي تجري في البحار؛ يرسل اللَّهُ الريحَ فتُسَيَّرها مرةً، ويُسَكِّنها أخرى، وما يريهم خلال ذلك من الهلاك أو السلامة , وهو بهذا يَحثُّهم على التفكُّر والتنبُّه دائماً.
والإشارة في هذا إلى إمساك الناس في خلال فَتْرَةِ الوقت عن الأنواء المختلفة، وحفظهم في إيواء السلامة، فالواجبُ الشكرُ في كل حالة، وإذا خَلُصَ الشكرُ استوجب جزيلَ المزيد.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}
يعني أنَّ الراحاتِ في الدنيا لا تصفو، ومن المشائب لا تخلو. وإنْ اتفق وجودُ البعض منها في أحايين فإنها سريعة (الزوال)، وشيكة الارتحال.
{وَمَا عِندَ اللَّهِ} من الثواب الموعود خيرٌ من هذا القليل الموجود.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}
{كَبَائِرَ الإِثْمِ}: الشِرْك. و{وَالْفَوَاحِشَ}: ما دون ذلك من الزلاَّت. فإذا تركوها لا يتجرَّعون كاساتِ الغضب بل تسكن لديهم سَوْرَةُ النَّفْسِ؛ لأنهم يتوكلون على ربهم في عموم الأحوال.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}
{اسْتَجَابُواْ لِرَبْهِمْ} فيما دعاهم إليه وما أَمَرَهم به من فنون الطاعات؛ فهؤلاء هم الذين لهم حُسْنُ الثوابِ وحميدُ المآبِ.
والمستجيبُ لربِّه هو الذي لا يبقى له نَفَسٌ إلا على موافقة رضاه، ولا تَبْقَى منه لنَفْسِه بقية.
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}: لا يستبَّد أحدُهم برأيه؛ لأنه يَتَّهِمُ أمرَه ورأيَه أبداً ثم إذا أراد القطعَ بشيءٍ يتوكل على الله.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}
البغيُ: الظلمُ، فيعلم أحدهم أن الظلمَ الذي أصابه هو من قِبَلِ نَفسِه، فينتصر على الظالم وهو نفسه؛ بأَنْ يكبحَ عنانها عن الركض في ميدان المخالفات.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}
(يعني لا تجاوزوا حدَّ ما جنى الجاني عليكم في المكافأة أو الانتقام).
{فَمَنْ عفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}: مَنْ عفا عن الجاني، واصلح ما بينه وبين الله- أَصْلَحَ اللَّهُ ما بينه وبين الناسِ. {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}: فالذي للعبد من الله وعلىلله وعند الله خيرٌ مما يعمله باختياره.