فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (79- 80):

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)}
تمنَّى مَنْ رآه مِمَّن كان في حُبِّ الدنيا ساواه أَنْ يُعْطِيَه اللَّهُ مِثْلَ ما أعطاه.
أَمَّا مَنْ كان صاحياً عن خمار غفلته، مُتَيَقِّظاً بنور بصيرته فكان موقفُهم:-
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصابرون}.
وبعد أن كان ما كان، وخسفنا به وبداره الأرضَ قال هؤلاء.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)}
مَنَّ اللَّهُ علينا فلم نَنْجَرِفْ في نَهْجِه، ولم ننخرط في سِلْكِه، وإذاً لَوَقَعَ بنا الهلاكِ.
أَمَّا المُتَمَنُّون مكانَه فقد نَدِمُوا، وأمّا الراضون بقسمته- سبحانه- فقد سَلِمُوا؛ سَلِمُوا في العاجل إلى أَنْ تَظْهرَ سعادتُهم في الآجل.

.تفسير الآية رقم (83):

{تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}
قيل العلو في الدنيا: أَنْ تَتَوَهَّمَ أَنَّ على البسيطة أحداً هو شرٌّ منك.
والفساد أن تتحرك لحظِّ نَفْسِك ونصيبك ونصيبك ولو بِنَفَسٍ أو خطوةٍ.. وهذا للأكابر، فأمَّا للأصاغر والعوام فتلك الدار الآخرة {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَّ يُرِيدُونَ عُلُوّاً في الأَرْضِ وَلاَ} كعُلُوِّ فرعون {وَلاَ فَسَاداً} كفَسَادِ قارون.
ويقال الزهاد لا يريدون في الأرض عُلُوَّاً، والعارفون لا يريدون في الآخرة والجنة عُلُوَّاً.
ويقال: {تِلْكَ الدَّارُ الأَخِرَةُ} للعُبَّادِ والزُّهاد، وهذه الرحمة الحاضرة لأرباب الافتقار والانكسار.

.تفسير الآية رقم (84):

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)}
ثواب الحسنةِ في التضعيف، وأمرُ السيئةِ بناؤه على التخفيف.
والمؤمنُ- وإن كان صاحبَ كبائر- فسيئاتُه تَقْصُرُ في جَنْبِ حسناتِه التي هي إيمانُه ومعرفتُه.

.تفسير الآية رقم (85):

{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)}
{لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ}: في الظاهر إلى مكة.. وكان يقول كثيراً: الوطن الوطن، فَحَقَّقَ اللَّهُ سُؤْلَه. وأَمَّا في السِّرِّ والإشارة فإنه {فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ} أي يَسَّرَ لك قراءةَ القرآن، والمَعَادُ هو الوصفُ الذي كانت عليه روحُك قبل حلول شَجِّك من مُلاَدغات القُرْبِ ومطالعات الحقِّ.
وقيل الذي ينصبك بأوصاف التفرقة بالتبليغ وبسط الشريعة لرادُّك إلى عين الجمع بالتحقُّق بالحقِّ والفناء عن الخَلْق.
ويقال إن الذي أقامك بشواهد العبودية فيما أثبتك به لرادُّك إلى الفناء عنك بمحقك في وجود الحقيقة.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)}
ما كنت تؤمِّل مَحَلَّ النبوة وشرف الرسالة وتأهيل مخاطبتنا إليك، ولا ما أظهرنا عليكَ من أحوال الوجد وحقائق التوحيد.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)}
لا يصدنَّك بعد إذ أنزلت إليك الآيات ما وجدته بحكم الذَّوْبِ والشهود، والإدراك والوجود. لا تتدَاخَلَنَّكَ تُهْمةُ التجويز وسؤالاتُ العلماء بما يَدَّعُونَ من أحكام العقول؛ فَمَا يُدْرَكُ في شعاع الشمس لا يَحْكُمُ ببطلانه خفاؤُه في نور السراج.

.تفسير الآية رقم (88):

{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)}
كلُّ عملٍ باطلٌ إلا ما كان لوجه الله وللتقرب به إلى الله.
كلُّ حيِّ ميت إلا هو، قال تعالى: {إِنِ امْرُؤٌاْ هَلَكَ} [النساء: 176]: أي مات؛ فكلُّ شيءٍ مُعَدٌّ لجواز الهلاك والعَدَم، ولا يبقى إلا {وَجْهَهُ}: ووَجْهُهُ صفةُ من صفاته لا تستقل إلا به فإذا بقي وجهُه فَمِنْ شرط بقاء وجهه بقاءُ ذاته؛ لأن الصفة لا تقوم إلا بموجود، ولا يكون هو باقياً إلا بوجود أوصافه الذاتية الواجبة له؛ ففي بقاء وجهه بقاء ذاته وبقاء صفاته.
وفائدة تخصيص الوجه بالذكر هنا أنه لا يُعْرَفُ وجوبُ وجهه إلا بالخبر والنقل دون العقل؛ فخَصَّ الوجه بالذكر لأنَّ في بقاء الوجه بقاء الحقِّ بصفاته.

.سورة العنكبوت:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)}
الألف: إِشارة إلى تَفَرُّده عن كل غير بوجه الغِنى، وباحتياج كل شيءِ إليه؛ كالألف تتصل بها كل الحروف ولكنها لا تتصل بحرفٍ.
واللام: تشير إلى معنى أنه ما من حرفٍ إلا وفي آخره صورة تعويج ما، واللام أقرب الحروف شبهاً بالألف- فهي منتصبة القامة مثلها، والفرق بينهما أن الألف لا يتصل بها شيء ولكن اللام تتصل بغيرها- فلا جَرَمَ لا يكون في الحروف حرف واحد متكون من حرفين إلا اللام والألف ويسمى لام ألف ويكتب على شكل الاقتناع مثل صورة لام.
أمّا الميم: فالإشارة فيه إلى الحرف مِنْ؛ فَمِنَ الربِّ الخَلْقُ، ومِنَ العبدِ خدمةُ الحق، ومن الربِّ الطَّوْلُ والفضلُ.
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوآ} بمجرد الدعوى في الإيمان دون المطالبة بالبلوى، وهذا لا يكون، فقيمة كلِّ أحدٍ ببلواه، فَمَنْ زاد قَدْرُ معناه زاد قدر بلواه؛ فعلى النفوس بلاءٌ وهو المطالبة عليها بإخراجها عن أوطان الكسل وتصريفها في أحسن العمل. وعلى القلوب بلاءٌ وهو مطالبتُها بالطلب والفكر الصادق بتطلُّع البرهان على التوحيد والتحقق بالعلم. وعلى الأرواح بلاءٌ وهو التجرُّدُ عن محبة كلِّ أحدٍ والتفرُّد عن كل سبب، والتباعُد عن كل المساكنةِ لشيءٍ من المخلوقات. وعلى الأسرار بلاءٌ وهو الاعتكاف بمشاهد الكشف بالصبر على آثار التجلِّي إلى أن تصير مُسْتَهْلَكاً فيه.
ويقال فتنة العوام في أيام النظر والاستدلال، وفتنة الخواص في حفظ آداب الوصول في أوان المشاهدات. وأشدُّ الفتنِ حفظُ وجود التوحيد لئلا يجري عليك مَكْرٌ في أوقات غَلَبَاتِ شاهد الحقِّ فيظن أنه الحق، ولا يدري أَنَّه من الحقِّ، وأنَّه لا يُقال إِنَّه الحقُّ- وعزيزٌ مَنْ يهتدي إلى ذلك.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}
لم يُخْلِهم من البلاء والمِحَن لِيُظْهِرِ صبرَهم في البلاءِ أو ضدَّه من الضَجَرِ، وشكرهم في الرخاء أو ضدة من الكفر والبَطَرِ. وهم في البلاءِ ضروب: فمنهم مَنْ يصبر في حال البلاء، ويشكر في حال النَّعماء وهذه صفة الصادقين. ومنهم مَنْ يضجُّ ولا يصبر في البلاء، ولا يشكر في النعماء.. فهو من الكاذبين. ومنهم مَنْ يؤثِر في حال الرخاء أَلاَّ يستمتعَ بالعطاء، ويستروح إلى البلاءِ؛ فَيَسْتَعْذِبَ مقاساةَ الَضُّرِّ والعناء.. وهذا أَجَلُّهم.

.تفسير الآية رقم (4):

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)}
يرتكبون المخالفاتِ ثم يحكمون لأنفسهم بالنجاة.. ساءَ حُكْمُهم! فمتى ينجوا منَ العذابِ مَنْ ألقى جلبابَ التُّقى؟!
ويقال توهموا أنه لا حَشْرَ ولا نَشْرَ، ولا محاسبة ولا مطالبة.
ويقال اغتروا بإمهالنا اليومَ، وَتَوَهَّموا أنهم مِنَّا قد أفلتوا، وظنوا أنهم قد أَمِنُوا.
ويقال ظنوا أنهم باجتراحهم السيئاتِ أَنْ جرى التقريرُ لهم بالسعادة، وأنَّ ذلك يؤخر حُكْمَنا.. كلا، فلا يشقى مَنْ جَرَتْ قسمتُنا له بالسعادة، وهيهات أن يتحول مَنْ سبق له الحُكْمُ بالشقاوة!.

.تفسير الآية رقم (5):

{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)}
مَنْ خاف عذابَه يوم الحساب فَسَيلْقى يومَ الحَشْرِ الأمانَ الموعودَ مِنَّا لأهل الخوف اليومَ. ومَنْ أَمَّلَ الثوابَ يومَ البعثَ فسوف يرى ثوابَ ما أسلفه من العمل. ومَنْ زَجَّى عُمْرَه في رجاء لقائنا فسوف نُبيح له النَّظَرَ إلينا، وسوف يتخلص من الغيبة والفرقة.
{وَهُوَ السَّمِيعُ} لأنين المشتاقين، {الْعَلِيمُ} بحنين المحبين الوالهين.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)}
مَنْ أَحْسَنَ فنجاة نفسه طلبها، وسعادة حالة حَصَّلَها. ومن أساء فعقوبة بنفسه. جَلَبَها، وشقاوة جَدِّه اكتسبها.
ويقال ثوابُ المطيعين إليهم مصروفٌ، وعذابُ العاصين عليهم موقوفٌ.. والحقُّ عزيزٌ لا يلحقه بالوفاق زَيْن، ولا يَمَسُّه من الشِّقاقِ شَيْنٌ.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)}
مَنْ رَفَعَ إلينا خطوة نال مِنَّا خطوة، ومَنْ تَرَكَ فينا شهوةً وَجَدَ مِنٍَّا صفوة، فنصيبهم من الخيرات موفور، وعملهم في الزلاَّت مغفور.. بذلك أجرينا سُنَّتنا، وهو متناول حُكْمِنا وقضيتنا.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}
أَمَرَ اللَّهُ العِبادَ برعاية حقِّ الوالدين تنبيهاً على عظم حق التربية. وإذا كانت تربيةُ الوالدين- وهي إِنْ حَسُنَتْ- فإِلى حدٍّ يوجِبُ رعايتهما فما الظنُّ برعاية حق الله تعالى، والإحسانِ العميمِ بالعبد والامتنان القديم الذي خصَّه به مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ؟!.
قوله جلّ ذكره: {وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَُأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
إنْ جاهداك على أن تُشْرِكَ بالله فإياك أَنْ تطيعَهما، ولكن رُدَّ بِلُطْفٍ، وخالِفْ برفْقٍ.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)}
أي لنلحقنهم بالذين أصلحوا من قبلهم، فإن المعهود من سُنَّتِنا إلحاق الشكلِ بشكله، وإجراء المِثْلِ على حُكْمِ مِثْلِه.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)}
قوله جلّ ذكره: {وَمِنَ النَّاسَِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا باللَّهِ فَإِذَآ أُوذِىَ في اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}.
المحنُ تُظْهِرُ جواهرَ الرجال، وهي تَدُلُّ على قِيمَهِم وأقدارهم؛ فَقَدْرُ كلِّ أحد وقيمته يَظْهَرُ عند محنته؛ فَمَنْ كانت محنتُه من فوات الدنيا ونقصان نصيبه منها؛ أو كانت محنته بموت قريبٍ من الناس، أو فَقْد حبيبٍ من الخلْقِ فحقيرٌ قَدْرُه، وكثيرٌ في الناس مثْلُه. ومَنْ كانت محنته في الله ولله فعزيزٌ قَدْرُه، وقليلٌ مَنْ كان مثله، فهم في العدد قليلٌ ولكن في القَدْرِ والخَطَرِ جليلٌ: وبقدر الوقوف في البلاءِ تظهر جواهرُ الرجال، وتصفو عن الخَبَثِ نفوسُهم.
والمؤمن مَنْ يَكفُّ الأذى، ويتحمل من الخَلْقِ الأذى، ويتشرب ولا يترشح بغير شكوى ولا إظهار؛ كالأرض يُلْقَى عليها كلٌّ خبيث فتُنْبِتُ كلَّ خضرة وكل نزهة.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)}
الانتقال الى صفحة القرآن {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين}
إذا اشتبكت دموعٌ في خدود ** تَبَيَّنَ مَنْ بكى ممن تباكى

.تفسير الآية رقم (12):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)}
ضمنوا بما لم يفوا به، وأخلفوا فيما وَعَدُوا فما حملوا من خطاياهم عنهم شيئاً، بل زادوا على حَمْل نفوسهم؛ فاحتقبوا وِزْرَ ما عَملوا، وطولبوا بوزْر ما به أَمَرُوا، فضاعَفَ عليهم العقوبة، ولم يصل أحدٌ من جهتهم إلى راحة، وما مواعيدهم للمسلمين إلا مواعيد عرقوب أخاه بيثرب.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}
وسيلحق بهؤلاء أَصحاب الدعاوى والمتَشبِّهون بأهل الحقائق:
مَنْ تحلَّى بغير ما هو فيه ** فَضَح الامتحانُ ما يَدَّعيه

وقال تعالى: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]. وهيهات هيهات!