فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (39):

{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}
العذابُ الأليمُ إذا أعرض العَبْدُ عن الطاعةِ ألا يبعث وراءه من جنود التوفيق ما يردُّه إلى الباب.
العذابُ الأليمُ أنْ يَسْلُبَه حلاوةَ النَّجوى إذا آب.
العذابُ الأليمُ الصدُودُ يومَ الورود، وقيل:
واعدوني بالوصال والوصالُ عَذْبٌ ** ورَمَوني بالصُّدودِ والصدُّ صعبُ

العذابُ الأليمُ الوعيدُ بالفِراق، فأمَّا نَفْسُ الفِراق فهو تمامُ التَّلَفِ، وأنشدوا:
وزَعَمْتَ أَنَّ البَيْنَ مِنْكَ غداً ** هَدِّدْ بذلك مَنْ يعيش غدا

قوله: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يصرف ما كان مِنْ إقباله عليه إلى غيره من أشكاله، وليس كلُّ مَنْ حَفَرَ بئراً يشربُ مِنْ معِينها، وأنشدوا:
تَسْقِي رَيَاحِينَ الحِفَاظِ مدامعي ** وَسِوَايَ في رَوْضِ التواصُل يَرْتَع

.تفسير الآية رقم (40):

{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}
قوله جلّ ذكره: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
مِنْ عزيزِ تلك النصرة أنه لم يستأنِسْ بثانية الذي كان معه بل رد الصِّدِّيقَ إلى الله، ونهاه عن مساكنته إياه، فقالَ: «ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟».
قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}.
ويقال من تلك النصرة إبقاؤه إياه في كشوفاته في تلك الحالة، ولولا نصرتُه لتلاشى تحت سطواتِ كَشْفِه.
ويقال كان- عليه السلام- أمانَ أهل الأرض على الحقيقة، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِم} [الأنفال: 33]، وجعله- في الظاهر- في أمان العنكبوت حين نَسَجَ خَيْطَه على باب الغار فَخَلَّصَه من كيدهم.
ويقال لو دخل هذا الغار لا تشقَّ نسيج العنكبوت.... فيا عجباً كيف سَتَرَ قصةَ حبيبه- صلوات الله عليه وعلى آله وسلم!.
ويقال صحيحٌ ما قالوا: للبقاع دول، فما خَطَرَ ببالِ أحدٍ أنَّ تلك الغار تصير مأوى ذلك السيِّد- صلى الله عليه وسلم! ولكنه يختص بقسمته ما يشاء {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ} [البقرة: 105].
ويقال ليست الغِيران كلها مأوى الحيَّاتِ، فمنها ما هو مأوى الأحباب. ويقال علقت قلوب قوم بالعرش فطلبوا الحق منه، وهو تعالى يقول: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} فهو سبحانه- وإن تقدَّس عن كل مكان- ولكن في هذا الخطاب حياة لأسرار أرباب المواجيد، وأنشدوا:
يا طالبَ الله في العرشِ الرفيعِ به ** لا تطلب العرشَ إن المجد في الغار

وفي الآية دليل على تحقيق صحبة الصدِّيق- رضي الله عنه- حيث سمَّاه الله سبحانه صاحبَه، وعَدَّه ثانِيه، في الإيمان ثانية، وفي الغار ثانيه ثم في القبر ضجيعه، وفي الجنة يكون رفيقه.
قوله جلّ ذكره: {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}.
الكناية في الهاء من {عليه} تعود إلى الرسول عليه السلام، ويحتمل أن تكون عائدةٌ إلى الصديق رضي الله عنه، فإن حُمِلَتْ على الصديق تكون خصوصية له من بين المؤمنين على الانفراد، فقد قال عز وجلّ لجميع المؤمنين: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [الفتح: 4].
وقال للصدِّيق- على التخصيص- فأنزل الله سكينته عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يتجلّى للناس عامة ويتجلَّى لأبي بكر خاصة».
وإنما كان حزنُ الصديقِ ذلك اليوم لأجل الرسول- صلى الله عليه وسلم إشفاقاً عليه.. لا لأجل نَفْسِه. ثم إنه- عليه السلام- نفى حزنه وسلاّه بأن قال: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}، وحُزْنٌ لا يذهب لِمَعِيَّة الحقِّ لا يكون إلاَّ لحقِّ الحق.
قوله جلّ ذكره: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
يريد به النبي صلى الله عليه وسلم. وتلك الجنودُ وفودُ زوائد اليقين على أسراره بتجلِّي الكشوفات.
{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى} بإظهار حُجج دينه، وتمهيد سُبُل حقِّه ويقينه؛ فراياتُ الحقِّ إلى الأبدِ عالية، وتمويهات الباطل واهية، وحِزْبُ الحقِّ منصورون، ووفد الباطل مقهورون.
ويقال لما خلا الصديق بالرسول عليه السلام في الغار، وأشرقت على سِرِّه أنوار صحبة الرسول عليه السلام، ووقع عليه شعاعُ أنواره، واشتاق إلى الله تعالى لفَقْدِ قراره- أزال عنه لواعِجه بما أخبره مِنْ قُرْبه- سبحانه- فاستبدل بالقلق سكوناً، وبالشوق أُنساً، وأنزل عليه من السكينة ما كاشفه به من شهود الهيبة.
ويقال كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- ثاني اثنين في الظاهر بشبه ولكن كان مُسْتَهْلَكَ الشاهد في الواحِد بِسِرِّه.

.تفسير الآية رقم (41):

{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)}
أمرهم بالقيام بحقه، والبدار إلى أداء أمره في جميع أحوالهم.
{خفافاً} يعني في حال حضور قلوبكم، فلا يمسُّكم نَصَبُ المجاهدات.
{وثقالا} إذا رُدِدْتُم إليك في مقاساة تعب المكابدات. فإنَّ البيعةَ أُخِذَتْ عليكم في (...) و(...).
ويقال: {خفافا} إذا تحررتم من رِقِّ المطالبات والاختيار، {وثقالا} إذا كان على قلوبكم ثقل الحاجات، وأنتم تؤمِّلُون قضاءَ الحقِّ مآرِبَكم.

.تفسير الآية رقم (42):

{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)}
يريد به المتخلفين عنه في غزوة تبوك، بيَّنَ سبحانه أنه لو كانت المسافةُ قريبةً، والأمرُ هيِّناً لَمَا تخلَّفوا عنك؛ لأنَّ مَنْ كان غيرَ متحقِّقٍ في قَصْدِه كان غيرَ بالغ في جهده، يعيش على حَرْفٍ، ويتصرَّف بحرف، فإِنْ أصابه خيرٌ اطمأنَّ به وإنْ أصابَتْه فتنةٌ انقلبَ على وجهه. وقال تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21].
فإذا رأيتَ المريدَ يتبعُ الرُّخَصَ ويَجْنَحُ إلى الكسل، ويتعلَّلُ بالتأويلاتِ.. فاعلَمْ أنه مُنْصَرِفٌ عن الطريق، متخلِّفٌ عن السلوك، وأنشدوا:
وكذا المَلُولُ إذا أراد قطيعةً ** مَلَّ الوصال وقال: كان وكانا

ومَنْ جَدَّ في الطلب لم يُعَرِّج في أوطان الفشل، ويواصل السير والسُّرى، ولا يحتشم من مقاساة الكدِّ والعناء، وأنشدوا:
ثم قطعتُ الليلَ في مهمهٍ ** لا أسداً أخشى ولا ذئبا

يغلبني شوقي فأطوي السُّرى ** ولم يَزَلْ ذو الشوقِ مغلوبا

قوله: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 42]: يمين المتعلِّلِ والمُتَأَوِّلِ يمينٌ فاجرةٌ تشهد بكذبها عيون الفراسة، وتنفر منها القلوب، فلا تجد من القلوب محلاً.

.تفسير الآية رقم (43):

{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)}
لم يكن منه صلى الله عليه وسلم خرْقُ حَدٍّ أو تعاطي محظورٍ، وإنما نذر منه ترك ما هو الأَوْلى. قَدَّم الله ذِكْرَ العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب بقوله: {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}.
أو مِنْ جواز الزَّلة على الأنبياء- عليهم السلام- إذ لم يكن ذلك في تبليغ أمر أو تمهيد شرع بقول قائله: أنشدوا بالعفو قبل أن وقف للعذر وكذا سُنَّة الأحباب مع الأحباب، قال قائلهم:
ما حطَّك الواشون عن رتبة ** عندي ولا ضَرَّك مُغْتَابُ

كأنهم أَثْنَوْا- ولم يعلموا- ** عليكَ عندي بالذي عابوا

ويقال حسناتُ الأعداء- وإن كان حسنات- فكالمردودة، وسيئات الأحباب- وإن كانت سيئات- فكالمغفورة:
مَنْ ذا يؤاخِذُ مَنْ يحبُّ بِذَنْبِه ** وله شفيعٌ في الفؤاد مُشَفِّع

.تفسير الآية رقم (44):

{لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)}
المخلصُ في عقده غيرُ مُؤثِرٍ شيئاً على أمره، ولا يدَّخر مستطاعاً في استفراغ وُسْعِه، وبَذْلِ جُهْدِه، ومقاساة كَدِّه، واستعمال جِدِّه.

.تفسير الآية رقم (45):

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}
مَنْ رام عن عهدة الإلزام خروجاً انتهز للتأخير والتخلُّف فرصةً لِعَدمِ إيمانه وتصديقه، ولاستمكان الريبة في قلبه وسِرِّه. أولئك الذين يتقلبون في ريبهم، ويترددون في شكِّهم.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)}
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}.
أي لو صدقوا في الطاعة لاستجابوا ببذل الوسع والطاقة، ولكن سَقِمَتْ إرادتُهم، فحصلت دون الخروج بَلادَتُهم، وكذلك قيل:
لو صحَّ منكَ الهوى أُرْشِدْتَ للحِيَلِ.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكِن كَرِهَ الله انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ}.
ألْزَمَهم الخروجَ من حيث التكليف، ولكن ثبَّتهم في بيوتهم بالخذلان؛ فبالإلزام.

.تفسير الآية رقم (47):

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}
أخبر عن سابق علمه بهم، وذكر ما علم أنه لا يكون أَنْ لو كان كيف يكون، فقال: ولو ساعدوكم في الخروج لكان ما يلحقكم من سوء سيرتهم في الفتنة بينكم، والنميمة فيكم، والسعي فيما يسوؤكم أكثر مما نالكم بتخلُّفِهم من نقصان عددكم. ومَنْ ضررُه أكثرُ من نفعِه فَعَدَمَهُ خيرٌ مِنْ وجودِه، ومَنْ لا يحصل منه شيء غيرُ شرورهِ فتخَلُّفُه أَنْفَعُ مِنْ حضوره.

.تفسير الآية رقم (48):

{لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)}
إنَّهم وإِنْ أظهروا وِفاقَكم فقد استبطنوا نِفاقكم؛ أعلنوا أنهم يؤازرونكم ولكن راموا بكيْدِهم تشويشَ أموركم، حتى كَشَفَ اللهُ عوراتِهم، وفَضَحَهم، حتى تَحَذَّرْتم منهم بما تحققتم من أسرارهم.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)}
أبرزوا قبيحَ فِعالِهم في مَعْرِض التخرج، وراموا أَنْ يُلَبِّسُوا على الرسول- صلى الله وسلم وعلى آله- وعلى المسلمين خبث سيرتهم وسريرتهم، فَبَيَّنَ الله أَنَّ الذين (...) بزعمهم سقطوا فيه بفعلهم، وكذلك المتجلِّدُ بما يهواه متطوح في وادي بلواه، وسَيَلْقَى في الآخرة من الهَوَان ما يَغْنِي عن الحاجة إلى البرهان.

.تفسير الآية رقم (50):

{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}
هكذا صفة الحسود، يتصاعد أنينُ قلبه عند شهود الحسنى، ولا يَسُرُّ قلبَه غيرُ حلولِ البلوى، ولا دواءَ لجروح الحسود؛ فإنه لا يرضى بغير زوال النعمة ولذا قالوا:
كلُّ العداوةِ قد تُرْجَى إماتَتُها ** إلا عداوةَ مَنْ عاداك من حَسَدِ

وإنَ اللهَ تعالى عَجَّلَ عقوبةَ الحاسد، وذلك: حزنُ قلبِه بسلامة محسوده؛ فالنعمة للمحسود نقد والوحشة للحاسد نقد.

.تفسير الآية رقم (51):

{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
المؤمن لا تلحقُه شماتةُ عدوِّه لأنه ليس يرى إلا مُرادَ وليِّه، فهو يتحقق أنَّ ما ينالُه مرادُ مولاه فيسقطُ عن قلبِه ما يهواه، ويستقبله بروح رضاه فَيَعْذُبُ عنده ما كان يَصْعُبُ مِنْ بلواه، وفي معناه أنشدوا:
إنْ كان سَرَّكُمُ ما قال حاسدُنا ** فما لِجُرْحٍ- إذا أَرْضَاكُم- أَلمُ.

ويقال شَهودُ جريانِ التقدير يخفف على العبد تَعَبَ كلِّ عسير.
قوله: {هُوَ مَوْلاَنَا}: تعريفٌ للعبد أن له- سبحانه- أن يفعل ما يريد، لأنه تصرفُ مالكِ الأعيانِ في مُلْكِه، فهو يُبْدِي ويُجْرِي ما يريد بحقِّ حُكْمِه.
ثم قال: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ}: وأولُ التوكلِ الثقةُ بوعده، ثم الرضا باختياره، ثم نسيانُ أمورِك بما يغْلِبُ على قلبك من أذكاره.
ويقال التوكل سكونُ السِّرِّ عند حلول الأمر ونهاية التفويض، وفيها يتساوى الحلوُ والمرُّ، والنعمةُ والمحنةُ.