فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (7):

{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)}
النَّفْسُ لا تقف على ما في القلب، والقلبُ لا يقف على أسرار الرُّوح، والروح لا سبيل له إلى حقائق السرِّ. والذي هو أخفى من السِّرِّ فهو ما لا يَطَّلِعُ عليه إلا الحق.
ويقال الذي هو أخفى من السر لا يفسده الشيطان، ولا يكتبه المَلَكَانِ، ويستأثِرُ بِعلْمه الجبَّارُ، ولا تقف عليه الأغيار.

.تفسير الآية رقم (8):

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}
نَفَى كل موهوم من الحدثان بأن يكون شيءٌ منه صالحاً للإبداع، وأثبت كُلِّ ما في الوجود له باستحقاق القِدَم.
{لَهُ الأَسْمَآءُ الحُسْنَى} أي صفاته، على انقسامها إلى صفة ذات وصفة معنى.
ويقال: {لَهُ الأسْمَآءُ الحُسْنَى} تعريفٌ للخَلْق بأنَّ استحقاق العلو والتقدُّس عن النقائص له على وصف التفرُّد به.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)}
سؤال في صيغة الاستفهام والمراد منه التقرير والإثبات. وأجرى- تعالى- سُنَّتَه في كتابه أن يذكر قصة موسى عليه السلام في أكثر المواقع التي يذكر فيها حديث نبينا صلى الله عليه وسلم فيعقبه بذكر موسى عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (10):

{إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)}
ألاح له النار حتى أخرجه من أهله يطلبها، وكان المقصودُ إخراجَه من بينهم، فكان موسى عليه السلام يدنو والنار تنأى، وقال لأهلِه: {امْكُثُوا إِنِِّى ءَانَسْتُ نَاراً} فقال أهلُه: كيف تتركنا والوادي مسبع؟ فقال: لأجلِكُم أفارقكم؛ فلَعَلِّي آتيكم من هذه النار بقبس.
ويقال استولى على موسى عند رؤيته النار الانزعاجُ، فلم يتمالك حتى خرج. ففي القصة أنه لما أتاها وَجَدَ شجرةً تشتعل من أولها إلى آخرها، فجمع موسى- عليه السلام- حشائشَ ليأخذ من تلك النار، فعرف أن هذه النارلا تسمح نفْسُها بأَنْ تُعْطِي إلى أحدٍ شعلة:
وقَلَن لنا نحن الأَهِلَّةُ إنما ** نضيءُ لِمَنْ يَسْرِي بليلٍ ولا نُقْرِي

يا موسى هذه النارُ تضيءُ ولكن لا تعطي لأحدٍ منها شعلة. يا موسى هذه النارُ تحرق القلوبَ لا النفوس.
ويقال كان موسى عليه السلام في مزاولة قَبسٍ من النار فكان يحتال كيف يأخذ منها شيئاً، فبينما هو في حالته إذ سمع النداءَ من الحقِّ.

.تفسير الآيات (11- 12):

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)}
علم موسى أنه كلام الحق- سبحانه- لَمَّا سَمِعَ فيه الترتيبَ والتنظيمَ والتركيب، فَعَلِمَ أنه خطاب الحق.
ويقال إنما عرف موسى- عليه السلام- أنه كلامُ الله بتعريفٍ خصَّه الحق- سبحانه- به من حيث الإلهام دون نوع من الاستدلال.
قوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ...} فإِن بِسَاطَ حضرةِ الملوكِ لا يُوطَأُ بِنَعْلٍ.
ويقال ألقِ عصاك يا موسى واخلع نعليك، وأَقِمْ عندنا هذه الليلةَ ولا تَبْرَحْ ويقال الإشارة في الأمر بخلع النعلين تفريغ القلب من حديث الدارَيْن، والتجرد للحقِّ بنعت الانفراد.
ويقال: {اخلع نعليك}: تَبَرَّأْ عن نَوْعَيْ أفعالك وامْحُ عن الشهود جنْسَيْ أحوالِك من قربٍ وبُعْدٍ، ووَصْلٍ وفَصْلٍ، وارتياح واجتياح، وفناء وبقاء..... وكُنْ بوصفنا؛ فإٍنما أنت بحقنا.
أَثْبَتَه في أحواله حتى كان كالمجرد عن جملته، المُصْطَلَم عن شواهده.
قوله: {إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوىً}: أي إنك بالوادي المقدس عن الأعلال؛ وساحاتُ الصمدية تَجِلُّ عن كل شيْن، وإيمانٍ وزَيْن؛ عن زَيْنٍ بإحسان وشَيْنٍ بعصيان؛ لأنَّ للربوبية سَطَعَاتِ عِزِّ تقهر كل شيء.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)}
وعلى علمٍ مني بك اصطفيتكُ، وجَرَّدْتُكَ ونقيتك عن دَنَسِ الأوهام وكلّ ما يُكَدِّرُ صَفْوَك.
ويقال بعدما اخترتُك فأنت لي وبي، وأنت محو في فنائك عنك.

.تفسير الآية رقم (14):

{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}
قوله جلّ ذكره: {إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لآَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى}.
تقدَّسْتُ عن الأعلال في أَزلي، وتنزهت (...) والأشكال باستحقاقي لجلالي وجمالي.
ويقال: {لآَ إِلَهَ إلاَّ أَنَا}: الأغيار في وجودي فَقْدٌ، والرسومُ والأطلالُ عند ثبوتِ حقي محوٌ.
قوله: {فَاعْبُدْنِى}: أي تَذَلَّلْ لِحُكْمي، وأنفِذْ أمري، واخضعْ لجبروتِ سلطاني.
قوله جلّ ذكره: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى}.
اقامتُها من غير ملاحظة مُجْرِيها ومُنْشِيها يُورِث الإعجاب. وإذا أقام العبدُ صلاتَه على نعت الشهود والتحقق بأن مجريها غيره كانت الصلاة بهذا فتحاً لباب المواصلة. والوقوف على محل النجوى، والتحقق بخصائص القرب والزلفة.

.تفسير الآية رقم (15):

{إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)}
الفائدة في تعريف العِباد بِقُرْب الساعةِ أن يستفيقوا من غفلات التفرقة، فإذا حضروا بقلوبهم- ففي حال استدامة الذكر- فما هو موعودٌ في الآجل أكثره للحاضرين موجودٌ في العاجل؛ والحاضرة لهم كالآخرة. وكذلك جعلوا من أمارات الاستقامة شهودَ الوقتِ قيامة.

.تفسير الآية رقم (16):

{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}
إذا أكرمه الّلَهُ بحُسْنِ التنبيه، وأحضره بنعت الشهود فلا ينبغي أن ينزل عن سماء صفاته إلى جحيم أهل الغفلة في تطوحهم في أودية التفرقة.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)}
كرَّرَ عليه السؤالَ في غير آية من عصاه لمَّا كان المعلوم له سبحانه فيها من إظهاره فيها عظيم المعجزة.
ويقال إنما قال ذلك لأنه صَحِبَتْهُ هيبةُ المقام عند فَجْأَةِ سماعِ الخطاب، فَلِيُسَكِّنَ بعضَ ما به من بَوَادِهِ الإجلال.... رَدَّهُ إلى سماعِ حديث العصَا، وأراه ما فيها من الآيات.
ويقال لو تركه على ما كان عليه من غَلَبَاتِ الهيبة لعلَّه كان لا يعي ولا يطيق ذلك..... فقال له: وما تلك بيمينك يا موسى؟

.تفسير الآية رقم (18):

{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18)}
قال هي عصاي وأخذ يُعدِّد ما له فيها من وجوه الانتفاع فقال له: {قَالَ أَلْقِهَا يا مُوسَى}.
فإنَّك بنعت التوحيد، واقفٌ على بساط التفريد، ومتى يصحُّ ذلك، ومتى يَسْلَمُ لك أن يكون لَكَ معتمدٌ تتوكأ عليه، ومستند عليه تستعين، وبه تنتفع؟
ثم قال: {وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى}: أَوَّلُ قَدَمٍ في الطريق تَرْكُ كلِّ سَبَبٍ، والتَّنَقِّي عن كل طَلَبٍ؛ فكيف كان يَسْلَمُ له أن يقول: أَفْعَلُ بها، وأمتنع، ولي فيها مآرب أخرى.
ويقال ما ازداد موسى- عليه السلام- تفصيلاً في انتفاعه بعصاه إلا كان أقوى وأَوْلَى بأن يؤمن بإلقائها، والتنقي عن الانتفاع بهاعلى موجب التفرُّد لله.
ويقال التوحيد التجريد، وعلامةُ صحته سقوط الإضافات بأْسْرِها؛ فَلا جَرَمَ لما ذكر موسى- عليه السلام- ذلك أُمِرَ بإلقائها فجعلها اللَّهُ حَيَّةً تسعى، وولَّى موسى هارباً ولم يُعَقِّب. وقيل له يا موسى هذه صفة العلاقة؛ إذا كوشِفَ صاحبُها بِِسِرِّها يهرب منها.
ويقال لمَّا باسطه الحقُّ بسماع كلامه أخذته أريحية سماع الخطاب، فأجاب عما يُسْأَل وعمَّا لم يُسْأَل فقال: {وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى}: وذَكَرَ وجوها من الانتفاع؛ منها أنه قال تؤنسني في حال وحدتي، وتضيءُ لي الليلَ إذا أظلم، وتحملني إذ عَييتُ في الطريق فأركبُها، وأَهُشُّ به على غنمي، وتدفع عني عَدَوِّي. وأعظم مأربٍ لي فيها أَنَّكَ قُلْتَ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} وأيةُ نعمةٍ أو مأربٍ أو منفعةٍ تكون أعظمَ مِنْ أَنْ تقولَ لي: وما تلك؟ ويقال قال الحقُّ- بعد ما عدَّد موسى وجوَه الآياتِ وصنوفَ انتفاعِه بها- ولَكَ يا موسى فيها أشياءٌ أخرى أنت غافلٌ عنها وهي انقلابُها حيةً، وفي ذلك لك معجزةٌ وبرهانُ صِدْقٍ.
ويقال جميعُ ما عَدَّدَ من المنافع في العصا كان من قِبَلِ الله.... فكيف له أن ينسبها ويضيفها إلى نفسه ولهذا قالوا:
يا جنَّة الخُلْدِ والهدايا إذا ** تُهدَى إليك فما مِنْكِ يُهْدَى

ويقال قال موسى لها رآها حيةً تهتز: لقد عَلِمْتُ كلَّ وصفٍ بهذه العصا، أَمَّا هذه الواحدة فلم أعرفها.

.تفسير الآيات (19- 21):

{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)}
لا عِبْرةَ بما يوهِمُ ظاهرُ الأشياء؛ فقد يُوهِمُ الظاهرُ بشيءٍ ثم يبدو خِلافُه في المستقبل؛ فعصا موسى صارت حيةً.
ثم قال المقصود بذلك أن تكون لك آيةً ومعجزةً لا بلاءً وفتنةً.
قوله: {قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ...} أَشْهَدَه- بانقلاب العصا من حالٍ إلى حال؛ مرةً عصا ثم ثعباناً ثم عصا مرةً أخرى- أَنَّه يُثَبِّتُ عِبادَه في حال التلوين مرةً ومرةٌ؛ فَمِنْ أَخْذٍ ومِنْ رَدَّ، ومن جَمْعٍ ومن فَرْقٍ الخ.

.تفسير الآيات (22- 23):

{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)}
كما أراه آيةً من خارج أراه آيةً من نَفْسِه، وهي قلْبُ يَدِه بيضاءَ؛ إِذْ جَعَلَها في جيبه من غير البَرَص. قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا في الأَفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} [فصلت: 53].
وإنما قال: أَدْخِلْ يَدَكَ في جيبِك ولم يقل كُمِّك لأنه لم يكن لِمَا عليه من اللِّباس كُمَّان.
قوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَاتِنَا الكُبْرَى}: الآية الكبرى هي ما كان يجده في نفسه من الشهود والوجود، وما لا يكون بتكلُّفِ العبد وتصرُّفهِ من فنون الأحوال التي يدركها صاحبُها ذوقاً.

.تفسير الآية رقم (24):

{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)}
بعدما أسمعه كلامه من غير واسطة، وشَرَّفَ مقامَه، وأَجْزَلَ إكرامَه أَمَرَه بالذهاب ليدعوَ فرعونَ إلى الله- مع عِلْمِه بأنه لا يؤمن ولا يجيب ولا يسمع ولا يَعْرِف- فشَقَّ على موسى ذهابُه إلى فرعون، وسماعُ جْحدِه منه، بعد ما سمع من الله كلامه سبحانه، ولكنه آثر أَمْرَ محنته على مرادِ نفسه.
ويقال لمَّا أَمَرَه بالذهاب إلى فرعونَ سأل اللَّهَ أُهْبَةَ النَّقْلِ وما به يتمُّ تبليغ ما حمل من الرسالة، ومن ذلك قوله:

.تفسير الآيات (25- 28):

{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)}
ليُعْلَمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ التكليفِ التَّمَكُّنَ مِنْ اَداءِ المأمور به.
ويقال إن موسى لما أَخَذَ في المخاطبة مع الله كاد لا يسكت من كثرة ما سأله فظل يدعو: {رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِىَ أَمْرِى...} وهكذا إلى آخر الآيات والأسئلة.
قوله: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى}: حتى أُطِيقَ أنْ أَسمعَ كلامَ غيرك بعدما سَمِعْتُ منك {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِسَانِى}: حتى ينطلقَ بمخاطبة غيرك وقَوِّني حتى أرُدُّ بِكَ لا بي.

.تفسير الآيات (29- 31):

{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)}
سَأَلَ أنْ يَصْحَبَ أخاه معه، ولما ذهب لسماع كلام الله حين قال تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 143] كان بمفرده، لأن الذهاب إلى الخَلْق يوجِب الوحشةَ؛ فَطَلَبَ من أخيه الصحبة ليُخَفِّفَ عليه كلفة المشقة.
ويقال إن المحبةَ توجِبُ التجرُّدَ والانفراد وألا يكونَ للغيرِ مع المحبِّ مساغ؛ ففي ذهابه إلى فرعون استصحب أخاه، ولمَّا كان الذهابُ إلى الميقاتِ لم يكن للغيرِ سيلٌ إلى صحبته، إذ كان المقصود من ذهابِه أن يكونَ مخصوصاً بحاله.

.تفسير الآيات (33- 35):

{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}
بين أن طَلَبَه مُشاركةَ أخيه له بحقِّ ربه لا بحظِّ نَفْسِه حيث قال: {كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً}

.تفسير الآية رقم (36):

{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)}
أعطيناكَ ما سألتَ، وتناسيت ابتداءَ حالِكَ حين حفظناك في اليمِّ وَنَجَّيْنَا اُمَّكَ من ذلك الغَمِّ، ورَبَّيْنَاك في حِجْرِ العَدُوِّ.... فأين- حينذاك- كان سؤالُكَ واختيارُكَ ودعاؤُك؟
وأثبتنا في قلب امرأة فرعون شفقتك، وألقينا عليكَ المحبةَ حتى أحبّكَ عدوُّك، وربَّاكَ حتى قَتَلَ بِسَبَبِكَ ما لا يُحْصَى من الولدان، والذي بَدَأَكَ بهذه المِنَنِ هو الذي آتاك سُوْلَكَ، وحقَّقَ لك مأموَلَكَ.