فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (20):

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)}
أخبر أن الأصنامَ لا يَصحُّ منها الخُلقُ لكونها مخلوقةً، ودلَّت الآيةُ على أنَّ من وْجِدَتْ له سِمَةُ الخْلق لا يصِحُّ منه الخْلق، والَخْلق هو الإيجاد؛ ففي الآية دليلٌ على خْلقِ الأعمال.

.تفسير الآية رقم (21):

{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}
لأنَّ مَنْ لَحِقَهُ وصفُ التكوين لا يصِحُّ منه الإيجاد. وفي التحقيق كُلُّ مَنْ عَلقَ قلبَه بشيءٍ، وتَوَهَّم منه خيراً أو شراً فقد أشرك بالله بظنَّه، وإنما التوحيد تجريدُ القلبِ عن حسبان شظيّةٍ من النفي والإثبات من جميع المخلوقين والمخلوقات.

.تفسير الآية رقم (22):

{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}
لا قَسِيم لِذَاتِه جوازاً أو وجوباً، ولا شبيهَ له ولا شريك.. ومَنْ لم يتحققْ بهذه الجملة قطعاً، وبشهادة البراهين له تفصيلاً فهو في دَرَكَاتِ الشِّرك واقعٌ، وعن حقائق التوحيج بمعزل، قال تعالى في صفة الكفار: {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} أي في أَسْرِ الشِّرْكِ وغطاء الكفر، ثم ليس فيه اتصاف لطلب العرفان؛ لأنَّ العلةَ- لِمَنْ أراد المعرفة- مُتاحة، وأدلة الخْلق لائحة.

.تفسير الآية رقم (23):

{لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
قوله جلّ ذكره: {لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}.
فيفضحهم ويبيِّنُ نفاقَهم، ويُعْلِنُ للمؤمنين كفرهم وشِقاقهم.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ}.
دليل الخطاب أنه يحب المتواضعين المتخاشعين، ويكفيهم فضلاً بشارة الحق لهم بمحبته لهم.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
لَحقَهم شؤمُ تكذيبهم، فأَصروا على إعراضهم عن النظر، وقَسَتْ قلوبُهم ولم تجنح إلى الإقرار بالحق، فَلَبِّسُوا على من يسائلهم، وقالوا: هذا الذي جاء به محمد من أكاذيب العجم. فَضلُّوا وأَضَلوا.

.تفسير الآية رقم (25):

{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
لما سَعَوْا في الدنيا لغير الله لم تَصْفُ أعمالُهم، وفي الآخرة حَمَلُوا معهم أوزارهم.. أولئك الذين خَسِروا في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)}
قوله جلّ ذكره: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}.
اتصفوا بالمكر فحاق بهم مَكْرُهم، ووقعوا فيم حفروه لغيرهم، واغتروا بطول الإمهال، فأخذهم العذابُ من مأْمَنِهم، واشتغلوا بِلهوهِم فَنَغَّصَ عليهم أطيب عَيْشهم:
قوله جلّ ذكره: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وََأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ}.
الذي وصف نفسه به في كتابه من الإتيان فمنعاه العقوبة، وذلك على عادة العرب في التوسع في الخطاب.
وهو سبحانه يكشف الليلَ ببَدْره ثم يأخذ الماكر بما يليق بمَكْره، وفي معناه قالوا:
وأَمِنْتُه فأَتَاحَ لي من مأْمَني ** مكْراً كذا مَنْ يَأْمَنُ الأياما

.تفسير الآية رقم (27):

{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)}
في الدنيا عاجلُ بلائهم، وبين أيديهم آجِلُه. وحَسْرةُ المُفِلس تتضاعف إذا ما حُوسِبَ، وشاهَدَ حاصِلَه.
{قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ...}: يُسْمِِعُ الكافرين قولَ المؤمنين، ويبيِّن للكافة صِدْقَهم. ويقع الندمُ على جاهلهم. وأما اليومَ فعليهم بالصبر والتحمُّل، وعن قريب ينكشف الغطاء، وأنشد بعضهم:
خليليَّ لو دارت على رأسِيَ الرَّحى ** من الذُّلِّ لم أَجْزَعْ ولم أَتَكلَّمِ

وأطرقتُ حتى قيل لا أعرفُ الجفا ** ولكنني أفصحتُ يومَ التكلُّمِ

.تفسير الآيات (28- 29):

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)}
{ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ}: بارتكاب المعاصي وهم الكفار.
{فَأَلْقُوا السَّلَمَ}: انقادوا واستسلموا لحكم الله.
{مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ}: جحدوا وأنكروا ما عملوا من المخالفات.
{بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}: هكذا قالت لهم الملائكة، ثم يقولون لهم: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ...}: وكذلك الذين تقسو نفوسُهم بإعراضهم عن الطاعات إذا نزَلَتْ بهم الوفاةُ يأخذون في الجزع وفي التضرع، ثم لا تطيبُ نفوسهم بأن يُقِرُّوا بتفاصيل أعمالهم عند الناس، فيما يتعلق بإرضاء خصومهم لم أَخَلُّوا من معاملاتهم، ثم الله يؤاخذهم بالكبير والصغير، والنقير والقطمير، ثم يبقون أبداً في وبال ما أحقبوه، لأن شؤم ذلك يلحقَهم في أُخراهم.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}
أما المسلمون فإذا وردوا عليهم، وسألوهم عن أحوال محمد- صلى الله عليه وسلم- وعما أَنزل اللَّهُ عليه، قالوا: دينه حقٌّ، واللَّهُ أَنزل عليه الحقَّ.. والذين أحسنوا في الدنيا يجِدُون الخير في الآخرة.
ويقال في هذه الدنيا حسنة، وهي ما لهم من حلاوة الطاعة بصفاء الوقت ويصحُّ أن تكونَ تلك الحسنةُ زيادةَ التوفيق لهم في الأعمال، وزيادةَ التوفيقِ لهم في الأحوال.
ويصح أن يقال تلك الحسنة أَنْ يُوَفِّقَهم بالاستقامة على ما هم عليه من الإحسان.
ويصح أن يقال تلك الحسنة أن يُبَلِّغهم منازلَ الأكابر والسادة.
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24].
ويصح أن تكون تلك الحسنة ما يتعدَّى منهم إلى غيرهم من بركات إرشادهم للمريدين، وما يجري على من اتبعهم مما أخذوه وتعلموه منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يهتدي بهداك رجل خير لك من حمر النعم».
ثم قال: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خيْرٌ}، لأن ما فيها يبقى، وليس فيها خطر الزوال. ولأن في الدنيا مشاهدة وفي الآخرة معاينة.

.تفسير الآية رقم (31):

{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)}
كما أن الإرادات والهمَمَ تختلف في الدنيا فكذلك في الآخرة، وفي الخبر: «مَنْ كان بحالةٍ لَقِيَ الله بها» فَمِنْ مريدٍ يكتفي من الجنة بورودها، ومن مريدٍ لا يكتفي من الجنة دون شهود ربِّ الجنة.
ويقال إذا شاءوا أن يعودوا إلى ما فاتهم من قصورهم، وما وجدوا في ذلك من صحبة اللَّعينِ في سائر أحوالهم وأمورهم يسلم لهم ذلك، ومن شاء أن تدومَ رؤيتُه، ويتأبَّدَ سماعُ خطابه فلهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد، وهو ما لم يخطر ببال أحد.

.تفسير الآية رقم (32):

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}
يقبض أرواحَهم طيبً. أويقال: {طَيِّبِينَ} حال.
والأسباب التي تطيب بها قلوبُهم وأرواحُهم مختلفة، فمنهم مَنْ طاب وقتُه لأنه قد غُفِرَتْ ذنوبُه، وسُتِرتْ عيوبه، ومنهم مَنْ طاب قلبُه لأنه سَلَّمَ عليه محبوبُه، ومنهم من طاب قلبه لأنه لم يَفُتْه مطلوبه.
ومنهم من طاب وقته لأنه يعود إلى ثوابه، ويصل إلى حُسْنِ مآبه.
ومنهم من يطيب قلبه لأنه أَمِنَ من زوال حالِه، وحظي بسلامة مآله، ومنهم من يطيب قلبُه لأنه وصل إلى أفضاله، وآخر لأنه وصل إلى لطف جماله، وثابث لأنه خُصَّ بكشف جلاله- قد عَلِمَ كلُّ أناسٍ مَشْرَبَهم.
ويقال: {تَتَوَفَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ} طيبة نفوسهم أي طاهرةٌ من التدنُّس بالمخالفات، وطاهرةً قلوبهُم عن العلاقات، وأسرارهم عن الالتفات إلى شيء من المخلوقات.
قوله تعالى: {سَلاَمٌ عَلَيّكُمُ} إِحْظَوْا بالجنة، منهم مَنْ يخاطبه بذلك المَلَكَ، ومنهم مَنْ يُكَاشِفه بذلك المَلِكُ.

.تفسير الآيات (33- 34):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)}
القوم ينتظرون مجيءَ المَلَكِ لأنهم لم يعرفوه ولم يعتقدوا كونَه. ولكن لمَّا كانوا يستعجلون معتقدين أن الرسلَ غيرُ صادقين، ولمَّا سلكوا مسلكَ أضرابهم من المتقدمين- عوملوا بمثل ما لَقِي أسلافُهم، وما كان ذلك من الله ظلماً، لأنه يتصرف في مُلْكه من غير حُكْم حاكم عليه.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)}
خَبثَتْ قصودُهم فيما قالوا على وجه التكذيب والاستهزاء، وغَلَبَتْ على نطقهم ظلمات جهلهم وجحدهم، وانكشف عدمُ صِدْقِهم في أحوالهم.
وقولهم: {لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا عَبَدَنَا مِن دُونِهِ مِن شَيء...} يشبه قولهم: {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47]. ولا خلاف أن الله لو شاء أن يطعمهم لكان ذلك.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
لم يُخْلِ زماناً من الشرع توضيحاً لحجته، ولكن فرَّقهم في سابِق حُكْمِه؛ ففريقاً هداهم، وفريقاً حَجَبَهم وأعماهم.

.تفسير الآية رقم (37):

{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}
ألزمهم الوقوفَ على حدِّ العبودية في إرادة هدايتهم ومعرفتهم حقائق الربوبية فقال: إنك وإنْ كنتَ بأمرنا لك حريصاً على هدايتهم؛ فإن من قَسَمْتُ له الضلالَ لا يجري عليه غيرُ ما قَسمْتُ له.
ويقال لمن ألبستُه صدارَ الضلال لا تنزعه وسيلةٌ ولا شفاعة.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)}
القَسَمُ يؤكِّد الخبرَ، ولكنَّ يمينَ الكاذب توجِب ضَعْفَ قوله؛ لأنه كلما زاد في جحد الله ازداد القلبُ نفرةً.

.تفسير الآية رقم (39):

{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)}
إذا بيَّن الله صِدْقَ ما ورد به الشرع في الآخرة بكشف الغيب زاد افتضاحُ أهل التكذيب فيكون في ذلك زيادةٌ لهم في التعذيب.

.تفسير الآية رقم (40):

{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}
فيكون بالسمع عِلْمُ تَعَلُّقِ قَوْلِه بما يفعله، وحَمَله قومٌ على أن معناه أنه لا يتعسَّرُ عليه فعلُ شيءٍ أراده، فالآية على القولين جميعاً.
والذي لا يحتاج في فعله إلى مادة يخلق منها لا يفتقر إلى مدةٍ يقع الفعل فيها.
وتدل الآيةُ على أنَّ قولَه ليس بمخلوق؛ إذ لو كان مخلوقاً لكان مقولاً له: كن، وذلك القول يجب أن يكون مقولاً له بقولٍ آخر وهذا يؤدي إلى أن يتسلسل ما يحصل إلى ما لا نهاية له.

.تفسير الآية رقم (41):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}
مَنْ هَاجَرَ عن أوطان السوء- في الله- أبدل له اللَّهُ في جوار أوليائه ما يكون له في جوارهم معونَةٌ على الزيادة في صفاء وقته، ومَنْ هَجَرَ أوطانَ الغفلة مَكَّنَهُ الله مِنْ مشاهدِ الوصلة. ومَنْ فَارقَ مجالسة المخلوقين، وانقطع بقلبه إليه- سبحانه- باستدامة ذكره- فكما في الخبر: «أنا جليس من ذكرني» وبدايةُ هؤلاء القوم نهايةُ أهل الجنة؛ ففي الخبر «الفقراء الصابرون جلساءُ الله يوم القيامة» ويقال القلبُ مطلومٌ من جهة النَّفْس لما تدعوه إليه من شهواتها، فإذا هجرها أورث اللَّهُ القلبَ أوطانَ النَّفْس حتى تنقادَ لما يطالِبُ به القلبُ من الطاعة؛ فبعد ما تكون أوطان الزَّلَّةِ بدواعي الشهوة تصير أوطانَ الطاعة لسهولة أدائها.