فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (50):

{فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)}
الناس- في المغفرة- على أقسام: فمنهم من يستر عليه زَلَّتَه، ومنهم من يستر عليه أعماله الصالحة صيانةً له عن الملاحظة، ومنهم من يستر حاله لئلا تُصيبَه مِنَ الشهرةِ فتنةٌ، وفي معناه قالوا:
لا تُنْكِرَنْ جُحْدِي هَوَاكَ فإنما ** ذاك الجحودُ عليكَ سِتْرَ مُسْبَلُ

ومنهم مَنْ يستره بين أوليائه، لذلك وَرَدَ في الكتب: أوليائي في قبائي، لا يشهد أوليائي غيري.
{والرزق الكريم} ما يكون من وجه الحلال. ويقال ما يكون من حيث لا يَحْتَسِب العبدُ.
ويقال هو الذي يبدو- من غير ارتقابٍ- على رِفْقٍ في وقت الحاجة إليه.
ويقال هو ما يَحْمِلُ المرزوقَ على صَرْفهِ في وَجْهِ القربة. ويقال ما فيه البركة.
ويقال الرزق الكريم الذي يُنال من غير تعب، ولا يتقلد مِنَّةً مخلوق.

.تفسير الآية رقم (51):

{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)}
في الحال في معَجَّلهِ الوحشهُ وانسدادُ أبوابِ الرشدِ، وتنغصُ العَيْش، والابتلاءُ بمن لا يعطف عليه ممن لا يخافون الله.
وفي الآخرة ما سيلقون من أليم العقوبة على حسب الإجرام.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)}
الشياطين يتعرَّضون للأنيباء عليهم السلام ولكن لا سلطانَ ولا تأثيرَ في أحوالهم منهم، ونبيُّنا- صلى الله عليه وسلم- أفضل الجماعة.
وإنما الشياطين تخييلٌ وتسويل من التضليل. وكان لنبيِّنا- صلى الله عليه وسلم- سَكَتَاتٌ في خلال قراءة القرآن عند انقضاء الآيات، فيتلَفَّظ الشيطانُ ببعض الألفاظ، فَمَنْ لم يكن له تحصيلٌ تَوَهَّّمَ أنه كان من ألفاظِ الرسولِ- عليه الصلاة والسلام وصار فتنةً لقومٍ.
أما- الذين أيدهم بقوة العصمة، وأدركتهم العناية فقد استبصروا ولم يُضِرْهُم ذلك.

.تفسير الآيات (53- 55):

{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)}
إذا أراد اللَّهُ بِعَبْدِه خيراً أمدَّه بنور التحقيق، وأَيَّده بحسن العصمة، فيميِّز بحسن البصيرة بين الحق والباطل؛ فلا يُظلُّه غمامُ الرَّيْبِ، وينجلي عنه غطاءُ الغَفْلَة، فلا تأثير لضبابِ الغداةِ في شُعاع الشمس عند متوع النهار، وهذا معنى قوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ في مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ}

.تفسير الآية رقم (56):

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)}
لم يتخصصْ مُلْكه- سبحانه- بيومٍ، ولم تتحدد له وقتيةُ أَمْرٍ، ولا لجلاله قَدْرٌ، ولكنَّ الدعاوى في ذلك اليوم تنقطع، والظنون ترتفع، والتجويزات تتلاشى؛ فللمؤمنين وأهل الوفاق نِعَمٌ، وللكفار وأصحاب الشقاق نِقَم.

.تفسير الآيات (57- 58):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)}
هؤلاء لهم عذاب مهين، وهؤلاء لهم فضل مبين.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا...} للقلوب حلاوةَ العرفان، وللأرواح حُلَّةُ المحاب،
وللأسرار دوام الشهود.

.تفسير الآية رقم (59):

{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}
إدخالاً فوق ما يَتَمَنّونَه، وإبقاءً على الوصف الذي يُهْدَوْنه ذلك في أوان صحوهم لينالوا لطائفَ الأُنْسِ على وصف الكمال، ويتمكنوا من قضايا البَسْطِ على أعلى أحوال السرور.

.تفسير الآية رقم (60):

{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}
نصْرُه- سبحانه- للأولياء نَصْرٌ عزيز، وانتقامه بتمام، واستئصالُه بكمال، وإزهاقه أعداءَه بتمحيق جملتهم، وأَلا يحتاجَ المنصورُ إلى الاحتيالِ أو الاعتضادِ بأَشكال.

.تفسير الآية رقم (61):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)}
كما في أفقِ العَالَم لَيْلٌ ونهار فكذلك للسرائر ليل ونهار؛ فعند التجلي نهار وعند الستر ليل، ولليلِ السِّرِّ ونهاره زيادةٌ ونقصان، فبمقدار القبض ليلٌ وبمقدار البسط نهارٌ، ويزيد أحدُهما على الآخرِ وينقص وهذا للعارفين. فأَمَّا المحقَّقُون فَلَهُم الأُنْسُ والهيبةُ مكانَ قبضِ قوم وبَسْطِهم، وذلك في حَالَيْ صحوهم ومحوهم، ويزيد أحدهما وينقص، ومنهم من يدوم نهارُه ولا يدخل عليه ليلٌ.. وذلك لأهل الأنُسْ فقط

.تفسير الآية رقم (62):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}
إذا بدا عِلْمٌ من الحقائق حَصَلَت بمقداره شظية من الفناء لِمَنْ حَصَلَ له التجلي، ثم يزيد ظهورُ ما يبدو ويغلب، وتتناقصُ آثارُ التفرقة وتتلاشى، قال: صلى الله عليه وسلم: «إذا أَقبل النهارُ من هاهنا أدبر الليلُ من ها هنا» فإذا نأى العبدُ بالكليةِ عن الإحساسِِ بما دون اللَّهِ فلا يشهد أولاً الأشياءَ إلا للحقِّ، ثم لا يشهدها إلا بالحقِّ، ثم لا يشهد إلا الحق.. فلا إحساسَ له بغير الحق، ومِنْ جملة ما ينساه.. نَفْسُه والكونُ كله.

.تفسير الآية رقم (63):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)}
ماءُ السماءِ يحيي الأرض بعد موتها، وماءُ الرحمةِ يحيي أحوال أهلِِ الزَّلةِ بعد تَرْكِها، وماءُ العناية يحيي أحوال (...) بعد زوال رونقها، وماء الصولة يحيي أهل القربة بعد نضوبها.

.تفسير الآية رقم (64):

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)}
المُلْكُ له، وهو عن الجميع غني، فهو لا يستغني بمُلْكُه، بل مُلْكُه بصير موجوداً بخَلْقهِ إياه؛ إذ المعدوم له مقدور والمقدور هو المملوك.
ويقال كما أنه غنيٌّ عن الأجانب ممن أثبتهم في شواهد الأعداء فهو غنيٌّ عن الأكابر وجميع الأولياء.
ويقال إذا كان الغيُّ حميداً فمعنى ذلك أنه يُعْطِي حتى يُشْكَر.
ويقال الغنيُّ الحميد المستحِقُّ للحمد: أعطى أو لم يُعْطِ؛ فإن أَعْطى استحقَّ الحمدَّ الذي هو الشكر، وإنْ لم يُعْطِ استحق الحمد الذي هو المدح.

.تفسير الآية رقم (65):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)}
أراد به تسخيرَ الانتفاع بها؛ فما للخَلْقِ به انتفاع ومُيَسَّرٌ له الاستمتاع به فهو كالمُسّخَّرِ له على معنى تمكينه منه، ثم يُرَاعَى فيه الإذنُ؛ فَمَنْ استمتع بشئ على وجه الإباحة والإذن والدعاء إليه والأمر به فذلك إنعامٌ وإِكرامٌ، ومَنْ كان بالعكس فمكْرٌ واستدراج.
وأمَّا السفينة.. فإلهامُ العبد بصنعها ووجوه الانتفاع بها؛ بالحَمْل فيها وركوبها فَمِنْ أعظم إحسان الله وإرفاقه بالعبد، ثم ما يحصل بها من قَطْع المسافات البعيدة. والتوصل بها إلى المضارب النائية، والتمكن من وجوه الانتفاع ففي ذلك أعظمُ نعمة، وأكملُ عافية.
وجعل الأرضَ قراراً للخَلْقِ من غير أن تميد، وجعل السماءَ بناء من غير وقوع، وجعل فيها من الكواكب ما يحصل به الاهتداء في الظلام، ثم هي زينة السماء- وفي ذلك من الأدلة ما يوجب ثَلَجَ الصدر وبَرْدَ اليقين.

.تفسير الآية رقم (66):

{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)}
إحياءُ النفوسِ وإماتتها مراتٌ محصورةٌ، وإحياءُ أوقاتِ العُبَّاد وإماتتها لا حَصرَ له ولا عَدَّ، وفي معناه أنشدوا.
أموتُ إذا ذكرتُك ثم أحيا ** فكم أحيا عليكَ وكم أموتُ

ويقال يُحْيي الآمالَ بإشهادِ تفضله، ثم يميتها بالإطلاع على تَعَزُّزِه.
ويقال هذه صفة العوام منهم، فأمَّا الأفاضل فحياتُهم مسرمدة وانتعاشهم مؤبَّدّ. وأنَّى يحيا غيرُه وفي وجوده- سبحانه- غُنْيَةٌ وخَلَفٌ عن كل فائت؟

.تفسير الآية رقم (67):

{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)}
جَعَلَ لكلِّ فريقٍ شِرْعةً هم واردوها، ولكلِّ جماعةٍ طريقةً هم سالكوها.
وجعل لكلِّ مقام سُكَّانَه، ولكلَّ محلِّ قُطَّانَه، فقد ربط كُلاً بما هو أهلٌ له، وأوصل كلاًّ إلى ما جعله محلاًّ له؛ فبِساط التَّعَبُّدِ موطوءٌ بأَقدامِ العابدين، ومشاهد الاجتهاد معمورةٌ بأصحاب التكلف من المجتهدين، ومجالسُ أصحابِ المعارفِ مأنوسةٌ بلزوم العارفين، ومنازلُ المحبين مأهولةٌ بحضور الواجدين.
قوله: {فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ في الأَمْرِ...} اشْهَدْ تصاريفَ الأقدار، واعمل بموجِب التكليف، وانتِه دون ما أُذِنْتْ له من المناهل.

.تفسير الآية رقم (68):

{وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)}
كِلْهُم إلينا عندما راموا من الجدال، ولا تتكل على ماتختاره من الاحتيال، واحذر جنوحَ قلبك إلى الاستعانة بالأمثال والأشكال، فإنهم قوالبُ خاويةٌ، وأشباحٌ عن المعاني خالية.

.تفسير الآية رقم (69):

{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)}
أَمَّا الأجانب فيقول لهم: {كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوِمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14]، وأمّا الأولياء فقومٌ منهم يحاسبهم حساباً يسيراً، وأقوام مخصصون يقول لهم: بيني وبينكم حساب؛ فلا جبريلَ يحكم بينهم ولا ميكائيل، ولا نبيٌّ مرسَلٌ، ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ.
{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يحكم بينهم فيسأل عن أعماله جميعَ خصمائه، ويأمر بإرضاء جميع غُرَمَائِه.

.تفسير الآية رقم (70):

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)}
يعلم السِّرَّ والنجوى، وماتكون حاجةُ العبدِ له أَمَسَّ وأقوى، وبكلِّ وجهٍ هو بالعبد أَوْلى، وله أن يحمل له النُّعْمى، ويزيل عنه البَلْوى، ولا يسمع منه الشكوى، فله الحُكْمُ تبارك وتعالى.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)}
الآية تشير أَنَّ مَنْ جملة خواصِّه أفرده- سبحانه- ببرهان، وأَيَّده ببيان، وأعزَّه بسلطان. ومَنْ لا سلطانَ له يمتد إليه قَهْرُه، ومن لا برهان له ينبسط عنه- إلى غيره- نورُه، فهو بِمَعزِلٍ عن جملته.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)}
لِسَمَاعِ الخطاب أَثّرٌ في القلوبِ من الاستبشارِ والبهجة، أوالإنكار والوحشةِ. ثم ما تخامره السرائرُ يلوحُ على الأسِرّةِ في الظاهر؛ فكانت الآياتُ عند نزولِِها إذا تُلِيَتْ على الكافر يلوح على وجوهِهم دُخَانُ ما تنطوي عليه قلوبُهم من ظلماتِ التكذيب، فما كان يقع عليهم طَرْفٌ إلاَّ نَبَّأ عن جحودهم، وعادت إلى القلوب النُّبُوءَةُ عن إقلاعهم.
ثم أخبر أنَّ الذي هم بصَدَدِه في الآخرةِ من أليم العقوبةِ شرٌّ بكل وجهٍ لهم مِمَّا يعود إلى الرائين لهم عند شهودهم. وإنّ المناظِرَ الوضيئة للرائين مُبْهِجةٌ، والمناظِرَ المُنْكَرَة للناظرين إليها موحِشَة.

.تفسير الآية رقم (73):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)}
نَبه الأفكارَ المُشتَّتَةَ، والخواطرَ المتفرقة على الاستجماع لِسِماع ما أراد تضمينه فيها؛ فاستحضرها فقال: {ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ...}.
ثم بيَّنَ المعنى فقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} أي وتسمونها آلهة أنها للعبادة مستحقة لن يخلقوا بأجمعهم مذباباً، ولا دونَ ذلك. وإنْ يسلبهم الذبابُ شيئاً بأن يقع على طعام لهم فليس في وسعهم استنقاذهم ذلك منه، ومَنْ كان بهذه الصفة فَسَاءَ المَثَلُ مَثلُهم، وضَعُفَ وصفُهم، وقَلَّ خَطَرُهم.
ويقال إن الذي لا يقاوم ذباباً فيصير به مغلوباً فأَهْوِنِ بِقَدْرِه!