فصل: تفسير الآيات (41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (41- 42):

{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)}
{قَالَ نِكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِى أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ}.
أراد سليمانُ أن يمتحنَها وأن يختبرَ عقلَها، فأمر بتغيير عرْشِها، فلمَّا رأته:-
{قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}.
فاستدلَّ بذلك على كمالِ عقلها، وكان ذلك أمراً ناقضاً للعادة، فصار لها آية وعلامةً على صحة نبوة سليمان- عليه السلام- وأسلَمَتْ.

.تفسير الآيات (43- 44):

{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}
كان ذلك امتحاناً آخرَ لها. فقد أَمَرَ سليمانُ الشياطينَ أن يصنعوا من الزجاج شِبْهَ طبقٍ كبيرٍ صافٍ مضيءٍ، ووَضَعَه فوق بِرْكَةٍ بها ماء كثير عميق، يُرَى الماءُ من أسفل الزجاج ولا يُمَيَّزُ بين الزجاج والماء، وأُمِرَتْ أن تخوضَ تلك البركة، فكَشَفَتْ عن ساقيها؛ لأنها وُصِفَتْ لسليمان بأنها جِنِّيةُ النَّسَبِ. وأن رجليها كحوافر الدواب، فَتَقَوَّلوا عليها، ولمَّا تَوَهَّمَتْ أنها تخوض الماءَ كَشَفَتْ عن ساقيها، فرأى سليمان رِجْلَيْها صحيحين. وقيل لها: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِن قَوَارِيرَ}: فصار ذلك أيضاً سبباً وموجباً ليقينها. وآمنَتْ وتزوج بها سليمان عليه السلام.

.تفسير الآيات (45- 50):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)}
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}.
ذكر قصةَ ثمود، وقصة نبيِّهم صالح عليه السلام، وما جرى بينه وبينهم من التكذيب، وطلبهم منه معجزةً، وحديث الناقة وعقرها، وتبرمهم بالناقة بعد أن رأوا فيها من الفعل الذي كانت لهم فيه أعظم آية إلى قوله: {وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
ومَكْرُهُم ما أظهروا في الظاهر من موافقة صالح، وعقرهم الناقة خفيةٌ، وتوريك الذَّنبِ على غير جارمه، والتبرِّي من اختيارهم ذلك.
وأمَّا مَكْرُ اللَّهِ جزاؤهم على مَكِرْهم بإخفاء ما أراد بهم من العقوبة عنهم، ثم إحلالهم بهم بغتةً. فالمَكْرُ من الله تخليتُه إياهم مع مَكْرِهم بحيث لا يعصمهم، وتزيينُ ذلك في أعينهم، وتجيبُ ذلك إليهم ولو شاء لَعَصَمَهُم. ومن أليم مَكْرِهِ انتشارُ الصيت بالصلاح، والعمر في السَِّرِّ بخلاف ما يتوهم بهم من الصلاح، وفي الآخرة لا يَجُوزُ في سُوقِها هذا النَّقْدُ!.

.تفسير الآية رقم (51):

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)}
أهلكهم ولم يغادر منهم أحداً.

.تفسير الآية رقم (52):

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)}
وفي الخبر: «لو كان الظلمُ بيتاً في الجنة لَسَلَّطَ اللَّهُ عليه الخرابَ»؛ فالنفوسُ إذا ظَلَمت بِزَلاَّتها خربت بلحوقها شؤم الذَّلة حتى يتعود صاحبُها الكسلَ، ويستوطن مركبَ الفشل، ويُحْرَم التوفيق، ويتوالى عليه الخذلانُ وقسوةُ القلب وجحودُ العين وانتفاءُ تعظيمِ الشريعة من القلب. وأصحابُ القلوبِ إذا ظلموها بالغفلة ولم يحاولوا طَرْدَها عن قلوبهم خربت قلوبُهم حتى تقسوا بعد الرأفة، وتجف بعد الصفوة.
فخرابُ النفوس باستيلاء الشهوة والهفوة، وخرابُ القلوب باستيلاء الغفلة والقسوة، وخراب الأرواح باستيلاء الحجبة والوقفة، وخراب الأسرار باستيلاء الغيبة والوحشة.

.تفسير الآيات (54- 55):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)}
ذَكَرَ قصة لوطٍ وأمته، وما أصَرُّوا عليه من الفاحشةِ، وما أَحَلَّ اللَّهُ بهم من العقوبة، وإحلالَ العقوبة بامرأته التي كانت تطابق القومَ، وتخليص الحقُّ لوطاً من بينهم، وما كان من أمر الملائكة الذين بُعِثُوا لإهلاكهم.

.تفسير الآية رقم (59):

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
هم الذين سَلَّم عليهم في آزاله وهم في كتم العَدَمِ، وفي متناول علمه ومتعلق قدرته، ولم يكونوا أعياناً في العَدَم ولا أفادوا، فلمَّا أظهرهم في الوجود سَلَّم عليهم بذلك السلام، ويُسْمِعُهم في الآخرة ذلك السلام. والذين سَلَّم عليهم هم الذين سَلِمُوا اليومَ من الشكوك والشُّبَهِ، ومن فنون البِدَعِ، ومن وجوه الألم، ثم من فنون الزَّلَلِ وصنوفِ الخَلَلِ، ثم من الغيبة والحجبة وما ينافي دوام القربة.
ويقال اصطفاهم، ثم هداهم، ثم آواهم، وسَلَّم عليهم قبل أَنْ خَلَقَهم وأبداهم، وبعد أن سَلَّم عليهم بودِّه لَقَّاهم.
ويقال: اصطفاهم بنورِ اليقين وحُلَّةِ الوَصْلِ وكمالِ العَيْش.

.تفسير الآية رقم (60):

{أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَآ}.
فثمراتُ الظاهرِ غذاءُ النفوس، وثمراتُ الباطِن والأسرار ضياءُ القلوبِ، وكما لا تبقى في وقت الربيع من وحشة الشتاءِ بقيةٌ فلا يبقى في قلوبهم وأوقاتهم من الغيبةِ والحجبةِ والنفرةِ والتهمةِ شَظِيَّة.

.تفسير الآية رقم (61):

{أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
قوله جلّ ذكره: {أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ}.
نفوسُ العابدين قرارُ طاعتهم، وقلوبُ العارفين قرار معرفتهم، وأرواح الواجدين قرار محبتهم، وأسرار الموحِّدين قراب مشاهدتهم، في أسرارهم أنوار الوصله وعيون القربة، وبها يسكن ظمأُ اشتياقهم وهيجانُ قَلَقِهم واحتراقِهم.
{وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ} من الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة.
ويقال: {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ} اليقين والتوكل.
ويقال الرواسي في الأرض الأبدالُ والأولياء والأوتاد؛ بهم يديم إمساكَ الأرض، وببركاتهم يَدْفَعُ عن أهلها البلاء.
ويقال الرواسي هم الأئمة الذين يَهْدُون المسترشدين إلى الله.
قوله جلّ ذكره: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
{وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً} بين القلب والنفس لئلا يغلب أحدُهما صاحبَه. ويقال بين العبودية وأحكامها، والحقيقة وأحكامها، فلو غَلَبَتْ العبوديةُ كان جَحْداً للحقيقة، ولو غلبت الحقيقةُ العبوديةَ كانت طَيّاً للشريعة.
ويقال: ألْسِنَةُ المريدين مَقَرُّ ذكره، وأسماعُهم مَحلُّ الإدراك الموصِّل إلى الفهم، والعيون مقر الاعتبار.

.تفسير الآية رقم (62):

{أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}
قوله جلّ ذكره: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}. فَصَلَ بين الإجابة وبين كَشْفِ السوء؛ فالإجابةُ بالقَولِ والكشفُ بالطَّوْلِ، الإجابة بالكلام والكشفُ بالإنعام. ودعاءُ المضطر لا حجابَ له، وكذلك دعاء المظلوم ولكن {لِكُلِّ أَجِلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
ويقال للجناية: سراية؛ فَمَنْ كان في الجناية مختاراً فليس تسلم له دعوى الاضطرار عند سراية جُرْمِه الذي سَلَفَ منه وهو مختارٌ فيه، فأكثر الناس يتوهمون أنهم مضطرون، وذلك الاضطرار سراية ما بَدَرَ منهم في حال اختيارهم.
وما دام العبدُ يتوهم من نفسه شيئاً من الحَوْلَ والحيلة، ويرى لنفسه شيئاً من الأسباب يعتمد عليه أو يستند إليه- فليس بمضطرٍ، فالمضطرُّ يرى نَفْسَه كالغريق في البحر، أو الضَّالِّ في المتاهة، وهو يرى عِنَانَه بيد سَيِّدِه، وزِمَامه في قبضته، فهو كالميت بين يدي غاسِله، وهولا يرى لنفسه استحقاقاً للنجاة؛ لاعتقاده في نفسه أنه من أهل السخط، ولا يقرأ اسمه إلا من ديوان الشقاوة.
ولا ينبغي للمضطر أن يستعين بأحدٍ في أن يدعوَ له، لأنَّ اللَّهَ وَعَدَ الإجابة له..... لا لمن يدعو له.
ثم كما وَعَدَ المضطرَّ الإجابةَ وكَشْفَ السوء وَعَدَه بقوله:-
{وَيَجْعَلُكُمْ خَلَفَآءَ الأَرْضِ أَءِلَه مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}.
فإنَّ مع العسر يسراً، ولم يقل: العسر إزالة، ولكن قال: مع العسرِ يُسْرٌ؛ فنهارُ اليُسْرِ حاصلٌ بعد ظلام العُسْرِ.
ثم قال: {أَءِلَه مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} لأنَّ العبدَ إذا زَالَ عُسْرهُ، وكُشِفَ عنه ضُرُّه نَسِيَ ما كان فيه، وكما قال القائل:
كأنَّ الفتى لم يَعْرَ يوماً إذا اكتسى ** ولم يَكُ صعلوكاً إذا ما تَمَوَّلاَ

.تفسير الآية رقم (63):

{أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}
قوله جلّ ذكره: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ في ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.
إذا أظلم الوقتُ على صاحبه في متعارض الخواطر عند استبهام وجه الصواب، وضاق الأمرُ بسبب وحشة التدبير وظلمات أحوال التجويز، والتحيُّر عند طلب ترجيح بعض الخواطر على بعضٍ بشواهد العقل.. فَمَنْ الذي يرشدكم لوجه الصواب بِتَركِ التدبير، وللاستسلام لحكم التقدير، وللخروج من ظلمات مجوَّزات العقول إلى قضايا شهود التقدير، وتفويض الأمر إلى اختيار الحق، والاستسلام لما جَرَتْ به الأقسامُ، وسبَقَت به الأقدار؟.
قوله جلّ ذكره: {وََمَن يُرْسِلُ الرِّّيَاحَ بُشْرَا بَيْنَ يَدَى رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
مَنْ الذي يُرْسِلُ رياحَ فَضْلِه بين يدي أنوار اختياره فيمحوَ آثارَ اختيارِ نَفْسِك، ويعجِّلَ بحُسنْ الكفاية لك؟
ويقال: يرسل رياحَ التوكل فيُطَهِّرُ القلوبَ من آثار الاختيار وأوضار التدبير، ثم يُطْلِعُ شموسَ الرضا فيحصلُ بَردُ الكفاية فوق المأمول في حال سكينة القلب.. {أَءِلَةٌ مَّعَ اللَّهِ}؟ {تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ}: من إحالة المقادير على الأسباب.

.تفسير الآية رقم (64):

{أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}
يُظِهرُ ما يُظْهِرُ بقدرته على مقتضى سابق حُكْمِه، ويخصص ما تعلقت به مشيئته وحقَّ فيه قولُه، وسَبَقَ به قضاؤه وقَدَرُه فإذا زال وانتفى وانعدم بعضُ ما يظهر ويخصص.. فَمَنْ الذي يعيده مثلما بدأه؟ ومن الذي يضيَّق الرزقَ ويُوَسِّعُه؟ ومن الذي يقبض في بعض الأوقات على بعض الأشخاص؟ وفي وقت آخر مَنْ الذي يبسط على قوم آخرين؟
هل في قدرة أحدٍ غيرِ اللَّهِ ذلك؟
إِنْ توهمتم شيئاً منذ لك فأَوْضِحُوا عنه حُجَّتَكم.. وإذ قد عجزتم.. فهلاَّ صَدَّقْتُم؟ وبالتوحيد أقررتم؟.

.تفسير الآية رقم (65):

{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}
{الْغَيْبَ}: ما لا يطلع عليه أحد، وليس عليه للخلْق دليل، وهو الذي يستأثر بعلمه الحقُّ، وعلومُ الخَلْق عنه متقاصرة، ثم يريد اللَّهُ أن يخصَّ قوماً بعلمه أفردهم به.
{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}: فإنه أخفى علَم الساعة عن كل أحدٍ.

.تفسير الآية رقم (66):

{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)}
فهم في الجملة يَشُكُّون فيه؛ فلا ينفونه ولا بالقطع يجحدونه.. وهكذا حُكْمُ كلِّ مريضٍ القلب، فلا حياةَ له في الحقيقة، ولا راحةَ له من يأسه، إذ هو من البعث في شكٍّ، ومن الحياة الثانية في استبعاد.

.تفسير الآيات (67- 68):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}
وُعِدَ آباؤنا بذلك من قبل، ثم لم يكن لهم تحقيق، وما نحن إلا مِثْلُهم، وكانوا يسألون متى الساعة؟