فصل: تفسير الآيات (23- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (23- 24):

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)}
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتَ مِنَ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}.
مَنْ لم يَسْلُكْ سبيلَ الاتباع، ولم يستوفِ أحكامَ الرياضة، ولم يَنْسلِخْ عن هواه بالكليَّة، ولم يؤدَّبْه إمامٌ مُقْتَدَىٌ فهو ينجرفُ في كل وَهَدَةٍ، ويهيمُ في كلِّ ضلالة، ويضلُّ في كل فجِّ، خسرانُه أكثر من ربْحِه!! أولئك في ضلالٍ بعيد؛ يعملون القُرَبَ على ما يقع لهم من نشاطِ نفوسهم، زمامُهم بيد هواهم، أولئك أهل المكر , اسْتدْرِجُوا وما يَشْعُرون!.
قوله جلّ ذكره: {وَقَالُواْ مَا هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَالِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}.
لم يَعْتَبِروا بما اوجدوا عليه خَلَفَهم وسَلفَهم، وأَزْجَوْا في البهيمية عَيْشَهم وعُمْرَهم، وأعفوا عن كَدِّ الفكرة قلوبهم , فلا بالعلم استبصروا، ولا من التحقيق استمدوا. رأسُ مالِهم الظنُّ- وهم غافلون.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)}
طلبوا إحياءَ موتاهم، وسوف يَرَوْن ما استبعدوا.
ثم أخبر أنَّ مُلْكَ السمواتِ والأرضِ لله، وإذا أقام القيامةَ يُحْشَرُ أصحابُ البطلان، فإذا جاءهم يومُ الخصام.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
كلٌّ بحسابه مطالَبٌ.... فأمَّا الذين آمنوا فلقد فازوا وسادوا، وأمَّا الذين كفروا فهلكوا وبادوا.. ويقال لهم: أأنتم الذين إذا قيل لكم حديثُ عُقباكم كّذَّبتم مولاكم؟ فاليومَ- كما نسيتمونا- ننساكم، والنارُ مأواكم.

.تفسير الآيات (36- 37):

{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}
لله الحمدُ على ما يُبْدي ويُنْشي، ويحيي ويُفْني، ويُجْرِي ويُمْضِي.. إذ الحكْمُ لله، والكبرياءُ لله، والعظمةُ والسَّناءُ لله، والرفعة والبهاءُ لله.

.سورة الأحقاف:

.تفسير الآيات (1- 6):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)}
قوله جلّ ذكره: {حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ}.
حَمَيْتُ قلوبَ أهلِ عنايتي فَصَرَفْتُ عنها خواطرَ التجويز، وَثَبَّتُها في مشاهدِ اليقينِ بنور التحقيق؛ فلاحت فيها شواهدُ البرهان، فأضَفْنا إليها لطائفَ الإحسان؛ فكَمُلَ منالُها من عين الوصلة، وغذيناهم بنسيم الأَنْس في ساحات القربة.
{الْعَزِيزِ}: المُعزِّ للمؤمنين بإنزال الكتاب عليهم.
{الْحَكِيم}، المُحْكِم لكتابِه عن التبديل والتحويل.
قوله جلّ ذكره: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إلاًَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ}.
الكافرون مُعْرِضُون عن موضع الإنذار، مقيمون على حَدِّ الإصرار.
قوله جلّ ذكره: {قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَوَاتِ ائْتُونِى بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
أروني.. أي أثر فيهم في الملك، أو القدرة على النفع والضر؟ إن كانت لكم حُجَّةٌ فأَظْهِرُوها، أو دلالة فَبَيِّنوها.. وإذا قد عَجَزْتُم عن ذلك فهلاَّ رجعتم عن غيْكم وأقلعتم؟
قوله جلّ ذكره: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ}.
مَنْ أشدُّ ضلالاً مِمَّنْ عَبَدَ الجمادَ الذي ليس له حياة ولا له في النفع أو الضر إثبات؟.
قوله جلّ ذكره: {وَإذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}.
إذا حُشِرَ الناسُ للحساب وقعت العداوةُ بين الأصنام وعابديها.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
رموا رُسُلَنا بالسِّحر ثم بالافتراء والمكر.. قُلْ- يا محمد- كفى بالله بيني وبينكم شهيداً؛ أنتم أشركتم به، وأنا أخلصت له توحيداً. وما كنت بدعاً من الرسل؛ فلستُ بأول رسولٍ أُرْسِل، ولا بغيرما جاءوا به من أصول التوحيد جئتُ، إنما أمرتكم بالإخلاص في التوحيد، والصدقِ في العبودية، والدعاءِ إلى محاسن الأخلاق.

.تفسير الآيات (9- 11):

{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)}
قوله جلّ ذكره: {وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىِّ وَمَآ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
وهذا قبل أن نزل قوله تعالى: {لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تأَخَّرَ} [الفتح: 2].
وفي الآية دليلٌ على فساد قول أهل القَدَرِ والبدِعِ حيث قالوا: إيلامُ البريء قبيحٌ في العقل. لأنه لو لم يَجُزْ ذلك لكان يقول: أَعْلَمُ- قطعاً- أني رسول الله، وأني معصومٌ , فلا محالةَ يغفر لي، ولكنه قال: وما أدري ما يُفْعَلُ بي ولا بكم؛ لِيُعْلَمَ أن الأمرَ أمرُه، والحكمَ حكمُه، وله أن يفعلَ بعباده ما يريد.
قوله جلّ ذكره: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَئَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
تبيَّنَ له أنه لا عُذْرَ لهم بحال، ولا أمانَ لهم من عقوبةِ الله. وما يستروحون إليه من حُجَجِهم عند انفسهم كلُّها- في التحقيق- باطلٌ. واخبر ان الكفار قالوا: لو كان هذا الذي يقوله من الحشر والنشر حقًّ لم تتقاصر رتبتُنا عند الله عن رتبة أحدٍ، ولتَقَدَّمنا- في الاستحقاق- على الكُلِّ. ولمَّا لم يجدوا لهذا القول دليلاً صرَّحوا: {فَسَيَقُولُونَ هَذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ}.
ولقد بَعَثَ اللَّهُ أنبياءَه- عليهم السلام- وأنزل عليهم الكتب، وبيَّنَ في كلِّ كتابٍ، وعل لسانِ كلَِّ رسولٍ بأنه يبعث محمداً رسولاً، ولكن القومَ الذين في عصر نبيِّنا- صلى الله عليه وسلم- كتموه، وحسدوه.

.تفسير الآية رقم (13):

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)}
مضى تفسيرُ الاستقامة. وإنَّ مِنْ خرج على الإيمان والاستقامة حَظِيَ بكلِّ كرامة، ووصل إلى جزيل السلامة.
وقيل: السين في الاستقامة سين الطَّلَب؛ وإن المستقيم هو الذي يبتهل إلى الله تعالى في أن يُقيمَه على الحق، ويُثَبِّتُه على الصدق.

.تفسير الآيات (15- 16):

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)}
قوله جلّ ذكره: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً}.
أَمَرَ الإنسانَ برعاية حقِّ والديه على الاحترام، لما لهما عليه من حق التربية والإنعام، وإذا لم يُحْسِنْ الإنسانُ حُرْمةَ مَنْ هو مِنْ جنسه فهو عن حُسْنِ مراعاة سِّده أبعد. ولو لم يكن في هذا الباب إلا قوله- صلى الله عليه سلم: «رضا الرب من رضا الوالدين وسخطه في سخطهما» لكان ذلك كافياً. ورعايةُ حق الوالد من حيث الاحترام، ورعاية حق الأم من حيث الشفقة والإكرام. ووَعَدَ الوالدين قبولَ الطاعة بقوله جلَّ ذكره: {أُؤلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِئَّاتِهِم في أَصْحَبِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الذي كَانُواْ يُوْعَدُونَ}.
فقبولُ الطاعةِ وغفران الزَّلَّة مشروطان ببرِّ الوالدين، وقد ذمَّ اللَّهُ- سبحانه- الذي يتصف في حقهما بالتأفُّفِ، وفي ذلك تنبيهٌ على ما وراء ذلك من أي تعنُّف، وعلى أنَّ الذي يَسْلكُ ذلك يكونُ من أهل الخسران، وبالتالي يكون ناقصَ الإيمان.
وسبيلُ العبدِ في رعاية حق الوالدين أن يُصْلِح ما بينه وبين الله، فحينئذٍ يَصْلُحُ ما بينه وبين غيره- على العموم، وأهله- على الخصوص.
وشَرُّ خصَال الولد في رعاية حق والديه أَنْ يتبَرَّم بطول حياتهما، ويتأذَّى بما يحفظ من حقهما. وعن قريب يموت الأصلُ ويبقى النسلُ، ولابد من أن يتبع النسلُ الأصلَ، وقد قالوا في هذا المعنى:
رويدك إن الدهرَ فيه كفايةٌ ** لتفريق ذات البيْنِ.. فانتظر الدهرا

.تفسير الآية رقم (20):

{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)}
سبيلُ العبد ألا ينسى في كل حالٍ معبودَه، وأَنْ يتذكرَ أنه معه في همِّه وسروره، وفي مناجاته عند رخائه وبلائه. فإن اتفق أَنْ حَصَلَ له أَنْسٌ، وغَلَبَ عليه رجاءٌ وبسطٌ ثم هجم على قلبه قَبْضٌ أو مَسّهُ خوف.. فليخاطبْ ربَّه حتى لا يكونَ من جملة مَنْ قيل له: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّببَاتُكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)}
أخبر بالشرحِ عن قصة هود وقومه عاد وما جرى بينهم من الخطاب، وتوجّه عليهم من العتاب، وأَخْذِهم بأليم العذاب.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ}
فلم يُغْنِ عنهم ما آتيناهم.. وانظروا كيف أهلكناهم.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)}
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الجنِّ كما كان مبعوثاً إلى الإنس. وإن قوماً أتوه ليلة الجن وآمنوا به، ورجعوا إلى قومهم فأخبروهم، وآمن قومٌ منهم، فاليومَ في الجن مؤمنون، وفيهم كافرون.
{فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ} الصيحةُ على الباب وفوق البساط غيبةٌ؛ ولهذا لما حضر الجنُّ بساطَ خدمته- صلى الله عليه وسلم- تواصوا فيما بينهم بحفظ الأدب، وقالوا لما حضروا بساطَه: {أَنصِتُواْ}، فأهلُ الحضور صفتُهم الذبولُ والسكونُ، والهيبة والوقار. والثورانُ أو الإنزعاجُ يدل على غيبة أو قِلّةِ تيقُّظِ أو نقصان اطلاع. {فَلَمَّا قَضَى} يعني الوحي {وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} وأخبروهم بما رأوه وسمعوه.

.تفسير الآية رقم (31):

{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)}
يقال الإجابة على ضربين: إجابةٌ لله، وإجابة للداعي؛ فإجابة الداعي بشهود الوساطة- وهو الرسول صلى الله عليه وسلم-. وإجابةُ الله بالجهْرِ إذا بَلَغَتْهُ الرسالةُ على لسان السفير، وبالسِّرِّ إذا حصلت التعريفاتُ من الواردات على القلب؛ فمستجيبٌ بنفسه ومستجيبٌ بقلبه ومستجيبٌ بروحه ومستجيبٌ بسرِّه. ومن توقف عن دعاء الداعي إيِّاه، ولم يبادرْ بالاستجابة هُجِرَ فيما كان يُخَاطب به.

.تفسير الآيات (33- 35):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}
الرؤيةُ هنا بمعنى العلم.
{وَلَمْ يَعْىَ} أي ولم يعجز ولم يَضْعفُ.
قوله جلّ ذكره: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ}.
ثم يقال لهم على سبيل تأكيد إلزام الحجة:
قوله جلّ ذكره: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ}.
جزاءً لكم على كُفْركم.
قوله جل ذكره: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}.
أولو الجد والصبر والحزم. وجاء في التفسير أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه سلم. وقيل: هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام. وقيل: منهم يعقوب وأيوب ويونس.
والصبرُ هو الوقوفُ لحُكْمِ الله، والثباتُ من غير بثٍ ولا استكراهٍ.
قوله جلّ ذكره: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارِ}.
ويقال مُدّةُ الخلْقِ: من مبتدأ وقتهم إلى مُنتَهى آجالهم بالإضافة إلى الأزليّة كلحظةٍ بل هي أقلُّ؛ إذ الأزلُ لا ابتداء له ولا انتهاء.. وأي خَطَرٍ لما حصل في لحظةٍ خيراً كان أو شَرَّاً؟!