فصل: تفسير الآيات (22- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (22- 24):

{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)}
قوله جلّ ذكره: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ}.
إذا عزم ما الأمرُ- أي جَدَّ وفُرِضَ القتالُ- فالصدقُ والإجابةُ خيرٌ لهم من كذبهم ونفاقِهم وتقاعدِهم من الجهاد.
قوله جلّ ذكره: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيتُمْ أَن تُفْسِدُواْ في الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ}.
أي فلعلكم إنْ أَعرضتم عن الإيمان- بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم- ورجعتم إلى ما كنتم عليه أن تفسدوا في الأرض، وتسفكوا الدماءَ الحرامَ، وتقطعوا أرحامكم، وتعودوا إلى جاهليتكم.
قوله جلّ ذكره: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
أصمَّهم عن سماعِ الحقِّ وقبولِه بقلوبهم، وأعمى بصائرَهم.
قوله جلّ ذكره: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
أي إن تدَّبروا القرآن أفضى بهم إلى العرفان، وأراحهم من ظلمة التحيرُّ.
{أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}: أقفلَ الحقُّ على قلوب الكفار فلا يُدَاخِلُها زاجرُ التنبيه، ولا ينبسط عليها شعاعُ العلم، فلا يحصل لهم فَهْمُ الخطاب؛ فالبابُ إذا كان مُقفَلاً , فكما لا يدخل فيه شيءٌ لا يخرج منه شيء؛ كذلك قلوبُ الكفار مقفلةٌ، فلا الكفرُ الذي فيها يَخْرُجُ، ولا الإيمانُ الذي هم يُدْعَوْن إليه يدخل في قلوبهم.
وأهلُ الشِّرْكِ والكفرِ قد سُدَّت بصائرهم وغُطِّيَتْ أسرارهم، ولُبِّسَ عليهم وجهُ التحقيق.

.تفسير الآية رقم (25):

{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)}
الذي يطلع فجرُ قلبه، ويتلألأ نورُ التوحيد فيه، ثم قَبْلَ متوع نهارِ إيمانه انكسفت شمسُ يومهِ، وأظلم نهارُ عرفانه، ودَجا ليلُ شَكَّه، وغابت نجومُ عقله , فحدِّث عن ظُلُماتِه.....! ولا حرج!.
ذلك جزاؤهم على ممالأتهم مع المنافقين، وتظاهرهم.. فإذا تَوَفَّتْهُم الملائكةُ تتصل آلامُهم، ولا تنقطع بعد ذلك عقوباتُهم.

.تفسير الآيات (29- 32):

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)}
قوله جلّ ذكره: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضُ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}.
ليس الأمرُ كما تَتوَهَّموه، بل لله يفضحهم ويكشف تلبيسَهم، ولقد أخبر الرسولَ عنهم، وعرَّفه أعيانهم.
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِِ}.
أي في معنى الخطاب، فالأَسِرَّةُ تَدُلُّ على السريرة، وما يخامر القلوبَ فَعَلى الوجوهِ يلوحُ أثرُه:
لستُ ممن ليس يدري ** ما هوان من كرامة

إنَّ للحبِّ وللبغضِ علىلوجه علامة والمؤمنُ ينظر بنور الفراسة، والعارفُ ينظر بنورِ التحقيق، والموحِّدُ ينظر بالله فلا يستتر عليه شيء. ويقال: بصائرُ الصديقين غيرُ مُغَطَّاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سدوا كل خوخة غير خوخة أبي بكر».
قوله جلّ ذكره: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ}.
بالابتلاء والامتحان تتبين جواهرُ الرجال، فيظهر المخلصُ، ويفتضح الماذقُ، وينكشف المنافق، فالذين آمنوا وأخلصوا نجوا وتخلصوا، والذين كفروا ونافقوا وقعوا في الهوان وأُذِلُّوا، ووسِموا بالشَقاوة وقُطعوا.

.تفسير الآية رقم (33):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)}
{وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُمْ}: بالرياء والإعجاب والملاحظة.
{وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُمْ}: بالمساكنة إليها. {وَلاَ تُبْطُلواْ أَعْمَالَكُمْ} بطلب الأعواض عليها.
{وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُمْ}: بتوهمكم أنه يجب بها شيء دون فضل الله.

.تفسير الآيات (35- 38):

{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}
قوله جلّ ذكره: {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَهُ مَعَكُمْ}.
أي لا تميلوا إلى الصلح مع الكفار وانتم الأَعلون بالحجة.
أنتم الأعلون بالنصرة. قوله: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ}. أي بالنصرة ويقال: لا تضعفوا بقلوبكم، وقوموا بالله؛ لأنكم- والله معكم- لا يخفى عليه شيءٌ منكم، فهو على الدوام يراكم. ومَنْ عَلِمَ انَّ سَيِّدَه يراه يتحمل كلَّ مشتغلاً برؤيته: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.
أي لا ينقصكم أَجْرَ أعمالكم.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}.
تجنبوا الشِّركَ والمعاصي حتى يَفِيَكُم أجورَكم.
واللَّهُ لا يسألكم من أموالكم، إلا اليسير منها وهو مقدار الزكاة.
{إِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}.
الإحفاء: الإلحاح في المسألة.... وهذا إنما يقوله لمن لم يُوقَ شُحَّ نَفْسه، فأمَّا الإخوان ومَنْ عََلَتْ رتبتُهم في باب حرية القلب فلا يُسامَحون في استيفاءِ ذَرَّةٍ، ويُطالَبون ببذل الرُّوح، والتزام الغرامات.
قوله جلّ ذكره: {هَآ أَنتُمْ هَؤُلآءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ}.
البخلُ مَنْعُ الواجب، ووإذا بخل فإنما يبخل عن نفسه لأنه لو لم يفعل ذلك لَحَصَلَ له الثراء- هكذا يظن.
قوله جلّ ذكره: {وَاللَّهُ الْغَنِىُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ}.
غنيٌّ بنفسه على قول، وغنيٌّ بوصفه على القول الثاني. وغناه كونه لا تتقيد مراداتُه. أمَّا البعدُ فهو فقيرٌ بنفسه؛ لأنه لا يستغني عن مولاه؛ في الابتداء منذ خَلْقه إلى الانتهاء، وهو في دوام الاوقات مفتقرٌ إلى مولاه.
والفقيرُ الصادقُ مَنْ يشهد افتقارَه إلى الله. وصِدْقُ الفقير في شهود فقره إلى الله. ومَنْ افتقر إلى الله استغنى بالله، ومَنْ افتقر إلى غير الله وقع في الذُّلِّ والهوان.
ويقال: اللَّهُ غنيٌّ عن طاعتِكم، وأنتم الفقراءُ إلى رحمتِه.
ويقال: اللَّهُ غنيٌّ لا يحتاج إليكم، وأنتم الفقراءُ لأنكم لا بديلَ لكم عنه.
قوله جلّ ذكره: {وَإِن تَتَولَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم}.
يستبدل قوماً غيركم يكونون أشدَّ منكم طاعةً، وأصدقَ منكم وفاءً؛ فهو قادرٌ على خَلْق أمثالَكم ثم لا يكونون أمثالكم في العصيانِ والإعراضِ وتَرْكِ الشكرِ والوفاءِ , بل سيكونون خيراً منكم.

.سورة الفتح:

.تفسير الآيات (1- 2):

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)}
قوله جلّ ذكره: {إِنَّا فِتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً}.
قضينا لك قضاءَ بَيَّناً، وحكمنا لك َ بتقويةِ دينِ الإسلام، والنصرةِ على عدوِّك، وأكرمناكَ بفتح ما انغلق على قلبِ مَنْ هو غيرك- مِنْ قِبْلِك- بتفصيلِ شرائعِ الإسلام، وغير ذلك من فتوحات قلبه صلوات الله عليه.
نزلت الآيةُ في فتحِ مكة، ويقال في فتح الحُديبية.
ويقال: هديناك إل شرائع الإسلام، وَيَسَّرْنا لك أمورَ الدين.
قوله جلّ ذكره: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}.
كلا القسمين- المتقدِّم والمتأخِّر- كان قبلَ النبوة.
ويقال: {مَا تَقَدَّمَ} من ذَنْبِ آدمِ بحُرْمتك، {وَمَا تَأَخَّرَ}: من ذنوب أُمَّتك.
وإذا حُمِلَ على تَرْك الأوْلَى فقد غفر له جميع ما فعل من قبيل ذلك، قبل النبوة وبعدها.
ولمَّا تزلت هذه الآية قالوا: هنيئاً لك! فأنزل الله تعالى: {لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}..... ويقال. حسناتُ الأبرارِ سيئاتُ المقربين.
{وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}.
يتم نعمته عليك بالنبوة، وبوفاء العاقبة، ويبسط الشريعة، وبشفاعته لأمته، وبرؤية الله غداً، وبإظهار دينه على الأديان، وبأنه سيد ولد آدم، وبأنه أقْسَمَ بحياتِهِ، وخصَّه بالعيان. وبسماعِ كلامه سبحانه ليلةَ المعراج، وبأن بَعَثَه إلى سائِرِ الأمم.. وغير ذلك من مناقبه.
{وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتك على الصراط المستقيم، ويزيدك هدايةً على هداية، ويهدي بك الخَلْقَ إلى الحقِّ.
ويقال: يهديك صراطاً مستقيماً بترك حَظِّك.

.تفسير الآيات (3- 4):

{وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)}
قوله جلّ ذكره: {وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً}.
لا ذُلَّ فيه، وتكون غالباً لا يَغْلِبُكَ أحَدٌ:
ويقال: ينصرك على هواك ونَفْسِك، وينصرك بحُسْنِ خُلُقِك ومقاساةِ الأذى من قومك.
ويقال نصراً عزيزاً: مُعِزَّاً لك ولمن آمن بك.
وهكذا اشتملت هذه الآية على وجوهٍ من الأفضال أكْرَمَ بها نبيَّه- صلى الله عليه وسلم- وخصَّه بها من الفتح والظَّفَرِ على النَّفْس والعدو، وتيسير ما انغلق على غيره، والمغفرة، وإتمام النعمة والهداية والنصرة.. ولكلٍّ من هذه الأشياء خصائصُ عظيمةٌ.
قوله جلّ ذكره: {هُوَ الذي أَنزَلَ السَّكِينَةَ في قُلُوبِ الْمُؤمِنِينَ} السكينةُ ما يسكن إليه القلبُ من البصائر والحُجَج، فيرتقي القلبُ بوجودِها عن حدِّ الفكرة إلى رَوْحِ اليقين وثَلَج الفؤاد، فتصير العلومُ ضروريةٌ , وهذا للخواصَّ.
فأمّا عوامُّ المسلمين فالمرادُ منها: السكون والطمأنينة ُواليقين.
ويقال: من أوصافِ القلب في اليقين المعارف والبصائر والسكينة.
وفي التفاسير: السكينة ريح هفَّافة. وقالوا: لها وجهٌ كوجه الإنسان. وقيل لها جناحان.
{لِيَزْدَادُواْ إِيَماناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ}.
أي يقيناً مع يقينهم وسكوناً مع سكونهم. تطلع أقمارُ عين اليقين على نجوم علم اليقين، ثم تطلع شمسُ حقِّ اليقين على بَدْرِ عين اليقين.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}.
{جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وقيل: هي جميع القلوب الدالَّةِ على وحدانية الله.
ويقال: مُلْكُ السمواتِ والأَرضِ وما به من قوىً تقهر أعداءَ اللَّهِ.
ويقال: هم أنصارُ دينه.
ويقال: ما سلَّطه الحقُّ على شيءٍ فهو من جنوده، سواء سلَّطَه على ولِّيه في الشدة والرخاء، أو سلَّطَه على عدوِّه في الراحة والبلاء.

.تفسير الآية رقم (5):

{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5)}
يَسْتَرُ ذنوبَهم ويحطها عنهم.. وذلك فوزٌ عظيم، وهو الظَّفَرُ بالبغية.
وسُؤْلُ كلِّ أحدٍ ومأمولُه، ومُبْتغاه ومقصودُه مختلِفٌ..... وقد وَعَدَ الجميعَ ظَفَراً به

.تفسير الآيات (6- 9):

{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)}
قوله جلّ ذكره: {وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ الظَّآنِّينَ باللَّهِ ظَنَّ السُّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ}.
يعذبهم في الآجل بعذابهم وسوء عقابهم.
و{ظَنَّ السَّوْءِ}: هو ما كان بغير الإذن؛ ظنوا أَنَّ الله لا ينصر دينَه ونَبيَّه عليه السلام.
{عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ}: عاقبته تدور عليهم وتحيقُ بهم.
{وَلَعَنَهُمْ}: أبعدهم عن فضله، وحقت فيهم كلمتُه، وما سبقت لهم- من الله سبحانه- قِسْمِتُه.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}.
{أَرْسَلْناكَ شَاهِداً}: على أُمَّتِكَ يوم القيامة. ويقال: شاهداً على الرُّسُلِ والكتب.
ويقال: شاهداً بوحدانيتنا وربوبيتنا. ويقال: شاهداً لأمتك بتوحيدنا. {وَمُبَشِّراً}: لهم مِنَّ بالثواب، {وَنَذِيراً} للخَلْق؛ زاجِراً ومُحَذِّراً من المعاصي والمخالفات.
ويقال: شاهداًمِنْ قِبَلنا، ومُبَشِّراً بأمرنا، ونذيراً من لَدُنَّا ولنا ومِنَّا.
قوله جلّ ذكره: {لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
قرئ: ليؤمنوا بالياء؛ لأن ذكر المؤمنين جرى، أي ليؤمن المؤمنون بالله ورسوله ويعزروه وينصروه أي الرسول، ويوقروه: أي: يُعَظِّموا الرسولَ. وتُسَبِّحوه: أي تُسَبِّحوا الله وتنزهوه بكرة وأصيلاً.
وقرىْ: {لتؤمنوا}- بالتاء- أيها المؤمنون بالله ورسوله وتُعَزروه- على المخاطَبة. وتعزيرُه يكون بإيثاره بكلِّ وجه على نَفْسك، وتقديمِ حُكْمهِ على حُكمِك. وتوقيرُه يكون باتباع سُنَّتِه، والعلم بأنه سيِّدُ بَريَّته.