فصل: تفسير الآيات (17- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (17- 18):

{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)}
قوله جلّ ذكره: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأَيَاتَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
يُحْيي الأرضَ بعد موتها بإنزال المطرِ عليها وإخراج النّبتِ منها. ويُحيي القلوبَ الميتةَ- بعد إعراضِ الحقِّ عنها- بحسن إقباله عليها.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ المُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
أي المتصدقين والمتصدقات.
{وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}: يعني في النوافل.
{يُضَاعَفُ لَهُمْ} في الحسنات، الحسنةُ بعَشْر أمثالها.. إلى ما شاء اللهُ.
{وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}: ثوابٌ كبيرٌ حَسَنٌ. والثوابُ الكريمُ أَنَّه لا يضن بأقصى الأجْرِ على الطاعةِ- وإنْ قَلَّتْ.

.تفسير الآيات (19- 20):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)}
قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسِلهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}.
الصدِّيقون: مبالغة في الصدق، والشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فالمؤمنون بمنزلة الصديقين والشهداء- لهم أجرهم في الجنة ونورهم في القيامة.
{وَالَّذِيِنَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِئآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
والصدِّيق مَنْ استوى ظاهرُه وباطنُه.
ويقال: هو الذي يحمل الأمرَ على الأشَقِّ، ولا ينْزلُ إلى الرُّخَصِ، ولا يجنح للتأويلات.
والشهداءُ: الذين يشهدون بقلوبهم مواطن الوصلة، ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة، {وَنُورُهُمْ}: ما كحل الحقُّ به بصائرهم من أنوار التوحيد.
قوله جلّ ذكره: {اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ}.
الحياةُ الدنيا مُعَرَّضَةٌ للزوال، غيرُ لا بثةٍ ولا ماكثة، وهي في الحال شاغلةٌ عن الله، مُطْمِعةٌ وغير مُشْبِعة، وتجري على غير سَنن الاستقامة كجريان لَعِب الصبيان، فهي تُلْهي عن الصوابِ واستبصار لحقِّ، وهي تفاخرٌ وتكاثرٌ في الأوال والأولاد.
{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفًَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونَ حُطَاماً}.
الكفار: الزُّرَّاع.
هو في غاية الحُسْنِ ثم يهيج فتراه يأخذ في الجفاف، ثم ينتهي إلى أنْ يتحطّم ويتكسَّر.
{وَفِى الأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
لأهله من الكفَّار.
{وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ}.
لأهله من المؤمنين.
{وَمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
الدنيا حقيرةٌ- وأحقرُ منها قَدْراً طالبُها وأقلُّ منه خَطَراً المزاحم فيها، فما هي إلا جيفة؛ وطالِبُ الجيفةِ ليس له خطرٌ. وأخس أهل الدنيا مَنْ بَخِلَ بها.
وهذه الدنيا المذمومة هي التي تَشْغَلُ العبدَ عن الآخرة!

.تفسير الآيات (21- 22):

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)}
قوله جلّ ذكره: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.
أي سارِعوا إلى عَمَلٍ يوجب لكم مغفرةً من ربِّكم، وذلك العملُ هو التوبة.
{وَجَنَّةٍعَرْضُهَا} ذَكر عَرْضها ولم يذكرْ طولها؛ فالطول على ما يوافيه العَْرضُ.
{أُعِدِّتْ لِلَّذِينَ ءَامُنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}: وفي هذا دليلٌ على أنَّ الجنةََ مخلوقة.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
وفي ذلك ردٌّ على من يقول: إن الجنة مُسْتَحقَّةٌ على الطاعات، ويجب على الله إِيصالُ العبدِ إليها.. لأن الفضلَ لا يكون واجباً.
ويقال: لمَّا سمعت أسرار المؤمنين هذا الخطاب ابتدرت الأرواحُ مُقْتَضِيةً المسارعة من الجوارح، وصارت الجوارحُ مستجيبةً للمُطالَبةِ، مُستبشرة برعاية حقوق الله؛ لأنها علمت أن هذا الاستدعاءَ من جانب الحقِّ سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِبيَةٍ في الأَرْضِ وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ في كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
المصيبة حَصْلةٌ تقع وتحصل. فيقول تعالى: لا يحصل في الأرض ولا في أنفسكم شيءٌ إلى وهو مُثْبَتٌ في اللوح المحفوظ على الوجه الذي سبق به العِلْم، وحقَّ فيه الحكم؛ فقبل أن نخلق ذلك أثبتناه في اللوح المحفوظ.
فكلُّ ما حصل في الأرض من خصبٍ أو جدبٍ، من سعة أوضيق، من فتنة أو استقامة وما حصل في النفوس من حزن أو سرور، من حياةٍ أو موت كلُّ ذلك مُثبت في اللوح المحفوظ قبل وقوعه بزمان طويل.
وفي قوله: {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} دليلٌ على أن أكساب العباد مخلوقة لله سبحانه. وللعبدِ في العلم بأنَّ ما يصيبه: من بسطٍ وراحةٍ وغير ذلك من واردات القلوب من اللَّهِ- أشدُّ السرور وأتمُّ الإنْسِ؛ حيث عَلِمَ أنه أُفْرِدَ بذلك بظهر غيبٍ منه، بل وهو في كنز العَدَم، ولهذا قالوا:
سقياً لمعهدك الذي لو لم يكن ** ما كان قلبي للصبابة معهدا

.تفسير الآيات (23- 24):

{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)}
قوله جلّ ذكره: {لِكَيْلاَ تَأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَاكُمْ}.
عَدَمُ الفرحة بما آتاهم هو من صفات المتحررين من رِقِّ النَّفْس، فقيمةُ الرجالِ تتبين بتغيُّرِهم- فَمَنْ لم يتغيَّرْ بما يَرِدُ عليه- مما لا يريده- من جفاءٍ أومكروهٍ أو محنة فهو كاملٌ، ومَنْ لم يتغيَّرْ بالمسارّ كما لا يتغير بالمضارِّ، ولا يَسُرُّه الوجودُ كما لا يُحْزِنُه العَدَمُ- فهو سَيِّد وقته.
ويقال: إذا أردْتَ أن تعرفَ الرجلَ فاطلبْه عند الموارد؛ فالتغيُّرُ علامةُ بقاء النَّفْس بأيّ وجهٍ كان: {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
فالاختيال من علامات بقاء النفس ورؤيتها، والفخرُ (ناتجٌ) عن رؤيةِ ما به يفتخر.
قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}.
بخلوا بكتمان صفة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وأمروا أتْباعَهم بذلك، وذلك لما خافوا من كسادِ سُوقِهم وبطلان رياستهم.
{وَمَن يَتَوَلَّ} عن الإيمان، أو إعطاء الصَدَقة {فَإِِنَّ اللَّهَ هُوَالْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}.
والبخلُ- على لسان العلم- مَنْعُ الواجب، فأمَّا على بيان هذه الطائفة فقد قالوا: البخلُ رؤية قَدْر للأشياء، والبخيلُ الذي يُعْطِي عند السؤال، وقيل: مَنْ كَتَبَ على خاتمه اسمه فهو بخيل.

.تفسير الآيات (25- 27):

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)}
قوله جل ذكره: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ}.
أي أرسلناهم مُؤيَّدين بالحُجَجِ اللائحة والبراهين الواضحة، وأزَحْنا العِلَّةَ لِمَنْ أراد سلوكَ الحُجَّةِ المُثْلى، ويَسَّرنا السبيل على مَنْ آثَرَ اتّباعَ الهُدَى. وأنزلنا معهم الكُتَبَ المُنَزّلةَ، و{الميزان}: أي الحُكْمَ بالقرآن، واعتبار العَدْلِ والتسويةِ بين الناس.
{لِيَقومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}: فلا يَظْلِمُ أحدٌ أحداً.
قوله جل ذكره: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ}.
{أنزلنا الحديد}: أي خلقنا الحديد.
ونصرة الله هي نصرةُ دينه، ونصرةُ الرسولِ باتِّباعِ سُنَّتِه.
{إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزيزٌ}: أقوى من أن يُنَزَعَه شريكٌ، أو يضارِعَه في المُلْكِ مليك، وأعزُّ من أن يحتاج إلى ناصر.
قوله جل ذكره: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا في ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}.
أي أرسنا نوحاً، ومن بعده إبراهيم، وجعلنا في نَسْلِهما النبوَّةَ والكتاب.
{فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ}.
أي: مستجيبٌ.
{وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
خرجوا عن الطاعة.
قوله جل ذكره: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَاهُ الإِنجِيل وَجَعَلَنْا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}.
أي: أرسلنا بعدهم عيسى ابن مريم.
{وَرَهْبَانَيِّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}.
بيَّن أنَّه لم يأمرهم بالرهبانيَّة بل هم الذي ابتدعوها ثم قال: {إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}.
هم الذين انفردوا بما عقدوه معنا أن يقوموا بحقِّنا.
{فَئَاتَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

.تفسير الآيات (28- 29):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهِ وَءَامَنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَّمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا.
{كِفْلَيْنِ}: أي نَصِيبَيْنِ؛ نصيباً على الإيمان بالله، وآخَرَ على تصديقهم وإيمانهم بالرُّسُل.
قوله جل ذكره: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَئ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
ومعناه: يعلم أهل الكتاب، ولا صلة. أي: ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، فإن الفضل بيد الله. واليد هنا بمعنى: القدرة، فالفضلُ بقدرة الله.
والإشارة في هذا: اتَّقُوا الله بحِفْظِ الأدبِ معه، ولا تأمنوا مَكْرَه أن يَسْلَبكم ما وَهَبَكم من أوقاتكم. وكونوا على حَذَرٍ من بَغَتَاتِ تقديره في تغيير ما أذاقكم من أُنْسِ محبته.
واتَّبِعوا السُّفَراء والرُسُل، وحافظوا على اتِّباعهم حتى يُؤتِيَكُم نصيبين من فضله: عصمةً ونعمةً؛ فالعصمة من البقاء عنه، والنعمة هي البقاء به.
ويقال: يؤتكم نصيبين: نصيباً من التوفيق في طَلَبِه، ونصيباً من التحقيق في وجوده.

.سورة المجادلة:

.تفسير الآية رقم (1):

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}
قوله جلّ ذكره: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَولَ التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ}.
لمَّا صَدَقَت في شكواها إلى الله وأيِسَتْ من استكشاف ضُرِّها من غير الله- أنزل الله في شأنها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ}.
تَضَرَّعَتْ إلى الله، ورَفَعَتْ قِصَّتَها إلى الله، ونَشَرت غُصَّتَها بين يدي الله- فنَظرَ إليها الله، وقال: {قَدْ سَمِع اللَّهُ}.
ويقال: صارت فرجةً ورخصةً للمسلمين إلى القيامة في مسألة الظِّهار، وليعلم العالِمون أنَّ أحداً لا يخسر عَلَى الله.
وفي الخبر: أنها قالت: «يا رسول الله، إنَّ أوساً تزوَّجني شابَّةً غنيةً ذات أهلٍ، ومالٍ كثير، فلما كبرت سِنِّي، وذَهَبَ مالي، وتَفَرَّق أهلي جعلني عليه كظَهْرِ أُمِّه، وقد ندِم وندمِت، وإنَّ لي منه صبيةً صِغَاراً إن ضَمَمْتُهم إليه ضاعوا، وإن ضممتُهم إليّ جاعوا».
فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم- في رواية-: «ما أُمِرْتُ بشيءٍ في شأنك».
وفي رواية أخرى انه قال لها: «بنْتِ عنه» (أي حرمت عليه).
فترددت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وشكت.. إلى أن أنزل الله حُكْم الظِّهار.