فصل: تفسير الآية رقم (32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (32):

{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}
قوله جلّ ذكره: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ}.
أمرهم بالطاعة ثم قال: {فَإِن تَوَلَّوْأ} أي قَصَّرُوا في الطاعة بأن خالفوا، ثم قال: {فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ} لم يَقُلْ العاصين بل قال الكافرين، ودليل الخطاب أنه يحب المؤمنين وإن كانوا عُصَاة.

.تفسير الآيات (33- 34):

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
اتفق آدم وذريته في الطينة، وإنما الخصوصية بالاصطفاء الذي هو من قِبَلِه، لا بالنَّسَب ولا بالسبب.

.تفسير الآيات (35- 36):

{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}
المُحَرَّرُ الذي ليس في رِقِّ شيء من المخلوقات، حرَّرَه الحق سبحانه في سابق حكمه عن رق الاشتغال بجميع الوجوه والأحوال. فلمَّا نذرت أمُّ مريم ذلك، ووضعتها أنثى خَجِلت، فلمَّا رأتها قالت: {رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنْثَى} وهي لا تصلح أن تكون محرراً فقال تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} ولعمري ليس الذكر كالأنثى في الظاهر، ولكن إذا تَقَبَّلَها الحقُّ- سبحانه وتعالى- طلع عنها كل أعجوبة.
ولما قالت: {إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا في بَطْنِى مُحَرَّرًا} قالت: {فَتَقَبَّلْ مِنِّى} فاستجاب، وظهرت آثار القبول عليها وعلى ابنها، ونجا بحديثها عَالَمٌ وَهَلَكَ بسببها عَالَمٌ، ووقعت الفتنة لأجلهما في عَالَم.
قالت: {وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} استجارت بالله من أن يكون للشيطان في حديثها شيء بما هو الأسهل، لتمام ما هم به من أحكام القلوب.

.تفسير الآية رقم (37):

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قوله جلّ ذكره: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.
حيث بَلَّغَها فوق ما تَمَنَّتْ أمها، ويقال تقبَّلها بقبول حسنٍ حتى أفردها لطاعته، وتولاّهَا بما تَولَّى به أولياءه، حتى أفضى جمع مَنْ في عصرها العَجَبَ من حُسْنِ توليه أمرها، وإن كانت بنتاً.
ويقال القبولُ الحَسَنُ حُسْنُ تربيته لها مع علمه- سبحانه- بأنه يُقال فيه بسببها ما يُقال، فلم يُبالِ بِقُبْح مقال الأعداء:
أجد الملامة في هواكِ لذيذةً ** حُبَّاً لذكرك فليلمني اللُّوَمُ

وكما قيل:
ليقل من شاء ما ** شاء فإني لا أُبالي

ويقال القبول الحسن أَنْ ربّاها على نعت العصمة حتى كانت تقول: {إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} [مريم: 18].
{وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} حتى استقامت على الطاعة، وآثرت رضاه- سبحانه- في جميع الأوقات، وحتى كانت الثمرة منها مثل عيسى عليه السلام، وهذا هو النبات الحسن، وكفلها زكريا. ومن القبول الحسن والنبات الحسن أَنْ جعل كافَلَها والقَيَّمَ بأمرها وحفظها نبياً من الأنبياء مثل زكريا عليه السلام، وقد أوحى الله إلى داود عليه السلام: إنْ رأيْتَ لي طالباً فكُنْ له خادماً.
قوله جلّ ذكره: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هّذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ يرزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
. مِنْ إمارات القبول الحسن أنها لم تكن توجد إلا في المحراب، ومن كان مسكنه وموضعه الذي يتعبَّدُ فيه وهناك يوجد المحراب- فذلك عَبْدٌ عزيز.
ويقال مِنَ القبول الحسن أنه لم يطرح أمرَها كُلَّه وشُغْلُها على زكريا عليه السلام: فكان إذا دخل عليها زكريا ليتعهدها بطعام وَجَدَ عندها رزقاً لِيَعْلَمَ العاملون أن الله- سبحانه- لا يُلْقِي شُغْلَ أوليائه على غير، ومن خدم ولياً من أوليائه كان هو في رفق الولي لا إنه تكون عليه مشقة لأجل الأولياء. وفي هذا إشارة لمن يخدم الفقراء أن يعلم أنه في رفق الفقراء.
ثم كان زكريا عليه السلام يقول: {أَنَّى لَكِ هَذَا}؟ لأنه لم يكن يعتقد فيها استحقاق تلك المنزلة، وكان يخاف أن غيره يغلبه وينتهز فرصة تعهدها ويسبقه بكفاية شُغْلها، فكان يسأل ويقول: {أَنَّى لَكِ هَذَا} ومن أتاكِ به؟
وكانت مريم تقول: هو من عند الله لا من عند مخلوق، فيكون لزكريا فيه راحتان: إحداهما شهود مقامها وكرامتها عند الله تعالى، والثانية أنه لم يغلبه أحد على تعهدها، ولم يسبق به. قوله: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ} فلفظة كلَّما للتكرار وفي هذا إشارة: وهو أن زكريا عليه السلام لم يَذَرْ تَعهُّدَها- وإنْ وجد عندها رزقًا- بل كل يومٍ وكل وقتٍ كان يتفقد حالها لأن كراماتِ الأولياء ليست مما يجب أن يدوم ذلك قطعاً؛ فيجوز أن يُظهِرَ الله ذلك عليهم دائماً، ويجوز ألا يظهر، فما كان زكريا عليه السلام يعتمد على ذلك فيترك تفقد حالها، ثم كان يُجَدِّدُ السؤال عنها بقوله: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا}؟ لجواز أن يكون الذي هو اليوم لا على الوجه الذي كان بالأمس، فإنه لا واجب على الله سبحانه.
وقوله: {إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} إيضاح عن عين التوحيد، وأن رزقه للعباد، وإحسانه إليهم بمقتضى مشيئته، دون أن يكون مُعَلَّلاً بطاعاتهم ووسيلة عباداتهم.

.تفسير الآية رقم (38):

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}
أي لما رأى كرامة الله سبحانه معها ازداد يقيناً على يقين، ورجاء على رجاء؛ فسأل الوَلَدَ على كبر سِنِّه، وإجابتُه إلى ذلك كان نقضاً للعادة.
ويقال إن زكريا عليه السلام سأل الوَلَدَ ليكونَ عوناً له على الطاعة، ووارثاً من نَسْلِه في النبوة، ليكون قائماً بحقِّ الله، فلذلك استحق الإجابة؛ فإن السؤال إذا كان لحقِّ الحقِّ- لا لحظِّ النَّفْسِ- لا يكون له الرد.
وكان زكريا عليه السلام يرى الفاكهة الصيفية عند مريم في الشتاء، وفاكهة الشتاء عندها في الصيف، فسأل الولد في حال الكِبَر ليكون آية ومعجزة.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}
قوله جلّ ذكره: {فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى في المِحْرَابِ}.
لما سأل السؤال، ولازم البال أَتَتْهُ الإجابةُ.
وفيه إشارة إلى أن من له إلى الملوك حاجة فعليه بملازمة الباب إلى وقت الإجابة.
ويقال حكم الله- سبحانه- أنه إنما يقبل بالإجابة على من هو مُعَانِقٌ لخدمته، فأمَّا مَنْ أعرض عن الطاعة ألقاه في ذُلِّ الوحشة.
قوله جلّ ذكره: {أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}.
قيل سمَّاه يحيى لحياة قلبه بالله، ولسان التفسير أنه حي به عقر أمه.
ويقال إنه سبب حياة من آمن به بقلبه.
قوله: مصدقاً بكلمة من الله: أن تصديقه بكلمة الله فيما تعبده به أو هو مكوَّن بكلمة الله.
وقوله: {وَسَيِّدًا}: السيدُ من ليس في رق مخلوق، تحرَّر عن أسر هواه وعن كل مخلوق، ويقال السيد من تحقق بعلويته سبحانه، ويقال السيد من فاق أهل عصره، وكذلك كان يحيى عليه السلام.
ويقال سيد لأنه لم يطلب لنفسه مقامًا، ولا شَاهَدَ لنفسه قَدْرًا. ولما أخلص في تواضعه لله بكل وجهٍ رقَّاه على الجملة وجعله سيداً للجميع.
وقوله: {وَحَصُورًا} أي مُعْتَقاً من الشهوات، مكفياً أحكام البشرية مع كونه من جملة البشر. ويقال متوقياً عن المطالبات، مانعاً نفسه عن ذلك تعززاً وتقرباً، وقيل منعته استئصالات بواده الحقائق عليه فلم يبق فيه فَضْلٌ لحظِّ.
{وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} أي مستحقاً لبلوغ رتبتهم.

.تفسير الآية رقم (40):

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)}
قيل كان بين سؤاله وبين الإجابة مدة طويلة ولذلك قال: أنَّى يكون لي غلام؟
ويحتمل أنه قال: بأي استحقاقٍ مني تكون له هذه الإجابة لولا فضلك؟
ويحتمل أنه قال أنَّى يكون هذا: أَعَلَى وَجهِ التبني أم على وجه التناسل؟
ويحتمل أنه يكون من امرأة أخرى سوى هذه التي طعنت في السن أو من جهة التَّسرِّي بمملوكة؟ أمْ مِنْ هذه؟
فقيل له: لا بَلْ مِنْ هذه؛ فإنكما قاسيتما وحشة الانفراد معاً، فكذلك تكون بشارة الولد لكما جميعاً.

.تفسير الآية رقم (41):

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قوله جلّ ذكره: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِى آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ رَمْزًا}.
طلب الآية ليعلم الوقت الذي هو وقت الإجابة على التعيين لا لِشك له في أصل الإجابة.
وجعل آية ولايته في إمساك لسانه عن المخلوقين مع انطلاقها مع الله بالتسبيح، أي لا تمتنع عن خطابي فإني لا أمنع أوليائي من مناجاتي.
قوله جلّ ذكره: {وَاذْكُرْ رَّبَّكَ كَثِيرًا}.
بقلبك ولسانك في جميع أوقاتك.
{وَسَبِّحْ بِالعَشِىِّ وَالإِبْكَارِ}.
في الصلاة الدائبة.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
يجوز أن يكون هذا ابتداء خطاب من الملائكة على مريم من قِبَلِهم رفعاً بشأنها، ويجوز أن تكون قد سمعت كلامهم وشاهدتهم، ويجوز أنها لم تشاهدهم وأنهم هتفوا بها: إن الله اصطفاك بتفضيلك، وإفرادكِ من أشكالك وأندادك، وطَهَّرَكِ من الفحشاء والمعاصي بجميل العصمة، وعن مباشرة الخلْق، واصطفاك على نساء العالمين في وقتك.
وفائدة تكرار ذكر الاصطفاء: الأول اصطفاك بالكرامة والمنزلة وعلو الحالة والثاني اصطفاكِ بأَنْ حَمَلْتِ بعيسى عليه السلام من غير أب، ولم تشبهك امرأة- ولن تشبَهك- إلى يوم القيامة، ولذلك قال: {عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ}.

.تفسير الآية رقم (43):

{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
لازمي بساط العبادة، وداومي على الطاعة، ولا تُقَصِّرِى في استدامة الخدمة، فكما أفردكِ الحقُّ بمقامك، كوني في عبادته أوحد زمانك.

.تفسير الآية رقم (44):

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
أي هذه القصص نحن عرفناكها و(خا) طبناك بمعانيها، وإنْ قَصَصْنَا نحن عليك هذا- فعزيزٌ خطابُنا، وأعزُّ وأتم مِنْ أَنْ لو كنتَ مشاهداً لها.

.تفسير الآيات (45- 46):

{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)}
لم يُبَشرها بنصيب لها في الدنيا ولا في الآخرة من حيث الحظوظ، ولكن بَشَّرها بما أثبت في ذلك من عظيم الآية، وكونه نبياً لله مؤيَّداً بالمعجزة.
ويقال عرَّفها أن مَنْ وقع في تغليب القدرة، وانتهى عند حكمه يَلْقَى من عجائب القدرة ما لا عهد به لأحد. ولقد عاشت مريم مدةً بجميل الصيت، والاشتهار بالعفة، فشوَّش عليها ظاهر تلك الحال بما كان عند الناس بسبب استحقاق ملام، ولكن- في التحقيق- ليس كما ظَنَّهُ الأغبياء الذين سكرت أبصارهم من شهود جريان التقدير.
وقيل إنه (....) عَرَّفها ذلك بالتدريج والتفصيل، فأخبرها أن ذلك الولَدَ يعيش حتى يُكَلِّمَ الناس صبيَّا وكهلا، وأن كيد الأعداء لا يؤثر فيه.
وقيل كهلاً بعد نزوله من السماء.
ويقال ربط على قلبها بما عرَّفها أنه إذا لم ينطق لسانها بذكر براءة سَاحتها يُنْطِقُ اللهُ عيسى عليه السلام بما يكون دلالة على صدقها وجلالتها.

.تفسير الآية رقم (47):

{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)}
قوله جلّ ذكره: {قَالَت رَبِّ أنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}.
كما شاهدت ظهور أشياء ناقضة للعادة في رزقنا فكذلك ننقض العادة في خلق ولدٍ من غير مسيس بشر.
قوله جلّ ذكره: {إِذَا قَضَى أَمْرًا}.
أي أراد إمضاء حُكْم.
{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
فلا يتعسر عليه إبداء ولا إنشاء.
ولمَا بسطوا فيها لسان الملامة أنطق الله عيسى عليه السلام وهو ابن يومٍ حتى قال: {أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}.