فصل: تفسير الآية رقم (174):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (174):

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}
إذا سُدَّت عيونُ البصائر فما ينفع وضوح الحُجَّة.

.تفسير الآية رقم (175):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}
الحقُّ- سبحانه- يظهر الأعداء في دار الخُلَّة ثم يردُّهم إلى سابق القسمة، ويُبْرِزُ الأولياء بنعتِ الخلاف والزَّلَّة، ثم يغلب عليهم مقسومات الوصلة.
ويقال أقامه في محل القربة، ثم أبرز له من مكامن المكر ما أعدَّ له من سابق التقدير؛ فأصبح والكلُّ دونه رتبة، وأمسى والكلب فوقه- مع خساسته.. وفي معناه أنشدوا:
فبينا بخيرٍ والدُّنى مطمئنة ** وأصبح يوماً- والزمان تَقَلَّبَا

ويقال ليست العِبْرَةُ بما يلوح في الحال، إنما العبرة بما يؤول إليه في المآل.

.تفسير الآية رقم (176):

{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}.
لو ساعدته المشيئة بالسعادة الأزلية لم تَلْحَقْه الشقاوةُ الأبدية، ولكن من قصمته السوابق لم تنعشه اللواحق.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ}.
إذا كانت مساكنةُ آدم للجَنَّةِ وَطمعُه في الخلود فيها أوجبا خروجَه عنهان فالركونُ إلى الدنيا- متى يوجِب البقاءَ فيها؟.
قوله جلّ ذكره: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}.
موافقة الهوى تُنْزِلُ صاحبَها من سماءِ العِزِّ إلى تراب الذُّل، وتلقيه في وهدة الهوان؛ ومن لم يُصَدِّقِ عِلْماً فعن قريبٍ يقاسيه وجوداً.
قوله جلّ ذكره: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ}.
من أخلاق الكلب التعرُّضُ لِمَنْ لم يُخِفْه على جهة الابتداء، ثم الرضاء عنه بلقمة.. كذلك الذي ارتدَّ عن طريق الإرادة يصير ضيق الصدر، سيئ الخُلُق، يبدأ بالجفاء كُلَّ بريءٍ، ثم يهدأ طياشة بِنَيْل كُلِّ عَرَضٍ خسيس.
قوله جلّ ذكره: {إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
المحجوب عن الحقيقة عنده الإساءةُ والإحسانُ (سيان)، فهو في الحالين: إمَّا صاحب ضَجَر أو صاحب بَطَر، لا يحمل المحنة إلا زوال الدولة، ولا يقابل النعمة إلا بالنهمة، فهو في الحالين محجوبٌ عن الحقيقة.
ويقال الكلب نجاسته أصلية، وخساسته كلية، كذلك المردوده في الصفة؛ له نقصان القيمة وحرمان القسمة.

.تفسير الآية رقم (177):

{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}
أي صفته أدنى من نعت من بُلِيَ بالإعراضِ الأزليِّ، وأيُّ نعتٍ أعلى من وصف مَنْ أُكْرِمَ بالقبول الأبديّ؟ وأيُّ حيلةٍ تنفع مع مَنْ يخلق الحيلة؟ وكيف تَصِحُّ الوسيلةُ إلا لمن منه الوسيلة؟.

.تفسير الآية رقم (178):

{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)}
ليست الهدايةُ من حيث السعايةُ، إنما الهداية من حيث البداية، وليست الهداية بفكر العبد ونَظَرِه، إنما الهداية بفضل الحق وجميل ذكره.

.تفسير الآية رقم (179):

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ}.
مَنْ خَلَقه لجهنم- متى يستوجب الجنَّاتِ؟
ومَنْ أَهَّلَه للسخطة- أنَّى يستحق الرضوان؟
ولولا انسداد البصائر وإلا فأيُّ إشكالٍ بقي بعد هذا الإيضاح؟
ويقال هم- اليومَ- في جحيم الجحود، مُقَرَّنين في أصفاد الخذلان، مُلْبَسِين ثياب الحرمان، طعامُهم ضريع الوحشة، وشرابهم حميم الفرقة، وغداً هُمْ في جحيم الحرقة كما فَصَّلَ في الكتاب شرعَ تلك الحالة.
قوله جلّ ذكره: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ}.
أي لا يفقهون معاني الخطاب كما يفهم المُحَدَّثون، وليس لهم تمييز بين خواطر الحق وبين هواجس النفس ووساوس الشيطان، ولهم أعينٌ لا يُبْصِرون بها شواهدَ التوحيد وعلاماتِ اليقين؛ فلا ينظرون إلا من حيث الغفلة، ولا يسمعون إلا دواعي الفتنة، ولا ينخرطون إلا مع من سلك ركوب الشهوة.
{أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}: لأنَّ الأَنْعَامَ قد رُفِعَ عنها التكليفُ، وإن لم يكن لها وِفاقُ الشرع فليس منها أيضاً خلاف الأمر.
والأنعامُ لا يَهُمُّها إلا الاعتلاف، وما تدعو الحيلة من مباشرة الجنس، فكذلك مَنْ أُقيم بشواهد نفسه وكان من المربوطين بأحكام النَّفْس، وفي معناه أنشدوا:
نهارك يا مغرورُ سَهْوٌ وغفلةٌ ** وليلك نومٌ والرَّدى لك لازِمٌ

وسعيك فيها سوف تكره غِبَّه ** كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ

.تفسير الآية رقم (180):

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
سبحان مَنْ تعرَّف إلى أوليائه بنعوته وأسمائه فعرَّفهم أنه مَنْ هو، وبأي وصفٍ هو، وما الواجب في وصفه، وما الجائز في نعته، وما الممتنع في حقِّه وحكمه؛ فتجلى لقلوبهم بما يكاشفهم به من أسمائه وصفاته، فإن العقولَ محجوبةٌ عن الهجوم بذواتها بِمَا يَصِحُّ إطلاقُه في وصفه، وإنْ كانت واقفةً على الواجب والجائز والممتنع في ذاته، فللعقل العرفان بالجملة، وبالشرع الإطلاق والبيان في الإخبار، والقول فيما وَرَدَ به التوفيق يُطْلَقِ، وما سَكَتَ عنه التوفيق يُمْنَع. ويقال مَنْ كان الغالب عليه وصفٌ من صفاته ذَكَره بما يقتضي هذا الوصف؛ فمن كان مكاشَفاً بعَطائه، مربوطَ القلبِ بأفضاله فالغالبُ على قالته الثناء عليه بأنه الوهاب والبار والمُعْطِي وما جرى مجراه. ومن كان مجذوباً عن شهود الإنعام، مكاشفاً بنعت الرحمة فالذي يغلب على ذكره وصفه بأنه الرحمن والرحيم والكريم وما في معناه. ومَنْ سَمتْ هِمَّتُه عن شهود وجوده، واستهلك في حقائق وجوده فالغالب على لسانه الحق. ولذلك فأكثر أقوال العلماء في الإخبار عنه: البارئ لأنهم في الترقي في شهود الفعل إلى شهود الفاعل. وأمَّا أهل المعرفة فالغالب على لسانها الحق لأنهم مُخْتَطفُون عن شهود الآثار، متحققون بحقائق الوجود.
وقال إنَّ الله- سبحانه- وقف الخلْق بأسمائه فهم يذكرونها قالةً، وتعزَّزَ بذاته، والعقول- وإنْ صَفَتْ لا تهجم على حقائق الإشراف، إذ الإدراك لا يجوز على الحق؛ فالعقول عند بواده الحقائق متقنعة بنقاب الحيرة عند التعرض للإحاطة، والمعارف تائهة عند قصد الإشراف على حقيقة الذات، والأبصار حسيرةٌ عند طلب الإدراك في أحوال الرؤية، والحق سبحانه عزيز، وباستحقاق نعوت التعالي مُتَفَرِّد.
قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: الإلحاد هو الميل عن القصد، وذلك على وجهين بالزيادة والنقصان؛ فأهل التمثيل زادوا فألحدوا، وأهل التعطيل نقصوا فألحدوا.

.تفسير الآية رقم (181):

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}
أجرى الحقُّ- سبحانه- سُنَّتَه بألا يُخْلِيَ البسيطةَ من أهل لها هم الغياث وبهم دوام الحق في الظهور، وفي معناه قالوا:
إذا لم يكن قطبٌ ** فمن ذا يديرها

فهدايتهم بالحق أنهم يدعون إلى الحق، ويدلون على الحق، ويتحركون بالحق، ويسكنون للحق بالحق، وهم قائمون بالحق؛ يصرفهم الحق بالحق أولئك هم غياث الخَلْق؛ بهم يُسْقَوْنَ إذا قحطوا، ويُمْطَرون إذا أجدبوا، ويُجَابُون إذا دَعَوْا.

.تفسير الآيات (182- 183):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}
الاستدراج أن يلقى في أوهامهم أنهم من أهل الوصلة، وفي الحقيقة: السابقُ لهم من القسمة حقائقُ الفُرقة.
ويقال الاستدراجُ انتشار الصيت بالخير في الخلْق، والانطواء على الشر- في السر- مع الحق.
ويقال الاستدراج ألا يزداد في المستقبل صحبةً إلا ازداد في الاستحقاق نقصان رتبة.
ويقال الاستدراج الرجوع من توهم صفاء الحال إلى ركوب قبيح الأعمال، ولو كان صادقاً في حاله لكان معصوماً في أعماله.
ويقال الاستدراج دعاوى عريضة صدرت عن معانٍ مريضة.
ويقال الاستدراج إفاضة البرِّ مع (...) الشكر.

.تفسير الآية رقم (184):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)}
أو لم يتأملوا بأنوار البصائر ليشهدوا أخلاق آثار التقريب بجملة أحواله- عليه السلام- ليعلموا أن ذلك الشاهد ليس بشاهد متخرص.
ويقال إن برود الواسطة- صلوات الله عليه وعلى آله- كانت بنسيم القربة معطرة، ولكن لا يُدْرَكُ ذلك النَّشْرُ إلا بِشَمِّ العرفان، فمَنْ فَقَدَ ذلك- فأي خبر له عن حقيقة حاله- صلوات الله عليه.

.تفسير الآية رقم (185):

{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
قوله جلّ ذكره: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ومَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَئ}.
أطلع الله- سبحانه- أقمار الآيات، وأماط عن ضيائها سحاب الشبهات؛ فَمَنْ استضاء بها ترَّقى إلى شهود القدرة.
ويقال ألاح الله تعالى- لقلوب الناظرين بعيون الفكر- حقائق التحصيل؛ فَمَنْ لم يُعَرِّج في أوطان التقصير أَنْزَلَتْه مراكبُ السِّرِّ بساحات التحقق.
قوله جلّ ذكره: {وَأَنْ عَسَى أَن يِكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}.
الناس في مغاليط آمالهم ناسون لوشيك آجالهم، فكم من ناسجٍ لأكفانه! وكم من بانٍ لأعدائه! وكم من زارعٍ لم يحصد زرعه!
هيهات! الكبش يعتلف والقَصَّابُ مسْتَعِدٌّ له!
ويقال سرعة الأَجَل تُنَغِّص لذة الأمل.

.تفسير الآية رقم (186):

{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
مَنْ حُرِمَ أنوار التحقيق فهو في ضباب الجهل، فهو يَزِلُّ يميناً ويسقط شمالاً.

.تفسير الآية رقم (187):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
السائلُ عن الساعةِ رجلان؛ مُنْكِرٌ يتعجَّبُ لفَرْطِ جهله، وعارِفٌ مشتاقٌ يستعجل لِفَرْطِ شوقه، والمتحقق بوجوده ساكِنٌ في حاله؛ فسيان عنده قيام القيامة ودوام السلامة.
ويقال الحق- سبحانه- استأثر بعلم الساعة؛ فلم يُطلِعْ على وقتها نَبيَّا ولا صفيَّا، فالإيمان بها غيبيٌّ، ويقين أهل التوحيد صادق عن شوائب الرِّيب. ثم مُعَجَّل قيامتهم يُوجِبُ الإيمانَ بمؤجَّلها.

.تفسير الآية رقم (188):

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
أَمَره بتصريح الإقرار بالتبري عن حوله ومُنتَّهِ، وأن قيامه وأمرَه ونظامَه بطوْل ربِّه ومتِّه؛ ولذلك تتجنَّسُ عليَّ الأحوال، وتختلف الأطوار؛ فَمِنْ عُسْرٍ يَمَسُّني، ومِنْ يسرٍ يخصني، ولو كان الأمر بمرادي، ولم يكن بِيدِ غيري قيادي لتشابهت أحوالي في اليسر، ولتشاكلت أوقاتي في البعد من العسر.

.تفسير الآية رقم (189):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}
قوله جلّ ذكره: {هُوَ الذي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}.
أخرج النَّسَمة من نَفْسٍ واحدة وأخلاقهم مختلفة، وهممهم متباينة، كما أن الشخص من نطفة واحدة وأعضاؤه وأجزاءه مختلفة. فَمَنْ قَدِرَ على تنويع النطفة المتشاكلة أجزاؤها فهو القادر على تنويع أخلاق الخَلْق الذين أخرجه من نَفْس واحدة.
قوله جلّ ذكره: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
ردَّ المِثْل إلى المِثْل، وربط الشَّكلَ بالشكل، ليَعْلَمَ العالمون أن سكون الخلْق مع الحقِّ لا إلى الحق، وكذلك أنسل الخلْق من الخلق لا من الحق، فالحقُّ تعالى قدوس؛ منه كل حظ للخلق خلْقاً، منزه عن رجوع شيءٍ إلى حقيقته حقاً.