فصل: تفسير الآية رقم (71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (71):

{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}
كما أنَّ تلك البقرة لم يُذلِلْها العملُ، ولم تُبْتَذَلُ في المكاسب، لا لونَ فيها يخالف عِظَمَ لَوْنِها فالإشارة منه أن أهل الولاية الذين لم يتبذلوا بالأغيار لتحصيل ما طلبوا من الأسباب، ولم يركنوا بقلوبهم إلى الأشكال والأمثال، ولم يتكلوا على الاختيار والاحتيال، وليسوا نهباً لمطالبات المنى، ولا صيداً في مخلب الدنيا، ولا حكمَ للشهوات عليهم، ولا سلطان للبشرية تَمَلَّكهم، ولم يسعَوْا قط في تحصيل مرادهم، ولم يشقوا لدرك بُغيتهم، وليس عليهم رقم الأغيار، ولا سِمَةُ الأسباب- فَهُمْ قائمون بالله، فانون عما سوى الله، بل هم محو، مُصْرِّفُهم الله. والغالب- على قلوبهم- الله.
وكما أن معبودَهم الله كذلك مقصودهم الله.
وكما أن مقصودهم الله كذلك مشهودهم الله، وموجودهم الله، بل هم محو بالله و(...) عنهم الله، وأنشد قائلهم:
إذا شِئتِ أن أرْضَى وترضي وتملكي ** زِمَامِيَ- ما عشنا معاً- وعناني

إذن فارمُقي الدنيا بعيني واسمعي ** بأذني وانطقي بلساني

قوله جلّ ذكره: {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.
طلبوا الحيلة ما أمكنهم فلما ضاقت بهم الحِيَل استسلموا للحكم فتخلصوا من شدائد المطالبات، ولو أنهم فعلوا ما أمِروا به لما تضاعفت عليهم المشاق.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}
الخائن خائف، ولخشية أن يظهر سرُّه يركن إلى التلبيس والتدليس، والإنكار والجحود ولا محالة ينكشف عوارُه، وتتضح أسرارُه، وتهتك عن شَيْنِ فعله أستارُه. قال الله تعالى: {وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}
أراد الله سبحانه أن يحي ميتهم ليفضح بالشهادة على قاتله فأمر بقتل حيوان لهم فجعل سبب حياة مقتولهم قتل حيوان لهم، صارت الإشارة منه:
أن من أراد حياة قلبه لا يصل إليه إلا بذبح نفسه؛ فمن ذبح نفسه بالمجاهدات حَيِيَ قلبُه بأنوار المشاهدات، وكذلك من أراد الله حياةَ ذِكْرِه في الأبدال أمات في الدنيا ذكره بالخمول.

.تفسير الآية رقم (74):

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
بَيَّن أنهم- وإن شاهدوا عظيم الآيات وطالعوا واضح البينات- فحين لم تساعدهم العناية ولم يخلق الله (لهم) الهداية، لم تزدهم كثرة الآيات إلا قسوة، ولم تبرز لهم من مكامن التقدير إلا شقوة (على شقوة)، وشبَّه قلوبهم بالحجارة لأنها لا تنبت ولا تزكو، وكذلك قلوبهم لا تفهم، ولا تغنى. ثم بيَّن أنها أشد (....) من الحجارة، فإنَّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار، ومنها ما تظهر عليه آثار خشية الله، وأمَّا قلوبهم فخالية عن كل خير، وكيف لا وقد مُنِيَتْ بإعراض الحقِّ عنها، وخُصَّتْ بانتزاع الخيرات منها.

.تفسير الآية رقم (75):

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
أنبأهم عن إيمانهم، وذكر أنهم بعد سماع الخطاب من الله- سبحانه- حرَّفوا وبدّلوا فكيف يؤمنون لكم وإنما يسمعون بواسطة الرسالة، ومن لم يَبقَ على الإيمان بعد العيان فكيف يؤمن بالبرهان، والذي لم يصلح للحق لا يصلح لكم، ومن لم (يحتشم من الحق) فكيف يحتشم منكم؟.

.تفسير الآيات (76- 77):

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}
تواصوا فيما بينهم بإنكار الحق، وإخفاء الحال على المسلمين، ولم يعلموا أن الله يُطْلِعُ رسولَه عليه السلام على أسرارهم، وأن نوراً أظهره الغيب لا ينطفئ بمزاولة الأغيار. وموافقةُ اللِّسانِ مع مخالفة العقيدة لا يزيد إلا زيادة الفُرقة.

.تفسير الآيات (78- 79):

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قوله جلّ ذكره: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلاَّ أمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً}.
أخبر أنهم متفاوتون في نقائص كفرهم، فقومٌ منهم أخَسُّ درجةً وأكثر جهلاً ركنوا إلى التقليد، ولم يملكهم استيلاء شبهة بل اغتروا بظنِّ وتخمين، فهم الذين لا نصيب لهم من كتبهم إلا قراءتها، دون معرفة معانيها. ومنهم مَنْ أكثرُ شأنه ما يتمناه في نفسه، ولا يساعده إمكان، ولا لظنونه قط تحقيق. ثم أخبر عن سوء عاقبتهم بقوله جل ذكره: {فَوَيْلُ لَّهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.
أي خَسِروا في الحال والمآل، والإشارة في هذه الآية لمن عَدِم الإخلاص في الصحبة في طريق الحق؛ يَنْضَمُّ إلى الأولياء ظاهراً ثم لا تَصْدُقُ له إرادة فهو مع أهل الغفلة مُصَاحِب، وله مع هذه الطريقة جانب، كلما دَعَتْهُ هواتف الحظوظ تَسَارَعَ إلى الإجابة طوعاً، وإذا قادته دواعي الحق- سبحانه- يتكلف شيئاً، فَبِئْسَتْ الحالة حين لم يخلص، وما أشد ندمه فيما ادَّخَرَ عن الله ثم لا يُفْلحْ.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
الإشارة في هذه الآية لمن مرت على قلبه دعاواه العريضة، وغلب عليه حسبانه، فحكم لنفسه- لفرط غفلته- بأنه من أهل القصة ويَخْلَدُ إلى هواجس مناه، فيحكم على الغيب بأنه يُتَجاوز عنه؛ نَسِيَ قبائح ما أسلفه، ويذكر مغاليط ما ظنَّه، فهو عَبْدُ نَفْسِه يغلب عليه حسن ظنه، وفي الحقيقة تعتريه نتائج غفلته ومكره، قال تعالى: {وَذَلِكَم ظَنُّكُمْ الذي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخَاسِرِينَ} [فصلت: 23].

.تفسير الآية رقم (81):

{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
الذي أحاطت به خطيئته هو الكافر- على لسان العلم.
ولكنّ الإشارة منه إلى مَنْ سكن قلبُه على استغاثاته على وجه الدوام، فإن أصحاب الحقائق كالحب على المَقْلَى- في أوقات صحوهم، فَمَنْ سَكَنَ فَلِفَرْطِ عَزّتِه- لا يفترون.
ومَنْ استند إلى طاعة يتوسَّلُ بها ويَظن أنه يقرب بها ينبغي أن يتباعد عن السكون إليها ومَنْ تَحَقَّقَ بالتوحيد علِمَ ألا وسيلة إليه إلا به.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}
في الحال جنان الوصل................
..........................................
..........................................
.........................................

.تفسير الآية رقم (85):

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}
قوله جلّ ذكره: {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ}.
أضرابكم وقرنائكم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، الإشارة فيه أن نصرتكم لإخوانكم على ما فيه بلاؤهم نصرة عليهم بما فيه شقاؤهم، فالأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو.
قوله جلّ ذكره: {وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.
أي كما تراعون- بالفداء عنهم- حقوقهم، فكذلك يُفْتَرَضُ عليكم كَفُّ أيديكم عنهم، وتَرْكُ إزعاجهم عن أوطانهم، فإذا قُمتم ببعض ما يجب عليكم فما الذي يقعدكم عن الباقي، حتى تقوموا به كما أُمِرْتُم؟ أما علمتم أن مَنْ فَرّقَ بين ما أُمِرَ به فآمن ببعضٍ وكَفَرَ ببعضٍ فقط حبط- بما ضيَّعه- أجرُ ما عَمِلَهُ.
قوله جلّ ذكره: {فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلَى أشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
أي ظنوا أن ما فعلوه نَفَعهم، فانكشف لهم في الآخرة أن جميع ما فعلوه- لمَّا مزجوه بالآفات وجرَّدُوه عن الصدق والإخلاص- غيرُ مقبولٍ منهم.
والأُسَرَاء أصناف: فَمِنْ أسير غَرِقَ في بحار الهوى فإنقاذُه بأن تدلَّه على الهُدَى. ومِنْ أسيرٍ بقي في أيدي الوساوس فافتداؤه أن ترشده إلى اليقين بلوائح البراهين لتنقذَه من الشك والتخمين، وتخرجه عن ظلمات التقليد فيما تقوده إلى اليقين. ومن أسيرٍ تجده في أسر هواجسه استأسرته غاغة نفسه، فَفَكُّ أسْرهِ بأن تدلَّه على شهود المِنن، بِتَبَرِّيه عن حسبانِ كلِّ حَوْلٍ بِخلْقٍ وغَيْر. ومن أسيرٍ تجده في ربيطة ذاته ففكُّ أسره إنشاده إلى إقلاعه، وإنجاده على ارتداعه. ومن أسير تجده في أسر صفاته فَفَكُّ أسْرِه أن تدله على الحق بما يحل عليه من وثائق الكون، ومن أسيرٍ تجده في قبضة الحق فتخبره أنه ليس لأسرائهم فداء، ولا لقتلاهم عَوْد، ولا لربيطهم خلاص، ولا عنهم بُدُّ، ولا إليهم سبيل، ولا مِنْ دونهم حيلة، ولا معَ سِواهم راحة، ولا لحكمهم رَدٌّ.

.تفسير الآية رقم (86):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}
إن الذين آثروا عليه شيئاً خسروا في الدنيا والآخرة كما قالوا:
أناسٌ أعرضوا عنَّا ** بلا جُرْمٍ ولا معنى

فإن كانوا قد استَغْنَوْا ** فإنَّا عنهم أغنى

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}
الإشارة: أوصلنا لهم الخطاب، وأردفنا رسولاً بعد رسول، والجميع دَعَوْا إلى واحد. ولكنهم أضغَوْا إلى دعاء الداعين بسمع الهوى، فما استلذته النفوس قَبلُوه، وما استثقلته أهواؤهم جحدوه، فإذا كان الهوى صفتهم ثم عبدوه، صارت للمعبود صفات العابد، فلا جَرَمَ الويل لهم ثم الويل!.

.تفسير الآية رقم (88):

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}
لو كان منهم شيء بمجرد الدعوى لهان وجود المعاني، ولكن عند مطالبات التحقيق تَفْتَرُّ أنيابُ المُتَلَبِّسِين عن أسنانٍ شاحذة بل (....) وقيل:
إذا انسكبت دموعٌ في خدود ** تبيَّن مَنْ بكى ممن تباكى

.تفسير الآية رقم (89):

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}
الإشارة فيه لمن عزم على الصفاء، ووعد من نفسه تحقيق الوفاء، ونشر أعلام النشاط عند البروز إلى القتال، تنادى بالنِّزال وصدق القتال- انهدم عند التفات الصفوف، وانجزل عن الجملة خشية هجوم المحذور، قال تعالى: {فَإذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} [محمد: 21].

.تفسير الآية رقم (90):

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}
أنزلهم التحاسُد عن مقر العِزِّ إلى حضيض الخزي، وسامهم ذُلَّ الصّغِرَ حين لم يَرْضُوا بمقتضى الحُكْم، فأضافوا استيجاب مقتٍ آنفٍ إلى استحقاق مَقْتٍ سالف.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}
الإشارة فيه: إذا قيل لهم حَقِّقُوا ما أظهرتم من حكم الوفاق بتحقيق الحال وإقامة البرهان سَمَحَتْ نفوسُهم ببعض ما التبس عندهم لما يوافق أهواءهم، ثم يكفرون بما وراء حظوظهم، (....) بُعداً عن زمرة الخواص، غير معدودين في جملة أرباب الاختصاص.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}
أي دعاكم إلى التوحيد، وإفراد المعبود عن كل معبود ومحدود، ولكنكم لم تجنحوا إلا إلى عبادة ما يليق بكم من عِجْلٍ اتخذتموه، وصنمٍ تمنيتموه. فرفع ذلك من بين أيديهم، ولكن بقيت آثاره في قلوبهم وقلوب أعقابهم، ولذلك يقول أكثرُ اليهود بالتشبيه.