فصل: باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره:

قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}. وقال تعالى: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. روى مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرا القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال علام وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أنصاف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار». يقال الترمذي في هذا الحديث: ثم ضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة». أبو هريرة اسمه عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقال: كنيت أبا هريرة لأني حملت هرة في كمي، فرآني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «ما هذه»؟ قلت: هرة، فقال: «يا أبا هريرة». قال ابن عبد البر: وهذا الحديث فيمن لم يرد بعمله وعلمه وجه الله تعالى. وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من طلب العلم لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار». وخرج ابن المبارك في رقائقه عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى تخاض البحار بالخيل في سبيل الله تبارك وتعالى ثم يأتي أقوام يقرءون القرآن فإذا قرءوه قالوا من أقرأ منا من أعلم منا» ثم التفت إلى أصحابه فقال: «هل ترون في أولئكم من خير» قالوا: لا. قال: «أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار». وروى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من تعلم علما مما يبتغي به وجه لله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة». يعني ريحها. قال الترمذي: حديث حسن. وروى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تعوذوا بالله من جب الحزن» قالوا: يا رسول الله وما جب الحزن؟ قال: «واد في جهنم تتعوذ منه جهنم في كل يوم مائة مرة» قيل: يا رسول الله ومن يدخله؟ قال: «القراء المراءون بأعمالهم» قال: هذا حديث غريب. وفي كتاب أسد بن موسى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن في جهنم لواديا إن جهنم لتتعوذ من ذلك الوادي كل يوم سبع مرات وإن في ذلك الوادي لجبا إن جهنم وذلك الوادي ليتعوذون بالله من شر ذلك الجب وإن فط الجب لحية وإن جهنم والوادي والجب ليتعوذون بالله من شر تلك الحية سبع مرات أعدها الله للأشقياء من حملة القرآن الذين يعصون الله». فيجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله، فإن كان تقدم له شي مما يكره فليبادر التوبة التوبة والإنابة، وليبتدئ الإخلاص في الطلب. عمله. فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره، كما أن له من الأجر ما ليس لغيره. وروى الترمذي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنزل اله في بعض الكتب- أو أوحى- إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخر يلبسون للناس مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزئون لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران».
وخرج الطبري في كتاب آداب النفوس: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا المحاربي عن عمرو بن عامر البجلي عن ابن صدقة عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من حدثه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تخادع الله فإنه من يخادع الله يخدعه الله ونفسه يخدع لو يشعر». قالوا يا رسول الله، وكيف يخادع الله؟ قال: «تعمل بما أمرك الله به وتطلب به غيره واتقوا الرياء فإنه الشرك وإن المرائي يدعى يوم القيامة على رءوس الأشهاد بأربعة أسماء ينسب إليها يا كافر يا خاسر يا غادر يا فاجر ضل عملك وبطل أجرك فلا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع».
وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: كيف أنتم! لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم الكبير، وتتخذ سنة مبتدعة يجري عليها الناس فإذا غير منها شي قيل: غيرت السنة. قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كثر قراؤكم. قل فقهائكم، وكثر أمراؤكم، وقل أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين. وقال سفيان بن عيينة: بلغنا عن ابن عباس أنه قال: لو إن حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبهم الله، ولكن ي لبوا به الدنيا فأبغضهم الله، وهانوا على الناس. وروى عن أبي جعفر محمد بن علي في قول الله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ} قال: قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم، وخالفوه إلى غيره.. سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى.

.باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه:

فأول ذلك أن يخلص في طلبه لله عز وجل كما ذكرنا، وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره، في الصلاة أو في غير الصلاة لئلا ينساه. وروى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه وينبغي له أن يكون لله حامدا، ولنعمه شاكرا، وله ذاكرا، وعليه متوكلا، وبه مستعينا وإليه راغبا، وبه معتصما، وللموت مستعدا. وينبغي له أن يكون خائفا من ذنبه، راجيا عفو ربه، ويكون الخوف في صحته أغلب عليه، إذا لا يعلم بما يختم له، ويكون الرجاء عند حضور أجله أقوى في نفسه، لحسن الظن بالله»، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن». أي أنه يرحمه ويغفر له. وينبغي له أن يكون عالما بأهل زمانه، متحفظا من سلطانه، ساعيا في خلاص نفسه، ونجاة مهجته، مقدما بين يديه ما يقدر عليه من عرض دنياه، مجاهدا لنفسه في ذلك ما استطاع. وينبغي له أن يكون أهم أموره عنده الورع في دينه، واستعمال تقوى الله ومراقبته فيما أمره به ونهاه عنه.
وقال ابن مسعود: ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مستيقظون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخضوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون. وقال عبد الله بن عمرو: لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن، لأن في جوفه كلام الله تعالى. وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار. وينبغي له أن يتواضع للفقراء، ويتجنب التكبر والإعجاب، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها إن خاف على نفسه الفتنة، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب. وينبغي له أن يكون ممن يؤن شره، ويرجى خيره ويسلم من ضره، وإلا يسمع ممن نم عنده، ويصاحب من يعاونه على الخير ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق ويزينه ولا يشينه، وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن، فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه، فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو، فكيف يعمل بما لا يفهم معناه، وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه، فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا. وينبغي له أن يعرف المكي من المدني ليفرق بذلك بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام، وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض الله في أول الإسلام، وما زاد عليه من الفرائض في آخره. فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن، ولا يمكن أن ينسخ المكي المدني، لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول قبل الناسخ له. ومن كماله أن يعرف الإعراب والغريب، فذلك مما يسهل عليه معرفة ما يقرأ، ويزيل عنه الشك فيما يتلو. وقد قال أبو جعفر الطبري سمعت الجرمي يقول: أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه. قال محمد بن يزيد: وذلك أن أبا عمر الجرمي كان صاحب حديث، فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث، إذ كان كتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفسير. ثم في السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فيما يصل إلى مراد الله عز وجل في كتابه وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا، وقد قال الضحاك في قوله تعالى: {وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ}. قال: حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها. وذكر ابن أبي الجوزي قال: أتينا فضيل بن عياض سنة خمس وثمانين ومائة ونحن جماعة، فوقفنا على الباب فلم يأذن لنا بالدخول، فقال بعض القوم: إن كان خارجا لشيء فسيخرج لتلاوة القرآن، فأمرنا قارئا فقرأ فاطلع علينا من كوة، فقلنا: السلام عليك ورحمة الله، فقال وعليكم السلام، فقلنا: كيف أنت يا أبا علي، وكيف حالك؟ فقال: أنا من الله في عافية ومنكم في أذى، وإن ما أنتم فيه حديث في الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ما هكذا كنا نطلب العلم، ولكنا كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلا للجلوس معهم، فنجلس دونهم ونسترق السمع، فإذا مر الحديث سألناهم إعادته وقيدناه، وأنتم تطلبون العلم بالجهل، وقد ضيعتم كتاب الله، ولو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون، قال: قلنا قد تعلمنا القرآن، قال: إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم، قلنا: كيف يا أبا علي؟ قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرف إعرابه، ومحكمه من متشابهه، وناسخه من منسوخه، إذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة،، ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. قلت: فإذا حصلت هذه المراتب لقارئ القرآن كان ماهرا بالقرآن، وعالما بالفرقان، وهو قريب على من قربه عليه، ولا ينتفع بشيء مما ذكرنا حتى يخلص النية فيه لله جل ذكره عند طلبه أو بعد طلبه كما تقدم. فقد يبتدئ الطالب للعلم يريد به المباهاة والشرف في الدنيا، فلا يزال به فهم العلم حتى يتبين أنه على خطأ في اعتقاده فيتوب من ذلك ويخلص النية لله تعالى فينتفع بذلك ويحسن حاله. قال الحسن: كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة. وقاله سفيان الثوري. وقال بن أبي ثابت: طلبنا هذا الأمر وليس لنا فيه نية ثم جاءت النية بعد.

.باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه، وثواب من قرأ القرآن معربا:

قال أبو بكر الأنباري: جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه وتابعيهم رضوان الله عليهم من تفضيل إعراب القرآن، والحصن على تعليمه، وذم اللحن وكراهيته ما وجب به على قراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه. من ذلك ما حدثنا يحيى بن سليمان الضبي قال حدثنا محمد يعني ابن سعيد قال حدثنا أبو معاوية عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه». حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم ابن الهيثم قال حدثنا آدم يعني ابن إياس قال حدثنا أبو الطيب المروزي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ القرآن فلم يعربه وكل به ملك يكتب له كما أنزل بكل حرف عشر حسنات فإن أعرب بعضه وكل به ملكان يكتبان له بكل حرف عشرين حسنة فإن أعربه وكل به أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة». وروى جويبر عن الضحاك قال قال عبد الله ابن مسعود: جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه فإنه عربي، والله يحب أن يعرب به. وعن مجاهد عن ابن عمر قال: أعربوا القرآن. وعن محمد بن عبد الرحمن ابن زيد قال قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: لبعض إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ حروفه. وعن الشعبي قال قال عمر رحمه الله: من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله اجر شهيد. وقال مكحول: بلغني أن من قرأ بإعراب كان له من الأجر ضعفان ممن قرأ بغير إعراب. وروى ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي». وروى سفيان عن أبي حمزة قال قيل للحسين في قوم يتعلمون العربية قال: أحسنوا، يتعلموا لغة نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل للحسن: إن لنا أماما يلحن، قال: أخروه.
وعن ابن أبي مليكه قال: قدم أعرابي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من يقرئني مما أنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فأقرأه رجل براءة، فقال: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ورسوله}. بالجر فقال الأعرابي: أوقد برئ الله من رسوله؟ فإن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه، فبلغ عمر مقالة الأعرابي: فدعاه فقال: يا أعرابي أتبرأ من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة ولأعلم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني، فأقرأني هذا سورة براءة فقال: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ورسوله}، فقلت أو قد برئ الله من رسوله، أن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه، فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي، قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ قال {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} فقال الأعرابي: وأنا أبرأ مما برئ الله ورسوله منه، فأمر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ألا يقرئ الناس إلا عالم باللغة، وأمر أبا الأسود فوضع النحو. وعن علي بن الجعد قال سمعت شعبة يقول: مثل صاحب الحديث الذي لا يعرف العربية مثل الحمار عليه مخلاة لا علف فيها. وقال حماد بن سلمة: من طلب الحديث ولم يعلم النحو أو قال العربية فهو كمثل الحمار تعلق عليه مخلاة ليس فيها شعير. قال ابن عطية: إعراب القرآن أصل في الشريعة، لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع. قال ابن الأنباري: وجاء عن أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتابعيهم رضوان الله عليهم، من الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله باللغة والشعر ما بين صحة مذهب النحويين في ذلك، وأوضح فساد مذهب من أنكر ذلك عليهم. من ذلك ما حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزاز قال حدثنا ابن أبي مريم قال: أنبأنا ابن فروخ قال أخبرني أسامة قال أخبرني عكرمة أن ابن عباس قال: إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب. وحدثنا إدريس بن عبد الكريم قال حدثنا خلف قال حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد بن جدعان قال سمعت سعيد بن جبير ويوسف بن مهران يقولان: سمعنا ابن عباس يسال عن الشيء بالقرآن، فيقول فيه هكذا وهكذا، أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا. وعن عكرمة عن ابن عباس، وسأله رجل عن قول الله عز وجل: {وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ} قال: لا تلبس ثيابك على غدر، وتمثل بقول غيلان الثقفي:
فإني بحمد الله لا ثوب غادر ** لبست ولا من سوءة أتقنع

وسأل رجل عكرمة عن الزنيم قال: هو ولد الزنى، وتمثل ببيت شعر:
زنيم ليس يعرف من أبوه ** بغي الأم ذو حسب لئيم

وعنه أيضا الزنيم: الداعي الفاحش اللئيم، ثم قال:
زنيم تداعاه الرجال زيادة ** كما زيد في عرض الأديم الأكارع.

وعنه في قوله تعالى: {ذَواتا أَفْنانٍ} قال: ذواتا ظل وأغصان، ألم تسمع إلى قول الشاعر:
ما هاج شوقك من هديل حمامة ** تدعو على فنن الغصون حماما

تدعو أبا فرخين صادف طائرا ** ذا مخلبين من الصقور قطاما

وعن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} قال: الأرض، قاله ابن عباس. وقال أمية بن أبي الصلت: عندهم لحم بحر ولحم ساهرة. قال ابن الأنباري: والرواة يروون هذا البيت:
وفيها لحم ساهرة وبحر ** وما فاهوا به لهم مقيم

وقال نافع بن الأزرق لابن عباس: أخبرني عن قول الله عز وجل: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} ما السنة؟ قال: النعاس، قال زهير بن أبي سلمى:
لا سنة في طول الليل تأخذه ** ولا ينام ولا في أمره فند

.باب ما جاء في فضل تفسير القرآن وأهله:

قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وأما ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين، فمن ذلك: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداءك! تصف جابر بالعلم وأنت أنت! فقال: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ}. وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله تعالى أعلمهم بما أنزل. وقال الحسن: والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيما أنزلت وما يعني بها. وقال الشهبي: رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية، فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام: فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها. وقال عكرمة في قوله عز وجل: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} طلبت اسم هذا الرجل الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله أربع عشرة سنة حتى وجدته. وقال ابن عبد البر: هو ضمرة بن حبيب، وسيأتي. وقال ابن عباس: مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى اله عليه وسلم، ما يمنعني إلا مهابته، فسألته فقال: هي حفصة وعائشة. وقال إياس بن معاوية: مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره، كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة ولا يدرون ما في الكتاب، ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب.

.باب ما جاء في حامل القرآن ومن هو، وفي من عاداه:

قال أبو عمر: روى من وجوه فيها لين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من تعظيم جلال الله إكرام ثلاثة: الإمام المقسط وذي الشيبة وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه». وقال أبو عمر: وحملة القرآن هم العالمون بأحكامه، وحلاله وحرامه، والعاملون بما فيه. وروى أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «القرآن أفضل من كل شي فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن استخف بالقرآن استخف بحق الله تعالى حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله المعظمون كلام الله الملبسون نور الله فمن والهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد استخف بحق الله تعالى».

.باب ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته:

قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول: فمن حرمة القرآن ألا يمسه إلا طاهرا. ومن حرمته أن يقرأه على طهارة. ومن حرمته أن يستاك ويتحلل فيطيب فاه، إذ هو طريقه. قال يزيد بن أبي مالك: إن أفواهكم طرق من طرق القرآن، فطهروها ونظفوها ما استطعتم. ومن حرمته أن يتلبس كما يتلبس للدخول على الأمير لأنه مناج. ومن حرمته أن يستقبل القبلة لقراءته. وكان أبو العالية إذا قرأ اعتم ولبس وارتدى واستقبل القبلة. ومن حرمته أن يتمضمض كلما تنخع. روى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس: أنه كان يكون بين يديه تور إذا تنخع مضمض، ثم أخذ في الذكر، وكان كلما تنخع مضمض. ومن حرمته إذا تثاءب أن يمسك عن القراءة لأنه أذا قرأ فهو مخاطب ربه ومناج، والتثاؤب من الشيطان. قال مجاهد: إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القرآن تعظيما حتى يذهب تثاؤبك. وقاله عكرمة. يريد أن في ذلك الفعل إجلالا للقرآن. ومن حرمته أن يستعيذ بالله عند ابتدائه للقراءة من الشيطان الرجيم، ويقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} إن كان ابتدأ قراءته من أول السورة أو من حيث بلغ. ومن حرمته إذا أخذ في القراءة لم يقطعها ساعة فساعة بكلام الآدميين من غير ضرورة. ومن حرمته أن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحد بكلام فيخلطه بجوابه، لأنه إذا فعل ذلك زال عنه سلطان الاستعاذة الذي استعاذ في البدء. ومن حرمته أن يراه على تؤدة وترسيل وترتيل. ومن حرمته أن يستعمل فيه ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به. ومن حرمته أن يقف على آية الوعد فيرغب إلى الله تعالى ويسأله من فضله، وأن يقف على آية الوعيد فيستجير بالله منه. ومن حرمته أن يقف على أمثاله فيتمثلها. ومن حرمته أن يلتمس غرائبه. ومن حرمته أن يؤدي لكل حرف حقه من الأداء حتى يبرز الكلام باللفظ تماما، فإن بكل حرف عشر حسنات. ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صدقت رب وبلغت رسلك، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات. ومن حرمته إذا قرأه ألا يلتقط الآي من كل سورة فيقرأها، فإنه روى لنا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه مر ببلال وهو يقرأ من كل سورة شيئا، فأمره أن يقرأ السورة كلها أو كما قال عليه السلام. ومن حرمته إذا وضع المصحف ألا يتركه منشورا، وإلا يضع فوقه شيئا من الكتب حتى يكون أبدا عاليا لسائر الكتب، علما كان أو غيره. ومن حرمته أن يضعه في حجره إذا قرأه أو على شي بين يديه ولا يضعه بالأرض. ومن حرمته ألا يمحوه من اللوح بالبصاق ولكن يغسله بالماء. ومن حرمته إذا غسل بالماء أن يتوقى النجاسات من المواضع، والماقع التي توطأ، فإن لتلك الغسالة حرمة، وكان من قبلنا من السلف منهم من يستشفى بغسالته. ومن حرمته ألا يتخذ الصحيفة إذا بليت ودرست وقاية للكتب، فإن ذلك جفاء عظيم، ولكن يمحوها بالماء. ومن حرمته ألا يخلى يوما من أيامه من النظر في المصحف مرة، وكان أبو موسى يقول: إني لأستحيي ألا أنظر كل يوم في عهد ربي مرة. ومن حرمته أن يعطي عينيه حظهما من، فإن العين نؤدي إلى النفس، وبين النفس والصدر حجاب، والقرآن في الصدر، فإذا قرأه عن ظهر قلب فإنما يسمع أذنه فتؤدي إلى النفس، فإذا نظر في الخط كانت العين والأذن قد اشتركتا في الأداء وذلك أوفر للأداء، وكان قد أخذت العين حظها كالأذن. روى زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أعطوا أعينكم حظها من العبادة» قالوا: يا رسول الله وما حظها من العبادة؟ قال: «النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه».
وروى مكحول عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن نظرا». ومن حرمته ألا يتأوله عند ما يعرض له شي من أمر أدنيا. حدثنا عمرو بن زياد الحنظلي قال حدثنا هشيم بن بشير عن المغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يتأول شي من القرآن عند ما يعرض له شي من أمر الدنيا، والتأويل مثل قولك للرجل إذا جاءك: {جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى}، ومثل قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ} هذا عند حضور الطعام وأشباه هذا. ومن حرمته ألا يقال: سورة كذا، كقولك: سورة النحل وسورة البقرة والنساء، ولكن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا. قلت: هذا يعارضه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه» خرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود. و. من حرمته ألا يتلى منكوسا كفعل معلمي الصبيان، يلتمس أحدهم بذلك أن يرى الحذق من نفسه والمهارة، فإن تلك مخالفة. ومن حرمته ألا يقعر في قراءته كفعل هؤلاء الهمزيين المبتدعين المتنطعين في إبراز الكلام من تلك الأفواه المنتنة تكلفا، فإن ذلك محدث ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه. ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء لحون أهل الفسق، ولا بترجيع النصارى ولا نوح الرهبانية، فإن ذلك كله زيغ وقد تقدم. ومن حرمته أن يجلل تخطيطه إذا خطه. وعن أبي حكيمة أنه كان يكتب المصاحف بالكوفة، فمر علي رضي الله عنه فنظر إلى كتابته فقال له: أجل قلمك، فأخذت القلم فقططته من طرفه قطا، ثم كتبت وعلي رضي الله قائم ينظر إلى كتابتي، فقال: هكذا، نوره كما نوره الله عز وجل. ومن حرمته ألا يجهر بعض على بعض في القراءة فيفسد عليه حتى يبغض إليه ما يسمع ويكون كهيئة المغالبة. ومن حرمته ألا يماري ولا يجادل فيه في القراءات، ولا يقول لصاحبه: ليس هكذا هو، ولعله أن تكون تلك القراءة صحيحة جائزة من القرآن، فيكون قد جحد كتاب الله. ومن حرمته ألا يقرأ في الأسواق ولا في مواطن اللغط واللغو ومجمع السفهاء، ألا ترى أن الله تعالى ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم إِذا {مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً}، هذا لمروره بنفسه، فكيف إذا مر بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغو ومجمع السفهاء. ومن حرمته ألا يتوسد المصحف ولا يعتمد عليه، ولا يرمى به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله. ومن حرمته ألا يصغر المصحف، روى الأعمش عن إبراهيم عن علي رضي الله عنه قال: لا يصغر المصحف. قلت: وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى مصحفا في يد رجل فقال: من كتبه؟ قال: أنا، فضربه بالدرة، وقال: عظموا القرآن. وروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى أن يقال: مسيجد أو مصيحف. ومن حرمته ألا يخلي فيه مليس منه. ومن حرمته ألا يحلى بالذهب ولا يكتب بالذهب فتخلط به زينة الدنية: وروى مغيرة عن إبراهيم: أنه كان يكره أن يحلى المصحف أو يكتب بالذهب أو يعلم عند رءوس الآي أو يصغر. وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدبار عليكم». وقال ابن عباس وقد رأى مصحفا زين بفضة: تغرون به السارق وزينته في جوفه. ومن حرمته ألا يكتب على الأرض ولا على حائط كما يفعل به في المساجد المحدثة. حدثنا محمد بن علي الشقيقي عن أبيه عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن محمد بن الزبير قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث قال: مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب في أرض، فقال لشاب من أهل هذيل: «ما هذا؟»: قال: من كتاب الله كتبه يهودي، فقال: «لعن الله من فعل هذا لا تضعوا كتاب الله إلا موضعه». قال محمد بن الزبير: رأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القرآن على حائط فضربه. ومن حرمته أنه إذا اغتسل بكتابته مستشفيا من سقم ألا يصبه على كناسة، ولا في موضع نجاسة، ولا على موضع يوطأ، ولكن ناحية من الأرض في بقعة لا يطؤه الناس، أو يحفر حفيرة في موضع طاهر حتى ينصب من جسده في تلك الحفيرة ثم يكبسها، أو في نهر كبير يختلط بمائه فيجري. ومن حزمته أن يفتتحه كلما ختمه حتى لا يكون كهيئة المهجور، ولذلك كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ختم يقرأ من أول القرآن قدر خمس آيات، لئلا يكون في هيئة المهجور. وروى ابن عباس قال جاء رجل فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: «عليك بالحال المرتحل» قال: وما الحال المرتحل؟ قال: «صاحب القرآن يضرب من أوله حتى يبلغ آخره ثم يضرب في أوله كلما حل ارتحل». قلت: ويستحب له إذا ختم القرآن أن يجمع أهله. وذكر أبو بكر الأنباري أنبأنا إدريس حدثنا حلف حدثنا وكيع عم معسر عن قتادة: أن أنس بن مالك كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وأخبرنا إدريس حدثنا جرير عن منصور عن الحكم قال: كان مجاهد وعبدة بن لبابة وقوم يعرضون المصاحف، فإذا أرادوا أن يختموا وجهوا إلينا: احضرونا، فإن الرحمة تنزل عند ختم القرآن. وأخبرنا إدريس حدثنا خلف حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال: من ختم القرآن أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي ومن ختم أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، قال: فكانوا يستحبون أن يختموا أول الليل وأول النهار. ومن حرمته ألا يكتب التعاويذ منه ثم يدخل به في الخلاء إلا أن يكون في غلاف من أدم أو فضة أو غيره، فيكون كأنه في صدرك ومن حرمته إذا كتبه وشربه سمى الله على كل نفس وعظم النية فيه فان الله يؤتيه على قدر نيته. روى ليث عن مجاهد قال: لا بأس أن تكتب القرآن ثم تسقيه المريض. وعن أبي جعفر قال: من وجد في قلبه قساوة فليكتب يس في جام بزعفران ثم يشربه. قلت: ومن حرمته ألا يقال: سورة صغيرة وكره أبو العالية أن يقال: سورة صغيرة أو كبيرة وقال لمن سمعه قالها: أنت أصغر منها، وأما القرآن فكله عظيم، ذكره مكي رحمه الله. قلت: وقد روى أبو داود ما يعارض هذا من حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: مأمن المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا قد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤم بها الناس في الصلاة.