فصل: سورة آل عمران:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.سورة آل عمران:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}
فيه خمس مسائل الأولى: قوله: {الم. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} هذه السورة مدنية بإجماع.
وحكى النقاش أن اسمها في التوراة طيبة، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبى النجود وأبو جعفر الرؤاسي {الم. الله} بقطع ألف الوصل، على تقدير الوقف على {الم} كما يقدرون الوقف على أسماء الاعداد في نحو واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، وهم واصلون. قال الأخفش سعيد: ويجوز {الم الله} بكسر الميم لالتقاء الساكنين. قال الزجاج: هذا خطأ، ولا تقوله العرب لثقله. قال النحاس: القراءة الأولى قراءة العامة، وقد تكلم فيها النحويون القدماء، فمذهب سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين، واختاروا لها الفتح لئلا يجمع بين كسرة وياء وكسرة قبلها.
وقال الكسائي: حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل فحذفت ألف الوصل حركتها بحركة الألف فقلت: الم الله، وألم اذكر، وألم اقتربت.
وقال الفراء: الأصل {الم الله} كما قرأ الرؤاسى فألقيت حركة الهمزة على الميم. وقرأ عمر بن الخطاب {الحي القيام}.
وقال خارجة: في مصحف عبد الله {الحي القيم}. وقد تقدم ما للعلماء من آراء في الحروف التي في أوائل السور في أول البقرة. ومن حيث جاء في هذه السورة: {اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} جملة قائمة بنفسها فتتصور تلك الأقوال كلها.
الثانية روى الكسائي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى العشاء فاستفتح آل عمران فقرأ {الم. الله لا إله إلا هو الحي القيام} فقرأ في الركعة الأولى بمائة آية، وفي الثانية بالمائة الباقية. قال علماؤنا: ولا يقرأ سورة في ركعتين، فإن فعل أجزأه.
وقال مالك في المجموعة: لا بأس به، وما هو بالشأن.
قلت: الصحيح جواز ذلك. وقد قرأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأعراف في المغرب فرقها في ركعتين، خرجه النسائي أيضا، وصححه أبو محمد عبد الحق، وسيأتي.
الثالثة: هذه السورة ورد في فضلها آثار وأخبار، فمن ذلك ما جاء أنها أمان من الحيات، وكنز للصعلوك، وأنها تحاج عن قارئها في الآخرة، ويكتب لمن قرأ آخرها في ليلة كقيام ليلة، إلى غير ذلك. ذكر الدارمي أبو محمد في مسنده حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثني عبيد الله الأشجعي قال: حدثني مسعر قال حدثني جابر، قبل أن يقع فيما وقع فيه، عن الشعبي قال قال عبد الله: نعم كنز الصعلوك سورة آل عمران يقوم بها في آخر الليل. حدثنا محمد بن سعيد حدثنا عبد السلام عن الجريري عن أبى السليل قال: أصاب رجل دما قال: فأوى إلى وادي مجنة: واد لا يمشى فيه أحد إلا أصابته حية، وعلى شفير الوادي راهبان، فلما أمسى قال أحدهما لصاحبه: هلك والله الرجل! قال: فافتتح سورة آل عمران قالا: فقرأ سورة طيبة لعله سينجو. قال: فأصبح سليما. وأسند عن مكحول قال: من قرأ سورة آل عمران يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلى الليل. وأسند عن عثمان بن عفان قال: من قرأ آخر سورة آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة. في طريقه ابن لهيعة. وخرج مسلم عن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران- وضرب لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال:- كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما. وخرج أيضا عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة». قال معاوية: وبلغني أن البطلة السحرة.
الرابعة: للعلماء في تسمية البقرة وآل عمران بالزهراوين ثلاثة أقوال: الأول- أنهما النيرتان، مأخوذ من الزهر والزهرة، فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، أي من معانيهما. وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة، وهو القول الثاني.
الثالث- سميتا بذلك لأنهما اشتركتا فيما تضمنه اسم الله الأعظم، كما ذكره أبو داود وغيره عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ والتي في آل عمران اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» أخرجه ابن ماجه أيضا. والغمام: السحاب الملتف، وهو الغياية إذا كانت قريبا من الرأس، وهى الظلة أيضا. والمعنى: أن قارئهما في ظل ثوابهما، كما جاء: «الرجل في ظل صدقته» وقوله: «تحاجان» أي يخلق الله من يجادل عنه بثوابهما ملائكة كما جاء في بعض الحديث: «إن من قرأ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} الآية خلق الله سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة». وقوله: «بينهما شرق» قيد بسكون الراء وفتحها، وهو تنبيه على الضياء، لأنه لما قال: «سوداوان» قد يتوهم أنهما مظلمتان، فنفى ذلك بقوله: «بينهما شرق» ويعنى بكونهما سوداوان أي من كثافتهما التي بسببها حالتا بين من تحتهما وبين حرارة الشمس وشدة اللهب والله أعلم.
الخامسة: صدر هذه السورة نزل بسبب وفد نجران فيما ذكر محمد بن إسحاق عن محمد ابن جعفر بن الزبير، وكانوا نصارى وفدوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة في ستين راكبا، فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا، في الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يرجع أمرهم: العاقب أمير القوم وذو آرائهم واسمه عبد المسيح، والسيد ثمالهم وصاحب مجتمعهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أحد بكر بن وائل أسقفهم وعالمهم، فدخلوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثر صلاة العصر، عليهم ثياب الحبرات جبب وارديه فقال أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما رأينا وفدا مثلهم جمالا وجلالة. وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المشرق. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «دعوهم». ثم أقاموا بها أياما يناظرون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عيسى ويزعمون أنه ابن الله، إلى غير ذلك من أقوال شنيعة مضطربة، ورسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية، إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المباهلة، حسب ما هو مذكور في سيرة ابن إسحاق وغيره.

.تفسير الآيات (3- 4):

{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)}
قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ} يعني القرآن {بِالْحَقِّ} أي بالصدق، وقيل: بالحجة الغالبة. والقرآن نزل نجوما: شيئا بعد شي، فلذلك قال: {نزل} والتنزيل مرة بعد مرة. والتوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة فلذلك قال: {أنزل} والباء في قول: {بالحق} في موضع الحال من الكتاب، والباء متعلقة بمحذوف التقدير آتيا بالحق ولا تتعلق ب {نزل}، لأنه قد تعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر، ولا يتعدى إلى ثالث. و{مصدقا} حال مؤكدة غير منتقلة، لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق، أي غير موافق، هذا قول الجمهور. وقدر فيه بعضهم الانتقال، على معنى أنه مصدق لنفسه ومصدق لغيره.
قوله تعالى: {لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني من الكتب المنزلة، والتوراة معناها الضياء والنور، مشتقة من ورى الزند ووري لغتان إذا خرجت ناره. واصلها تورية على وزن تفعلة، التاء زائدة وتحركت الياء وقبلها فتحة فقلبت ألفا ويجوز أن تكون تفعلة فتنقل الراء من الكسر إلى الفتح كما قالوا في جارية: جاراه، وفى ناصية ناصاة، كلاهما عن الفراء.
وقال الخليل: أصلها فوعلة، فالأصل وورية، قلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تولج، والأصل وولج فوعل من ولجت، وقلبت الياء ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها. وبناء فوعلة أكثر من تفعلة.
وقيل: التوراة مأخوذة من التورية، وهى التعريض بالشيء والكتمان لغيره، فكأن أكثر التوراة معاريض وتلويحات من غير تصريح وإيضاح، هذا قول المؤرج. والجمهور على القول الأول لقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} يعني التوراة. والإنجيل إفعيل من النجل وهو الأصل، ويجمع على أناجيل وتوراة على توار، فالانجيل أصل لعلوم وحكم. ويقال: لعن الله ناجليه، يعني والديه، إذ كانا أصله.
وقيل: هو من نجلت الشيء إذا استخرجته، فالانجيل مستخرج به علوم وحكم، ومنه سمي الولد والنسل نجلا لخروجه، كما قال:
إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم ** أصاغرهم وكل فحل لهم نجل

والنجل الماء الذي يخرج من النز. واستنجلت الأرض، وبها نجال إذا خرج منها الماء، فسمى الإنجيل به، لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا.
وقيل: هو من النجل في العين بالتحريك وهو سعتها، وطعنة نجلاء، أي واسعة، قال:
ربما ضربة بسيف صقيل ** بين بصرى وطعنة نجلاء

فسمي الإنجيل بذلك، لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم ونورا وضياء.
وقيل: التناجل التنازع، وسمي إنجيلا لتنازع الناس فيه.
وحكى شمر عن بعضهم: الإنجيل كل كتاب مكتوب وافر السطور.
وقيل: نحل عمل وصنع، قال:
وأنجل في ذاك الصنيع كما نجل

أي أعمل وأصنع.
وقيل: التوراة والإنجيل من اللغة السريانية.
وقيل: الإنجيل بالسريانية إنكليون، حكاه الثعلبي. قال الجوهري: الإنجيل كتاب عيسى عليه السلام يذكر ويؤنث، فمن أنث أراد الصحيفة، ومن ذكر أراد الكتاب. قال غيره: وقد يسمى القرآن إنجيلا أيضا، كما روى في قصة مناجاة موسى عليه السلام أنه قال: «يا رب أرى في الألواح أقواما أناجيلهم في صدورهم فاجعلهم أمتي». فقال الله تعالى له: «تلك أمة أحمد» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما أراد بالاناجيل القرآن. وقرأ الحسن: {والإنجيل} بفتح الهمزة، والباقون بالكسر مثل الإكليل، لغتان. ويحتمل أن سمع أن يكون مما عربته العرب من الأسماء الاعجمية، ولا مثال له في كلامها.
قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ} يعني القرآن {هُدىً لِلنَّاسِ} قال ابن فورك: التقدير هدى للناس المتقين، دليله في البقرة {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} فرد هذا العام إلى ذلك الخاص. و{هدى} في موضع نصب على الحال. والفرقان القرآن. وقد تقدم.

.تفسير الآية رقم (5):

{إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5)}
هذا خبر عن علمه تعالى بالأشياء على التفصيل، ومثله في القرآن كثير. فهو العالم بما كان وما يكون وما لا يكون، فكيف يكون عيسى إلها أو ابن إله وهو تخفى عليه الأشياء!.

.تفسير الآية رقم (6):

{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ} أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات واصل الرحم من الرحمة، لأنها مما يتراحم به. واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله، فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة. وهذه الآية تعظيم لله تعالى، وفى ضمنها الرد على نصارى نجران، وأن عيسى من المصورين، وذلك مما لا ينكره عاقل. وأشار تعالى إلى شرح التصوير في سورة الحج والمؤمنون. وكذلك شرحه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن مسعود، على ما يأتي هناك بيانه إن شاء الله تعالى. وفيها الرد على الطبائعيين أيضا إذ يجعلونها فاعلة مستبدة. وقد مضى الرد عليهم في آية التوحيد وفى مسند ابن سنجر- واسمه محمد بن سنجر- حديث: «إن الله تعالى يخلق عظام الجنين وغضاريفه من منى الرجل وشحمه ولحمه من مني المرأة». وفى هذا أدل دليل على أن الولد يكون من ماء الرجل والمرأة، وهو صريح في قول تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى}. وفى صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه: أن اليهودي قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبى أو رجل أو رجلان. قال: «ينفعك إن حدثتك؟» قال: أسمع بأذنى، قال: جئتك أسألك عن الولد. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة اذكرا بإذن الله تعالى وإذا علا منى المرأة منى الرجل أنثى بإذن الله» الحديث. وسيأتي بيانه آخر الشورى إن شاء الله تعالى.
الثانية: قوله تعالى: {كَيْفَ يَشاءُ} يعني من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر وسلامة وعاهة، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة. وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه ليسمعوا ما عنده من الأحاديث، فقال لهم: إنى مشغول عنكم بأربعة أشياء، فلا أتفرغ لرواية الحديث. فقيل له: وما ذاك الشغل؟ قال: أحدها أنى أتفكر في يوم الميثاق حيث قال: «هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي». فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت والثاني حيث صورت في الرحم فقال الملك الذي هو موكل على الأرحام: «يا رب شقي هو أم سعيد» فلا أدرى كيف كان الجواب في ذلك الوقت. والثالث حين يقبض ملك الموت روحي فيقول: «يا رب مع الكفر أم مع الايمان» فلا أدرى كيف يخرج الجواب. والرابع حيث يقول: {وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} فلا أدرى في أي الفريقين أكون. ثم قال تعالى: {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} أي لا خالق ولا مصور سواه، وذلك دليل على وحدانيته، فكيف يكون عيسى إلها مصورا وهو مصور. {الْعَزِيزُ} الذي لا يغالب. {الْحَكِيمُ} ذو الحكمة أو المحكم، وهذا أخص بما ذكر من التصوير.