فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (37):

{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} {الَّذِينَ} في موضع نصب على البدل من {مَنْ} في قوله: {مَنْ كانَ} ولا يكون صفة، لأن من وما لا يوصفان ولا يوصف بهما. ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلا من المضمر الذي في فخور. ويجوز أن يكون في موضع رفع فيعطف عليه. ويجوز أن يكون ابتداء والخبر محذوف، أي الذين يبخلون، لهم كذا، أو يكون الخبر {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ}. ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني، فتكون الآية في المؤمنين، فتجيء الآية على هذا التأويل أن الباخلين منفية عنهم محبة الله، فأحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمي فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان.
الثانية: قوله تعالى: {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} البخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه. وهو مثل قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية. وقد مضى في آل عمران القول في البخل وحقيقته، والفرق بينه وبين الشح مستوفى. والمراد بهذه الآية في قول ابن عباس وغيره اليهود، فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله من التوراة من نعت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل: المراد المنافقون الذين كان إنفاقهم وإيمانهم تقية، والمعنى إن الله لا يحب كل مختال فخور، ولا الذين يبخلون، على ما ذكرنا من إعرابه.
قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً} فصل تعالى توعد المؤمنين الباخلين من توعد الكافرين بأن جعل الأول عدم المحبة والثاني عذابا مهينا.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ} الآية. عطف تعالى على {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ}.
وقيل: هو عطف على الكافرين، فيكون في موضع خفض. ومن رأى زيادة الواو أجاز أن يكون الثاني عنده خبرا للأول. قال الجمهور نزلت في المنافقين: لقوله تعالى: {رِئاءَ النَّاسِ}
والرئاء من النفاق. مجاهد: في اليهود. وضعفه الطبري، لأنه تعالى نفى عن هذه الصنفة الايمان بالله واليوم الآخر، واليهود ليس كذلك. قال ابن عطية: وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام، إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان من حيث لا ينفعهم.
وقيل: نزلت في مطعمي يوم بدر، وهم رؤساء مكة، أنفقوا على الناس ليخرجوا إلى بدر. قال ابن العربي: ونفقة الرئاء تدخل في الأحكام من حيث إنها لا تجزئ.
قلت: ويدل على ذلك من الكتاب قول تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} وسيأتي.
الثانية: قوله تعالى: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً} في الكلام إضمار تقديره {وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} فقرينهم الشيطان {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً}. والقرين: المقارن، أي الصاحب والخليل وهو فعيل من الاقران، قال عدي ابن زيد:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ** فكل قرين بالمقارن يقتدي

والمعنى: من قبل من الشيطان في الدنيا فقد قارنه. ويجوز أن يكون المعنى من قرن به الشيطان في النار {فَساءَ قَرِيناً} أي فبئس الشيطان قرينا، وهو نصب على التمييز.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39)}
ما في موضع رفع بالابتداء وذا خبره، وذا بمعنى الذي. ويجوز أن يكون ما وذا اسما واحدا. فعلى الأول تقديره وما الذي عليهم، وعلى الثاني تقديره وأى شيء عليهم {لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، أي صدقوا بواجب الوجود، وبما جاء به الرسول من تفاصيل الآخرة، {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ}. {وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً} تقدم معناه في غير موضع.

.تفسير الآية رقم (40):

{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ} أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها. والمراد من الكلام أن الله تعالى لا يظلم قليلا ولا كثيرا، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً}. والذرة: النملة الحمراء، عن ابن عباس وغيره، وهي أصغر النمل. وعنه أيضا رأس النملة.
وقال يزيد بن هارون: زعموا أن الذرة ليس لها وزن. ويحكى أن رجلا وضع خبزا حتى علاه الذر مقدار ما يستره ثم وزنه فلم يزد على وزن الخبز شيئا.
قلت: والقرآن والسنة يدلان على أن للذرة وزنا، كما أن للدينار ونصفه وزنا. والله أعلم.
وقيل: الذرة الخردلة، كما قال تعالى: {فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها}. وقيل غير هذا، وهي في الجملة عبارة عن أقل الأشياء وأصغرها.
وفي صحيح مسلم عن أنس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها».
قوله تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها} أي يكثر ثوابها. وقرأ أهل الحجاز {حسنة} بالرفع، والعامة بالنصب، فعلى الأول {تَكُ} بمعنى تحدث، فهي تامة. وعلى الثاني هي الناقصة، أي إن تك فعلته حسنة. وقرأ الحسن {نضاعفها} بنون العظمة. والباقون بالياء، وهي أصح، لقوله: {وَيُؤْتِ}. وقرأ أبو رجاء {يضعفها}، والباقون {يُضاعِفْها} وهما لغتان معناهما التكثير.
وقال أبو عبيدة: {يُضاعِفْها} معناه يجعله أضعافا كثيرة، {ويضعفها} بالتشديد يجعلها ضعفين. {مِنْ لَدُنْهُ} من عنده. وفيه أربع لغات: لدن ولدن ولد ولدي، فإذا أضافوه إلى أنفسهم شددوا النون، ودخلت عليه {من} حيث كانت {من} الداخلة لابتداء الغاية ولدن كذلك، فلما تشاكلا حسن دخول من عليها، ولذلك قال سيبويه في لدن: إنه الموضع الذي هو أول الغاية. {أَجْراً عَظِيماً} يعني الجنة.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري الطويل- حديث الشفاعة- وفيه: «حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول عز وجل أرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا». وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} وذكر الحديث. وروي عن ابن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «يؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف وينادي مناد على رءوس الخلائق هذا فلان بن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ثم يقول آت هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب من أين لي وقد ذهبت الدنيا عني فيقول الله تعالى للملائكة انظروا إلى أعماله الصالحة فأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة يا رب- وهو أعلم بذلك منهم- قد أعطي لكل ذي حق حقه وبقي مثقال ذرة من حسنة فيقول الله تعالى للملائكة ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة ومصداقه {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها}- وإن كان عبدا شقيا قالت الملائكة إلهنا فنيت حسناته وبقيت سيئاته وبقي طالبون كثير فيقول تعالى خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكا إلى النار». فالآية على هذا التأويل في الخصوم، وأنه تعالى لا يظلم مثقال ذرة للخصم على الخصم يأخذ له منه، ولا يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضعفها له، فذلك قوله تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها}.
وروى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الله سبحانه يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة» وتلا {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}. قال عبيدة قال أبو هريرة: وإذا قال الله: {أَجْراً عَظِيماً} فمن الذي يقدر قدره! وقد تقدم عن ابن عباس وابن مسعود: أن هذه الآية إحدى الآيات التي هي خير مما طلعت عليه الشمس.

.تفسير الآية رقم (41):

{فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41)}
فتحت الفاء لالتقاء الساكنين، و{إِذا} ظرف زمان والعامل فيه {جِئْنا}. ذكر أبو الليث السمرقندي: حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا ابن منيع قال: حدثنا أبو كامل قال حدثنا فضيل عن يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاهم في بني ظفر فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ وناس من أصحابه فأمر قارئا يقرأ حتى إذا أتى على هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} بكى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اخضلت وجنتاه، فقال: «يا رب هذا على من أنا بين ظهرانيهم فكيف من لم أرهم».
وروى البخاري عن عبد الله قال. قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقرأ علي» قلت: أقرا عليك وعليك أنزل؟ قال: «انى أحب أن أسمعه من غيرى» فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} قال: «أمسك» فإذا عيناه تذرفان. وأخرجه مسلم وقال بدل قوله: «أمسك»: فرفعت رأسي- أو غمزني رجل إلى جنبي- فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل. قال علماؤنا: بكاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الامر، إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة شهيدا. والإشارة بقوله: {عَلى هؤُلاءِ} إلى كفار قريش وغيرهم من الكفار، وإنما خص كفار قريش بالذكر لان وظيفة العذاب أشد عليهم منها على غيرهم، لعنادهم عند رؤية المعجزات، وما أظهره الله على يديه من خوارق العادات. والمعنى فكيف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة {إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} أمعذبين أم منعمين؟ وهذا استفهام معناه التوبيخ.
وقيل: الإشارة إلى جميع أمته. ذكر ابن المبارك أخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال ابن عمرو حدثه أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس من يوم إلا تعرض على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم، يقول الله تبارك وتعالى: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} يعني بنبيها {وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً}. وموضع {فَكَيْفَ} نصب بفعل مضمر، التقدير فكيف يكون حالهم، كما ذكرنا. والفعل المضمر قد يسد مسد {إِذا}، والعامل في: {إِذا} {جِئْنا}. و{شَهِيداً} حال.
وفي الحديث من الفقه جواز قراءة الطالب على الشيخ والعرض عليه، ويجوز عكسه. وسيأتي بيانه في حديث أبي في سورة لم يكن، إن شاء الله تعالى. و{شَهِيداً} نصب على الحال.

.تفسير الآية رقم (42):

{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42)}
ضمت الواو في عَصَوُا لالتقاء الساكنين، ويجوز كسرها. وقرأ نافع وابن عامر {تسوى} بفتح التاء والتشديد في السين. وحمزة والكسائي كذلك إلا أنهما خففا السين. والباقون ضموا التاء وخففوا السين، مبنيا للمفعول والفاعل غير مسمى. والمعنى لو يسوي الله بهم الأرض. أي يجعلهم والأرض سواء. ومعنى آخر: تمنوا لو لم يبعثهم الله وكانت الأرض مستوية عليهم، لأنهم من التراب نقلوا. وعلى القراءة الأولى والثانية فالأرض فاعلة، والمعنى تمنوا لو انفتحت لهم الأرض فساخوا فيها، قاله قتادة.
وقيل: الباء بمعنى على، أي لو تسوى عليهم أي تنشق فتسوى عليهم، عن الحسن. فقراءة التشديد على الإدغام، والتخفيف على حذف التاء.
وقيل: إنما تمنوا هذا حين رأوا البهائم تصير ترابا وعلموا أنهم مخلدون في النار، وهذا معنى قوله تعالى: {ويَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً}
وقيل: إنما تمنوا هذا حين شهدت هذه الامة للأنبياء على ما تقدم في البقرة عند قوله تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} الآية. فتقول الأمم الخالية: إن فيهم الزناة والسراق فلا تقبل شهادتهم فيزكيهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول المشركون: {وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} فيختم على أفواههم وتشهد أرجلهم وأيديهم بما كانوا يكسبون، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} يعني تخسف بهم. والله أعلم. قاله تعالى: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} قال الزجاج: قال بعضهم: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} مستأنف، لأن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه.
وقال بعضهم: هو معطوف، والمعنى يود لو أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا، لأنه ظهر كذبهم. وسيل ابن عباس عن هذه الآية، وعن قوله تعالى: {وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} فقال: لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم فلا يكتمون الله حديثا.
وقال الحسن وقتادة: الآخرة مواطن يكون هذا في بعضها وهذا في بعضها. ومعناه أنهم لما تبين لهم وحوسبوا لم يكتموا. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الأنعام إن شاء الله تعالى.