فصل: تفسير الآية رقم (132):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (132):

{وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
قوله تعالى: {وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ} أي قال قوم فرعون لموسى {مَهْما}. قال الخليل: الأصل ما، ما، الأولى للشرط، والثانية زائدة توكيد للجزاء، كما تزاد في سائر الحروف، مثل إما وحيثما وأينما وكيفما. فكرهوا حرفين لفظهما واحد، فابدلوا من الألف الأولى هاء فقالوا مهما.
وقال الكسائي: أصله مه، أي اكفف، ما تأتنا به من آية.
وقيل: هي كلمة مفردة، يجازي بها ليجزم ما بعدها على تقدير إن. والجواب {فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} {لِتَسْحَرَنا} لتصرفنا عما نحن عليه. وقد مضى في البقرة بيان هذه اللفظة. قيل: بقي موسى في القبط بعد إلقاء السحرة سجدا عشرين سنة يريهم الآيات إلى أن أغرق الله فرعون، فكان هذا قولهم.

.تفسير الآية رقم (133):

{فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133)}
فيه خمس مسائل:
الأولى: روى إسرائيل عن سماك عن نوف الشامي قال: مكث موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين عاما.
وقال محمد بن عمان بن أبي شيبة عن منجاب: عشرين سنة، يريهم الآيات: الجراد والقمل والضفادع والدم.
الثانية: قوله تعالى: {الطُّوفانَ} أي المطر الشديد حتى عاموا فيه.
وقال مجاهد وعطاء: الطوفان الموت قال الأخفش: واحدته طوفانه.
وقيل: هو مصدر كالرجحان والنقصان، فلا يطلب له واحد. قال النحاس: الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل، أي ما يطيف بهم فيهلكهم.
وقال السدي: ولم يصب بني إسرائيل قطرة من ماء، بل دخل بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، ودام عليهم سبعة أيام.
وقيل: أربعين يوما. فقالوا: ادع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا. فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم ينبته قبل ذلك من الكلأ والزرع. فقالوا: كان ذلك الماء نعمة، فبعث الله عليها الجراد وهو الحيوان المعروف، جمع جرادة في المذكر والمؤنث. فإن أردت الفصل نعت فقلت رأيت جرادة ذكرا- فأكل زروعهم وثمارهم حتى أنها كانت تأكل السقوف والأبواب حتى تنهدم ديارهم. ولم يدخل دور بني إسرائيل منها شي.
الثالثة: واختلف العلماء في قتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد، فقيل: لا يقتل.
وقال أهل الفقه كلهم: يقتل. احتج الأولون بأنه خلق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يجري عليه القلم. وبما روي: «لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم». واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال، وقد رخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتال المسلم إذا أراد أخذ مال، فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها. ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد. روى ابن ماجه عن جابر وأنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دعا على الجراد قال: «اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء». قال رجل: يا رسول الله، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ قال: «إن الجراد نثرة الحوت في البحر».
الرابعة: ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه. ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة، وأنه إذا أخذ حيا وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق. وإن ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه. وإنما اختلفوا هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صيد أم لا، فعامتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك، ويؤكل كيفما مات. وحكمه عندهم حكم الحيتان، وإليه ذهب ابن نافع ومطرف وذهب مالك إلى أنه لأبد له من سبب يموت به، كقطع رءوسه أو أرجله أو أجنحته إذا مات من ذلك، أو يصلق أو يطرح في النار، لأنه عنده من حيوان البر فميتته محرمة. وكان الليث يكره أكل ميت الجراد، إلا ما أخذ حيا ثم مات فإن أخذه ذكاة. وإليه ذهب سعيد بن المسيب.
وروى الدارقطني عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أحل لنا ميتتان الحوت والجراد ودمان الكبد والطحال».
وقال ابن ماجة: حدثنا أحمد ابن منيع حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي سعيد سمع أنس بن مالك يقول: كن أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتهادين الجراد على الأطباق. ذكره ابن المنذر أيضا.
الخامسة: روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الله تعالى خلق ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر وإن أول هلاك هذه الأمم الجراد فإذا هلكت الجراد تتابعت الأمم مثل نظام السلك إذا انقطع». ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وقال: وإنما صار الجراد أول هذه الأمم هلاكا لأنه خلق من الطينة التي فضلت من طينة آدم. وإنما تهلك الأمم لهلاك الآدمين لأنها مسخرة لهم. رجعنا إلى قصة القبط- فعاهدوا موسى أن يؤمنوا لو كشف عنهم الجراد، فدعا فكشف وكان قد بقي من زروعهم شيء فقالوا: يكفينا ما بقي، ولم يؤمنوا فبعث الله عليهم القمل، وهو صغار الدبى، قاله قتادة. والدبى: الجراد قبل أن يطير، الواحدة دباة. وأرض مدبية إذا أكل الدبى نباتها.
وقال ابن عباس: القمل السوس الذي في الحنطة.
وقال ابن زيد: البراغيث.
وقال الحسن: دواب سود صغار.
وقال أبو عبيدة: الحمنان، وهو ضرب من القراد، واحدها حمنانة. فأكلت دوابهم وزروعهم، ولزمت جلودهم كأنها الجدري عليهم، ومنعهم النوم والقرار.
وقال حبيب بن أبي ثابت: القمل الجعلان. والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان. قال أبو الحسن الأعرابي العدوي: القمل دواب صغار من جنس القردان، إلا أنها أصغر منها، واحدتها قملة. قال النحاس: وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير، لأنه يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم، وهي أنها كلها تجتمع في أنها تؤذيهم. وذكر بعض المفسرين أنه كان بعين شمس كثيب من رمل فضربه موسى بعصاه فصار قملا. وواحد القمل قملة.
وقيل: القمل القمل، قاله عطاء الخراساني.
وفي قراءة الحسن {والقمل} بفتح القاف وإسكان الميم فتضرعوا فلما كشف عنهم لم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، جمع ضفدع وهي المعروفة التي تكون في الماء، وفيه مسألة واحدة هي أن النهي ورد عن قتلها، أخرجه أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح. أخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق وابن ماجه عن محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد. وخرج النسائي عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتله. صححه أبو محمد عبد الحق. وعن أبي هريرة قال: الصرد أول طير صام. ولما خرج إبراهيم عليه السلام من الشام إلى الحرم في بناء البيت كانت السكينة معه والصرد، فكان الصرد دليله إلى الموضع، والسكينة مقداره. فلما صار إلى البقعة وقعت السكينة على موضع البيت ونادت: ابن يا إبراهيم على مقدار ظلي، فنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل الصرد لأنه كان دليل إبراهيم على البيت، وعن الضفدع لأنها كانت تصب الماء على نار إبراهيم. ولما تسلطت على فرعون جاءت فأخذت الأمكنة كلها، فلما صارت إلى التنور وثبت فيها وهي نار تسعر، طاعة لله. فجعل الله نقيقها تسبيحا. يقال: إنها أكثر الدواب تسبيحا. قال عبد الله بن عمرو: لا تقتلوا الضفدع فإن نقيقه الذي تسمعون تسبيح. فروي أنها ملأت فرشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم، فكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، وإذا تكلم وثب الضفدع في فيه. فشكوا إلى موسى وقالوا: نتوب، فكشف الله عنهم ذلك فعادوا إلى كفرهم، فأرسل الله عليهم الدم فسال النيل عليهم دما. وكان الإسرائيلي يغترف منه الماء، والقبطي الدم. وكان الإسرائيلي يصب الماء في فم القبطي فيصير دما، والقبطي يصب الدم في فم الإسرائيلي فيصير ماء زلالا. {آياتٍ مُفَصَّلاتٍ} أي مبينات ظاهرات، عن مجاهد. قال الزجاج: {آياتٍ مُفَصَّلاتٍ} نصب على الحال. ويروى أنه كان بين الآية والآية ثمانية أيام.
وقيل: أربعون يوما.
وقيل: شهر، فلهذا قال: {مفصلات}. {فَاسْتَكْبَرُوا} أي ترفعوا عن الإيمان بالله تعالى.

.تفسير الآيات (134- 136):

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136)}
قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} أي العذاب. وقرى بضم الراء، لغتان. قال ابن جبير: كان طاعونا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفا.
وقيل: المراد بالرجز ما تقدم ذكره من الآيات. {بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} {ما} بمعنى الذي، أي بما استودعك من العلم، أو بما اختصك به فنبأك.
وقيل: هذا قسم، أي بعهده عندك إلا ما دعوت لنا، ف {ما} صلة. {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} أي بدعائك لإلهك حتى يكشف عنا. {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي نصدقك بما جئت به. {وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ} وكانوا يستخدمونهم، على ما تقدم {إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ} يعني أجلهم الذي ضرب لهم في التغريق. {إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم. {فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ} واليم البحر. {وَكانُوا عَنْها} أي النقمة. دل عليها {فَانْتَقَمْنا}.
وقيل: عن الآيات أي لم يعتبروا بها حتى صاروا كالغافلين عنها.

.تفسير الآية رقم (137):

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137)}
قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ} يريد بني إسرائيل. {الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} أي يستذلون بالخدمة. {مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا} زعم الكسائي والفراء أن الأصل {في مشارق الأرض ومغاربها} ثم حذف {في} فنصب. والظاهر أنهم ورثوا أرض القبط. فهما نصب على المفعول الصريح، يقال: ورثت المال وأورثته المال، فلما تعدى الفعل بالهمزة نصب مفعولين. والأرض هي أرض الشام ومصر. ومشارقها ومغاربها جهات الشرق والغرب بها، فالأرض مخصوصة، عن الحسن وقتادة وغيرهما.
وقيل: أراد جميع الأرض، لأن بن بني إسرائيل داود وسليمان وقد ملكا الأرض. {الَّتِي بارَكْنا فِيها} أي بإخراج الزروع والثمار والأنهار. {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ} هي قوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ}. {بِما صَبَرُوا} أي بصبرهم على أذى فرعون، وعلى أمر الله بعد أن آمنوا بموسى. {وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ} يقال: عرش يعرش إذا بنى. قال ابن عباس ومجاهد: أي ما كانوا يبنون من القصور وغيرها.
وقال الحسن: هو تعريش الكرم. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم {يعرشون} بضم الراء. قال الكسائي: هي لغة تميم. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة {يعرشون} بتشديد الراء وضم الياء.

.تفسير الآية رقم (138):

{وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
قوله تعالى: {وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ} قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف، والباقون بضمها. يقال: عكف يعكف ويعكف بمعنى أقام على الشيء ولزمه. والمصدر منهما على فعول. قال قتادة: كان أولئك القوم من لخم، وكانوا نزولا بالرقة وقيل: كانت أصنامهم تماثيل بقر، ولهذا أخرج لهم السامري عجلا. {قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} نظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط يعظمونها في كل سنة يوما: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال عليه الصلاة والسلام: «الله أكبر. قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى {اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبن سنن في قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه». وكان هذا في مخرجه إلى حنين، على ما يأتي بيانه في براءة إن شاء الله تعالى.

.تفسير الآيات (139- 140):

{إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140)}
قوله تعالى: {إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ} أي مهلك، والتبار: الهلاك. وكل إناء مكسر متبر. وأمر متبر. أي إن العابد والمعبود مهلكان. وقوله: {وَباطِلٌ} أي ذاهب مضمحل. {ما كانُوا يَعْمَلُونَ} كانوا صلة رائدة. {قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً} 140 أي أطلب لكم إلها غير الله تعالى. يقال: بغيته وبغيت له. {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} 140 أي على عالمي زمانكم.
وقيل: فضلهم بإهلاك عدوهم، وبما خصهم به من الآيات.