فصل: تفسير الآية رقم (181):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (181):

{وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}
في الخبر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «هم هذه الأمة». وروي أنه قال: «هذه لكم وقد أعطى الله قوم موسى مثلها» وقرأ هذه الآية وقال: «إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم». فدلت الآية على أن الله عز وجل لا يخلي الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.

.تفسير الآية رقم (182):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182)}
أخبر تعالى عمن كذب بآياته أنه سيستدرجهم. قال ابن عباس: هم أهل مكة. والاستدراج هو الأخذ بالتدريج، منزلة بعد منزلة. والدرج: لف الشيء، يقال: أدرجته ودرجته. ومنه أدرج الميت في أكفانه.
وقيل: هو من الدرجة، فالاستدراج أن يحط درجة بعد درجة إلى المقصود. قال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة. وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات، لذلك قال سبحانه وتعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر، وأنشدوا:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ** ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها ** وعند صفو الليالي يحدث الكدر

.تفسير الآية رقم (183):

{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}
قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي أطيل لهم المدة وأمهلهم وأؤخر عقوبتهم. {إِنَّ كَيْدِي} أي مكري. {مَتِينٌ} أي شديد قوي. وأصله من المتن، وهو اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب. قيل: نزلت في المستهزئين من قريش قتلهم الله في ليلة واحدة بعد أن أمهلهم مدة. نظيره {حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً}. وقد تقدم.

.تفسير الآية رقم (184):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)}
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} أي فيما جاءهم به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والوقف على {يَتَفَكَّرُوا} حسن. ثم قال: {ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} رد لقولهم: {يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}.
وقيل: نزلت بسبب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام ليلة على الصفا يدعو قريشا، فخذا فخذا، فيقول: يا بني فلان. يحذرهم بأس الله وعقابه. فقال قائلهم: إن صاحبهم هذا لمجنون، بات يصوت حتى الصباح.

.تفسير الآية رقم (185):

{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} عجب من إعراضهم عن النظر في آياته، ليعرفوا كمال قدرته، حسب ما بيناه في سورة البقرة. والملكوت من أبنية المبالغة ومعناه الملك العظيم. وقد تقدم.
الثانية: استدل بهذه الآية- وما كان مثلها من قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 10: 101} وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها 50: 6} وقوله:
{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الآية. وقوله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}- من قال بوجوب النظر في آياته والاعتبار بمخلوقاته. قالوا: وقد ذم الله تعالى من لم ينظر، وسلبهم الانتفاع بحواسهم فقال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها} الآية. وقد اختلف العلماء في أول الواجبات، هل هو النظر والاستدلال، أو الإيمان الذي هو التصديق الحاصل في القلب الذي ليس من شرط صحته المعرفة. فذهب القاضي وغيره إلى أن أول الواجبات النظر والاستدلال، لأن الله تبارك وتعالى لا يعلم ضرورة، وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته. وإلى هذا ذهب البخاري رحمه الله حيث بوب في كتابه باب العلم قبل القول والعمل لقول الله عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}. قال القاضي: من لم يكن عالما بالله فهو جاهل، والجاهل به كافر. قال ابن رشد في مقدماته: وليس هذا بالبين، لأن الإيمان يصح باليقين الذي قد يحصل لمن هداه الله بالتقليد، وبأول وهلة من الاعتبار بما أرشد الله إلى الاعتبار به في غير ما آية. قال: وقد استدل الباجي على من قال إن النظر والاستدلال أول الواجبات بإجماع المسلمين في جميع الأعصار على تسمية العامة والمقلد مؤمنين. قال: فلو كان ما ذهبوا إليه صحيحا لما صح أن يسمى مؤمنا إلا من عنده علم بالنظر والاستدلال. قال: وأيضا فلو كان الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال لجاز للكفار إذا غلب عليهم المسلمون أن يقولوا لهم: لا يحل لكم قتلنا، لأن من دينكم أن الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال فأخرونا حتى ننظر ونستدل. قال: وهذا يؤدي إلى تركهم على كفرهم، وألا يقتلوا حتى ينظروا يستدلوا. قلت: هذا هو الصحيح في الباب، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». وترجم ابن المنذر في كتاب الأشراف ذكر صفة كمال الإيمان أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام- وهو بالغ صحيح العقل- أنه مسلم. وإن رجع بعد ذلك وأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد.
وقال أبو حفص الزنجاني وكان شيخنا القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد السمناني يقول: أول الواجبات الإيمان بالله وبرسوله وبجميع ما جاء به، ثم النظر والاستدلال المؤديان إلى معرفة الله تعالى، فيتقدم وجوب الإيمان بالله تعالى عنده على المعرفة بالله. قال: وهذا أقرب إلى الصواب وأرفق بالخلق، لأن أكثرهم لا يعرفون حقيقة المعرفة والنظر والاستدلال. فلو قلنا: إن أول الواجبات المعرفة بالله لأدى إلى تكفير الجم الغفير والعدد الكثير، وألا يدخل الجنة إلا آحاد الناس، وذلك بعيد، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع بأن أكثر أهل الجنة أمته، وأن أمم الأنبياء كلهم صف واحد وأمته ثمانون صفا. وهذا بين لا إشكال فيه. والحمد لله.
الثالثة: ذهب بعض المتأخرين والمتقدمين من المتكلمين إلى أن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه وهو كافر، فيلزم على هذا تكفير أكثر المسلمين، وأول من يبدأ بتكفيره آباؤه وأسلافه وجيرانه. وقد أورد على بعضهم هذا فقال: لا تشنع علي بكثرة أهل النار. أو كما قال. قلت: وهذا القول لا يصدر إلا من جاهل بكتاب الله وسنة نبيه، لأنه ضيق رحمة الله الواسعة على شرذمة يسيرة من المتكلمين، واقتحموا في تكفير عامة المسلمين. أي هذا من قول الأعرابي الذي كشف عن فرجه ليبول، وانتهره أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لقد حجرت واسعا». خرجه البخاري والترمذي وغيرهما من الأئمة. أترى هذا الأعرابي عرف الله بالدليل والبرهان والحجة والبيان؟ وأن رحمته وسعت كل شي، وكم من مثله محكوم له بالإيمان. بل اكتفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كثير ممن أسلم بالنطق بالشهادتين، وحتى إنه اكتفى بالإشارة في ذلك. ألا تراه لما قال للسوداء: «أين الله»؟ قالت: في السماء. قال: «من أنا»؟ قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها فإنها مؤمنة». ولم يكن هناك نظر ولا استدلال، بل حكم بإيمانهم من أول وهلة، وإن كان هناك عن النظر والمعرفة غفلة. والله أعلم.
الرابعة: ولا يكون النظر أيضا والاعتبار في الوجوه الحسان من المرد والنسوان. قال أبو الفرج الجوزي: قال أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إلى وجه الأمرد، وربما زينته بالحلي والمصبغات من الثياب، وتزعم أنها تقصد به الازدياد في الإيمان بالنظر والاعتبار والاستدلال بالصنعة على الصانع. وهذه النهاية في متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم. قال أبو الفرج: وقال الإمام أبو الوفاء بن عقيل لم يحل الله النظر إلا على صور لا ميل للنفس إليها، ولا حظ للهوى فيها، بل عبرة لا يمازجها شهوة، ولا يقارنها لذة. ولذلك ما بعث الله سبحانه امرأة بالرسالة، ولا جعلها قاضيا ولا إماما ولا مؤذنا، كل ذلك لأنها محل شهوة وفتنة. فمن قال: أنا أجد من الصور المستحسنة عبرا كذبناه. وكل من ميز نفسه بطبيعة تخرجه عن طباعنا كذبناه، وإنما هذه خدع الشيطان للمدعين.
وقال بعض الحكماء: كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم الصغير، ولذلك قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وقال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}. وقد بينا وجه التمثيل في أول الأنعام. فعلى العاقل أن ينظر إلى نفسه ومتفكر في خلقه من حين كونه ماء دافقا إلى كونه خلقا سويا، يعان بالأغذية ويربى بالرفق، ويحفظ باللين حتى يكتسب القوى، ويبلغ الأشد. وإذا هو قد قال: أنا، وأنا، ونسي حين أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، وسيعود مقبورا، فيا ويحه إن كان محسورا. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ} إلى قوله: {تُبْعَثُونَ} فينظر أنه عبد مربوب مكلف، مخوف بالعذاب إن قصر، مرتجيا بالثواب إن ائتمر، فيقبل على عبادة مولاه فإنه وإن كان لا يراه يراه ولا يخشى الناس والله أحق أن يخشاه، ولا يتكبر على أحد من عباد الله، فإنه مؤلف من أقذار، مشحون من أوضار، صائر إلى جنة إن أطاع أو إلى نار.
وقال ابن العربي: وكان شيوخنا يستحبون أن ينظر المرء في الأبيات الحكمية التي جمعت هذه الأوصاف العلمية:
كيف يزهو من رجيعه ** أبد الدهر ضجيعه

فهو منه وإليه ** وأخوه ورضيعه

وهو يدعوه إلى الحش ** بصغر فيعطيه

قوله تعالى: {وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} معطوف على ما قبله، أي وفيما خلق الله من الأشياء. {وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} أي وفي آجالهم التي عسى أن تكون قد قربت، فهو في موضع خفض معطوف على ما قبله.
وقال ابن عباس: أراد باقتراب الأجل يوم بدر ويوم أحد. {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} أي بأي قرآن غير ما جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصدقون.
وقيل: الهاء للأجل، على معنى بأي حديث بعد الأجل يؤمنون حين لا ينفع الإيمان، لأن الآخرة ليست بدار تكليف.

.تفسير الآية رقم (186):

{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
بين أن إعراضهم لأن الله أضلهم. وهذا رد على القدرية. {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ} بالرفع على الاستئناف. وقرى بالجزم حملا على موضع الفاء وما بعدها. {يَعْمَهُونَ} أي يتحيرون.
وقيل: يترددون. وقد مضى في أول البقرة مستوفى.

.تفسير الآية رقم (187):

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187)}
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها} {أَيَّانَ} سؤال عن الزمان، مثل متى. قال الراجز:
أيان تقضي حاجتي إيانا ** أما ترى لنجحها أوانا

وكانت اليهود تقول للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كنت نبيا فأخبرنا عن الساعة متى تقوم. وروي أن المشركين قالوا ذلك لفرط الإنكار. و{مُرْساها} في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر {أَيَّانَ}. وهو ظرف مبني على الفتح، بني لأن فيه معنى الاستفهام. و{مُرْساها} بضم الميم، من أرساها الله، أي أثبتها، أي متى مثبتها، أي متى وقوعها. وبفتح الميم من رست، أي ثبتت ووقفت، ومنه {وَقُدُورٍ راسِياتٍ}. قال قتادة: أي ثابتات. {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي} ابتداء وخبر، أي لم يبينها لأحد، حتى يكون العبد أبدا على حذر {لا يُجَلِّيها} أي لا يظهرها. {لِوَقْتِها} أي في وقتها {إِلَّا هُوَ} والتجلية: إظهار الشيء، يقال: جلا لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه. ومعنى {ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} خفي علمها على أهل السماوات والأرض. وكل ما خفي، علمه فهو ثقيل على الفؤاد.
وقيل: كبر مجيئها على أهل السماوات والأرض، عن الحسن وغيره. ابن جريج والسدي: عظم وصفها على أهل السماوات والأرض.
وقال قتادة: وغيره: المعنى تطيقها السماوات والأرض لعظمها: لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضب.
وقيل: المعنى ثقلت المسألة عنها. {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} أي فجأة، مصدر في موضع الحال {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عنها} أي عالم بها كثير السؤال عنها. قال ابن فارس: الحفي العالم بالشيء. والحفي المستقصي في السؤال. قال الأعشى:
فإن تسألي عني فيأرب سائل ** خفي عن الأعشى به حيث أصعدا

يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب، فهو محف وحفي على التكثير، مثل مخصب وخصيب. قال محمد بن يزيد: المعنى يسألونك كأنك حفي بالمسألة عنها، أي ملح. يذهب إلى أنه ليس في الكلام تقديم وتأخير.
وقال ابن عباس وغيره: هو على التقديم والتأخير، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم. وذلك لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا بوقت الساعة. {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ليس هذا تكريرا، ولكن أحد المسلمين لوقوعها والآخر لكنهها.