فصل: تفسير الآية رقم (85):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (85):

{وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85)}
كرره تأكيدا. وقد تقدم الكلام فيه.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86)}
انتدب المؤمنون إلى الإجابة وتعلل المنافقون. فالأمر للمؤمنين باستدامة الايمان وللمنافقين بابتداء الايمان. و{أن} في موضع نصب، أي بأن آمنوا. و{الطَّوْلِ} الغني، وقد تقدم. وخصهم بالذكر لان من لا طول له لا يحتاج إلى إذن لأنه معذور. {وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ} أي العاجزين عن الخروج.

.تفسير الآيات (87- 89):

{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}
قوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ} {الْخَوالِفِ} جمع خالفة، أي مع النساء والصبيان وأصحاب الاعذار من الرجال. وقد يقال للرجل: خالفة وخالف أيضا إذا كان غير نجيب، على ما تقدم. يقال: فلان خالفة أهله إذا كان دونهم. قال النحاس:
وأصله من خلف اللبن يخلف إذا حمض من طول مكثه. وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه، ومنه فلان خلف سوء، إلا أن فواعل جمع فاعلة. ولا يجمع فاعل صفة على فواعل إلا في الشعر، إلا في حرفين، وهما فارس وهالك. وقوله تعالى في وصف المجاهدين: {وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ} قيل: النساء الحسان، عن الحسن. دليله قوله عز وجل: {فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ} [الرحمن: 70]. ويقال: هي خيرة النساء. والأصل خيرة فخفف، مثل هينة وهينة.
وقيل: جمع خير. فالمعنى لهم منافع الدارين وقد تقدم معنى الفلاح. والجنات: والبساتين. وقد تقدم أيضا.

.تفسير الآية رقم (90):

{وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90)}
قوله تعالى: {وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ} قرأ الأعرج والضحاك {المعذرون} مخففا. ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم، ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس. قال الجوهري: وكان ابن عباس يقرأ {وجاء المعذرون} مخففة، من أعذر. ويقول: والله لهكذا أنزلت. قال النحاس: إلا أن مدارها عن الكلبي، وهي من أعذر، ومنه قد أعذر من أنذر، أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك. وأما {المعذرون} بالتشديد ففيه قولان: أحدهما أنه يكون المحق، فهو في المعنى المعتذر، لان له عذرا. فيكون {المعذرون} على هذه أصله المعتذرون، ولكن التاء قلبت ذالا فأدغمت فيها وجعلت حركتها على العين، كما قرئ {يخصمون} [يس: 49] بفتح الخاء. ويجوز {المعذرون} بكسر العين لاجتماع الساكنين. ويجوز ضمها اتباعا للميم. ذكره الجوهري والنحاس. إلا أن النحاس حكاه عن الأخفش والفراء وأبي حاتم وأبي عبيد. ويجوز أن يكون الأصل المعتذرون، ثم أدغمت التاء في الذال، ويكونون الذين لهم عذر. قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

والقول الآخر أن المعذر قد يكون غير محق، وهو الذي يعتذر ولا عذر له. قال الجوهري: فهو المعذر على جهة المفعل، لأنه الممرض والمقصر يعتذر بغير عذر. قال غيره: يقال عذر فلان في أمر كذا تعذيرا، أي قصر ولم يبالغ فيه. والمعنى أنهم اعتذروا بالكذب. قال الجوهري: وكان ابن عباس يقول: لعن الله المعذرين. كأن الامر عنده أن المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر، اعتلالا من غير حقيقة له في العذر. النحاس: قال أبو العباس محمد بن يزيد ولا يجوز أن يكون الأصل فيه المعتذرين، ولا يجوز الإدغام فيقع اللبس. ذكر إسماعيل بن إسحاق أن الإدغام مجتنب على قول الخليل وسيبويه، بعد أن كان سياق الكلام يدل على أنهم مذمومون لا عذر لهم، قال: لأنهم جاءوا ليؤذن لهم ولو كانوا من الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون لم يحتاجوا أن يستأذنوا. قال النحاس: واصل المعذرة والاعذار والتعذير من شيء واحد وهو مما يصعب ويتعذر. وقول العرب: من عذيري من فلان، معناه قد أتى أمرا عظيما يستحق أن أعاقبه عليه ولم يعلم الناس به، فمن يعذرني إن عاقبته. فعلى قراءة التخفيف قال ابن عباس: هم الذين تخلفوا بعذر فأذن لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل: هم رهط عامر بن الطفيل قالوا: يا رسول الله، لو غزونا معك أغارت أعراب طئ على حلائلنا وأولادنا ومواشينا، فعذرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعلى قراءة التشديد في القول الثاني، هم قوم من غفار اعتذروا فلم يعذرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لعلمه أنهم غير محقين، والله أعلم. وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم الذين أخبر الله تعالى عنهم فقال: {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} والمراد بكذبهم قولهم: إنا مؤمنون. و{لِيُؤْذَنَ} نصب بلام كي.

.تفسير الآيات (91- 92):

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92)}
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ} الآية. أصل في سقوط التكليف عن العاجز، فكل من عجز عن شيء سقط عنه، فتارة إلى بدل هو فعل، وتارة إلى بدل هو غرم، ولا فرق بين العجز من جهة القوة أو العجز من جهة المال، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} [البقرة: 286] وقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61].
وروى أبو داود عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه». قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: «حبسهم العذر». فبينت هذه الآية مع ما ذكرنا من نظائرها أنه لا حرج على المعذورين، وهم قوم عرف عذرهم كأرباب الزمانة والهرم والعمى والعرج، وأقوام لم يجدوا ما ينفقون، فقال: ليس على هؤلاء حرج. {إذا نصحوا لله ورسوله} إذا عرفوا الحق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه قال العلماء: فعذر الحق سبحانه أصحاب الاعذار، وما صبرت القلوب، فخرج ابن أم مكتوم إلى أحد وطلب أن يعطي اللواء فأخذه مصعب بن عمير، فجاء رجل من الكفار فضرب يده التي فيها اللواء فقطعها، فأمسكه باليد الأخرى فضرب اليد الأخرى فأمسكه بصدره وقرأ {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]. هذه عزائم القوم. والحق يقول: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ} [النور: 61] وهو في الأول. {وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} [النور: 61] وعمرو بن الجموح من نقباء الأنصار أعرج وهو في أول الجيش. قال له الرسول عليه السلام: «إن الله قد عذرك» فقال: والله لاحفرن بعرجتي هذه في الجنة، إلى أمثالهم حسب ما تقدم في هذه السورة من ذكرهم رضي الله عنهم.
وقال عبد الله بن مسعود: ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف.
الثانية: قوله تعالى: {إِذا نَصَحُوا} النصح إخلاص العمل من الغش. ومنه التوبة النصوح. قال نفطويه: نصح الشيء إذا خلص. ونصح له القول أي أخلصه له.
وفي صحيح مسلم عن تميم الداري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الدين النصيحة» ثلاثا. قلنا لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». قال العلماء: النصيحة لله إخلاص الاعتقاد في الوحدانية، ووصفه بصفات الألوهية، وتنزيهه عن النقائص والرغبة في محابه والبعد من مساخطه. والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتوقيره، ومحبته ومحبة آل بيته، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكذا النصح لكتاب الله: قراءته والتفقه فيه، والذب عنه وتعليمه وإكرامه والتخلق به. والنصح لائمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، إرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم. والنصح للعامة: ترك معاداتهم، وإرشادهم وحب الصالحين منهم، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم.
وفي الحديث الصحيح: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
الثالثة: قوله تعالى: {ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} {مِنْ سَبِيلٍ} في موضع رفع اسم {ما} أي من طريق إلى العقوبة. وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن. ولهذا قال علماؤنا في الذي يقتص من قاطع يده فيفضي ذلك في السراية إلى إتلاف نفسه: إنه لا دية له، لأنه محسن في اقتصاصه من المعتدي عليه.
وقال أبو حنيفة: تلزمه الدية. وكذلك إذا صال فحل على رجل فقتله في دفعه عن نفسه فلا ضمان عليه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تلزمه لمالكه القيمة. قال ابن العربي: وكذلك القول في مسائل الشريعة كلها.
الرابعة: قوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} روي أن الآية نزلت في عرباض بن سارية.
وقيل: نزلت في عائذ بن عمرو.
وقيل: نزلت في بني مقرن- وعلى هذا جمهور المفسرين- وكانوا سبعة إخوة، كلهم صحبوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس في الصحابة سبعة إخوة غيرهم، وهم النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وسابع لم يسم. بنو مقرن المزنيون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يشاركهم- فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة- في هذه المكرمة غيرهم. وقد قيل: إنهم شهدوا الخندق كلهم.
وقيل: نزلت في سبعة نفر من بطون شتى، وهم البكاءون أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك ليحملهم، فلم يجد ما يحملهم عليه، ف {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ} فسموا البكائين. وهم سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف وعلبة بن زيد أخو بني حارثة. وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب من بني مازن بن النجار. وعمرو بن الحمام من بني سلمة. وعبد الله بن المغفل المزني، وقيل: بل هو عبد الله بن عمرو المزني. وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف، وعرباض بن سارية الفزاري، هكذا سماهم أبو عمر في كتاب الدرر له. وفيهم اختلاف. قال القشيري: معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب الأنصاري، وسالم بن عمير، وثعلبة بن غنمة، وعبد الله بن مغفل وآخر. قالوا: يا نبي الله، قد ندبتنا للخروج معك، فاحملنا على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة نغز معك. فقال: {لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} فتولوا وهم يبكون.
وقال ابن عباس: سألوه أن يحملهم على الدواب، وكان الرجل يحتاج إلى بعيرين، بعير يركبه وبعير يحمل ماءه وزاده لبعد الطريق.
وقال الحسن: نزلت في أبي موسى وأصحابه أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليستحملوه، ووافق ذلك منه غضبا فقال: {والله لا أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه} فتولوا يبكون، فدعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاهم ذودا. فقال أبو موسى: ألست حلفت يا رسول الله؟ فقال: «إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني». قلت: وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم بلفظه ومعناه.
وفي مسلم: فدعا بنا فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى... الحديث.
وفي آخره: «فانطلقوا فإنما حملكم الله».
وقال الحسن أيضا وبكر بن عبد الله: نزلت في عبد الله بن مغفل المزني، أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحمله. قال الجرجاني: التقدير أي ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم وقلت لا أجد. فهو مبتدأ معطوف على ما قبله بغير واو، والجواب {تَوَلَّوْا}. {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} الجملة في موضع نصب على الحال. {حَزَناً} مصدر. {أَلَّا يَجِدُوا} نصب بأن.
وقال النحاس: قال الفراء يجوز أن لا يجدون، يجعل لا بمعنى ليس. وهو عند البصريين بمعنى أنهم لا يجدون.
الخامسة: والجمهور من العلماء على أن من لا يجد ما ينفقه في غزوه أنه لا يجب عليه.
وقال علماؤنا: إذا كانت عادته المسألة لزمه كالحج وخرج على العادة لان حاله إذا لم تتغير يتوجه الفرض عليه كتوجهه على الواجد. والله أعلم.
السادسة: في قوله تعالى: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} ما يستدل به على قرائن الأحوال. ثم منها ما يفيد العلم الضروري، ومنها ما يحتمل الترديد. فالأول كمن يمر على دار قد علا فيها النعي وخمشت الخدود وحلقت الشعور وسلقت الأصوات وخرقت الجيوب ونادوا على صاحب الدار بالثبور، فيعلم أنه قد مات. وأما الثاني فكدموع الأيتام على أبو أب الحكام، قال الله تعالى مخبرا عن إخوة يوسف عليه السلام: {وجاءوا أباهم عشاء يبكون}. وهم الكاذبون، قال الله تعالى مخبرا عنهم: {وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}
ومع هذا فإنها قرائن يستدل بها في الغالب فتبني عليها الشهادات بناء على ظواهر الأحوال وغالبها.
وقال الشاعر:
إذا اشتبكت دموع في خدود ** تبين من بكى ممن تباكى

وسيأتي هذا المعنى في يوسف مستوفى إن شاء الله تعالى.