فصل: تفسير الآية رقم (123):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (123):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}
فيه مسألة واحدة- وهو أنه سبحانه عرفهم كيفية الجهاد وأن الابتداء بالأقرب فالأقرب من العدو ولهذا بدأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعرب، فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام.
وقال الحسن: نزلت قبل أن يؤمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتال المشركين، فهي من التدريج الذي كان قبل الإسلام.
وقال ابن زيد: المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغير هم: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29]. وقد روي عن ابن عمر أن المراد بذلك الديلم. وروي عنه أنه سئل بمن يبدأ بالروم أو بالديلم؟ فقال بالروم.
وقال الحسن: هو قتال الديلم والترك والروم.
وقال قتادة: الآية على العموم في قتال الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى.
قلت: قول قتادة هو ظاهر الآية، واختار ابن العربي أن يبدأ بالروم قبل الديلم، على ما قاله ابن عمر لثلاثة أوجه. أحدها- أنهم أهل كتاب، فالحجة عليهم أكثر وآكد.
الثاني- أنهم إلينا أقرب أعني أهل المدينة.
الثالث- أن بلاد الأنبياء في بلادهم أكثر فاستنقاذها منهم أوجب. والله أعلم. {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} أي شدة وقوه وحمية.
وروى الفضل عن الأعمش وعاصم {غلظة} بفتح الغين وإسكان اللام. قال الفراء: لغة أهل الحجاز وبني أسد بكسر الغين، ولغة بني تميم {غلظة} بضم الغين.

.تفسير الآية رقم (124):

{وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)}
{ما} صلة، والمراد المنافقون. {أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً} قد تقدم القول في زيادة الايمان ونقصانه في سورة آل عمران. وقد تقدم معنى السورة في مقدمة الكتاب، فلا معنى للإعادة. وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز إن للايمان سننا وفرائض من استكملها فقد استكمل الايمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الايمان قال عمر بن عبد العزيز: فإن أعش فسأبينها لكم وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص. ذكره البخاري.
وقال ابن المبارك: لم أجد بدا من أن أقول بزيادة الايمان وإلا رددت القرآن.

.تفسير الآية رقم (125):

{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125)}
قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي شك وريب ونفاق. وقد تقدم. {فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} أي شكا إلى شكهم وكفرا إلى كفرهم.
وقال مقاتل: إثما إلى إثمهم، والمعنى متقارب.

.تفسير الآية رقم (126):

{أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)}
قوله تعالى. {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} قراءة العامة بالياء، خبرا عن المنافقين. وقرأ حمزة ويعقوب بالتاء خبرا عنهم وخطابا للمؤمنين. وقرأ الأعمش {أو لم يروا}. وقرأ طلحة بن مصرف {أولا ترى} وهي قراءة ابن مسعود، خطابا للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. و{يُفْتَنُونَ} قال الطبري: يختبرون. قال مجاهد: بالقحط والشدة.
وقال عطية: بالأمراض والأوجاع، وهي روائد الموت.
وقال قتادة والحسن ومجاهد: بالغزو والجهاد مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرون ما وعد الله من النصر {ثُمَّ لا يَتُوبُونَ} لذلك {وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127)}
قوله تعالى: {وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ} {ما} صلة، والمراد المنافقون، أي إذا حضروا الرسول وهو يتلو قرآنا أنزل فيه فضيحتهم أو فضيحة أحد منهم جعل ينظر بعضهم إلى بعض نظر الرعب على جهة التقرير، يقول: هل يراكم من أحد إذا تكلمتم بهذا فينقله إلى محمد، وذلك جهل منهم بنبوته عليه السلام، وأن الله يطلعه على ما يشاء من غيبه. وقيل إن {نَظَرَ} في هذه الآية بمعنى أنبأ. وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال: {نَظَرَ} في هذه الآية موضع قال. قوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا} أي انصرفوا عن طريق الاهتداء. وذلك أنهم حينما بين لهم كشف أسرار هم والاعلام بمغيبات أمور هم يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة لايمانهم، فهم إذ يصممون على الكفر ويرتبكون فيه كأنهم انصرفوا عن تلك الحال التي كانت مظنة النظر الصحيح والاهتداء، ولم يسمعوا قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماع من يتدبره وينظر في آياته، {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]. {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} [محمد: 24]. قوله تعالى: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} دعاء عليهم، أي قولوا لهم هذا. ويجوز أن يكون خبرا عن صرفها عن الخير مجازاة على فعلهم. وهي كلمة يدعي بها، كقوله: {قاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 30] والباء في قوله: {بِأَنَّهُمْ} صلة لـ {صَرَفَ}.
الثانية: قال ابن عباس: يكره أن يقال انصرفنا من الصلاة، لان قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم، ولكن قولوا قضينا الصلاة، أسنده الطبري عنه. قال ابن العربي: وهذا فيه نظر وما أظنه بصحيح فإن نظام الكلام أن يقال: لا يقل أحد انصرفنا من الصلاة، فإن قوما قيل فيهم: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}. أخبرنا محمد بن عبد الملك القيسي الواعظ حدثنا أبو الفضل الجوهري سماعا منه يقول: كنا في جنازة فقال المنذر بها: انصرفوا رحمكم الله! فقال: لا يقل أحد انصرفوا فإن الله تعالى قال في قوم ذمهم: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ولكن قولوا: انقلبوا رحمكم الله فإن الله تعالى قال في قوم مدحهم: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174].
الثالثة: أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه صارف القلوب ومصرفها وقالبها ومقلبها، ردا على القدرية في اعتقاد هم أن قلوب الخلق بأيد يهم وجوارحهم بحكمهم، يتصرفون بمشيئتهم ويحكمون بإرادتهم واختيار هم، ولذلك قال مالك فيما رواه عنه أشهب: ما أبين هذا في الرد على القدرية {لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110]. وقوله عز وجل لنوح: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] فهذا لا يكون أبدا ولا يرجع ولا يزول.

.تفسير الآيات (128- 129):

{لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}
هاتان الآيتان في قول أبي أقرب القرآن بالسماء عهدا.
وفي قول سعيد بن جبير: آخر ما نزل من القرآن {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] على ما تقدم. فيحتمل أن يكون قول أبي: أقرب القرآن بالسماء عهدا بعد قوله: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}. والله أعلم. والخطاب للعرب في قول الجمهور، وهذا على جهة تعديد النعمة عليهم في ذلك، إذ جاء بلسانهم وبما يفهمونه، وشرفوا به غابر الأيام.
وقال الزجاج: هي مخاطبة لجميع العالم والمعنى: لقد جاءكم رسول من البشر، والأول أصوب. قال ابن عباس: ما من قبيلة من العرب إلا ولدت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكأنه قال: يا معشر العرب لقد جاءكم رسول من بني إسماعيل. والقول الثاني أوكد للحجة أي هو بشر مثلكم لتفهموا عنه وتأتموا به. قوله تعالى: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} يقتضى مدحا لنسب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه من صميم العرب وخالصها.
وفي صحيح مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم». وروي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إني من نكاح ولست من سفاح». معناه أن نسبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى آدم عليه السلام لم يكن النسل فيه إلا من نكاح ولم يكن فيه زنى. وقرأ عبد الله بن قسيط المكي من {أَنْفُسِكُمْ} بفتح الفاء من النفاسة، ورويت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن فاطمة رضي الله عنها أي جاءكم رسول من أشرفكم وأفضلكم من قولك: شيء نفيس إذا كان مرغوبا فيه.
وقيل: من أنفسكم أي أكثر كم طاعة.
قوله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ} أي يعز عليه مشقتكم. والعنت: المشقة، من قولهم: أكمة عنوت إذا كانت شاقة مهلكة.
وقال ابن الأنباري: أصل التعنت التشديد، فإذا قالت العرب: فلان يتعنت فلانا ويعنته فمرادهم يشدد عليه ويلزمه بما يصعب عليه أداؤه. وقد تقدم في البقرة. و{ما} في {ما عَنِتُّمْ} مصدرية، وهي ابتداء و{عَزِيزٌ} خبر مقدم. ويجوز أن يكون {ما عَنِتُّمْ} فاعلا بعزيز، و{عَزِيزٌ} صفة للرسول، وهو أصوب. وكذا {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} وكذا {رَؤُفٌ رَحِيمٌ} رفع على الصفة. قال الفراء: ولو قرئ عزيزا عليه ما عنتم حريصا رءوفا رحيما، نصبا على الحال جاز. قال أبو جعفر النحاس: وأحسن ما قيل في معناه مما يوافق كلام العرب ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عبد الله بن محمد الخزاعي قال سمعت عمرو بن علي يقول: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول في قوله عز وجل: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ} قال: أن تدخلوا النار، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} قال: أن تدخلوا الجنة.
وقيل: حريص عليكم أن تؤمنوا.
وقال الفراء: شحيح بأن تدخلوا النار. والحرص على الشيء: الشح عليه أن يضيع ويتلف. {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} الرءوف: المبالغ في الرأفة والشفقة. وقد تقدم في البقرة معنى {رَؤُفٌ رَحِيمٌ} مستوفى.
وقال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لاحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه قال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} وقال: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65].
وقال عبد العزيز بن يحيى: نظم الآية لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز حريص بالمؤمنين رءوف رحيم، عزيز عليه ما عنتم لا يهمه إلا شأنكم، وهو القائم بالشفاعة لكم فلا تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته، فإنه لا يرضيه إلا دخولكم الجنة. قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أي إن أعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعم التي من الله عليهم بها فقل حسبي الله أي كافي الله تعالى. {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي اعتمدت وإليه فوضت جميع أموري. {وهو رب العرش العظيم} خص العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه إذا ما ذكره. وقراءة العامة بخفض {الْعَظِيمِ} نعتا للعرش. وقرى بالرفع صفة للرب، رويت عن ابن كثير، وهي قراءة ابن محيصن وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه صادقا كان بها أو كاذبا.
وفي نوادر الأصول عن بريدة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قال عشر كلمات عند دبر كل صلاة وجد الله عندهن مكفيا مجزيا خمس للدنيا وخمس للآخرة حسبي الله لديني حسبي الله لدنياي حسبي الله لما أهمني حسبي الله لمن بغى علي حسبي الله لمن حسدني حسبي الله لمن كادني بسوء حسبي الله عند الموت حسبي الله عند المسألة في القبر حسبي الله عند الميزان حسبي الله عند الصراط حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب». وحكى النقاش عن أبي بن كعب أنه قال: أقرب القرآن عهدا بالله تعالى هاتان الآيتان {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخر السورة، وقد بيناه.
وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس أن آخر ما نزل من القرآن {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وهذه الآية، ذكره الماوردي. وقد ذكرنا عن ابن عباس خلافه، على ما ذكرناه في البقرة وهو أصح.
وقال مقاتل: تقدم نزولها بمكة. وهذا فيه بعد لان السورة مدنية والله أعلم.
وقال يحيى بن جعدة: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد عليها رجلان فجاءه رجل من الأنصار بالآيتين من آخر سورة براءة {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} فقال عمر: والله لا أسألك عليهما بينة كذلك كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأثبتهما. قال علماؤنا: الرجل هو خزيمة بن ثابت وإنما أثبتهما عمر رضي الله عنه بشهادته وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر بخلاف آية الأحزاب {رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] فإن تلك ثبتت بشهادة زيد وخزيمة لسماعهما إياها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد تقدم هذا المعنى في مقدمة الكتاب. والحمد لله.

.سورة يونس:

بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة يونس عليه السلام سورة يونس عليه السلام مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس: إلا ثلاث آيات من قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} [يونس: 94] إلى آخرهن. وقال مقاتل: إلا آيتين وهي قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} نزلت بالمدينة. وقال الكلبي: مكية إلا قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس: 40] نزلت بالمدينة في اليهود. وقالت فرقة: نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة وباقيها بالمدينة.