فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (50):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)}
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً} ظرفان، وهو جواب لقولهم: {مَتى هذَا الْوَعْدُ} وتسفيه لآرائهم في استعجالهم العذاب، أي إن أتاكم العذاب فما نفعكم فيه، ولا ينفعكم الايمان حينئذ. {ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} استفهام معناه التهويل والتعظيم، أي ما أعظم ما يستعجلون به، كما يقال لمن يطلب أمرا يستوخم عاقبته: ماذا تجني على نفسك! والضمير في {مِنْهُ} قيل: يعود على العذاب، وقيل: يعود على الله سبحانه وتعالى. قال النحاس: إن جعلت الهاء في {مِنْهُ} تعود على العذاب كان لك في {ماذا} تقديران: أحدهما أن يكون {ما} في موضع رفع بالابتداء، و{ذا}: بمعنى الذي، وهو خبر {ما} والعائد محذوف. والتقدير الآخر أن يكون {ماذا} اسما واحدا في موضع بالابتداء، واخبر في الجملة، قاله الزجاج. وإن جعلت الهاء في {مِنْهُ} تعود على اسم الله تعالى جعلت {ما}، و{ذا} شيئا واحدا، وكانت في موضع نصب بـ {يَسْتَعْجِلُ}، والمعنى: أي شيء يستعجل منه المجرمون من الله عز وجل.

.تفسير الآية رقم (51):

{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ} في الكلام حذف، والتقدير: أتأمنون أن ينزل بكم العذاب ثم يقال لكم إذا حل: الآن آمنتم به؟ قيل: هو من قول الملائكة استهزاء بهم.
وقيل: هو من قول الله تعالى، ودخلت ألف الاستفهام على {ثُمَّ} والمعنى: التقرير والتوبيخ، وليدل على أن معنى الجملة الثانية بعد الأولى.
وقيل: إن {ثُمَّ} ها هنا بمعنى: {ثُمَّ} بفتح الثاء، فتكون ظرفا، والمعنى: أهنالك، وهو مذهب الطبري، وحينئذ لا يكون فيه معنى الاستفهام. و{آلْآنَ} قيل: أصله فعل مبني مثل حان، والألف واللام لتحويله إلى الاسم. الخليل: بنيت لالتقاء الساكنين، والألف واللام للعهد والإشارة إلى الوقت، وهو حد الزمانين. {وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ} أي بالعذاب {تَسْتَعْجِلُونَ}.

.تفسير الآية رقم (52):

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}
قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أي تقول لهم خزنة جهنم. {ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ} أي الذي لا ينقطع. {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} أي جزاء كفركم.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)}
قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} أي يستخبرونك يا محمد عن العذاب وقيام الساعة. {أَحَقٌّ} ابتداء. {هُوَ} سد مسد الخبر، وهذا قول سيبويه. ويجوز أن يكون {هُوَ} مبتدأ، و{أَحَقٌّ} خبره. {قُلْ إِي} {إِي} كلمة تحقيق وإيجاب وتأكيد بمعنى نعم. {وَرَبِّي} قسم. {إِنَّهُ لَحَقٌّ} جوابه، أي كائن لا شك فيه. {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي فائتين عن عذابه ومجازاته.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54)}
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} أي أشركت وكفرت. {ما فِي الْأَرْضِ} أي ملكا. {لَافْتَدَتْ بِهِ} أي من عذاب الله، يعني ولا يقبل منها، كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ} [آل عمران: 91] وقد تقدم قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ} أي أخفوها، يعني رؤساءهم، أي أخفوا ندامتهم عن أتباعهم. {لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ} وهذا قبل الإحراق بالنار فإذا وقعوا في النار ألهتهم النار عن التصنع بدليل قولهم: {رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا}. فبين أنهم لا يكتمون ما بهم.
وقيل: {أَسَرُّوا} أظهروا، والكلمة من الأضداد، ويدل عليه أن الآخرة ليست دار تجلد وتصبر.
وقيل: وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم، لان الندامة لا يمكن إظهارها. قال كثير:
فأسررت الندامة يوم نادى ** بسرد جمال غاضرة المنادي

وذكر المبرد فيه وجها ثالثا: أنه بدت بالندامة أسرة وجوههم، وهي تكاسير الجبهة، واحدها سرار. والندامة: الحسرة لوقوع شيء أو فوت شي، واصلها اللزوم، ومنه النديم لأنه يلازم المجالس. وفلان نادم سادم. والسدم اللهج بالشيء. وندم وتندم بالشيء أي اهتم به. قال الجوهري: السدم بالتحريك الندم والحزن، وقد سدم بالكسر أي اهتم وحزن ورجل نادم سادم، وندمان سدمان، وقيل: هو إتباع. وما له هم ولا سدم إلا ذلك.
وقيل: الندم مقلوب الدمن، والدمن اللزوم، ومنه فلان مدمن الخمر. والدمن: ما اجتمع في الدار وتلبد من الأبوال والأبعار، سمي به للزومه. والدمنة: الحقد الملازم للصدر، والجمع دمن. وقد دمنت قلوبهم بالكسر، يقال: دمنت على فلان أي ضغنت. {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي بين الرؤساء والسفل بالعدل. {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.

.تفسير الآية رقم (55):

{أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (55)}
{ألا} كلمة تنبيه للسامع تزاد في أول الكلام، أي انتبهوا لما أقول لكم {إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد الله حق}، {له ملك السماوات والأرض} [الحديد: 2] فلا مانع يمنعه من إنفاذ ما وعده. {ولكن أكثر هم لا يعلمون} ذلك.

.تفسير الآية رقم (56):

{هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}
بين المعنى. وقد تقدم.

.تفسير الآية رقم (57):

{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ} يعني قريشا. {قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ} أي وعظ. {مِنْ رَبِّكُمْ} يعني القرآن، فيه مواعظ وحكم. {وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ} أي من الشك والنفاق والخلاف، والشقاق. {وَهُدىً} أي ورشدا لمن اتبعه. {وَرَحْمَةٌ} أي نعمة. {لِلْمُؤْمِنِينَ} خصهم لأنهم المنتفعون بالايمان، والكل صفات القرآن، والعطف لتأكيد المدح. قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم

.تفسير الآية رقم (58):

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما: فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام. وعنهما أيضا: فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله. وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: فضل الله الايمان، ورحمته القرآن، على العكس من القول الأول.
وقيل: غير هذا. {فبذلك فليفرحوا} إشارة إلى الفضل والرحمة. والعرب تأتي {بذلك} للواحد والاثنين والجمع. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {فبذلك فلتفرحوا} بالتاء، وهي قراءة يزيد بن القعقاع ويعقوب وغيرهما، وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم». والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب. وقد ذم الفرح في مواضع، كقوله: {لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [القصص: 76] وقوله: {إنه لفرح فخور} [هود: 10] ولكنه مطلق. فإذا قيد الفرح لم يكن ذما، لقوله: {فرحين بما آتاهم الله من فضله} [آل عمران: 170] وها هنا قال تبارك وتعالى: {فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا، فقيد. قال هارون: وفي حرف أبي {فبذلك فافرحوا}. قال النحاس: سبيل الامر أن يكون باللام ليكون معه حرف جازم كما أن مع النهي حرفا، إلا أنهم يحذفون، من الامر للمخاطب استغناء بمخاطبته، وربما جاءوا به على الأصل، منه {فبذلك فلتفرحوا}. {هو خير مما يجمعون} يعني في الدنيا. وقراءة العامة بالياء في الفعلين، وروي عن ابن عامر أنه قرأ {فليفرحوا} بالياء {تجمعون} بالتاء خطابا للكافرين. وروي عن الحسن أنه قرأ بالتاء في الأول، و{يجمعون} بالياء على العكس.
وروى أبان عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه. ثم تلا: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}».

.تفسير الآية رقم (59):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)}
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا}. فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} يخاطب كفار مكة. {ما أنزل الله لكم من رزق} {ما} في موضع نصب {ب أرأيتم}.
وقال الزجاج: في موضع نصب ب {أنزل}. {وأنزل} بمعنى خلق، كما قال: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6]. {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} [الحديد: 25]. فيجوز أن يعبر عن الخلق بالإنزال، لان الذي في الأرض من الرزق إنما هو بما ينزل من السماء من المطر. {فجعلتم منه حراما وحلالا} قال مجاهد: هو ما حكموا به من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
وقال الضحاك: هو قول الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ والأنعام نَصِيباً} [الأنعام: 136]. {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} أي في التحليل والتحريم. {أَمْ عَلَى اللَّهِ} {أَمْ} بمعنى بل. {تَفْتَرُونَ} هو قولهم إن الله أمرنا بها.
الثانية: استدل بهذه الآية من نفي القياس، وهذا بعيد، فإن القياس دليل الله تعالى، فيكون التحليل والتحريم من الله تعالى عند وجود دلالة نصبها الله تعالى على الحكم، فإن خالف في كون القياس دليلا لله تعالى فهو خروج عن هذا الغرض ورجوع إلى غيره.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60)}
قوله تعالى: {وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ} {يوْمَ} منصوب على الظرف، أو بالظن، نحو ما ظنك زيدا، والمعنى: أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به. {إن الله لذو فضل على الناس} أي في التأخير والامهال.
وقيل: أراد أهل مكة حين جعلهم في حرم آمن. {ولكن أكثرهم} يعني الكفار. {لا يشكرون} الله على نعمه ولا في تأخير العذاب عنهم.
وقيل: {لا يشكرون} لا يوحدون.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61)}
قوله تعالى: {وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ} {ما} للجحد، أي لست في شأن، يعني من عبادة أو غيرها إلا والرب مطلع عليك. والشأن الخطب، والامر، وجمعه شئون. قال الأخفش: تقول العرب ما شانت شأنه، أي ما عملت عمله. {وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} قال الفراء والزجاج: الهاء في {منه} تعود على الشأن، أي تحدث شأنا فيتلى من أجله القرآن فيعلم كيف حكمه، أو ينزل فيه قرآن فيتلى.
وقال الطبري: {منه} أي من كتاب الله تعالى. {مِنْ قُرْآنٍ} أعاد تفخيما، كقوله: {إني أنا الله} [القصص: 30]. {ولا تعملون من عمل} يخاطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والامة. وقوله: {وما تكون في شأن} خطاب له والمراد هو وأمته، وقد يخاطب الرسول والمراد هو وأتباعه.
وقيل: المراد كفار قريش. {إلا كنا عليكم شهودا} أي نعلمه، ونظيره {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [المجادلة: 4] {إذ تفيضون فيه} أي تأخذون فيه، والهاء عائدة على العمل، يقال: أفاض فلان في الحديث والعمل إذا اندفع فيه. قال الراعي:
فأفضن بعد كظومهن بجرة ** من ذي الأباطح إذ رعين حقيلا

ابن عباس: {تفيضون فيه} تفعلونه. الأخفش: تتكلمون. ابن زيد: تخوضون. ابن كيسان: تنشرون القول.
وقال الضحاك: الهاء عائدة على القرآن، المعنى: إذ تشيعون في القرآن الكذب. {وما يعزب عن ربك} قال ابن عباس: يغيب.
وقال أبو روق: يبعد.
وقال ابن كيسان: يذهب. وقرأ الكسائي {يعزب} بكسر الزاي حيث وقع، وضم الباقون، وهما لغتان فصيحتان، نحو يعرش ويعرش. {من مثقال} {من} صلة، أي وما يعزب عن ربك مثقال: {ذرة} أي وزن ذرة، أي نميلة حمراء صغيرة، وقد تقدم في النساء. {في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} عطف على لفظ مثقال، وإن شئت على ذرة. وقرأ يعقوب وحمزة برفع الراء فيهما عطفا على موضع مثقال لان من زائدة للتأكيد.
وقال الزجاج: ويجوز الرفع على الابتداء. وخبره {إلا في كتاب مبين} يعني اللوح المحفوظ مع علم الله تعالى به. قال الجرجاني {إلا} بمعنى واو النسق، أي وهو في كتاب مبين، كقوله تعالى: {إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 11- 10] أي ومن ظلم. وقوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} [البقرة: 150] أي والذين ظلموا منهم، ف {إلا} بمعنى واو النسق، وأضمر هو بعده كقوله: {وقولوا حطة} [البقرة: 58] أي هي حطة. وقوله: {ولا تقولوا ثلاثة} [النساء: 171] أي هم ثلاثة. ونظير ما نحن فيه: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام: 59] وهو في كتاب مبين.