فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (17):

{قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17)}
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {نَسْتَبِقُ} نفتعل، من، المسابقة.
وقيل: أي ننتضل، وكذا في قراءة عبد الله {إنا ذهبنا ننتضل} وهو نوع من المسابقة، قاله الزجاج.
وقال الأزهري: النضال في السهام، والرهان في الخيل، والمسابقة تجمعهما. قال القشيري أبو نصر: {نَسْتَبِقُ} أي في الرمي، أو على الفرس، أو على الأقدام، والغرض من المسابقة على الأقدام تدريب النفس على العدو، لأنه الآلة في قتال العدو، ودفع الذئب عن الأغنام.
وقال السدي وابن حبان: {نَسْتَبِقُ} نشتد جريا لنرى أينا أسبق. قال ابن العربي: المسابقة شرعة في الشريعة، وخصلة بديعة، وعون على الحرب، وقد فعلها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه وبخيله، وسابق عائشة رضي الله عنها على قدميه فسبقها، فلما كبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابقها فسبقته، فقال لها: «هذه بتلك». قلت: وسابق سلمة بن الأكوع رجلا لما رجعوا من ذي قرد إلى المدينة فسبقه سلمة، خرجه مسلم.
الثانية: وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها، وهذا الحديث مع صحته في هذا الباب تضمن ثلاثة شروط، فلا تجوز المسابقة بدونها، وهي: أن المسافة لا بد أن تكون معلومة.
الثاني- أن تكون الخيل متساوية الأحوال.
الثالث- ألا يسابق المضمر مع غير المضمر في أمد واحد وغاية واحدة. والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها، وتقام هذه السنة فيها هي الخيل المعدة لجهاد العدو لا لقتال المسلمين في الفتن.
الثالثة: وأما المسابقة بالنصال والإبل، فروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: سافرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، وذكر الحديث. وخرج النسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر». وثبت ذكر النصل من حديث ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة، ذكره النسائي، وبه يقول فقهاء الحجاز والعراق.
وروى البخاري عن أنس قال: كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقة تسمى العضباء لا تسبق- قال حميد: أولا تكاد تسبق- فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال: «حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه».
الرابعة: أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل، قال الشافعي: ما عدا هذه الثلاثة فالسبق فيها قمار. وقد زاد أبو البختري القاضي في حديث الخف والحافر والنصل«أو جناح» وهي لفظة وضعها للرشيد، فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته، فلا يكتب العلماء حديثه بحال. وقد روي عن مالك أنه قال: لا سبق إلا في الخيل والرمي، لأنه قوة على أهل الحرب، قال: وسبق الخيل أحب إلينا من سبق الرمي. وظاهر الحديث يستوي بين السبق على النجب والسبق على الخيل. وقد منع بعض العلماء الرهان في كل شيء إلا في الخيل، لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها. وروي عن عطاء أن المراهنة في كل شيء جائزة، وقد تؤول قوله، لأن حمله على العموم في كل شي يؤدي إلى، إجازة القمار، وهو محرم باتفاق.
الخامسة: لا يجوز السبق في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم، كما ذكرنا، وكذلك الرمي لا يجوز السبق فيه إلا بغاية معلومة ورشق معلوم، ونوع من الإصابة، مشترط خسقا أو إصابة بغير شرط. والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا فيجعل للسابق شيئا معلوما، فمن سبق أخذه. وسبق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه، فإن سبقه صاحبه أخذه، وإن سبق هو صاحبه أخذه، وحسن أن يمضيه في الوجه الذي أخرجه له، ولا يرجع إلى ماله، وهذا مما لا خلاف فيه. والسبق الثالث- اختلف فيه، وهو أن يخرج كل واحد منهما شيئا مثل ما يخرجه صاحبه، فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه، وهذا الوجه لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا لا يأمنا أن يسبقهما، فإن سبق المحلل أحرز السبقين جميعا وأخذهما وحده، وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه واخذ سبق صاحبه، ولا شيء للمحلل فيه، ولا شيء عليه. وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما.
وقال أبو علي بن خيران- من أصحاب الشافعي-: وحكم الفرس المحلل أن يكون مجهولا جريه، وسمي محللا لأنه يحلل السبق للمتسابقين أو له. واتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلل واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه أنه قمار، ولا يجوز.
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخله وهو يأمن أن يسبق فهو قمار».
وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب قال: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل، فإن سبق أخذ السبق، وإن سبق لم يكن عليه شي، وبهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم. واختلف في ذلك قول مالك، فقال مرة لا يجب المحلل في الخيل، ولا نأخذ فيه بقول سعيد، ثم قال: لا يجوز إلا بالمحلل، وهو الأجود من قوله.
السادسة: ولا يحمل على الخيل والإبل في المسابقة إلا محتلم، ولو ركبها أربابها كان أولى، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها.
وقال الشافعي: وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه، أو بالكفل أو بعضه. والسبق من الرماة على هذا النحو عنده، وقول محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي.
السابعة: روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سابق أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فسبق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلي أبو بكر وثلت عمر، ومعنى وصلي أبو بكر: يعني أن رأس فرسه كان عند صلا فرس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصلوان موضع العجز. قوله تعالى: {وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا} أي عند ثيابنا وأقمشتنا حارسا لها. {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} وذلك أنهم ما سمعوا أباهم يقول: {وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} أخذوا ذلك من فيه فتحرموا به، لأنه كان أظهر المخاوف عليه. {وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا} أي بمصدق. {وَلَوْ كُنَّا} أي وإن كنا، قاله المبرد وابن إسحاق. {صادِقِينَ} في قولنا، ولم يصدقهم يعقوب لما ظهر له منهم من قوة التهمة وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه على ما يأتي بيانه.
وقيل: {وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ} أي ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا، ولا تهمتنا في هذه القضية، لشدة محبتك في يوسف، قال معناه الطبري والزجاج وغيرهما.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18)}
قوله تعالى: {وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}. فيه ثلاث مسائل الأولى: قوله تعالى: {بِدَمٍ كَذِبٍ} قال مجاهد: كان دم سخلة أو جدي ذبحوه.
وقال قتادة: كان دم ظبية، أي جاءوا على قميصه بدم مكذوب فيه، فوصف الدم بالمصدر، فصار تقديره: بدم ذي كذب، مثل: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] والفاعل والمفعول قد يسميان بالمصدر، يقال: هذا ضرب الأمير، أي مضروبه وماء سكب أي مسكوب، وماء غور أي غائر، ورجل عدل أي عادل. وقرأ الحسن وعائشة: {بدم كدب} بالدال غير المعجمة، أي بدم طري، يقال للدم الطري الكدب. وحكي أنه المتغير، قاله الشعبي. والكدب أيضا البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث، فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اختلاف اللونين.
الثانية: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها، وهي سلامة القميص من التنييب، إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص من التخريق، ولما تأمل يعقوب عليه السلام القميص فلم يجد فيه خرقا ولا أثرا استدل بذلك على كذبهم، وقال لهم: متى كان هذا الذئب حكيما يأكل يوسف ولا يخرق القميص! قاله ابن عباس وغيره، روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الدم دم سخلة.
وروى سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نظر إليه قال كذبتم، لو كان الذئب أكله لخرق القميص. وحكى الماوردي أن في القميص ثلاث آيات: حين جاءوا عليه بدم كذب، وحين قد قميصه من دبر، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا.
قلت: وهذا مردود، فإن القميص الذي جاءوا عليه بالدم غير القميص الذي قد، وغير القميص الذي أتاه البشير به. وقد قيل: إن القميص الذي قد هو الذي أتي به فارتد بصيرا، على ما يأتي بيانه آخر السورة إن شاء الله تعالى. وروي أنهم قالوا له: بل اللصوص قتلوه، فاختلف قولهم، فاتهمهم، فقال لهم يعقوب: تزعمون أن الذئب أكله، ولو أكله لشق قميصه قبل أن يفضي إلى جلده، وما أرى بالقميص من شق، وتزعمون أن اللصوص قتلوه، ولو قتلوه لأخذوا قميصه، هل يريدون إلا ثيابه؟! فقالوا عند ذلك: {وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ} عن الحسن وغيره، أي لو كنا موصوفين بالصدق لا تهمتنا.
الثالثة: استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص، وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح، وهي قوة التهمة، ولا خلاف بالحكم بها، قاله بن العربي. قوله تعالى: {قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}. فيه ثلاث مسائل:
الأولى: روي أن يعقوب لما قالوا له: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} قال لهم: ألم يترك الذئب له عضوا فتأتوني به أستأنس به؟! ألم يترك لي ثوبا أشم فيه رائحته؟ قالوا: بلى! هذا قميصه ملطوخ بدمه، فذلك قوله تعالى: {وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} فبكى يعقوب عند ذلك وقال، لبنيه: أروني قميصه، فأروه فشمه وقبله، ثم جعل يقلبه فلا يرى فيه شقا ولا تمزيقا، فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت كاليوم ذئبا أحكم منه، أكل ابني واختلسه من قميصه ولم يمزقه عليه، وعلم أن الأمر ليس كما قالوا، وأن الذئب لم يأكله، فأعرض عنهم كالمغضب باكيا حزينا وقال: يا معشر ولدي! دلوني على ولدي، فإن كان حيا رددته إلي، وإن كان ميتا كفنته ودفنته، فقيل قالوا حينئذ: ألم تروا إلى أبينا كيف يكذبنا في مقالتنا! تعالوا نخرجه من الجب ونقطعه عضوا عضوا، ونأت أبانا بأحد أعضائه فيصدقنا في مقالتنا ويقطع يأسه، فقال يهوذا: والله لئن فعلتم لأكونن لكم عدوا ما بقيت، ولأخبرن أباكم بسوء صنيعكم، قالوا: فإذا منعتنا من هذا فتعالوا نصطد له ذئبا، قال: فاصطادوا ذئبا ولطخوه بالدم، وأوثقوه بالحبال، ثم جاءوا به يعقوب وقالوا: يا أبانا! إن هذا الذئب الذي يحل بأغنامنا ويفترسها، ولعله الذي أفجعنا بأخينا لا نشك فيه، وهذا دمه عليه، فقال يعقوب: أطلقوه، فاطلقوه، وتبصبص له الذئب، فأقبل يدنو منه ويعقوب يقول له: ادن ادن، حتى ألصق خده بخده فقال له يعقوب: أيها الذئب! لم فجعتني بولدي وأورثتني حزنا طويلا؟! ثم قال اللهم أنطقه، فأنطقه الله تعالى فقال: والذي اصطفاك نبيا ما أكلت لحمه، ولا مزقت جلده، ولا نتفت شعرة من شعراته، والله! ما لي بولدك عهد، وإنما أنا ذئب غريب أقبلت من نواحي مصر في طلب أخ لي فقد، فلا أدري أحي هو أم ميت، فاصطادني أولادك وأوثقوني، وإن لحوم الأنبياء حرمت علينا وعلى جميع الوحوش، وتالله! لا أقمت في بلاد يكذب فيها أولاد الأنبياء على الوحوش، فأطلقه يعقوب وقال: والله لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم، هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذمام أخيه، وأنتم ضيعتم أخاكم، وقد علمت أن الذئب برئ مما جئتم به. {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ} أي زينت. {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} غير ما تصفون وتذكرون. ثم قال توطئة لنفسه: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} وهى: الثانية: قال الزجاج: أي فشأني والذي اعتقده صبر جميل.
وقال قطرب: أي فصبري صبر جميل.
وقيل: أي فصبر جميل أولى بي، فهو مبتدأ وخبره محذوف. ويروى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الصبر الجميل فقال: «هو الذي لا شكوى معه». وسيأتي له مزيد بيان آخر السورة إن شاء الله. قال أبو حاتم: قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف {فصبرا جميلا} قال: وكذا قرأ الأشهب العقيلي، قال وكذا في مصحف أنس وأبي صالح. قال المبرد: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} بالرفع أولى من النصب، لأن المعنى: قال رب عندي صبر جميل، قال: وإنما النصب على المصدر، أي فلأصبرن صبرا جميلا، قال:
شكا إلي جملي طول السرى ** صبرا جميلا فكلانا مبتلى

والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى.
وقيل: المعنى لا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين، بل أعاشركم على ما كنت عليه معكم، وفي هذا ما يدل على أنه عفا عن مؤاخذتهم. وعن حبيب بن أبي ثابت أن يعقوب كان قد سقط حاجباه على عينيه، فكان يرفعهما بخرقة، فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله إليه أتشكوني يا يعقوب؟! قال: يا رب! خطيئة أخطأتها فاغفر لي. {وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ} ابتداء وخبر. {عَلى ما تَصِفُونَ} أي على احتمال ما تصفون من الكذب.
الثالثة: قال ابن أبى رفاعة ينبغي لأهل الرأى أن يتهموا رأيهم عند ظن يعقوب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو نبى، حين قال له بنو هـ: {إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} قال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فأصاب هنا، ثم قالوا له: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ} قال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} فلم يصب.