فصل: تفسير الآية رقم (53):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (53):

{لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53)}
قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً} أي ضلالة. {لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي شرك ونفاق. {وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} فلا تلين لأمر الله تعالى. قال الثعلبي: وفي الآية دليل على أن الأنبياء يجوز عليهم السهو والنسيان والغلط بوسواس الشيطان أو عند شغل القلب حتى يغلط، ثم ينبه ويرجع إلى الصحيح، وهو معنى قوله: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ}. ولكن إنما يكون الغلط على حسب ما يغلط أحدنا، فأما ما يضاف إليه من قولهم: تلك الغرانيق العلا، فكذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لان فيه تعظيم الأصنام، ولا يجوز ذلك على الأنبياء، كما لا يجوز أن يقرأ بعض القرآن ثم ينشد شعرا ويقول: غلطت وظننته قرآنا. {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} أي الكافرين لفي خلاف وعصيان ومشاقة لله عز وجل ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد تقدم في البقرة والحمد لله وحده.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)}
قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي من المؤمنين.
وقيل: أهل الكتاب. {أَنَّهُ} أي أن الذي أحكم من آيات القرآن هو {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي تخشع وتسكن.
وقيل: تخلص. {وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا} قرأ أبو حيوة: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا} بالتنوين. {إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي يثبتهم على الهداية.

.تفسير الآية رقم (55):

{وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)}
قوله تعالى: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} يعني في شك من القرآن، قاله ابن جريج. وغيره: من الدين، وهو الصراط المستقيم.
وقيل: مما ألقى الشيطان على لسان محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقولون: ما باله ذكر الأصنام بخير ثم ارتد عنها. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى: {في مرية} بضم الميم. والكسر أعرف، ذكره النحاس. {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ} أي القيامة. {بَغْتَةً} أي فجأة. {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} قال الضحاك: عذاب يوم لا ليلة له وهو يوم القيامة. النحاس: سمى يوم القيامة عقيما لأنه ليس يعقب بعده يوما مثله، وهو معنى قول الضحاك. والعقيم في اللغة عبارة عمن لا يكون له ولد، ولما كان الولد يكون بين الأبوين وكانت الأيام تتوالى قبل وبعد، جعل الاتباع فيها بالبعدية كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف بالعقيم.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: المراد عذاب يوم بدر، ومعنى عقيم لا مثل له في عظمه، لان الملائكة قاتلت فيه. ابن جريج: لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل، بل قتلوا قبل المساء فصار يوما لا ليلة له. وكذلك يكون معنى قول الضحاك أنه يوم القيامة، لأنه لا ليلة له.
وقيل: لأنه لم يكن فيه رأفة ولا رحمة، وكان عقيما من كل خير، ومنه قوله تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] أي التي لا خير فيها ولا تأتى بمطر ولا رحمة.

.تفسير الآيات (56- 57):

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57)}
قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يعني يوم القيامة هو لله وحده لا منازع له فيه ولا مدافع. والملك هو اتساع المقدر ولمن له تدبير الأمور. ثم بين حكمه فقال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.} قلت: وقد يحتمل أن تكون الإشارة ب {يَوْمَئِذٍ} ليوم بدر، وقد حكم فيه بإهلاك الكافر وسعادة المؤمن، وقد قال عليه السلام لعمر: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

.تفسير الآيات (58- 59):

{وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}
أفرد ذكر المهاجرين الذين ماتوا وقتلوا تفضيلا لهم وتشريفا على سائر الموتى. وسبب نزول هذه الآية أنه لما مات بالمدينة عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس: من قتل في سبيل الله أفضل ممن مات حتف أنفه، فنزلت هذه الآية مسوية بينهم، وأن الله يرزق جميعهم رزقا حسنا. وظاهر الشريعة يدل على أن المقتول أفضل. وقد قال بعض أهل العلم: إن المقتول في سبيل الله والميت في سبيل الله شهيد، ولكن للمقتول مزية ما أصابه في ذات الله.
وقال بعضهم: هما سواء، واحتج بالآية، وبقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]، وبحديث أم حرام، فإنها صرعت عن دابتها فماتت ولم تقتل فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنت من الأولين»، وبقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عبد الله بن عتيك: «من خرج من بيته مهاجرا في سبيل الله فخر عن دابته فمات أو لدغته حية فمات أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله ومن مات قعصا فقد استوجب المآب».
وذكر ابن المبارك عن فضالة بن عبيد في حديث ذكر فيه رجلين أحدهما أصيب في غزاة بمنجنيق فمات والآخر مات هناك، فجلس فضالة عند الميت فقيل له: تركت الشهيد ولم تجلس عنده؟ فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت، ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا} الآية كلها.
وقال سليمان بن عامر: كان فضالة برودس أميرا على الأرباع فخرج بجنازتى رجلين: أحدهما قتيل والآخر متوفى، فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حفرته، فقال: أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل! فوالذي نفسي بيده ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت، اقرءوا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا}. كذا ذكره الثعلبي في تفسيره، وهو معنى ما ذكره ابن المبارك. واحتج من قال: إن للمقتول زيادة فضل بما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده». وإذا كان من أهريق دمه وعقر جواده أفضل الشهداء علم أنه من لم يكن بتلك الصفة مفضول. قرأ ابن عامر واهل الشام: {قتلوا} بالتشديد على التكثير. الباقون بالتخفيف. {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} أي الجنان. قراءة أهل المدينة {مدخلا} بفتح الميم، أي دخولا. وضمها الباقون، وقد مضى في سبحان. {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} قال ابن عباس: عليم بنياتهم، حليم عن عقابهم.

.تفسير الآية رقم (60):

{ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}
قوله تعالى: {ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ 60} {ذلِكَ} في موضع رفع، أي ذلك الامر الذي قصصنا عليك. قال مقاتل: نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين، وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شي، فنزلت هذه الآية.
وقيل: نزلت في قوم من المشركين، مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثله. فمعنى {مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ 60} أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة، فهو مثل: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها 40} [الشورى: 40]. ومثل: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. وقد تقدم. {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} 60 أي بالكلام والإزعاج من وطنه، وذلك أن المشركين كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به وأخرجوه وأخرجوهم من مكة، وظاهروا على إخراجهم. {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} 60 أي لينصرن الله محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فإن الكفار بغوا عليهم. {إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} 60 أي عفا عن المؤمنين ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر.

.تفسير الآية رقم (61):

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)}
قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ} أي ذلك الذي قصصت عليك من نصر المظلوم هو بأنى أنا الذي أولج الليل في النهار فلا يقدر أحد على ما أقدر عليه، أي من قدر على هذا قدر على أن ينصر عبده. وقد مضى في آل عمران معنى يولج الليل في النهار. {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يسمع الأقوال ويبصر الافعال، فلا يعزب عنه مثقال ذرة ولا دبيب نملة إلا يعلمها ويسمعها ويبصرها.

.تفسير الآية رقم (62):

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}
قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} أي ذو الحق، فدينه الحق وعبادته حق. والمؤمنون يستحقون منه النصر بحكم وعده الحق. {وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ} أي الأصنام التي لا استحقاق لها في العبادات. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر {وأن ما تدعون} بالتاء على الخطاب، واختاره أبو حاتم. الباقون بالياء على الخبر هنا وفي لقمان، واختاره أبو عبيد. {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} أي العالي على كل شيء بقدرته، والعالي عن الأشباه والأنداد، المقدس عما يقول الظالمون من الصفات التي لا تليق بجلاله. {الْكَبِيرُ} أي الموصوف بالعظمة والجلال وكبر الشأن.
وقيل: الكبير ذو الكبرياء والكبرياء عبارة عن كمال الذات، أي له الوجود المطلق أبدا وأزلا، فهو الأول القديم، والآخر الباقي بعد فناء خلقه.

.تفسير الآية رقم (63):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ- مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} دليل على كمال قدرته، أي من قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت، كما قال الله عز وجل: {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [فصلت: 39]. ومثله كثير. {فَتُصْبِحُ} ليس بجواب فيكون منصوبا، وإنما هو خبر عند الخليل وسيبويه. قال الخليل: المعنى انتبه! أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا، كما قال:
ألم تسأل الربع القواء فينطق ** وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

معناه قد سألته فنطق. وقيل استفهام تحقيق، أي قد رأيت، فتأمل كيف تصبح! أو عطف لان المعنى ألم تر أن الله ينزل.
وقال الفراء: {أَلَمْ تَرَ} خبر، كما تقول في الكلام: اعلم أن الله عز وجل ينزل من السماء ماء. {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} أي ذات خضرة، كما تقول: مبقلة ومسبعة، أي ذات بقل وسباع. وهو عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة. قال ابن عطية: وروى عن عكرمة أنه قال: هذا لا يكون إلا بمكة وتهامة. ومعنى هذا: أنه أخذ قوله: {فَتُصْبِحُ} مقصودا به صباح ليلة المطر وذهب إلى أن ذلك الاخضرار يتأخر في سائر البلاد، وقد شاهدت هذا بسوس الأقصى نزل المطر ليلا بعد قحط أصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف رقيق. {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} قال ابن عباس: {خَبِيرٌ} بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر. {لَطِيفٌ 10} بأرزاق عباده.
وقيل: {لَطِيفٌ 10} باستخراج النبات من الأرض، {خَبِيرٌ} بحاجتهم وفاقتهم.

.تفسير الآية رقم (64):

{لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)}
قوله تعالى: {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} خلقا وملكا، وكل محتاج إلى تدبيره وإتقانه. {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فلا يحتاج إلى شي، وهو المحمود في كل حال.

.تفسير الآية رقم (65):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ} ذكر نعمة أخرى، فأخبر أنه سخر لعباده ما يحتاجون إليه من الدواب والشجر والأنهار. {وَالْفُلْكَ} أي وسخر لكم الفلك في حال جريها. وقرأ أبو عبد الرحمن الأعرج: {والفلك} رفعا على الابتداء وما بعده خبره.
الباقون بالنصب نسقا على قوله: {ما فِي الْأَرْضِ}. {وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} أي كراهية أن تقع.
وقال الكوفيون: لئلا تقع. وإمساكه لها خلق السكون فيها حالا بعد حال. {إِلَّا بِإِذْنِهِ} أي إلا بإذن الله لها بالوقوع، فتقع بإذنه، أي بإرادته وتخليته. {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} أي في هذه الأشياء التي سخرها لهم.

.تفسير الآية رقم (66):

{وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66)}
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ} أي بعد أن كنتم نطفا. {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم. {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} أي للحساب والثواب والعقاب. {إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ} أي لجحود لما ظهر من الآيات الدالة على قدرته ووحدانيته. قال ابن عباس: يريد الأسود ابن عبد الأسد وأبا جهل بن هشام والعاص بن هشام وجماعة من المشركين.
وقيل: إنما قال ذلك لان الغالب على الإنسان كفر النعم، كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].