فصل: تفسير الآية رقم (60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (60):

{وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60)}
قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ} أي لله تعالى. {قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ} على جهة الإنكار والتعجب، أي ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب. وزعم القاضي أبو بكر بن العربي أنهم إنما جهلوا الصفة لا الموصوف، واستدل على ذلك بقوله: {وَمَا الرَّحْمنُ} ولم يقولوا ومن الرحمن. قال ابن الحصار: وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ}. {أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا} هذه قراءة المدنيين والبصريين، أي لما تأمرنا أنت يا محمد. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي: {يأمرنا} بالياء. يعنون الرحمن، كذا تأوله أبو عبيد، قال: ولو أقروا بأن الرحمن أمرهم ما كانوا كفارا. فقال النحاس: وليس يجب أن يتأول عن الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم {أنسجد لما يأمرنا} النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتصح القراءة على هذا، وإن كانت الأولى أبين وأقرب تناولا. {وَزادَهُمْ نُفُوراً} أي زادهم قول القائل لهم اسجدوا للرحمن نفورا عن الدين. وكان سفيان الثوري يقول في هذه الآية: إلهي زادني لك خضوعا ما زاد عداك نفورا.

.تفسير الآية رقم (61):

{تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61)}
قوله تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً} أي منازل، وقد تقدم ذكرها. {وَجَعَلَ فِيها سِراجاً} قال ابن عباس: يعني الشمس، نظيره، {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً}. وقراءة العامة: {سِراجاً} بالتوحيد. وقرأ حمزة والكسائي: {سرجا} يريدون النجوم العظام الوقادة. والقراءة الأولى عند أبى عبيد أولى، لأنه تأول أن السرج النجوم، وأن البروج النجوم، فيجيء المعنى نجوما ونجوما. النحاس: ولكن التأويل لهم أن أبان بن تغلب قال: السرج النجوم الدراري. الثعلبي: كالزهرة والمشترى وزحل والسماكين ونحوها. {وَقَمَراً مُنِيراً} ينير الأرض إذا طلع.
وروى عصمة عن الأعمش {وقمرا} بضم القاف وإسكان الميم. وهذه قراءة شاذة، ولو لم يكن فيها إلا أن أحمد بن حنبل وهو إمام المسلمين في وقته قال: لا تكتبوا ما يحكيه عصمة الذي يروى القراءات، وقد أولع أبو حاتم السجستاني بذكر ما يرويه عصمة هذا.

.تفسير الآية رقم (62):

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62)}
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {خِلْفَةً} قال أبو عبيدة: الخلفة كل شيء بعد شي. وكل واحد من الليل والنهار يخلف صاحبه. ويقال للمبطون: أصابته خلفة، أي قيام وقعود يخلف هذا ذاك. ومنه خلفه النبات، وهو ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف. ومن هذا المعنى قول زهير بن أبى سلمى:
بها العين والآرام يمشين خلفة ** وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم

الريم ولد الظبى جمعه آرام، يقول: إذا ذهب فوج جاء فوج. ومنه قول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأبا:
ولها بالماطرون إذا ** أكل النمل الذي جمعا

خلفة حتى إذا ارتبعت ** سكنت من جلق بيعا

في بيوت وسط دسكرة ** حولها الزيتون قد ينعا

قال مجاهد: {خِلْفَةً} من الخلاف، هذا أبيض وهذا أسود، والأول أقوى.
وقيل: يتعاقبان في الضياء والظلام والزيادة والنقصان.
وقيل: هو من باب حذف المضاف، أي جعل الليل والنهار ذوى خلفة، أي اختلاف. {لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} أي يتذكر، فيعلم أن الله لم يجعله كذلك عبثا فيعتبر في مصنوعات الله، ويشكر الله تعالى على نعمه عليه في العقل والفكر والفهم.
وقال عمر بن الخطاب وابن عباس والحسن: معناه من فاته شيء من الخير بالليل أدركه بالنهار، ومن فاته بالنهار أدركه بالليل.
وفي الصحيح: «ما من امرئ تكون له صلاة بالليل فغلبه عليها نوم فيصلى ما بين طلوع الشمس إلى صلاة الظهر إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة».
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل».
الثانية: قال ابن العربي: سمعت ذا الشهيد الأكبر يقول: إن الله تعالى خلق العبد حيا عالما، وبذلك كماله، وسلط عليه آفة النوم وضرورة الحدث ونقصان الخلقة، إذ الكمال للأول الخالق، فما أمكن الرجل من دفع النوم بقلة الأكل والسهر في طاعة الله فليفعل. ومن الغبن العظيم أن يعيش الرجل ستين سنة ينام ليلها فيذهب النصف من عمره لغوا، وينام سدس النهار راحة فيذهب ثلثاه ويبقى له من العمر عشرون سنة، ومن الجهالة والسفاهة أن يتلف الرجل ثلثي عمره في لذة فانية، ولا يتلف عمره بسهر في لذة باقية عند الغنى الوفي الذي ليس بعديم ولا ظلوم.
الثالثة: الأشياء لا تتفاضل بأنفسها، فإن الجواهر والاعراض من حيث الوجود متماثلة، وإنما يقع التفاضل بالصفات. وقد اختلف أي الوقتين أفضل، الليل أو النهار.
وفي الصوم غنية في الدلالة، والله أعلم، قاله ابن العربي. قلت: والليل عظيم قدره، أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بقيامه فقال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ}، وقال: {قُمِ اللَّيْلَ} على ما يأتي بيانه. ومدح المؤمنين على قيامه فقال: {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ}.
وقال عليه الصلاة والسلام: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل وفيه ساعة يستجاب فيها الدعاء وفيه ينزل الرب تبارك وتعالى» حسبما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الرابعة: قرأ حمزة وحده: {يذكر} بسكون الذال وضم الكاف. وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والنخعي.
وفي مصحف أبى {يتذكر} بزيادة تاء. وقرأ الباقون: {يَذَّكَّرَ} بتشديد الكاف. ويذكر ويذكر بمعنى واحد.
وقيل: معنى {يذكر} بالتخفيف أي يذكر ما نسيه في أحد الوقتين في الوقت الثاني، أو ليذكر تنزيه الله وتسبيحه فيها. {أَوْ أَرادَ شُكُوراً} يقال: شكر يشكر شكرا وشكورا، مثل كفر يكفر كفرا وكفورا. وهذا الشكور على أنهما جعلهما قواما لمعاشهم. وكأنهم لما قالوا: {وَمَا الرَّحْمنُ} قالوا: هو الذي يقدر على هذه الأشياء.

.تفسير الآية رقم (63):

{وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63)}
قوله تعالى: {وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} لما ذكر جهالات المشركين وطعنهم في القرآن والنبوة ذكر عباده المؤمنين أيضا وذكر صفاتهم، وأضافهم إلى عبوديته تشريفا لهم، كما قال: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ} وقد تقدم. فمن أطاع الله وعبده وشغل سمعه وبصره ولسانه وقلبه بما أمره فهو الذي يستحق أسم العبودية، ومن كان بعكس هذا شمله قوله تعالى: {أُولئِكَ كَالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ} يعني في عدم الاعتبار، كما تقدم في الأعراف. وكأنه قال: وعباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض، فحذف هم، كقولك: زيد الأمير، أي زيد هو الأمير. ف {الَّذِينَ} خبر مبتدأ محذوف، قاله الأخفش.
وقيل: الخبر قوله في آخر السورة: {أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا}. وما بين المبتدإ والخبر أوصاف لهم وما تعلق بها، قاله الزجاج. قال: ويجوز أن يكون الخبر {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ}. و{يَمْشُونَ} عبارة عن عيشهم ومدة حياتهم وتصرفاتهم، فذكر من ذلك العظم، لا سيما وفي ذلك الانتقال في الأرض، وهو معاشرة الناس وخلطتهم. قوله تعالى: {هَوْناً} الهون مصدر الهين وهو من السكينة والوقار.
وفي التفسير: يمشون على الأرض حلماء متواضعين، يمشون في اقتصاد. والقصد والتؤدة وحسن السمت من أخلاق النبوة.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس في الإيضاع» وروى في صفته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا، ويمشى هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب. التقلع، رفع الرجل بقوة والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي وقصده. والهون الرفق والوقار. والذريع الواسع الخطا، أي أن مشيه كان يرفع فيه رجله بسرعة ويمد خطوه، خلاف مشية المختال، ويقصد سمته، وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة. كما قال: كأنما ينحط مكن صبب، قاله القاضي عياض. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرع جبلة لا تكلفا. قال الزهري: سرعة المشي تذهب بهاء الوجه. قال ابن عطية: يريد الإسراع الحثيث لأنه يخل بالوقار، والخير في التوسط.
وقال زيد بن أسلم: كنت أسأل عن تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} فما وجدت من ذلك شفاء، فرأيت في المنام من جاءني فقال لي: هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض. قال القشيري، وقيل لا يمشون لإفساد ومعصية، بل في طاعة الله والأمور المباحة من غير هوك. وقد قال الله تعالى:
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ}.
وقال ابن عباس: بالطاعة والمعروف والتواضع. الحسن: حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا.
وقيل: لا يتكبرون على الناس. قلت: وهذه كلها معان متقاربة، ويجمعها العلم بالله والخوف منه، والمعرفة بأحكامه والخشية من عذابه وعقابه، جعلنا الله منهم بفضله ومنه. وذهبت فرقة إلى أن {هَوْناً} مرتبط بقوله: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ}، أن المشي هو هون. قال ابن عطية: ويشبه أن يتأول هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هونا مناسبة لمشية، فيرجع القول إلى نحو ما بيناه. وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل، لأنه رب ماش هونا رويدا وهو ذئب أطلس. وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتكفأ في مشيه كأنما ينحبط في صبب. وهو عليه الصلاة والسلام الصدر في هذه الامة. وقوله عليه الصلاة والسلام: {من مشى منكم في طمع فليمش رويدا} إنما أراد في عقد نفسه، ولم يرد المشي وحده. ألا ترى أن المبطلين المتحلين بالدين تمسكوا بصورة المشي فقط، حتى قال فيهم الشاعر ذما لهم:
كلهم يمشى رويد ** كلهم يطلب صيد

قلت: وفي عكسه أنشد ابن العربي لنفسه:
تواضعت في العلياء والأصل كابر ** وحزت قصاب السبق بالهون في الامر

سكون فلا خبث السريرة أصله ** وجل سكون الناس من عظم الكبر

قوله تعالى: {وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً} قال النحاس: ليس {سَلاماً} من التسليم إنما هو من التسلم، تقول العرب: سلاما، أي تسلما منك، أي براءة منك. منصوب على أحد أمرين: يجوز أن يكون منصوبا ب {قالُوا}، ويجوز أن يكون مصدرا، وهذا قول سيبويه. قال ابن عطية: والذي أقوله: إن {قالُوا} هو العامل في {سَلاماً} لان المعنى قالوا هذا اللفظ.
وقال مجاهد: معنى {سَلاماً} سدادا. أي يقول للجاهل كلاما يدفعه به برفق ولين. ف {قالُوا} على هذا التأويل عامل في قوله: {سَلاماً} على طريقة النحويين، وذلك أنه بمعنى قولا. وقالت فرقة: ينبغي للمخاطب أن يقول للجاهل سلاما، بهذا اللفظ. أي سلمنا سلاما أو تسليما، ونحو هذا، فيكون العامل فيه فعلا من لفظه على طريقة النحويين. مسألة: هذه الآية كانت قبل آية السيف، نسخ منها ما يخص الكفرة وبقي أدبها في المسلمين إلى يوم القيامة. وذكر سيبويه النسخ في هذه الآية في كتابه، وما تكلم فيه على نسخ سواه، رجح به أن المراد السلامة لا التسليم، لان المؤمنين لم يؤمروا قط بالسلام على الكفرة. والآية مكية فنسختها آية السيف. قال النحاس: ولا نعلم لسيبويه كلاما في معنى الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية. قال سيبويه: لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين لكنه على معنى قوله: تسلما منكم، ولا خير ولا شر بيننا وبينكم. المبرد: كان ينبغي أن يقال: لم يؤمر المسلمون يومئذ بحربهم ثم أمروا بحربهم. محمد بن يزيد: أخطأ سيبويه في هذا وأساء العبارة. ابن العربي: لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولا نهوا عن ذلك، بل أمروا بالصفح والهجر الجميل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أنديتهم ويحييهم ويدانيهم ولا يداهنهم. وقد اتفق الناس على أن السفيه من المؤمنين إذا جفاك يجوز أن تقول له سلام عليك. قلت: هذا القول أشبه بدلائل السنة. وقد بينا في سورة مريم اختلاف العلماء في جواز التسليم على الكفار، فلا حاجة إلى دعوى النسخ، والله أعلم. وقد ذكر النضر بن شميل قال حدثني الخليل قال: أتيت أبا ربيعة الاعرابي وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فلما سلمنا رد علينا السلام وقال لنا: استووا. وبقينا متحيرين ولم ندر ما قال. فقال لنا أعرابي إلى جنبه: أمركم أن ترتفعوا. قال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ} فصعدنا إليه فقال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فقلنا الساعة فارقناه. فقال سلاما. فلم ندر ما قال. قال فقال: الاعرابي: إنه سألكم متاركة لا خير فيها ولا شر. فقال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً}. قال ابن عطية: ورأيت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدى- وكان من المائلين على علي بن أبى طالب رضي الله عنه- قال يوما بحضرة المأمون وعنده جماعة: كنت أرى علي بن أبى طالب في النوم فكنت أقول له من أنت؟ فكان يقول: علي بن أبى طالب. فكنت أجئ معه إلى قنطرة فيذهب فيتقدمني في عبورها. فكنت أقول: إنما تدعى هذا الامر بامرأة ونحن أحق به منك. فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه. قال المأمون: وبما ذا جاوبك؟ قال: فكان يقول لي سلاما. قال الراوي: فكأن إبراهيم بن المهدى لا يحفظ الآية أو ذهبت عنه في ذلك الوقت. فنبه المأمون على الآية من حضره وقال: هو والله يا عم علي بن أبى طالب، وقد جاوبك بأبلغ جواب، فخزي إبراهيم واستحيا. وكانت رؤيا لا محالة صحيحة.