فصل: تفسير الآية رقم (54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (54):

{إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)}
البارئ سبحانه وتعالى عالم بما بدا وما خفى وما كان وما لم يكن، لا يخفى عليه ماض تقضى، ولا مستقبل يأتي. وهذا على العموم تمدح به، وهو أهل المدح والحمد. والمراد به ها هنا التوبيخ والوعيد لمن تقدم التعريض به في الآية قبلها، ممن أشير إليه بقوله: {ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، ومن أشير إليه في قوله: {وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً} فقيل لهم في هذه الآية: إن الله تعالى يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها. فصارت هذه الآية منعطفه على ما قبلها مبينة لها. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (55):

{لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية.
الثانية: ذكر الله تعالى في هذه الآية من يحل للمرأة البروز له، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين. وقد يسمى العم أبا، قال الله تعالى: {نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ} [البقرة: 133] وإسماعيل كان العم. قال الزجاج: العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما، فإن المرأة تحل لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية. وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها. وقد ذكر في هذه الآية بعض المحارم وذكر الجميع في سورة النور، فهذه الآية بعض تلك، وقد مضى الكلام هناك مستوفى، والحمد لله.
الثالثة: قوله تعالى: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} لما ذكر الله تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة، عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة. وهذا في غاية البلاغة والإيجاز، كأنه قال: اقتصرن على هذا واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره. وخص النساء بالذكر وعينهن في هذا الامر، لقلة تحفظهن وكثرة استرسالهن. والله أعلم. ثم توعد تعالى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً}.

.تفسير الآية رقم (56):

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)}
هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته، وذكر منزلته منه، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء، أو في أمر زوجاته ونحو ذلك. والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الامة الدعاء والتعظيم لأمره. مسألة- واختلف العلماء في الضمير في قوله: {يُصَلُّونَ} فقالت فرقة: الضمير فيه لله والملائكة، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته، فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بئس الخطيب أنت، قل ومن يعصى الله ورسوله» أخرجه الصحيح. قالوا: لأنه ليس لاحد أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير، ولله أن يفعل في ذلك ما يشاء. وقالت فرقة: في الكلام حذف، تقديره إن الله يصلي وملائكته يصلون، وليس في الآية اجتماع في ضمير، وذلك جائز للبشر فعله. ولم يقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بئس الخطيب أنت» لهذا المعنى، وإنما قاله لان الخطيب وقف على ومن يعصهما، وسكت سكتة. واستدلوا بما رواه أبو داود عن عدي بن حاتم أن خطيبا خطب عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من يطع الله ورسوله ومن يعصهما. فقال: «قم- أو اذهب- بئس الخطيب أنت». إلا أنه يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له: «بئس الخطيب» أصلح له بعد ذلك جميع كلامه، فقال: قل: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» كما في كتاب مسلم. وهو يؤيد القول الأول بأنه لم يقف على: «ومن يعصهما». وقرأ ابن عباس: {وملائكه} بالرفع على موضع اسم الله قبل دخول {إِنَّ}. والجمهور بالنصب عطفا على المكتوبة. قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون أنبيائه تشريفا له، ولا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه. الزمخشري: فإن قلت الصلاة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة. وقد اختلفوا في حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره.
وفي الحديث: «من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله».
وروى أنه قيل له: يا رسول الله، أرأيت قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إن الله تعالى وكل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي علي إلا قال ذلك الملكان لا غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته لذينك الملكين آمين». ومنهم من قال: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره، كما قال في آية السجدة وتشميت العاطس. وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره ومنهم من أوجبها في العمر. وكذلك قال في إظهار الشهادتين. والذي يقتضيه الاحتياط: الصلاة عند كل ذكر، لما ورد من الاخبار في ذلك.
الثانية: واختلفت الآثار في صفة الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فروى مالك عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في مجلس سعد ابن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى، تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم». ورواه النسائي عن طلحة مثله، بإسقاط قوله: «فِي الْعالَمِينَ» وقوله: «والسلام كما قد علمتم».
وفي الباب عن كعب بن عجرة وأبي حميد الساعدي وأبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وبريدة الخزاعي وزيد بن خارجة، ويقال ابن حارثة أخرجها أئمة أهل الحديث في كتبهم. وصحح الترمذي حديث كعب ابن عجرة. خرجه مسلم في صحيحه مع حديث أبي حميد الساعدي. قال أبو عمر: روى شعبة والثوري عن الحكم بن عبد الرحمن بن ابن ليلى عن كعب بن عجرة قال: لما نزل قوله: تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: «قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» وهذا لفظ حديث الثوري لا حديث شعبة وهو يدخل في التفسير المسند إليه لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فبين كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه، وهو قوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».
وروى المسعودي عن عون ابن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد الله أنه قال: إذا صليتم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قالوا فعلمنا، قال: «قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ونبيك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة. اللهم أبعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل حمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». وروينا بالإسناد المتصل في كتاب الشفا للقاضي عياض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: عدهن في يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: «عدهن في يدي جبريل وقال هكذا أنزلت من عند رب العزة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». قال ابن العربي: من هذه الروايات صحيح ومنها سقيم، وأصحها ما رواه مالك فاعتمدوه. ورواية غير مالك من زيادة الرحمة مع الصلاة وغيرها لا يقوى، وإنما على الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم، وهم لا يأخذون في البيع دينارا معيبا، وإنما يختارون السالم الطيب، كذلك لا يؤخذ من الروايات عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنده، لئلا يدخل في حيز الكذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص، بل ربما أصاب الخسران المبين.
الثالثة: في فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا».
وقال سهل بن عبد الله: الصلاة على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل العبادات، لان الله تعالى تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك. قال أبو سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يسأل الله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما.
وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا جاءت الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع الدعاء.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من صلى علي وسلم علي في كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب».
الرابعة: واختلف العلماء في الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة، فالذي عليه الجم الغفير والجمهور الكثير: أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها. قال ابن المنذر: يستحب ألا يصلي أحد صلاة إلا صلى فيها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن ترك ذلك تارك فصلاته مجزية في مذاهب مالك واهل المدينة وسفيان الثوري واهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم. وهو قول جل أهل العلم. وحكي عن مالك وسفيان أنها في التشهد الأخير مستحبة، وأن تاركها في التشهد مسي. وشذ الشافعي فأوجب على تاركها في الصلاة الإعادة. وأوجب إسحاق الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان.
وقال أبو عمر: قال الشافعي إذا لم يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد الأخير بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة. قال: وإن صلى عليه قبل ذلك لم تجزه. وهذا قول حكاه عنه حرملة بن يحيى، لا يكاد يوجد هكذا عن الشافعي إلا من رواية حرملة عنه، وهو من كبار أصحابه الذين كتبوا كتبه. وقد تقلده أصحاب الشافعي ومالوا إليه وناظروا عليه، وهو عندهم تحصيل مذهبه. وزعم الطحاوي أنه لم يقل به أحد من أهل العلم غيره.
وقال الخطابي وهو من أصحاب الشافعي: وليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي، ولا أعلم له فيها قدوة. والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه، وقد شنع عليه في هذه المسألة جدا. وهذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي وهو الذي علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيه الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذلك كل من روي التشهد عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال ابن عمر: كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب. وعلمه أيضا على المنبر عمر، وليس فيه ذكر الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: قد قال بوجوب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة محمد بن المواز من أصحابنا فيما ذكر ابن القصار وعبد الوهاب، واختاره ابن العربي للحديث الصحيح: إن الله أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فعلم الصلاة ووقتها فتعينت كيفية ووقتا. وذكر الدارقطني عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه قال: لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم. وروي مرفوعا عنه عن ابن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والصواب أنه قول أبي جعفر، قاله الدارقطني.
الخامسة: قوله تعالى: {وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} قال القاضي أبو بكر بن بكير: نزلت هذه الآية على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه. وكذلك من بعدهم أمروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره.
وروى النسائي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه، فقلت: إنا لنرى البشرى في وجهك! فقال: «إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك إنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا». وعن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما منكم من أحد يسلم علي إذا مت إلا جاءني سلامه مع جبريل يقول يا محمد هذا فلان بن فلان يقرأ عليك السلام فأقول وعليه السلام ورحمة الله وبركاته» وروى النسائي عن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام». قال القشيري والتسليم قولك: سلام عليك.