فصل: تفسير الآية رقم (14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (14):

{فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} أي فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالأمر المفروغ منه ووقع به الموت {ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} وذلك أنه كان متكئا على المنسأة وهي العصا بلسان الحبشة، في قول السدي.
وقيل: هي بلغة اليمن، ذكره القشيري فمات كذلك وبقي خافي الحال إلى أن سقط ميتا لانكسار العصا لأكل الأرض إياها، فعلم موته بذلك، فكانت الأرضة دالة على موته، أي سببا لظهور موته، وكان سأل الله تعالى ألا يعلموا بموته حتى تمضي عليه سنة. واختلفوا في سبب سؤاله لذلك على قو لين: أحدهما ما قاله قتادة وغيره، قال: كانت الجن تدعي علم الغيب، فلما مات سليمان عليه السلام وخفي موته عليهم {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ} ابن مسعود: أقام حولا والجن تعمل بين يديه حتى أكلت الأرضة منسأته فسقط. ويروى أنه لما سقط لم يعلم منذ مات، فوضعت الأرضة على العصا فأكلت منها يوما وليلة ثم حسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة.
وقيل: كان رؤساء الجن سبعة، وكانوا منقادين لسليمان عليه السلام، وكان داود عليه السلام أسس بيت المقدس فلما مات أوصى إلى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس، فأمر سليمان الجن به، فلما دنا وفاته قال لأهله: لا تخبروهم بموتى حتى يتموا بناء المسجد، وكان بقي لإتمامه سنة.
وفي الخبر أن ملك الموت كان صديقه فسأل عن آية موته فقال: أن تخرج من موضع سجودك شجرة يقال لها الخرنوبة، فلم يكن يوم يصبح فيه إلا تنبت في بيت المقدس شجرة فيسألها: ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فيقول: ولاي شيء أنت؟ فتقول: لكذا ولكذا، فيأمر بها فتقطع، ويغرسها في بستان له، ويأمر بكتب منافعها ومضارها واسمها وما تصلح له في الطب، فبينما هو يصلي ذات يوم إذا رأى شجرة نبتت بين يديه فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة، قال: ولاي شيء أنت؟ قال: لخراب هذا المسجد، فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وهلاك بيت المقدس! فنزعها وغرسها في حائطه ثم قال. اللهم عم عن الجن موتي حتى تعلم الانس أن الجن لا يعلمون الغيب. وكانت الجن تخبر أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد، ثم لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي واتكأ على عصاه على كرسيه، فمات ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد. قال أبو جعفر النحاس: وهذا أحسن ما قيل في الآية، ويدل على صحته الحديث المرفوع، روى إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان نبي الله سليمان بن دواد عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت، فبينما هو يصلي ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه قال ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة، فقال: لاي شيء أنت؟ فقالت: لخراب هذا البيت، فقال: اللهم عم عن الجن موتى حتى تعلم الانس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنحتها عصا فتوكأ عليها حولا لا يعلمون فسقطت، فعلم الانس أن الجن لا يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة.
وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس {تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب}. وقرأ يعقوب في رواية رويس {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} غير مسمى الفاعل. ونافع وأبو عمرو {تأكل منسأته} بألف بين السين والتاء من غير همز. والباقون بهمزة مفتوحة موضع الالف، لغتان، إلا أن ابن ذكوان أسكن الهمزة تخفيفا، قال الشاعر في ترك الهمزة:
إذا دببت على المنسأة من كبر ** فقد تباعد عنك اللهو والغزل

وقال آخر فهمز وفتح:
ضربنا بمنسأة وجهه ** فصار بذاك مهينا ذليلا

وقال آخر:
أمن أجل حبل لا أباك ضربته ** بمنسأة قد جر حبلك أحبلا

وقال آخر فسكن همزها:
وقائم قد قام من تكأته ** كقومة الشيخ إلى منسأته

واصلها من: نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها، فسميت العصا بذلك لأنه يزجر بها الشيء ويساق.
وقال طرفة:
أمون كألواح الاران نسأتها ** على لاحب كأنه ظهر برجد

فسكن همزها. قال النحاس: واشتقاقها يدل على أنها مهموزة، لأنها مشتقة من نسأته أي أخرته ودفعته فقيل لها منسأة لأنها يدفع بها الشيء ويؤخر.
وقال مجاهد وعكرمة: هي العصا، ثم قرأ {منسأته} أبدل من الهمزة ألفا، فإن قيل: البدل من الهمزة قبيح جدا وإنما يجوز في الشعر على بعد وشذوذ، وأبو عمرو بن العلاء لا يغيب عنه مثل هذا لا سيما واهل المدينة على هذه القراءة. فالجواب على هذا أن العرب استعملت في هذه الكلمة البدل ونطقوا بها هكذا كما يقع البدل في غير هذا ولا يقاس عليه حتى قال أبو عمور: ولست أدري ممن هو إلا أنها غير مهموزة لان ما كان مهموزا فقد يترك همزه وما لم يكن مهموزا لم يجز همزة بوجه. المهدوي: ومن قرأ بهمزة ساكنة فهو شاذ بعيد، لان هاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا متحركا أو ألفا، لكنه يجوز أن يكون ما سكن من المفتوح استخفافا، ويجوز أن يكون لما أبدل الهمزة ألفا على غير قياس قلب الالف همزة كما قلبوها في قولهم العالم والخاتم، وروي عن صعيد بن جبير {من} مفصولة {سأته} مهموزة مكسورة التاء، فقيل: إنه من سئة القوس في لغة من همزها، وقد روي همزسية القوس عن رؤبة. قال الجوهري: سية القوس ما عطف من طرفيها، والجمع سيات، والهاء عوض من الواو، والنسبة إليها سيوي. قال أبو عبيدة: كان رؤبة يهمز {سية القوس} وسائر العرب لا يهمزونها.
وفي دابة الأرض قولان: أحدهما- أنها أرضة، قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وقد قرئ {دابة الأرض} بفتح الراء، وهو جمع الأرضة، ذكره الماوردي.
الثاني- أنها دابة تأكل العيدان. قال الجوهري: والأرضة بالتحريك: دويبة تأكل الخشب، يقال: أرضت الخشبة تؤرض أرضا بالتسكين فهي مأروضة إذا أكلتها.
قوله تعالى: {فَلَمَّا خَرَّ} أي سقط {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} قال الزجاج: أي تبينت الجن موته.
وقال غيره: المعنى تبين أمر الجن، مثل: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82].
وفي التفسير- بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس قال: أقام سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام حولا لا يعلم بموته وهو متكئ على عصاه، والجن منصرفة فيما كان أمرها به، ثم سقط بعد حول، فلما خر تبينت، الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. وهذه القراءة من ابن عباس على جهة التفسير.
وفي الخبر: أن الجن شكرت ذلك للأرضة فأينما كانت، يأتونها بالماء. قال السدي: والطين، ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب فإنه مما يأتيها به الشياطين شكرا، وقالت: لو كنت تأكلين الطعام والشراب لاتيناك بهما. و{أَنْ} في موضع رفع على البدل من الجن، والتقدير: تبين أمر الجن، فحذف المضاف، أي تبين وظهر للانس وانكشف لهم أمر الجن أنهم لا يعلمون الغيب. وهذا بدل الاشتمال. ويجوز أن تكون في موضع نصب على تقدير حذف اللام. و{لَبِثُوا} أقاموا. و{الْعَذابِ الْمُهِينِ} السخرة والحمل والبنيان وغير ذلك. وعمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة، ومدة ملكه أربعون سنة، فملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ في بنيان بيت المقدس وهو ابن سبع عشره سنة.
وقال السدي وغيره: كان عمر سليمان سبعا وستين ستة، وملك وهو ابن سبع عشرة سنة. وابتدأ في بنيان بيت المقدس وهو ابن عشرين سنة، وكان ملكه خمسين سنة.
وحكى أن سليمان عليه السلام ابتدأ بنيان بيت المقدس في السنة الرابعة من ملكه، وقرب بعد فراغه منه أثنى عشر ألف ثور ومائة وعشرين ألف شاة، واتخذ اليوم الذي فرغ فيه من بنائه عيدا، وقام على الصخرة رافعا يديه إلى الله تعالى بالدعاء فقال: اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان وقويتني، على بناء هذا المسجد، اللهم فأوزعني شكرك على ما أنعمت علي وتوفني على ملتك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: لا يدخله مذنب دخل للتوبة إلا غفرت له وتبت عليه. ولا خائف إلا أمنته. ولا سقيم إلا شفيته. ولا فقير إلا أغنيته. والخامسة: ألا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه، إلا من أراد إلحادا أو ظلما، يا رب العالمين، ذكره الماوردي. قلت: وهذا أصح مما تقدم أنه لم يفرغ بناؤه إلا بعد موته بسنة، والدليل على صحة هذا ما خرجه النسائي وغيره بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثة: حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله تعالى ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فأوتيه، وسأل الله تعالى حين فرغ من بنائه المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه» وقد ذكرنا هذا الحديث في آل عمران وذكرنا بناءه في سبحان.

.تفسير الآية رقم (15):

{لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}
قوله تعالى: {لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} قرأ نافع وغيره بالصرف والتنوين على أنه أسم حي، وهو في الأصل أسم رجل، جاء بذلك التوقيف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى الترمذي قال: حدثنا أبو كريب وعبد بن حميد قالا حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي قال حدثنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم، فأذن لي في قتالهم وأمرني، فلما خرجت من عنده سأل عني: «ما فعل الغطيفي»؟ فأخبر أني قد سرت، قال: فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقال: «ادع القوم فمن أسلم منهم فأقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك، قال: وأنزل في سبإ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ؟ أرض أو امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا بامرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة. فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة. وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار. فقال رجل: يا رسول الله وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة». وروي هذا عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لسبأ} بغير صرف، جعله اسما للقبيلة، وهو اختيار أبي عبيد، واستدل على أنه أسم قبيلة بأن بعده {في مساكنهم}. النحاس: ولو كان كما قال لكان في مساكنها. وقد مضى في النمل زيادة بيان لهذا المعنى.
وقال الشاعر في الصرف:
الواردون وتيم في ذرى سبأ ** قد عض أعناقهم جلد الجواميس

وقال آخر في غير الصرف:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ ** يبنون من دون سيلها العرما

وقرا قنبل وأبو حنيفة والجحدري {لسبأ} بإسكان الهمزة. {في مساكنهم} قراءة العامة على الجمع، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، لان لهم مساكن كثيرة وليس بمسكن واحد. وقرأ إبراهيم وحمزة وحفص {مسكنهم} موحدا، إلا أنهم فتحوا الكاف. وقرأ يحيى والأعمش والكسائي موحدا كذلك، إلا أنهم كسروا الكاف. قال النحاس: والساكن في هذا أبين، لأنه يجمع اللفظ والمعنى، فإذا قلت {مسكنهم} كان فيه تقديران: أحدهما- أن يكون واحدا يؤدي عن الجمع. والآخر- أن يكون مصدرا لا يثني ولا يجمع، كما قال الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ} [البقرة: 7] فجاء بالسمع موحدا. وكذا {مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 55] و{مسكن} مثل مسجد، خارج عن القياس، ولا يوجد مثله إلا سماعا. {آيَةٌ} اسم كان، أي علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقا خلقهم، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر. {جَنَّتانِ} يجوز أن يكون بدلا من {آيَةٌ}، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف، فوقف على هذا الوجه على {آيَةٌ} وليس بتمام. قال الزجاج: أي الآية جنتان، فجنتان رفع لأنه خبر ابتداء محذوف.
وقال الفراء: رفع تفسيرا للآية، ويجوز أن تنصب {آية} على أنها خبر كان، ويجوز أن تنصب الجنتين على الخبر أيضا في غير القرآن.
وقال عبد الرحمن بن زيد: إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة قط ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غيرها من الهوام، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب.
وقيل: إن الآية هي الجنتان، كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها مكتل فيمتلئ من أنواع الفواكه من غير أن تمسها بيدها، قاله قتادة.
وروى أن الجنتين كانتا بين جبلين باليمن. قال سفيان: وجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما: نحن بنينا سلحين في سبعين خريفا دائبين، وعلى الآخر مكتوب: نحن بنينا صرواح، مقيل ومراح، فكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله. قال القشيري: ولم يرد جنتين اثنتين بل أراد من الجنتين يمنة ويسرة، أي كانت بلادهم ذات بساتين وأشجار وثمار، تستتر الناس بظلالها. {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ} أي قيل لهم كلوا، ولم يكن ثم أمر، ولكنهم تمكنوا من تلك النعم.
وقيل: أي قالت الرسل لهم قد أباح الله تعالى لهم ذلك، أي أباح لكم هذه النعم فاشكروه بالطاعة. {مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ} أي من ثمار الجنتين. {وَاشْكُرُوا لَهُ} يعني على ما رزقكم. {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} هذا كلام مستأنف، أي هذه بلدة طيبة أي كثيرة الثمار.
وقيل: غير سبخة.
وقيل: طيبة ليس فيها هوام لطيب هوائها. قال مجاهد: هي صنعاء. {وَرَبٌّ غَفُورٌ} أي والمنعم بها عليكم رب غفور يستر ذنوبكم، فجمع لهم بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم ولم يجمع ذلك لجميع خلقه.
وقيل: إنما ذكر المغفرة مشيرا إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام. وقد مضى القول في هذا في أول البقرة.
وقيل: إنما امتن عليهم بعفوه عن عذاب الاستئصال بتكذيب من كذبوه من سالف الأنبياء إلى أن استداموا الإصرار فاستؤصلوا.