فصل: تفسير الآيات (38- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (38- 44):

{وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44)}
قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ} هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون، أي اقتدوا بي في الدين. {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ} أي طريق الهدى وهو الجنة. وقيل من قول موسى. وقرأ معاذ بن جبل {الرَّشادِ} بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية، لأنه إنما يقال أرشد يرشد ولا يكون فعال من أفعل إنما يكون من الثلاثي، فإن أردت التكثير من الرباعي قلت: مفعال. قال النحاس: يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه، ولكن كما يقال لآئل من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريا عليه. ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد، كما قال:
كليني لهم يا أميمة ناصب

الزمخشري: وقرئ: {الرشاد} فعال من رشد بالكسر كعلام أو من رشد بالفتح كعباد.
وقيل: من أرشد كجبار من أجبر وليس بذاك، لأن فعالا من أفعل لم يجئ إلا في عدة أحرف، نحو دراك وسار وقصار وجبار. ولا يصح القياس على هذا القليل. ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعواج وبتات غير منظور فيه إلى فعل. ووقع في المصحف {اتبعون}
بغير ياء. وقرأها يعقوب وابن كثير بالإثبات في الوصل والوقف. وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقف وأثبتوها في الوصل، إلا ورشا حذفها في الحالين، وكذلك الباقون، لأنها وقعت في المصحف بغير ياء ومن أثبتها فعلى الأصل. قوله تعالى: {يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ} أي يتمتع بها قليلا ثم تنقطع وتزول. {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ} أي الاستقرار والخلود. ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان. بين ذلك بقوله: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً} يعني الشرك {فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها} وهو العذاب. {وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً} قال ابن عباس: يعني لا إله إلا الله. {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مصدق بقلبه لله وللأنبياء. {فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وهي قراءة ابن كثير وابن محيصن وأبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم، يدل عليه {يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ} الباقون {يدخلون} بفتح الياء. قوله تعالى: {وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ} أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} بين أن ما قال فرعون من قوله: {وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ} [غافر: 29] سبيل الغي عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه، ولهذا قال: {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} وهو فرعون {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}. {لا جَرَمَ} تقدم الكلام فيه ومعناه حقا. {أن ما تدعونني إليه} {ما} بمعنى الذي {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} قال الزجاج: ليس له استجابة دعوة تنفع، وقال غيره: ليس له دعوة توجب له الألوهية {فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ}.
وقال الكلبي: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة. وكان فرعون أولا يدعو الناس الى عبادة الأصنام، ثم دعاهم الى عبادة البقر، فكانت تعبد ما كانت شابة، فإذا هرمت أمر بذبحها، ثم دعا بأخرى لتعبد، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى. {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ} قال قتادة وابن سيرين: يعني المشركين.
وقال مجاهد والشعبي: هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقها.
وقال عكرمة: الجبارون والمتكبرون.
وقيل: هم الذين تعدوا حدود الله. وهذا جامع لما ذكر. و{أن} في المواضع في موضع نصب بإسقاط حرف الجر. وعلى ما حكاه سيبويه عن الخليل من أن {لا جَرَمَ} رد لكلام يجوز أن يكون موضع {أن} رفعا على تقدير وجب أن ما تدعونني إليه، كأنه قال وجب بطلان ما تدعونني إليه، والمرد الى الله، وكون المسفرين هم أصحاب النار. قوله تعالى: {فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ} تهديد ووعيد. و{ما} يجوز أن تكون بمعنى الذي أي الذي أقوله لكم. ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حل بكم العذاب. {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه.
وقيل: هذا يدل على أنهم أرادوا قتله.
وقال مقاتل: هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه. وقد قيل: القائل موسى. والأظهر أنه مؤمن آل فرعون، وهو قول ابن عباس.

.تفسير الآيات (45- 46):

{فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46)}
قوله تعالى: {فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا} أي من إلحاق أنواع العذاب به فطلبوه فما وجدوه لأنه فوض أمره الى الله. قال قتادة: كان قبطيا فنجاه الله مع بنى إسرائيل. فالهاء على هذا لمؤمن آل فرعون.
وقيل: إنها لموسى على ما تقدم من الخلاف. {وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ} قال الكسائي: يقال حاق يحيق حيقا وحيوقا إذ نزل ولزم. ثم بين العذاب فقال: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها} وفيه ستة أوجه: يكون رفعا على البدل من {سوء}. ويجوز أن يكون بمعنى هو النار. ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء.
وقال الفراء: يكون مرفوعا بالعائد على معنى النار عليها يعرضون، فهذه أربعة أوجه في الرفع، وأجاز الفراء النصب، لأن بعدها عائدا وقبلها ما يتصل به، وأجاز الأخفش الخفض على البدل من {الْعَذابِ}. والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ. احتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ما دامت الدنيا. كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ}.
وفي الحديث عن ابن مسعود: أن أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار تعرض على النار بالغداة والعشي فيقال هذه داركم. وعنه أيضا: إن أرواحهم في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح كل يوم مرتين فذلك عرضها.
وروى شعبة عن يعلى بن عطاء قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي: أصبحنا والحمد لله وعرض آل فرعون على النار. فإذا أمسى نادى: أمسينا والحمد لله وعرض آل فرعون على النار، فلا يسمع أبا هريرة أحد إلا تعوذ بالله من النار.
وفي حديث صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن الكافر إذا مات عرض على النار بالغداة والعشي ثم تلا: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} وإن المؤمن إذا مات عرض روحه على الجنة بالغداة والعشي» وخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة». قال الفراء: في الغداة والعشي بمقادير دلك في الدنيا. وهو قول مجاهد. قال: {غُدُوًّا وَعَشِيًّا} قال: من أيام الدنيا.
وقال حماد بن محمد الفزاري: قال رجل للأوزاعي رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب، بيضا صغارا فوجا فوجا لا يعلم عددها إلا الله، فإذا كان العشاء رجعت مثلها سودا. قال: تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون، يعرضون على النار غدوا وعشيا، فترجع إلى أوكارها وقد احترقت رياشها وصارت سودا، فينبت عليها من الليل رياشها بيضا وتتناثر السود، ثم تغدو فتعرض على النار غدوا وعشيا، ثم ترجع إلى وكرها فذلك دأبها ما كانت في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} وهو الهاوية. قال الأوزاعي: فبلغنا أنهم ألفا ألف وستمائة ألف. و{غدوا} مصدر جعل ظرفا على السعة. {وعشيا} عطف عليه وتم الكلام. ثم تبتدى و{يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} على أن تنصب يوما بقوله: {أَدْخِلُوا} ويجوز أن يكون منصوبا ب {يُعْرَضُونَ} على معنى {يعرضون} على النار في الدنيا {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} فلا يوقف عليه. وقرأ نافع واهل المدينة وحمزة والكسائي: {أدخلوا} بقطع الألف وكسر الخاء من أدخل وهي اختيار أبي عبيد، أي يأمر الملائكة أن يدخلوهم، ودليله {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها}. الباقون {أَدْخِلُوا} بوصل الألف وضم الخاء من دخل أي يقال لهم: {أَدْخِلُوا} يا {آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} وهو اختيار أبي حاتم. قال: في القراءة الأولى: {آل} مفعول أول و{أشد} مفعول ثان بحذف الجر، وفي القراءة الثانية منصوب، لأنه نداء مضاف. وآل فرعون: من كان على دينه وعلى مذهبه، وإذا كان من كان على دينه ومذهبه في أشد العذاب كان هو أقرب إلى ذلك.
وروى ابن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن العبد يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا منهم يحيى بن زكريا ولد مؤمنا وحيي مؤمنا ومات مؤمنا وإن العبد يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا منهم فرعون ولد كافرا وحيي كافرا ومات كافرا» ذكره النحاس. وجعل الفراء في الآية تقديما وتأخيرا مجازه: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ}. {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} فجعل العرض في الآخرة، وهو خلاف ما ذهب إليه الجمهور من انتظام الكلام على سياقه على ما تقدم. والله أعلم.

.تفسير الآيات (47- 50):

{وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50)}
قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ} أي يختصمون فيها {فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} عن الانقياد للأنبياء {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً} فيما دعوتمونا إليه من الشرك في الدنيا {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ} أي متحملون {عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ} أي جزاء من العذاب. والتبع يكون واحدا ويكون جمعا في قول البصريين واحده تابع.
وقال أهل الكوفة: هو جمع لا واحد له كالمصدر فلذلك لم يجمع ولو جمع لقيل أتباع. {قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها} أي في جهنم. قال الأخفش: {كل} مرفوع بالابتداء. الكسائي والفراء {إنا كلا فيها} بالنصب على النعت والتأكيد للمضمر في {إِنَّا} وكذلك قرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر والكوفيون يسمون التأكيد نعتا. ومنع ذلك سيبويه، قال: لأن {كلا} لا تنعت ولا ينعت بها. ولا يجوز البدل فيه لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره، وقال معناه المبرد قال: لا يجوز أن يبدل من المضمر هنا، لأنه مخاطب ولا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب، لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما، هذا نص كلامه. {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ} أي لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره، فكل منا كافر. قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ} من الأمم الكافرة. ومن العرب من يقول اللذون على أنه جمع مسلم معرب، ومن قال: {الَّذِينَ} في الرفع بناه كما كان في الواحد مبنيا.
وقال الأخفش: ضمت النون إلى الذي فأشبه خمسة عشر فبني على الفتح. {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} خزنة جمع خازن ويقال: خزان وخزن. {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ} {يخفف} جواب مجزوم وإن كان بالفاء كان منصوبا، إلا أن الأكثر في كلام العرب في جواب الأمر وما أشبهه أن يكون بغير فاء وعلى هذا جاء القرآن بأفصح اللغات كما قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل قال محمد بن كعب القرظي: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، فقال الله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ} فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب فردت عليهم {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} الخبر بطوله وفي الحديث عن أبى الدرداء خرجه الترمذي وغيره قال: يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع، فيأكلونه لا يغنى عنهم شيئا فستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيغصون به، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثون بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة يقولون: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ} فيجيبوهم {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} أي خسار وتبار.