فصل: تفسير الآيات (58- 59):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (58- 59):

{فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}
قوله تعالى: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ} يعني القرآن، أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي يتعظون وينزجرون. ونظيره {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] فختم السورة بالحث على اتباع القرآن وإن لم يكن مذكورا، كما قال في مفتتح السورة: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} [الدخان: 3]، {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] على ما تقدم. {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت، حكاه النقاش.
وقيل: انتظر الفتح من ربك إنهم منتظرون بزعمهم قهرك.
وقيل: انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم فإنهم ينتظرون بك ريب الحدثان. والمعنى متقارب.
وقيل: ارتقب ما وعدتك من الثواب فإنهم كالمنتظرين لما وعدتهم من العقاب.
وقيل: ارتقب يوم القيامة فإنه يوم الفصل، وإن لم يعتقدوا وقوع القيامة، جعلوا كالمرتقبين لان عاقبتهم ذلك. والله تعالى أعلم.

.سورة الجاثية:

سورة الجاثية مكية كلها في قول الحسن وجابر وعكرمة. وقال ابن عباس وقتادة: إلا آية، هي: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14] نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكره الماوردي، وقال المهدوي والنحاس عن ابن عباس: إنها نزلت في عمر رضي الله عنه، شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة. فأراد أن يبطش به، فأنزل الله عز وجل {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14] ثم نسخت بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. فالسورة كلها مكية على هذا من غير خلاف. وهي سبع وثلاثون آية. وقيل ست.

.تفسير الآيات (1- 2):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}
قوله تعالى: {حم} مبتدأ و{تَنْزِيلُ} خبره.
وقال بعضهم: {حم} اسم السورة. و{تَنْزِيلُ الْكِتابِ} مبتدأ. وخبره {مِنَ اللَّهِ}. والكتاب القرآن. و{الْعَزِيزِ} المنيع. {الْحَكِيمِ} في فعله. وقد تقدم جميع هذا.

.تفسير الآيات (3- 5):

{إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)}
قوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي في خلقهما {لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وفي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ} يعني المطر. {فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} تقدم جميعه مستوفى في البقرة وغيرها. وقراءة العامة {وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ} {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ} بالرفع فيهما. وقرأ حمزة والكسائي بكسر التاء فيهما. ولا خلاف في الأول أنه بالنصب على اسم {إن} وخبرها {فِي السَّماواتِ}. ووجه الكسر في {آيات} الثاني العطف على ما عملت فيه، التقدير: وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات. فأما الثالث فقيل: إن وجه النصب فيه تكرير {آيات} لما طال الكلام، كما تقول: ضربت زيدا زيدا.
وقيل: إنه على الحمل على ما عملت فيه {إن} على تقدير حذف {في}، التقدير: وفي اختلاف الليل والنهار آيات. فحذفت {في} لتقدم ذكرها. وأنشد سيبويه في الحذف:
أكل امرئ تحسبين امرأ ** ونار توقد بالليل

نارا فحذف {كل} المضاف إلى نار المجرورة لتقدم ذكرها.
وقيل: هو من باب العطف على عاملين. ولم يجزه سيبويه، وأجازه الأخفش وجماعة من الكوفيين، فعطف {اختلاف} على قوله: {وفي خلقكم} ثم قال: {وتصريف الرياح آيات} فيحتاج إلى العطف على عاملين، والعطف على عاملين قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل، فلم تقو أن تنوب مناب عاملين مختلفين، إذ لو ناب مناب رافع وناصب لكان رافعا ناصبا في حال. وأما قراءة الرفع فحملا على موضع {إن} مع ما عملت فيه. وقد ألزم النحويون في ذلك أيضا العطف على عاملين، لأنه عطف على {واختلاف} على {وَفِي خَلْقِكُمْ}، وعطف {آياتٌ} على موضع {آياتٌ} الأول، ولكنه يقدر على تكرير {فِي}. ويجوز أن يرفع على القطع مما قبله فيرفع بالابتداء، وما قبله خبره، ويكون عطف جملة على جملة.
وحكى الفراء رفع {اختلاف} و{آياتٌ} جميعا، وجعل الاختلاف هو الآيات.

.تفسير الآية رقم (6):

{تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)}
قوله تعالى: {تِلْكَ آياتُ اللَّهِ} أي هذه آيات الله، أي حججه وبراهينه الدالة على وحدانيته وقدرته. {نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أي بالصدق الذي لا باطل ولا كذب فيه. وقرئ: {يتلوها} بالياء. {فبأي حديث بعد الله} وقيل بعد قرآنه {وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ} وقراءة العامة بالياء على الخبر. وقرأ ابن محيصن وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي {تؤمنون} بالتاء على الخطاب.

.تفسير الآيات (7- 8):

{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8)}
قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} {وَيْلٌ} واد في جهنم. توعد من ترك الاستدلال بآياته. والأفاك: الكذاب. والافك الكذب. {أثيم} أي مرتكب للإثم. والمراد فيما روي النضر بن الحارث. وعن ابن عباس أنه الحارث بن كلدة.
وحكى الثعلبي أنه أبو جهل وأصحابه. {يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ} يعني آيات القرآن. {ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً} أي يتمادى على كفره متعظما في نفسه عن الانقياد، مأخوذ من صر الصرة إذا شدها. قال معناه ابن عباس وغيره.
وقيل: أصله من إصرار الحمار على العانة، وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه. و{أن} من {كان} مخففة من الثقيلة، كأنه لم يسمعها، والضمير ضمير الشأن، كما في قوله:
كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم ومحل الجملة النصب، أي يصر مثل غير السامع. وقد تقدم في أول {لقمان} القول في معنى هذه الآية. وتقدم معنى {فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} في البقرة.

.تفسير الآيات (9- 10):

{وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10)}
قوله تعالى: {وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً} نحو قوله في الزقوم: إنه الزبد والتمر، وقوله في خزنة جهنم: إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي. {أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} مذل مخز. {مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي من وراء ما هم فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق جهنم.
وقال ابن عباس: {مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي أمامهم، نظيره {مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] أي من أمامه. قال:
أليس ورائي إن تراخت منيتي ** أدب مع الولدان أزحف كالنسر

{وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً} أي من المال والولد، نظيره {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [آل عمران: 10] أي من المال والولد. {وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ} يعني الأصنام. {وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} أي دائم مؤلم.

.تفسير الآية رقم (11):

{هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}
قوله تعالى: {هذا هُدىً} ابتداء وخبر، يعني القرآن.
وقال ابن عباس: يعني كل ما جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ} أي جحدوا دلائله.
{لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} الرجز العذاب، أي لهم عذاب من عذاب أليم، دليله قوله تعالى: {فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ} [البقرة: 59] أي عذابا.
وقيل: الرجز القذر مثل الرجس، وهو كقوله تعالى: {وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] أي لهم عذاب من تجرع الشراب القذر. وضم الراء من الرجز ابن محيصن حيث وقع. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحفص {اليم} بالرفع، على معنى لهم عذاب أليم من رجز. الباقون بالخفض نعتا للرجز.

.تفسير الآيات (12- 13):

{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)}
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ذكر كمال قدرته وتمام نعمته على عباده، وبين أنه خلق ما خلق لمنافعهم. {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} يعني أن ذلك فعله وخلقه وإحسان منه وإنعام. وقرأ ابن عباس والجحدري وغيرهما {جَمِيعاً مِنْهُ} بكسر الميم وتشديد النون وتنوين الهاء، منصوبا على المصدر. قال أبو عمرو: وكذلك سمعت مسلمة يقرؤها {منة} أي تفضلا وكرما. وعن مسلمة بن محارب أيضا {جميعا منه} على إضافة المن إلى هاء الكناية. وهو عند أبي حاتم خبر ابتداء محذوف، أي ذلك، أو هو منه. وقراءة الجماعة ظاهرة. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}

.تفسير الآية رقم (14):

{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)}
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} جزم على جواب {قل} تشبيها بالشرط والجزاء، كقولك: قم تصب خيرا.
وقيل: هو على حذف اللام.
وقيل: على معنى قل لهم اغفروا يغفروا، فهو جواب أمر محذوف دل الكلام عليه، قاله علي بن عيسى واختاره ابن العربي. ونزلت الآية بسبب أن رجلا من قريش شتم عمر بن الخطاب فهم أن يبطش به. قال ابن العربي: وهذا لم يصح. وذكر الواحدي والقشيري وغيرهما عن ابن عباس أن الآية نزلت في عمر مع عبد الله بن أبي في غزوة بني المصطلق، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي، وأبطأ عليه فقال: ما حبسك؟ قال: غلام عمر بن الخطاب قعد على فم البئر، فما ترك أحدا يستقي حتى ملا قرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرب أبي بكر، وملأ لمولاه. فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك. فبلغ عمر رضي الله عنه قوله، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله، فأنزل الله هذه الآية. هذه رواية عطاء عن ابن عباس.
وروى عنه ميمون بن مهران قال: لما نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: 245] قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج رب محمد! قال: فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «إن ربك يقول لك قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله». وأعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبه، فلما جاء قال: «يا عمر، ضع سيفك» قال: يا رسول الله، صدقت. أشهد إنك أرسلت بالحق. قال: «فإن ربك يقول قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله» قال: لا جرم! والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي. قلت: وما ذكره المهدوي والنحاس فهو رواية الضحاك عن ابن عباس، وهو قول القرظي والسدي، وعليه يتوجه النسخ في الآية. وعلى أن الآية نزلت بالمدينة أو في غزوة بني المصطلق فليست بمنسوخة. ومعنى {يَغْفِرُوا}: يعفوا ويتجاوزوا. ومعنى {لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}: أي لا يرجون ثوابه.
وقيل: أي لا يخافون بأس الله ونقمه.
وقيل: الرجاء بمعنى الخوف، كقوله: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً} [نوح: 13] أي لا تخافون له عظمة. والمعنى: لا تخشون مثل عذاب الأمم الخالية. والأيام يعبر بها عن الوقائع.
وقيل: لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه.
وقيل: المعنى لا يخافون البعث. {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} قراءة العامة {لِيَجْزِيَ} بالياء على معنى ليجزي الله. وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر {لنجزي} بالنون على التعظيم. وقرأ أبو جعفر والأعرج وشيبة {ليجزي} بياء مضمومة وفتح الزاي على الفعل المجهول، {قَوْماً} بالنصب. قال أبو عمرو: وهذا لحن ظاهر.
وقال الكسائي: معناه ليجزي الجزاء قوما، نظيره {وكذلك نجي المؤمنين} على قراءة ابن عامر وأبي بكر في سورة الأنبياء. قال الشاعر:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب ** لسب بذلك الجرو الكلابا

أي لسب السب.