فصل: تفسير الآية رقم (38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (38):

{ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)}
قوله تعالى: {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ} أي هأنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون {لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي في الجهاد وطريق الخير. {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أي على نفسه، أي يمنعها الأجر والثواب. {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} أي إنه ليس بمحتاج إلى أموالكم. {وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} إليها. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} أي أطوع لله منكم. روى الترمذي عن أبى هريرة قال: تلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} قالوا: ومن يستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على منكب سلمان ثم قال: «هذا وقومه. هذا وقومه» قال: حديث غريب في إسناده مقال. وقد روى عبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني أيضا هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال أناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان جنب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخذ سلمان، قال: «هذا وأصحابه والذي نفسي بيده لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس».
وقال الحسن: هم العجم.
وقال عكرمة: هم فارس والروم. قال المحاسبي: فلا أحد بعد العرب من جميع أجناس الأعاجم أحسن دينا، ولا كانت العلماء منهم إلا الفرس.
وقيل: إنهم اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد. وكذا قال ابن عباس: هم الأنصار. وعنه أنهم الملائكة. وعنه هم التابعون.
وقال مجاهد: إنهم من شاء من سائر الناس. {ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} قال الطبري: أي في البخل بالإنفاق في سبيل الله. وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: «هي أحب إلي من الدنيا». والله أعلم.

.سورة الفتح:

سورة الفتح مدنية بإجماع، وهي تسع وعشرون آية. ونزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن الحديبية. روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها. وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر، نزرت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك، فقال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلمت عليه، فقال: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}. لفظ البخاري. وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزلت {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً} إلى قوله: {فَوْزاً عَظِيماً} مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة، وقد نحر الهدي بالحديبية، فقال: لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا. وقال عطاء عن ابن عباس: إن اليهود شتموا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين لما نزل قوله تعالى: {وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] وقالوا: كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به! فاشتد ذلك على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ}. ونحوه قال مقاتل بن سليمان: لما نزل قوله تعالى: {وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] فرح المشركون والمنافقون وقالوا: كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به ولا بأصحابه، فنزلت بعد ما رجع من الحديبية: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} أي قضينا لك قضاء. فنسخت هذه الآية تلك. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لقد أنزلت علي سورة ما يسرني بها حمر النعم». وقال المسعودي: بلغني أنه من قرأ سورة الفتح في أول ليلة من رمضان في صلاة التطوع حفظه الله ذلك العام.

.تفسير الآية رقم (1):

{إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1)}
اختلف في هذا الفتح ما هو؟ ففي البخاري حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قال: الحديبية.
وقال جابر: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية.
وقال الفراء: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا نعد مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع عشرة مائة، والحديبية بئر.
وقال الضحاك: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} بغير قتال. وكان الصلح من الفتح.
وقال مجاهد: هو منحره بالحديبية وحلقه رأسه. وقال: كان فتح الحديبية آية عظيمة، نزح ماؤها فمج فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه.
وقال موسى بن عقبة: قال رجل عند منصرفهم من الحديبية: ما هذا بفتح، لقد صدونا عن البيت. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ويسألكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا».
وقال الشعبي في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قال: هو فتح الحديبية، لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس.
وقال الزهري: لقد كان الحديبية أعظم الفتوح، وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء إليها في ألف وأربعمائة، فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم في بعض وعلموا وسمعوا عن الله، فما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه، فما مضت تلك السنتان إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة في عشرة آلاف.
وقال مجاهد أيضا والعوفي: هو فتح خبير. والأول أكثر، وخيبر إنما كانت وعدا وعدوه، على ما يأتي بيانه في قوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ} [الفتح: 10] وقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ} [الفتح: 20].
وقال مجمع بن جارية- وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن-: شهدنا الحديبية مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما بال الناس؟ قالوا: أوحى الله إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فخرجنا نوجف فوجدنا نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند كراع الغميم، فلما اجتمع الناس قرأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} فقال عمر بن الخطاب: أوفتح هو يا رسول الله؟ قال: «نعم، والذي نفسي بيده إنه لفتح فقسمت خيبر على أهل الحديبية، لم يدخل أحد إلا من شهد الحديبية».
وقيل: إن قوله تعالى: {فَتْحاً} يدل على أن مكة فتحت عنوة، لأن اسم الفتح لا يقع مطلقا إلا على ما فتح عنوة. هذا هو حقيقة الاسم. وقد يقال: فتح البلد صلحا، فلا يفهم الصلح إلا بأن يقرن بالفتح، فصار الفتح في الصلح مجازا. والاخبار دالة على أنها فتحت عنوة، وقد مضى القول فيها، ويأتي.

.تفسير الآيات (2- 3):

{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3)}
قال ابن الأنباري: فَتْحاً مُبِيناً غير تام، لان قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ} متعلق بالفتح. كأنه قال: إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجمع الله لك مع الفتح المغفرة، فيجمع الله لك به ما تقر به عينك في الدنيا والآخرة.
وقال أبو حاتم السجستاني: هي لام القسم. وهذا خطأ، لان لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها، ولو جاز هذا لجاز: ليقوم زيد، بتأويل ليقومن زيد. الزمخشري: فإن قلت كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة؟ قلت: لم يجعل علة للمغفرة، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الاربعة، وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز. كأنه قال: يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل. ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب.
وفي الترمذي عن أنس قال: أنزلت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الأرض». ثم قرأها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم، فقالوا: هنيئا مريئا يا وسول الله، لقد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} حتى بلغ {فَوْزاً عَظِيماً} قال حديث حسن صحيح. وفية عن مجمع ابن جارية. واختلف أهل التأويل في معنى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} فقيل: {ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} قبل الرسالة. {وَما تَأَخَّرَ} بعدها، قاله مجاهد. ونحوه قال الطبري وسفيان الثوري، قال الطبري: هو راجع إلى قوله تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى قوله: {تَوَّاباً} [النصر: 3- 1]. {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} قبل الرسالة {وَما تَأَخَّرَ} إلى وقت نزول هذه الآية وقال سفيان الثوري: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} ما عملته في الجاهلية من قبل أن يوحى إليك. {وَما تَأَخَّرَ} كل شيء لم تعمله، وقاله الواحدي. وقد مضى الكلام في جريان الصغائر على الأنبياء في سورة البقرة، فهذا قول.
وقيل:
{ما تَقَدَّمَ} قبل الفتح. {وَما تَأَخَّرَ} بعد الفتح.
وقيل: {ما تَقَدَّمَ} قبل نزول هذه الآية. {وَما تَأَخَّرَ} بعدها.
وقال عطاء الخراساني: {ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} يعني من ذنب أبويك آدم وحواء. {وَما تَأَخَّرَ} من ذنوب أمتك.
وقيل: من ذنب أبيك إبراهيم. {وَما تَأَخَّرَ} من ذنوب النبيين.
وقيل: {ما تَقَدَّمَ} من ذنب يوم بدر. {وَما تَأَخَّرَ} من ذنب يوم حنين. وذلك أن الذنب المتقدم يوم بدر، أنه جعل يدعو ويقول: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا» وجعل يردد هذا القول دفعات، فأوحى الله إليه من أين تعلم أني لو أهلكت هذه العصابة لا أعبد أبدا، فكان هذا الذنب المتقدم. وأما الذنب المتأخر فيوم حنين، لما انهزم الناس قال لعمه العباس ولابن عمه أبي سفيان: «ناولاني كفا من حصباء الوادي فناولاه فأخذه بيده ورمى به في وجوه المشركين وقال: شاهت الوجوه. حم. لا ينصرون فانهزم القوم عن آخرهم، فلم يبق أحد إلا امتلأت عيناه رملا وحصباء. ثم نادى في أصحابه فرجعوا فقال لهم عند رجوعهم: لو لم ارمهم لم ينهزموا» فأنزل الله عز وجل: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} [الأنفال: 17] فكان هذا هو الذنب المتأخر.
وقال أبو علي الروذباري: يقول لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك. قوله تعالى: {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} قال ابن عباس: في الجنة.
وقيل: بالنبوة والحكمة.
وقيل: بفتح مكة والطائف وخيبر.
وقيل: بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر. {وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً} أي يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه. {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} أي غالبا منيعا لا يتبعه ذل.

.تفسير الآية رقم (4):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)}
{السكينة}: السكون والطمأنينة. قال ابن عباس: كل سكينة في القرآن هي الطمأنينة إلا التي في البقرة. وتقدم معنى زيادة الايمان في آل عمران.
وقال ابن عباس: بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوه فيها زادهم الصلاة، فلما صدقوه زادهم الزكاة، فلما صدقوه زادهم الصيام، فلما صدقوه زادهم الحج، ثم أكمل لهم دينهم، فذلك قوله: {لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ} أي تصديقا بشرائع الايمان مع تصديقهم بالايمان.
وقال الربيع بن أنس: خشية مع خشيتهم.
وقال الضحاك: يقينا مع يقينهم. {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} قال ابن عباس: يريد الملائكة والجن والشياطين والانس {وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً} بأحوال خلقه {حَكِيماً} فيما يريده.