فصل: تفسير الآيات (41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (41- 42):

{وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} يعني القبط و{النُّذُرُ} موسى وهرون. وقد يطلق لفظ الجمع على الاثنين. {كَذَّبُوا بِآياتِنا} معجزاتنا الدالة على توحيدنا ونبوة أنبيائنا، وهى العصا، واليد، والسنون، والطمسة، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
وقيل: {النُّذُرُ} الرسل، فقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى.
وقيل: {النُّذُرُ} الإنذار. {فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ} أي غالب في انتقامه {مُقْتَدِرٍ} أي قادر على ما أراد.

.تفسير الآيات (43- 46):

{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46)}
قوله تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ} خاطب العرب.
وقيل: أراد كفار أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل: استفهام، وهو استفهام إنكار ومعناه النفي، أي ليس كفاركم خيرا من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم. {أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ} أي في الكتب المنزلة على الأنبياء بالسلامة من العقوبة.
وقال ابن عباس: أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب. {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} أي جماعة لا تطاق لكثرة عددهم وقوتهم، ولم يقل منتصرين اتباعا لرءوس الآي، فرد الله عليهم فقال: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} أي جمع كفار مكة، وقد كان ذلك يوم بدر وغيره. وقراءة العامة {سَيُهْزَمُ} بالياء على ما لم يسم فاعله {الْجَمْعُ} بالرفع. وقرأ رويس عن يعقوب {وسنهزم} بالنون وكسر الزاي {الجمع} نصبا. {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} قراءة العامة بالياء على الخبر عنهم. وقرأ عيسى وابن إسحاق ورويس عن يعقوب {وتولون} بالتاء على الخطاب. و{الدُّبُرَ} اسم جنس كالدرهم والدينار فوحد والمراد الجمع لأجل رءوس الآي.
وقال مقاتل: ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال: نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه، فأنزل الله تعالى: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.
وقال سعيد بن جبير قال سعد بن أبي وقاص: لما نزل قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} كنت لا أدرى أي الجمع ينهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يثب في الدرع ويقول: اللهم إن قريشا جاءتك تحادك وتحاد رسولك بفخرها وخيلائها فأخنهم الغداة- ثم قال- {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فعرفت تأويلها. وهذا من معجزات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر. أخنى عليه الدهر: أي أتى عليه وأهلكه، ومنه قول النابغة:
أخنى عليه الذي أخنى على لبد

وأخنيت عليه: أفسدت. قال ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين، فالآية على هذا مكية. وفى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: لقد أنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ}. وعن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو في قبة له يوم بدر: «أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا» فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك، وهو في الدرع فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} يريد القيامة. {وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ} أي أدهى وأمر مما لحقهم يوم بدر. و{أَدْهى} من الداهية وهي الامر العظيم، يقال: دهاه أمر كذا أي أصابه دهوا ودهيا.
وقال ابن السكيت: دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها.

.تفسير الآيات (47- 49):

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49)}
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} أي في حيدة عن الحق و{سُعُرٍ} أي احتراق.
وقيل: جنون على ما تقدم في هذا لسورة. {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القدر فنزلت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} خرجه الترمذي أيضا وقال: حديث حسن صحيح.
وروى مسلم عن طاوس قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: كل شيء بقدر. قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس»- أو: «الكيس والعجز» وهذا إبطال لمذهب القدرية. {ذُوقُوا} أي يقال لهم ذوقوا، ومسها ما يجدون من الألم عند الوقوع فيها. و{سَقَرَ} اسم من أسماء جهنم لا ينصرف، لأنه اسم مؤنث معرفة، وكذا لظى وجهنم.
وقال عطاء: {سَقَرَ} الطبق السادس من جهنم.
وقال قطرب: {سَقَرَ} من سقرته الشمس وصقرته لوحته. ويوم مسمقر ومصمقر: شديد الحر.
الثانية: قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} قراءة العامة {كُلَّ} بالنصب. وقرأ أبو السمال {كل} بالرفع على الابتداء. ومن نصب فبإضمار فعل وهو اختيار الكوفيين، لان إن تطلب الفعل فهي به أولى، والنصب أدل على العموم في المخلوقات لله تعالى، لأنك لو حذفت {خَلَقْناهُ} المفسر وأظهرت الأول لصار إنا خلقنا كل شيء بقدر. ولا يصح كون خلقناه صفة لشيء، لان الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف، ولا تكون تفسيرا لما يعمل فيما قبله.
الثالثة: الذي عليه أهل السنة أن الله سبحانه قدر الأشياء، أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى وبقدرته وتوفيقه وإلهامه، سبحانه لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، كما نص عليه القرآن والسنة، لا كما قالت القدرية وغيرهم من أن الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا. قال أبو ذر رضي الله عنه: قدم وفد نجران على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا، فنزلت هذه الآيات إلى قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} فقالوا: يا محمد يكتب علينا الذنب ويعذبنا؟ فقال: «أنتم خصماء الله يوم القيامة».
الرابعة: روى أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن مجوس هذه الامة المكذبون بأقدار الله إن مرضوا فلا تعودهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم». خرجه ابن ماجه في سننه. وخرج أيضا عن ابن عباس وجابر قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صنفان من أمتي ليس لهم في الإسلام نصيب أهل الارجاء والقدر». وأسند النحاس: وحدثنا إبراهيم بن شريك الكوفي قال حدثنا عقبة بن مكرم الضبي قال حدثنا يونس بن بكير عن سعيد بن ميسرة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القدرية الذين يقولون الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني» وفي صحيح مسلم أن ابن عمر تبرأ منهم ولا يتبرأ إلا من كافر، ثم أكد هذا بقوله: والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. وهذا مثل قوله تعالى في المنافقين: {وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} وهذا واضح.
وقال أبو هريرة: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الايمان بالقدر يذهب الهم والحزن».

.تفسير الآيات (50- 55):

{وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}
قوله تعالى: {وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ} أي إلا مرة واحدة. {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} أي قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. واللمح النظر بالعجلة، يقال: لمح البرق ببصره.
وفي الصحاح: لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف، والاسم اللمحة، ولمح البرق والنجم لمحا أي لمع. قوله تعالى: {لَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ} أي أشباهكم في الكفر من الأمم الخالية.
وقيل: أتباعكم وأعوانكم. {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي من يتذكر. أي جميع ما فعلته الأمم قبلهم من خير أو شر كان مكتوبا عليهم، وهذا بيان قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ}. {فِي الزُّبُرِ} أي في اللوح المحفوظ.
وقيل: في كتب الحفظة.
وقيل: في أم الكتاب. {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} أي كل ذنب كبير وصغير مكتوب على عامله قبل أن يفعله ليجازى به، ومكتوب إذا فعله، سطر يسطر سطرا كتب، واستطر مثله. قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} لما وصف الكفار وصف المؤمنين أيضا. {وَنَهَرٍ} يعني أنهار الماء والخمر والعسل واللبن، قاله ابن جريج. ووحد لأنه رأس الآية، ثم الواحد قد ينبئ عن الجميع.
وقيل: في {نَهَرٍ} في ضياء وسعة، ومنه النهار لضيائه، ومنه أنهرت الجرح، قال الشاعر:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ** يرى قائم من دونها ما وراءها

وقرأ أبو مجلز وأبو نهيك والأعرج وطلحة بن مصرف وقتادة {ونهر} بضمتين كأنه جمع نهار لا ليل لهم، كسحاب وسحب. قال الفراء: أنشدني بعض العرب:
إن تلك ليليا فإني نهر ** متى أرى الصبح فلا أنتظر

أي صاحب النهار.
وقال آخر:
لولا الثريدان هلكنا بالضمر ** ثريد ليل وثريد بالنهر

{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} أي يقدر على ما يشاء. و{عِنْدَ} هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة. قال الصادق: مدح الله المكان الصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق. وقرأ عثمان البتي {في مقاعد صدق} بالجمع، والمقاعد مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها. قال عبد الله بن بريدة: إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى، فيقرءون القران على ربهم تبارك وتعالى، وقد جلس كل إنسان مجلسه الذي هو مجلسه، على منابر من الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بقدر أعمالهم، فلا تقر أعينهم بشيء قط كما تقر بذلك، ولم يسمعوا شيئا أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى منازلهم، قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد.
وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان: بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون: يا أولياء الله انطلقوا، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقول المؤمنون: إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا. فيقولون: فما بغيتكم؟ فيقولون: مقعد صدق عند مليك مقتدر. وقد روي هذا الخبر على الخصوص بهذا المعنى، ففي الخبر: أن طائفة من العقلاء بالله عز وجل تزفها الملائكة إلى الجنة والناس في الحساب، فيقولون للملائكة: إلى أين تحملوننا؟ فيقولون إلى الجنة. فيقولون: إنكم لتحملوننا إلى غير بغيتنا، فيقولون: وما بغيتكم؟ فيقولون: المقعد الصدق مع الحبيب كما أخبر {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} والله أعلم. تم تفسير سورة القمر والحمد لله.

.سورة الرحمن:

سورة الرحمن عز وجل مكية كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس: إلا آية منها هي قوله تعالى: {يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} الآية. وهي ست وسبعون آية. وقال ابن مسعود ومقاتل: هي مدنية كلها. والقول الأول أصح لما روى عروة بن الزبير قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن مسعود، وذلك أن الصحابة قالوا: ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال ابن مسعود: أنا، فقالوا: إنا نخشى عليك، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فأبى ثم قام عند المقام فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها، فتأملوا وقالوا: ما يقول ابن أم عبد؟ قالوا: هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه. وصح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام يصلي الصبح بنخلة، فقرأ سورة الرحمن ومر النفر من الجن فآمنوا به. وفي الترمذي عن جابر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلي آخرها فسكتوا، فقال: «لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد» قال: هذا حديث غريب. وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم. وروي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتل علي مما أنزل عليك، فقرأ عليه سورة الرحمن فقال: أعدها، فأعادها ثلاثا، فقال: والله إن له لطلاوة، وإن عليه لحلاوة، وأسفله لمغدق، وأعلاه مثمر، وما يقول هذا بشر، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وروي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لكل شي عروس وعروس القرآن سورة الرحمن».