فصل: تفسير الآية رقم (13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (13):

{فَكُّ رَقَبَةٍ (13)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} فكها: خلاصها من الأسر.
وقيل: من الرق.
وفي الحديث: «وفك الرقبة أن تعين في ثمنها». من حديث البراء، وقد تقدم في سورة براءة. والفك: هو حل القيد، والرق قيد. وسمي المرقوق رقبة، لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته. وسمي عنقها فكا كفك الأسير من الأسر. قال حسان:
كم من أسير فككناه بلا ثمن ** وجز ناصية كنا مواليها

وروى عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار» قال الماوردي: ويحتمل ثانيا أنه أراد فك رقبته وخلاص نفسه، باجتناب المعاصي، وفعل الطاعات، ولا يمتنع الخبر من هذا التأويل، وهو أشبه بالصواب.
الثانية: قوله تعالى: {رَقَبَةٍ} قال أصبغ: الرقبة الكافرة ذات الثمن أفضل في العتق من الرقبة المؤمنة القليلة الثمن، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سئل أي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها». ابن العربي: والمراد في هذا الحديث: من المسلمين، بدليل قوله عليه السلام: «من أعتق امرأ مسلما» و«من أعتق رقبة مؤمنة». وما ذكره أصبغ وهلة، وإنما نظر إلى تنقيص المال، والنظر إلى تجريد المعتق للعبادة، وتفريغه للتوحيد، أولى.
الثالثة: العتق والصدقة من أفضل الأعمال. وعن أبي حنيفة: أن العتق أفضل من الصدقة. وعند صاحبيه الصدقة أفضل. والآية أدل على قول أبي حنيفة، لتقديم العتق على الصدقة. وعن الشعبي في رجل عنده فضل نفقة: أيضعه في ذي قرابة أو يعتق رقبة؟ قال: الرقبة أفضل، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضوا من النار».

.تفسير الآيات (14- 16):

{أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16)}
قوله تعالى: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} أي مجاعة. والسغب: الجوع. والساغب الجائع. وقرأ الحسن أو إطعام في يوم ذا مسغبة بالألف في ذا- وأنشد أبو عبيدة:
فلو كنت جارا يا بن قيس بن عاصم ** لما بت شبعانا وجارك ساغبا

وإطعام الطعام فضيلة، وهو مع السغب الذي هو الجوع أفضل.
وقال النخعي في قوله تعالى: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} قال: في يوم عزيز فيه الطعام. وروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من موجبات الرحمة إطعام المسلم السغبان».
{يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ} أي قرابة. يقال: فلان ذو قرابتي وذو مقربتي. يعلمك أن الصدقة على القرابة أفضل منها على غير القرابة، كما أن الصدقة على اليتيم الذي لا كافل له أفضل من الصدقة على اليتيم الذي يجد من يكفله. واهل اللغة يقولون: سمي يتيما لضعفه. يقال: يتم الرجل يتما: إذا ضعف.
وذكروا أن اليتيم في الناس من قبل الأب.
وفي البهائم من قبل الأمهات. وقد مضى في سورة البقرة مستوفى، وقال بعض أهل اللغة: اليتيم الذي يموت أبواه.
وقال قيس بن الملوح:
إلى الله أشكو فقد ليلى كما شكا ** إلى الله فقد الوالدين يتيم

قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ} أي لا شيء له، حتى كأنه قد لصق بالتراب من الفقر، ليس له مأوى إلا التراب. قال ابن عباس: هو المطروح على الطريق، الذي لا بيت له. مجاهد: هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره.
وقال قتادة: إنه ذو العيال. عكرمة: المديون. أبو سنان: ذو الزمانة. ابن جبير: الذي ليس له أحد.
وروى عكرمة عن ابن عباس: ذو المتربة البعيد التربة، يعني الغريب البعيد عن وطنه.
وقال أبو حامد الخارزنجي: المتربة هنا: من التريب، وهي شدة الحال. يقال ترب: إذا افتقر. قال الهذلي:
وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا ** سفكنا دماء البدن في تربة الحال

وقرا ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {فك} بفتح الكاف، على الفعل الماضي. {رقبة} نصبا لكونها مفعولا أو أطعم بفتح الهمزة نصب الميم، من غير ألف، على الفعل الماضي أيضا، لقوله: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} فهذا أشكل بفك وأطعم. وقرأ الباقون: {فَكُّ} رفعا، على أنه مصدر فككت. {رَقَبَةٍ} خفض بالإضافة. {أَوْ إِطْعامٌ} بكسر الهمزة وألف ورفع الميم وتنوينها على المصدر أيضا. وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأنه تفسير لقوله تعالى: {وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ} ثم أخبره فقال: {فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ} المعنى: اقتحام العقبة: فك رقبة أو إطعام. ومن قرأ بالنصب فهو محمول على المعنى، أي ولا فك رقبة، ولا أطعم في يوم ذا مسغبة، فكيف يجاوز العقبة. وقرأ الحسن وأبو رجاء: {ذا مسغبة} بالنصب على أنه مفعول {إِطْعامٌ} أي يطعمون ذا مسغبة و{يَتِيماً} بدل منه. الباقون: {ذِي مَسْغَبَةٍ} فهو صفة ليَوْمٍ. ويجوز أن يكون قراءة النصب صفة لموضع الجار والمجرور لأن قوله: {فِي يَوْمٍ} ظرف منصوب الموضع، فيكون وصفا له على المعنى دون اللفظ.

.تفسير الآيات (17- 20):

{ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}
قوله تعالى: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} يعني: أنه لا يقتحم العقبة من فك رقبة، أو أطعم في يوم ذا مسغبة، حتى يكون من الذين آمنوا، أي صدقوا، فإن شرط قبول الطاعات الايمان بالله. فالإيمان بالله بعد الإنفاق لا ينفع، بل يجب أن تكون الطاعة مصحوبة بالايمان، قال الله تعالى في المنافقين: {وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54]. وقالت عائشة: يا رسول الله، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم الطعام، ويفك العاني، ويعتق الرقاب، ويحمل على إبله لله، فعل ينفعه ذلك شيئا؟ قال: «لا إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين».
وقيل: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أي فعل هذه الأشياء وهو مؤمن، ثم بقي على إيمانه حتى الوفاة، نظيره قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى} [طه: 82].
وقيل: المعنى ثم كان من الذين يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند الله تعالى.
وقيل: أتى بهذه القرب لوجه الله، ثم أمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد قال حكيم بن حزام بعد ما أسلم، يا رسول الله، إنا كنا نتحنث بأعمال في الجاهلية، فهل لنا منها شي؟ فقال عليه السلام: «أسلمت على ما أسلفت من الخير».
وقيل: إن ثُمَّ بمعنى الواو، أي وكان هذا المعتق الرقبة، والمطعم في المسغبة، من الذين آمنوا. {وَتَواصَوْا} أي أوصى بعضهم بعضا. {بِالصَّبْرِ} على طاعة الله، وعن معاصيه، وعلى ما أصابهم من البلاء والمصائب. {وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} بالرحمة على الخلق، فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين. {أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} أي الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، قال محمد بن كعب القرظي وغيره.
وقال يحيى بن سلام: لأنهم ميامين على أنفسهم. ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيمن.
وقيل: لان منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مهران. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا} أي بالقرآن. {هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ} أي يأخذون كتبهم بشمائلهم، قاله محمد بن كعب. يحيى بن سلام: لأنهم مشائيم على أنفسهم. ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيسر. ميمون: لان منزلتهم عن اليسار. قلت: ويجمع هذه الأقوال أن يقال: إن أصحاب الميمنة أصحاب الجنة، وأصحاب المشأمة أصحاب النار، قال الله تعالى: {وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وقال: وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ. فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} [الواقعة: 42- 41]. وما كان مثله. ومعنى {مُؤْصَدَةٌ} أي مطبقة مغلقة. قال:
تحن إلى أجبال مكة ناقتي ** ومن دونها أبواب صنعاء مؤصده

وقيل: مبهمة، لا يدري ما داخلها. واهل اللغة يقولون: أوصدت الباب وآصدته، أي أغلقته. فمن قال أوصدت، فالاسم الوصاد، ومن قال آصدته، فالاسم الإصاد. وقرأ أبو عمرو وحفص وحمزة ويعقوب والشيزري عن الكسائي: {مُؤْصَدَةٌ} بالهمز هنا، وفي الهمزة. الباقون بلا همز. وهما لغتان. وعن أبي بكر بن عياش قال: لنا إمام يهمز {مُؤْصَدَةٌ} فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته.

.سورة الشمس:

سورة الشمس مكية باتفاق، وهي خمس عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآية رقم (1):

{وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1)}
قال مجاهد: وَضُحاها أي ضوئها وإشراقها. وهو قسم ثان. وأضاف الضحى إلى الشمس، لأنه إنما يكون بارتفاع الشمس.
وقال قتادة: بهاؤها. السدي: حرها.
وروى الضحاك عن ابن عباس: {وَضُحاها} قال: جعل فيها الضوء وجعلها حارة.
وقال اليزيدي: هو انبساطها.
وقيل: ما ظهر بها من كل مخلوق، فيكون القسم بها وبمخلوقات الأرض كلها. حكاه الماوردي والضحى: مؤنثة. يقال: ارتفعت الضحا، وهي فوق الضحو. وقد تذكر. فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة. ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل، صرد ونغر. وهو ظرف غير متمكن مثل سحر. تقول: لقيته ضحا وضحا، إذا أردت به ضحا يومك لم تنونه.
وقال الفراء: الضحا هو النهار، كقول قتادة. والمعروف عند العرب أن الضحا: إذا طلعت الشمس وبعيد ذلك قليلا فإذا زاد فهو الضحاء بالمد. ومن قال: الضحا: النهار كله، فذلك لدوام نور الشمس، ومن قال: إنه نور الشمس أو حرها، فنور الشمس لا يكون إلا مع حر الشمس. وقد استدل من قال: إن الضحى حر الشمس بقوله تعالى: {وَلا تَضْحى} [طه: 119] أي لا يؤذيك الحر.
وقال المبرد: أصل الضحا من الضح، وهو نور الشمس، والألف مقلوبة من الحاء الثانية. تقول: ضحوة وضحوات، وضحوات وضحا، فالواو من ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية، والألف في ضحا مقلوبة عن الواو.
وقال أبو الهيثم: الضح: نقيض الظل، وهو نور الشمس على وجه الأرض، وأصله الضحا، فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء، فقلبوها ألفا.

.تفسير الآية رقم (2):

{وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2)}
أي تبعها: وذلك إذا سقطت ري الهلال. يقال: تلوت فلانا: إذا تبعته. قال قتادة: إنما ذلك ليلة الهلال، إذا سقطت الشمس ري الهلال.
وقال ابن زيد: إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر، تلاها القمر بالطلوع، وفي آخر الشهر يتلوها بالغروب. الفراء: تَلاها: أخذ منها، يذهب إلى أن القمر يأخذ من ضوء الشمس.
وقال قوم: {وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها} حين استوى واستدار، فكان مثلها في الضياء والنور، وقاله الزجاج.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (3)}
أي كشفها. فقال قوم: جلى الظلمة، وإن لم يجر لها ذكر، كما تقول: أضحت باردة، تريد أضحت غداتنا باردة. وهذا قول الفراء والكلبي وغيرهما وقال قوم: الضمير في جَلَّاها للشمس، والمعنى: أنه يبين بضوئه جرمها. ومنه قول قيس بن الخطيم:
تجلت لنا كالشمس تحت غمامة ** بدا حاجب منها وضنت بحاجب

وقيل: جلى ما في الأرض من حيوانها حتى ظهر، لاستتاره ليلا وانتشاره نهارا.
وقيل: جلى الدنيا.
وقيل: جلى الأرض، وإن لم يجر لها ذكر، ومثله قوله تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} [ص: 32] على ما تقدم آنفا.