فصل: سورة العصر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.سورة العصر:

تفسير سورة والعصر وهي مكية. وقال قتادة مدنية وروى عن ابن عباس. وهي ثلاث آيات.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآية رقم (1):

{وَالْعَصْرِ (1)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ} أي الدهر، قاله ابن عباس وغيره. فالعصر مثل الدهر، ومنه قول الشاعر:
سبيل الهوى وعر وبحر الهوى غمر ** ويوم الهوى شهر وشهر الهوى دهر

أي عصر أقسم الله به عز وجل، لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها، وما فيها من الدلالة على الصانع.
وقيل: العصر: الليل والنهار. قال حميد بن ثور:
ولن يلبث العصران يوم وليلة ** إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

والعصران أيضا: الغداة والعشي. قال:
وأمطله العصرين حتى يملني ** ويرضى بنصف الدين والأنف راغم

يقول: إذا جاءني أول النهار وعدته آخره.
وقيل: إنه العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها، قاله الحسن وقتادة. ومنه قول الشاعر:
تروح بنا يا عمرو قد قصر العصر ** وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر

وعن قتادة أيضا: هو آخر ساعة من ساعات النهار.
وقيل: هو قسم بصلاة العصر، وهي الوسطى، لأنها أفضل الصلوات، قاله مقاتل. يقال: أذن للعصر، أي لصلاة العصر. وصليت العصر، أي صلاة العصر.
وفي الخبر الصحيح: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». وقد مضى في سورة البقرة بيانه.
وقيل: هو قسم بعصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لفضله بتجديد النبوة فيه.
وقيل: معناه ورب العصر.
الثانية: قال مالك: من حلف ألا يكلم رجلا عصرا: لم يكلمه سنة. قال ابن العربي: إنما حمل مالك يمين الحالف ألا يكلم امرأ عصرا على السنة، لأنه أكثر ما قيل فيه، وذلك على أصله في تغليظ المعنى في الايمان.
وقال الشافعي: يبر بساعة، إلا أن تكون له نية، وبه أقول، إلا أن يكون الحالف عربيا، فيقال له: ما أردت؟ فإذا فسره بما يحتمله قبل منه، إلا أن يكون الأقل، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (2):

{إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)}
هذا جواب القسم. والمراد به الكافر، قاله ابن عباس في رواية أبي صالح.
وروى الضحاك عنه قال: يريد جماعة من المشركين: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود ابن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى، والأسود بن عبد يغوث.
وقيل: يعني بالإنسان جنس الناس. لَفِي خُسْرٍ: لفي غبن.
وقال الأخفش: هلكة. الفراء: عقوبة، ومنه قوله تعالى: {وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً} [الطلاق: 9]. ابن زيد: لفي شر.
وقيل: لفي نقص، المعنى متقارب. وروي عن سلام {والعصر} بكسر الصاد. وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى الثقفي {خسر} بضم السين.
وروى ذلك هارون عن أبي بكر عن عاصم. والوجه فيهما الاتباع. ويقال: خسر وخسر، مثل عسر وعسر. وكان علي يقرؤها وَالْعَصْرِ ونوائب الدهر، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. وإنه فيه إلى آخر الدهر.
وقال إبراهيم: إن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم، لفي نقص وضعف وتراجع، إلا المؤمنين، فإنهم تكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم، نظيره قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ} [التين: 5- 4]. قال: وقراءتنا: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} وإنه في آخر الدهر. والصحيح ما عليه الامة والمصاحف. وقد مضى الرد في مقدمة الكتاب على من خالف مصحف عثمان، وأن ذلك ليس بقرآن يتلى، فتأمله هناك.

.تفسير الآية رقم (3):

{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} استثناء من الإنسان، إذ هو بمعنى الناس على الصحيح. قوله تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} أي أدوا الفرائض المفترضة عليهم، وهم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبي بن كعب: قرأت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَصْرِ ثم قلت: ما تفسيرها يا نبي الله؟ قال: وَالْعَصْرِ قسم من الله، أقسم ربكم بآخر النهار: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ: أبو جهل إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا: أبو بكر، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ عمر. وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ عثمان وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ علي رضي الله عنهم أجمعين. وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفا عليه. ومعنى {وَتَواصَوْا} أي تحابوا، أوصى بعضهم بعضا، وحث بعضهم بعضا. {بِالْحَقِّ} أي بالتوحيد، كذا روى الضحاك عن ابن عباس. قال قتادة: بِالْحَقِّ أي القرآن.
وقال السدي: الحق هنا هو الله عز وجل. {وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} على طاعة الله عز وجل، والصبر عن معاصيه. وقد تقدم. والله أعلم.

.سورة الهمزة:

تفسير سورة الهمزة مكية بإجماع. وهي تسع آيات.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآية رقم (1):

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
قد تقدم القول في الويل في غير موضع، ومعناه الخزي والعذاب والهلكة.
وقيل: واد في جهنم. لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال ابن عباس: هم المشاءون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب، فعلى هذا هما بمعنى.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شرار عباد الله تعالى المشاءون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب». وعن ابن عباس أن الهمزة: القتات، واللمزة: العياب.
وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح: الهمزة: الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل، واللمزة: الذي يغتابه من خلفه إذا غاب، ومنه قول حسان:
همزتك فاختضعت بذل نفس ** بقافية تأجج كالشواظ

واختار هذا القول النحاس، قال: ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ} [التوبة: 58].
وقال مقاتل ضد هذا الكلام: إن الهمزة: الذي يغتاب بالغيبة، واللمزة: الذي يغتاب في الوجه.
وقال قتادة ومجاهد: الهمزة: الطعان في الناس، والهمزة: الطعان في أنسابهم.
وقال ابن زيد الهامز: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمزة: الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم.
وقال سفيان الثوري يهمز بلسانه، ويلمز بعينيه.
وقال ابن كيسان: الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ، واللمزة: الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه.
وقال مرة: هما سواء، وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب.
وقال زياد الأعجم:
تدلى بودي إذا لاقيتني كذبا ** وإن أغيب فأنت الهامز اللمزة

وقال آخر:
إذا لقيتك عن سخط تكاشرني ** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة

الشحط: العبد. والهمزة: اسم وضع للمبالغة في هذا المعنى، كما يقال: سخرة وضحكة: للذي يسخر ويضحك بالناس. وقرأ أبو جعفر محمد بن علي والأعرج {همزة لمزة} بسكون الميم فيهما. فإن صح ذلك عنهما، فهي في معنى المفعول، وهو الذي يتعرض للناس حتى يهمزوه ويضحكوا منه، ويحملهم على الاغتياب. وقرأ عبد الله بن مسعود وأبو وائل والنخعي والأعمش: {ويل للهمزة اللمزة}. واصل الهمز: الكسر، والعض على الشيء بعنف، ومنه همز الحرف. ويقال: همزت رأسه. وهمزت الجوز بكفي كسرته. وقيل لأعرابي: أتهمزون الفارة؟ فقال: إنما تهمزها الهرة. الذي في الصحاح: وقيل لأعرابي أتهمز الفارة؟ فقال السنور يهمزها. والأول قاله الثعلبي، وهو يدل على أن الهر يسمى الهمزة. قال العجاج:
ومن همزنا رأسه تهشما

وقيل: أصل الهمز واللمز: الدفع والضرب. لمزه يلمزه لمزا: إذا ضربه ودفعه. وكذلك همزه: أي دفعه وضربه. قال الراجز:
ومن همزنا عزه تبركعا ** على استه زوبعة أو زوبعا

البركعة: القيام على أربع. وبركعة فتبركع، أي صرعه فوقع على استه، قاله في الصحاح. والآية نزلت في الأخنس بن شريق، فيما روى الضحاك عن ابن عباس. وكان يلمز الناس ويعيبهم: مقبلين ومدبرين.
وقال ابن جريج: في الوليد بن المغيرة، وكان يغتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائه، ويقدح فيه في وجهه.
وقيل: نزلت في أبي بن خلف.
وقيل: في جميل ابن عامر الثقفي.
وقيل: إنها مرسلة على العموم من غير تخصيص، وهو قول الأكثرين. قال مجاهد: ليست بخاصة لاحد، بل لكل من كانت هذه صفته.
وقال الفراء: بجوز أن يذكر الشيء العام ويقصد به الخاص، قصد الواحد إذا قال: لا أزورك أبدا. فتقول: من لم يزرني فلست بزائره، يعني ذلك القائل.

.تفسير الآية رقم (2):

{الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (2)}
أي أعده- زعم- لنوائب الدهر، مثل كرم وأكرم.
وقيل: أحصى عدده، قاله السدي.
وقال الضحاك: أي أعد ماله لمن يرثه من أولاده.
وقيل: أي فاخر بعدده وكثرته. والمقصود الذم على إمساك المال عن سبيل الطاعة. كما قال: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} [ق: 25]، وقال: {وجَمَعَ فَأَوْعى} [المعارج: 18]. وقراءة الجماعة: {جَمَعَ} مخفف الميم. وشددها ابن عامر وحمزة والكسائي على التكثير. وأختاره أبو عبيد، لقوله: {وَعَدَّدَهُ}. وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية: {جَمَعَ} مخففا، {وعدده} مخففا أيضا، فأظهروا التضعيف، لان أصله عده وهو بعيد، لأنه وقع في المصحف بدالين. وقد جاء مثله في الشعر، لما أبرزوا التضعيف خففوه. قال:
مهلا أمامة قد جريت من خلقي ** إني أجود لأقوام وإن ضننوا

أراد: ضنوا وبخلوا، فأظهر التضعيف، لكن الشعر موضع ضرورة. قال المهدوي: من خفف {وعدده} فهو معطوف على المال، أي وجمع عدده فلا يكون فعلا على إظهار التضعيف، لان ذلك لا يستعمل إلا في الشعر.