فصل: تفسير الآية رقم (237):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (237):

{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى: اختلف الناس في هذه الآية، فقالت فرقة منها مالك وغيره: إنها مخرجة المطلقة بعد الفرض من حكم التمتع، إذ يتناولها قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ}.
وقال ابن المسيب: نسخت هذه الآية الآية التي في الأحزاب لان تلك تضمنت تمتيع كل من لم يدخل بها.
وقال قتادة: نسخت هذه الآية الآية التي قبلها.
قلت: قول سعد وقتادة فيه نظر، إذ شروط النسخ غير موجودة والجمع ممكن.
وقال ابن القاسم في المدونة: كان المتاع لكل مطلقة بقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} ولغير المدخول بها بالآية التي في سورة الأحزاب فاستثنى الله تعالى المفروض لها قبل الدخول بها بهذه الآية، وأثبت للمفروض لها نصف ما فرض فقط.
وقال فريق من العلماء منهم أبو ثور: المتعة لكل مطلقة عموما، وهذه الآية إنما بينت أن المفروض لها تأخذ نصف ما فرض لها، ولم يعن بالآية إسقاط متعتها، بل لها المتعة ونصف المفروض.
الثانية: قوله تعالى: {فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ} أي فالواجب نصف ما فرضتم، أي من المهر فالنصف للزوج والنصف للمرأة بإجماع. والنصف الجزء من اثنين، فيقال: نصف الماء القدح أي بلغ نصفه. ونصف الإزار الساق، وكل شيء بلغ نصف غيره فقد نصفه. وقرأ الجمهور {فَنِصْفُ} بالرفع. وقرأت فرقة {فنصف} بنصب الفاء، المعنى فادفعوا نصف. وقرأ علي بن أبى طالب وزيد بن ثابت {فَنِصْفُ} بضم النون في جميع القرآن وهى لغة. وكذلك روى الأصمعي قراءة عن أبى عمرو بن العلاء يقال: نصف ونصف ونصيف، لغات ثلاث في النصف، وفى الحديث: «لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» أي نصفه. والنصيف أيضا القناع.
الثالثة: إذا أصدقها ثم طلقها قبل الدخول ونما الصداق في يدها فقال مالك: كل عرض أصدقها أو عبد فنماؤهما لهما جميعا ونقصانه بينهما، وتواه عليهما جميعا ليس على المرأة منه شي. فإن أصدقها عينا ذهبا أو ورقا فاشترت به عبد اأو دارا أو أشترت به منه أو من غيره طيبا أو شوارا أو غير ذلك مما لها التصرف فيه لجهازها وصلاح شأنها في بقائها معه فذلك كله بمنزلة ما لو أصدقها إياه، ونماؤه ونقصانه بينهما. وإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا نصفه، وليس عليها أن تغرم له نصف ما قبضته منه، وإن اشترت به أو منه شيئا تختص به فعليها أن تغرم له نصف صداقها الذي قبضت منه، وكذلك لو اشترت من غيره عبدا أو دارا بالألف الذي أصدقها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الالف.
الرابعة: لا خلاف أن من دخل بزوجته ثم مات عنها وقد سمى لها أن لها ذلك المسمى كاملا والميراث، وعليها العدة. واختلفوا في الرجل يخلو بالمرأة ولم يجامعها حتى فارقها، فقال الكوفيون ومالك: عليه جميع المهر، وعليها العدة، لخبر ابن مسعود قال: قضى الخلفاء الراشدون فيمن أغلق بابا أو أرخى سترا أن لها الميراث وعليها العدة، وروى مرفوعا خرجه الدارقطني وسيأتي في النساء. والشافعي لا يوجب مهرا كاملا، ولا عدة إذا لم يكن دخول، لظاهر القرآن. قال شريح: لم أسمع الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه بابا ولا سترا، إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق، وهو مذهب ابن عباس. وسيأتي ما لعلمائنا في هذا في سورة النساء إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ}.
الخامسة: قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} الآية. {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} استثناء منقطع، لأن عفوهن عن النصف ليس من جنس أخذهن. و{يَعْفُونَ} معناه يتركن ويصفحن، ووزنه يفعلن. والمعنى إلا أن يتركن النصف الذي وجب لهن عند الزوج، ولم تسقط النون مع {أن}، لأن جمع المؤنث في المضارع على حالة واحدة في الرفع والنصب والجزم، فهي ضمير وليست بعلامة إعراب فلذلك لم تسقط، ولأنه لو سقطت النون لاشتبه بالمذكر. والعافيات في هذه الآية كل امرأة تملك أمر نفسها، فأذن الله سبحانه وتعالى لهن في إسقاطه بعد وجوبه، إذ جعله خالص حقهن، فيتصرفن فيه بالإمضاء والاسقاط كيف شئن، إذا ملكن أمر أنفسهن وكن بالغات عاقلات راشدات.
وقال ابن عباس وجماعة من الفقهاء والتابعين: ويجوز عفو البكر التي لا ولى لها، وحكاه سحنون في المدونة عن غير ابن القاسم بعد أن ذكر لابن القاسم أن وضعها نصف الصداق لا يجوز. وأما التي في حجر أب أو وصى فلا يجوز وضعها لنصف صداقها قولا واحدا، ولا خلاف فيه فيما أعلم.
السادسة: قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ} معطوف على الأول مبنى، وهذا معرب. وقرأ الحسن {أو يعفو} ساكنة الواو، كأنه استثقل الفتحة في الواو. واختلف الناس في المراد بقوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} فروى الدارقطني عن جبير ابن مطعم أنه تزوج امرأة من بنى نصر فطلقها قبل أن يدخل، بها فأرسل إليها بالصداق كاملا وقال: أنا أحق بالعفو منها، قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} وأنا أحق بالعفو منها. وتأول قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} يعني نفسه في كل حال قبل الطلاق وبعده، أي عقدة نكاحه، فلما أدخل اللام حذف الهاء كقوله: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى} أي مأواه. قال النابغة:
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ** من الجود والأحلام غير عوازب

أي أحلامهم. وكذلك قوله: {عُقْدَةُ النِّكاحِ} أي عقدة نكاحه.
وروى الدارقطني مرفوعا من حديث قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ولى عقدة النكاح الزوج». وأسند هذا عن على وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح. قال: وكذلك قال نافع بن جبير ومحمد بن كعب وطاوس ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير، زاد غيره ومجاهد والثوري، واختاره أبو حنيفة، وهو الصحيح من قول الشافعي، كلهم لا يرى سبيلا للولي على شيء من صداقها، للإجماع على أن الولي لو أبرأ الزوج من المهر قبل الطلاق لم يجز فكذلك بعده. وأجمعوا على أن الولي لا يملك أن يهب شيئا من مالها، والمهر مالها. وأجمعوا على أن من الأولياء من لا يجوز عفوهم وهم بنو العم وبنو الاخوة، فكذلك الأب، والله أعلم. ومنهم من قال هو الولي، أسنده الدارقطني أيضا عن ابن عباس قال: وهو قول إبراهيم وعلقمة والحسن، زاد غيره وعكرمة وطاوس وعطاء وأبى الزناد وزيد بن أسلم وربيعة ومحمد بن كعب وابن شهاب والأسود بن يزيد والشعبي وقتادة ومالك والشافعي في القديم. فيجوز للأب العفو عن نصف صداق ابنته البكر إذا طلقت، بلغت المحيض أم لم تبلغه. قال عيسى بن دينار: ولا ترجع بشيء منه على أبيها، والدليل على أن المراد الولي أن الله سبحانه وتعالى قال في أول الآية: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ} فذكر الأزواج وخاطبهم بهذا الخطاب، ثم قال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فذكر النسوان، {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} فهو ثالث فلا يرد إلى الزوج المتقدم إلا لو لم يكن لغيره وجود، وقد وجد وهو الولي فهو المراد. قال معناه مكي وذكره ابن العربي. وأيضا فإن الله تعالى قال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} ومعلوم أنه ليس كل امرأة تعفو، فإن الصغيرة والمحجور عليها لا عفو لهما، فبين الله القسمين فقال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} أي إن كن لذلك أهلا، {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} وهو الولي، لأن الامر فيه إليه. وكذلك روى ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن القاسم عن مالك أنه الأب في ابنته البكر والسيد في أمته. وإنما يجوز عفو الولي إذا كان من أهل السداد، ولا يجوز عفوه إذا كان سفيها. فإن قيل: لا نسلم أنه الولي بل هو الزوج، وهذا الاسم أولى به، لأنه أملك للعقد من الولي على ما تقدم. فالجواب- أنا لا نسلم أن الزوج أملك للعقد من الأب في ابنته البكر، بل أب البكر يملكه خاصة دون الزوج، لأن المعقود عليه هو بضع البكر، ولا يملك الزوج أن يعقد على ذلك بل الأب يملكه. وقد أجاز شريح عفو الأخ عن نصف المهر، وكذلك قال عكرمة: يجوز عفو الذي عقد عقدة النكاح بينهما، كان عما أو أبا أو أخا، وإن كرهت. وقرأ أبو نهيك والشعبي {أو يعفو} بإسكان الواو على التشبيه بالألف، ومثله قول الشاعر: فما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب السابعة: قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} ابتداء وخبر، والأصل تعفووا أسكنت الواو الأولى لثقل حركتها ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وهو خطاب للرجال والنساء في قوله ابن عباس فغلب الذكور، واللام بمعنى إلى، أي أقرب إلى التقوى. وقرأ الجمهور {تَعْفُوا} بالتاء باثنتين من فوق. وقرأ أبو نهيك والشعبي {وأن يعفوا} بالياء، وذلك راجع إلى الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.
قلت: ولم يقرأ {وأن تعفون} بالتاء فيكون للنساء. وقرأ الجمهور {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} بضم الواو، وكسرها يحيى بن يعمر. وقرأ على ومجاهد وأبو حيوة وابن أبى عبلة {ولا تناسوا الفضل} وهى قراءة متمكنة المعنى، لأنه موضع تناس لا نسيان إلا على التشبيه. قال مجاهد: الفضل إتمام الرجل الصداق كله، أو ترك المرأة النصف الذي لها.
الثامنة: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} خبر في ضمنه الوعد للمحسن والحرمان لغير المحسن، أي لا يخفى عليه عفوكم واستقضاؤكم.

.تفسير الآية رقم (238):

{حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {حافِظُوا} خطاب لجمع الامة، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها. والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه.
والوسطى تأنيث الأوسط. ووسط الشيء خيره وأعدله، ومنه قوله تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} وقد تقدم.
وقال أعرابي يمدح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم ** وأكرم الناس أما برة وأبا

ووسط فلان القوم يسطهم أي صار في وسطهم. وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في عموم الصلوات تشريفا لها، كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}، وقوله: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}. وقرأ أبو جعفر الواسطي {والصلاة الوسطى} بالنصب على الإغراء، أي وألزموا الصلاة الوسطى: وكذلك قرأ الحلواني. وقرأ قالون عن نافع {الوصطى} بالصاد لمجاورة الطاء لها، لأنهما من حيز واحد، وهما لغتان كالصراط ونحوه.
الثانية: واختلف الناس في تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال:
الأول- أنها الظهر، لأنها وسط النهار على الصحيح من القولين أن النهار أوله من طلوع الفجر كما تقدم، وإنما بدأنا بالظهر لأنها أول صلاة صليت في الإسلام. وممن قال إنها الوسطى زيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم. ومما يدل على أنها وسطى ما قالته عائشة وحفصة حين أملتا {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر} بالواو.
وروى أنها كانت أشق على المسلمين، لأنها كانت تجئ في الهاجرة وهم قد نفهتهم أعمالهم في أموالهم.
وروى أبو داود عن زيد قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى الظهر بالهاجرة ولم تكن تصلى صلاة أشد على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها، فنزلت: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
وروى مالك في موطئة وأبو داود الطيالسي في مسنده عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر، زاد الطيالسي: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصليها بالهجير.
الثاني- أنها العصر، لأن قبلها صلاتي نهار وبعدها صلاتي ليل. قال النحاس: وأجود من هذا الاحتجاج أن يكون إنما قيل لها وسطى لأنها بين صلاتين إحداهما أول ما فرض والأخرى الثانية مما فرض. وممن قال أنها وسطى علي بن أبى طالب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري، وهو اختيار أبى حنيفة وأصحابه، وقاله الشافعي وأكثر أهل الأثر، وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب واختاره ابن العربي في قبسه وابن عطية في تفسيره وقال: وعلى هذا القول الجمهور من الناس وبه أقول. واحتجوا بالأحاديث الواردة في هذا الباب خرجها مسلم وغيره، وأنصها حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الصلاة الوسطى صلاة العصر» خرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وقد أتينا زيادة على هذا في القبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
الثالث- أنها المغرب، قاله قبيصة بن أبى ذؤيب في جماعة. والحجة لهم أنها متوسطة في عدد الركعات ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها، وبعدها صلاتا جهر وقبلها صلاتا سر.
وروى من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب لم يحطها عن مسافر ولا مقيم فتح الله بها صلاة الليل وختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب وصلي بعدها ركعتين بنى الله له قصرا في الجنة ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر الله له ذنوب عشرين سنة- أو قال- أربعين سنة».
الرابع- صلاة العشاء الآخرة، لأنها بين صلاتين لا تقصران، وتجيء في وقت نوم ويستحب تأخيرها وذلك شاق فوقع التأكيد في المحافظة عليها.
الخامس- أنها الصبح، لأن قبلها صلاتي ليل يجهر فيهما وبعدها صلاتي نهار يسر فيهما، ولان وقتها يدخل والناس نيام، والقيام إليها شاق في زمن البرد لشدة البرد وفى زمن الصيف لقصر الليل. وممن قال أنها وسطى علي بن أبى طالب وعبد الله بن عباس، أخرجه الموطأ بلاغا، وأخرجه الترمذي عن ابن عمر وابن عباس تعليقا، وروى عن جابر بن عبد الله، وهو قول مالك وأصحابه وإليه ميل الشافعي فيما ذكر عنه القشيري. والصحيح عن على أنها العصر، وروى عنه ذلك من وجه معروف صحيح. وقد استدل من قال إنها الصبح بقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} يعني فيها، ولا صلاة مكتوبة فيها قنوت إلا الصبح. قال أبو رجاء: صلى بنا ابن عباس صلاة الغداة بالبصرة فقنت فيها قبل الركوع ورفع يديه فلما فرغ قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله تعالى أن نقوم فيها قانتين.
وقال أنس: قنت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الصبح بعد الركوع، وسيأتي حكم القنوت وما للعلماء فيه في آل عمران عند قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.
السادس- صلاة الجمعة، لأنها خصت بالجمع لها والخطبة فيها وجعلت عيدا، ذكره ابن حبيب ومكي.
وروى مسلم عن عبد الله أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلا يصلى بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم».
السابع- أنها الصبح والعصر معا. قاله الشيخ أبو بكر الأبهري، واحتج بقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث، رواه أبو هريرة.
وروى جرير بن عبد الله قال: كنا جلوسا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: «أما أنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها» يعني العصر والفجر: ثم قرأ جرير {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها}.
وروى عمارة بن رويبة قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها».
يعنى الفجر والعصر. وعنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «من صلى البردين دخل الجنة» كله ثابت في صحيح مسلم وغيره. وسميتا البردين لأنهما يفعلان في وقتى البرد.
الثامن- أنها العتمة والصبح. قال أبو الدرداء رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه: اسمعوا وبلغوا من خلفكم حافظوا على هاتين الصلاتين- يعني في جماعة- العشاء والصبح، ولو تعلمون ما فيهما لاتيتموهما ولو حبوا على مرافقكم وركبكم، قاله عمر وعثمان.
وروى الأئمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا»- وقال- «إنهما أشد الصلاة على المنافقين» وجعل لمصلى الصبح في جماعة قيام ليلة والعتمة نصف ليلة، ذكره مالك موقوفا على عثمان ورفعه مسلم، وخرجه أبو داود والترمذي عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة» وهذا خلاف ما رواه مالك ومسلم.
التاسع- أنها الصلوات الخمس بجملتها، قال معاذ بن جبل، لأن قوله تعالى: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ» يعم الفرض والنفل، ثم خص الفرض بالذكر.
العاشر- أنها غير معينة، قاله نافع عن ابن عمر، وقاله الربيع بن خثيم، فخبأها الله تعالى في الصلوات كما خبأ ليلة القدر في رمضان، وكما خبأ ساعة يوم الجمعة وساعات الليل المستجاب فيها الدعاء ليقوموا بالليل في الظلمات لمناجاة عالم الخفيات. ومما يدل على صحة أنها مبهمة غير معينة ما رواه مسلم في صحيحه في آخر الباب عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية: {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر} فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} فقال رجل: هي إذا صلاة العصر؟ قال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى، والله أعلم. فلزم من هذا أنها بعد أن عينت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التعيين، والله أعلم. وهذا اختيار مسلم، لأنه أتى به في آخر الباب، وقال به غير واحد من العلماء المتأخرين، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لتعارض الادلة وعدم الترجيح، فلم يبق إلا المحافظة على جميعها وأدائها في أوقاتها، والله أعلم.
الثالثة: وهذا الاختلاف في الصلاة الوسطى يدل على بطلان من أثبت وصلاة العصر المذكور في حديث أبى يونس مولى عائشة حين أمرته أن يكتب لها مصحفا قرآنا. قال علماؤنا: وإنما ذلك كالتفسير من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدل على ذلك حديث عمرو ابن رافع قال: أمرتني حفصة أن أكتب لها مصحفا، الحديث. وفيه: فأملت على {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}- وهى العصر- {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} وقالت: هكذا سمعتها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرءوها. فقولها: «وهى العصر» دليل على أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر الصلاة الوسطى من كلام الله تعالى بقوله هو: «وهي العصر».
وقد روى نافع عن حفصة: «وصلاة العصر»، كما روى عن عائشة وعن حفصة أيضا: «صلاة العصر» بغير واو.
وقال أبو بكر الأنباري: وهذا الخلاف في هذا اللفظ المزيد يدل على بطلانه وصحة ما في الامام مصحف جماعة المسلمين. وعليه حجة أخرى وهو أن من قال: والصلاة الوسطى وصلاة العصر جعل الصلاة الوسطى غير العصر، وفى هذا دفع لحديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي رواه عبد الله قال: شغل المشركون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى اصفرت الشمس فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «شغلونا عن الصلاة الوسطى ملا الله أجوافهم وقبورهم نارا» الحديث.
الرابعة: وفى قوله تعالى: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} دليل على أن الوتر ليس بواجب، لأن المسلمين اتفقوا على أعداد الصلوات المفروضات أنها تنقص عن سبعة وتزيد على ثلاثة، وليس بين الثلاثة والسبعة فرد إلا الخمسة، والأزواج لا وسط لها فثبت أنها خمسة. وفي حديث الإسراء: «هي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدى».
الخامسة: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} معناه في صلاتكم. واختلف الناس في معنى قوله: {قانِتِينَ} فقال الشعبي: طائعين، وقال جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير.
وقال الضحاك: كل قنوت في القرآن فإنما يعني به الطاعة. وقاله أبو سعيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإن أهل كل دين فهم اليوم يقومون عاصين، فقيل لهذه الامة فقوموا لله طائعين.
وقال مجاهد: معنى قانتين خاشعين. والقنوت طول الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح.
وقال الربيع: القنوت طول القيام، وقاله ابن عمر وقرأ {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً}.
وقال عليه السلام: «أفضل الصلاة طول القنوت» خرجه مسلم وغيره.
وقال الشاعر:
قانتا لله يدعو ربه ** وعلى عمد من الناس اعتزل

وقد تقدم.
وروى عن ابن عباس {قانِتِينَ} داعين.
وفي الحديث: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرا يدعو على رعل وذكوان. قال قوم: معناه دعا، وقال قوم: معناه طول قيامه.
وقال السدى: {قانِتِينَ} ساكتين، دليله أن الآية نزلت في المنع من الكلام في الصلاة وكان ذلك مباحا في صدر الإسلام، وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نسلم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال: {إن في الصلاة شغلا}.
وروى زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
وقيل: إن أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء. ومن حيث كان أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء جاز أن يسمى مديم الطاعة قانتا، وكذلك من أطال القيام والقراءة والدعاء في الصلاة، أو أطال الخشوع والسكوت، كل هؤلاء فاعلون للقنوت.
السادسة: قال أبو عمر: أجمع المسلمون طرا أن الكلام عامدا في الصلاة إذا كان المصلى يعلم أنه في صلاة، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته أنه يفسد الصلاة، إلا ما روى عن الأوزاعي أنه قال: من تكلم لإحياء نفس أو مثل ذلك من الأمور الجسام لم تفسد صلاته بذلك. وهو قول ضعيف في النظر، لقول الله عز وجل: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} وقال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} الحديث.
وقال ابن مسعود: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الله أحدث من أمره ألا تكلموا في الصلاة». وليس الحادث الجسيم الذي يجب له قطع الصلاة ومن أجله يمنع من الاستئناف، فمن قطع صلاته لما يراه من الفضل في إحياء نفس أو مال أو ما كان بسبيل ذلك أستأنف صلاته ولم يبن. هذا هو الصحيح في المسألة إن شاء الله تعالى.
السابعة: واختلفوا في الكلام ساهيا فيها، فذهب مالك والشافعي وأصحابهما إلى أن الكلام فيها ساهيا لا يفسدها، غير أن مالكا قال: لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان في شأنها وإصلاحها، وهو قول ربيعة وابن القاسم.
وروى سحنون عن ابن القاسم عن مالك قال: لو أن قوما صلى بهم الامام ركعتين وسلم ساهيا فسبحوا به فلم يفقه، فقال له رجل من خلفه ممن هو معه في الصلاة: إنك لم تتم فأتم صلاتك، فالتفت إلى القوم فقال: أحق ما يقول هذا؟ فقالوا: نعم، قال: يصلى بهم الامام ما بقي من صلاتهم ويصلون معه بقية صلاتهم من تكلم منهم ومن لم يتكلم، ولا شيء عليهم، ويفعلون في ذلك ما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم ذى اليدين. هذا قول ابن القاسم في كتابه المدونة وروايته عن مالك، وهو المشهور من مذهب مالك وإياه تقلد إسماعيل بن إسحاق واحتج له في كتاب رده على محمد بن الحسن. وذكر الحارث بن مسكين قال: أصحاب مالك كلهم على خلاف قول مالك في مسألة ذى اليدين إلا ابن القاسم وحده فإنه يقول فيها بقول مالك، وغيرهم يأبونه ويقولون: إنما كان هذا في صدر الإسلام، فأما الآن فقد عرف الناس صلاتهم فمن تكلم فيها أعادها، وهذا هو قول العراقيين: أبى حنيفة وأصحابه والثوري فإنهم ذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة يفسدها على أي حال كان سهوا أو عمدا لصلاة كان أو لغير ذلك، وهو قوله إبراهيم النخعي وعطاء والحسن وحماد بن أبى سليمان وقتادة. وزعم أصحاب أبى حنيفة أن حديث أبى هريرة هذا في قصة ذى اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم، قالوا: وإن كان أبو هريرة متأخر الإسلام فإنه أرسل حديث ذى اليدين كما أرسل حديث: «من أدركه الفجر جنبا فلا صوم له» قالوا: وكان كثير الإرسال. وذكر علي بن زياد قال حدثنا أبو قرة قال سمعت مالكا يقول: يستحب إذا تكلم الرجل في الصلاة أن يعود لها ولا يبنى. قال: وقال لنا مالك إنما تكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتكلم أصحابه معه يومئذ، لأنهم ظنوا أن الصلاة قصرت ولا يجوز ذلك لاحد اليوم. وقد روى سحنون عن ابن القاسم في رجل صلى وحده ففرغ عند نفسه من الأربع، فقال له رجل إلى جنبه: إنك لم تصل إلا ثلاثا، فالتفت إلى آخر فقال: أحق ما يقوله هذا؟ قال: نعم، قال: تفسد صلاته ولم يكن ينبغي له أن يكلمه ولا أن يلتفت إليه. قال أبو عمر: فكانوا يفرقون في هذه المسألة بين الامام مع الجماعة والمنفرد فيجيزون من الكلام في شأن الصلاة للإمام ومن معه ما لا يجيزونه للمنفرد، وكان غير هؤلاء يحملون جواب ابن القاسم في المنفرد في هذه المسألة وفى الامام ومن معه على اختلاف من قوله في استعمال حديث ذى اليدين كما اختلف قول مالك في ذلك.
وقال الشافعي وأصحابه: من تعمد الكلام وهو يعلم أنه لم يتم الصلاة وأنه فيها أفسد صلاته، فإن تكلم ساهيا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة لأنه قد أكملها عند نفسه فإنه يبنى. واختلف قول أحمد في هذه المسألة فذكر الأثرم عنه أنه قال: ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته، فإن تكلم لغير ذلك فسدت، وهذا هو قول مالك المشهور. وذكر الخرقي عنه أن مذهبه فيمن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته، إلا الامام خاصة فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل صلاته. واستثنى سحنون من أصحاب مالك أن من سلم من اثنتين في الرباعية فوقع الكلام هناك لم تبطل الصلاة، وإن وقع في غير ذلك بطلت الصلاة. والصحيح ما ذهب إليه مالك في المشهور تمسكا بالحديث وحملا له على الأصل الكلى من تعدى الأحكام وعموم الشريعة، ودفعا لما يتوهم من الخصوصية إذ لا دليل عليها. فإن قال قائل: فقد جرى الكلام في الصلاة والسهو أيضا وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» فلم لم يسبحوا؟ فقال: لعل في ذلك الوقت لم يكن أمرهم بذلك، ولين كان كما ذكرت فلم يسبحوا، لأنهم توهموا أن الصلاة قصرت، وقد جاء ذلك في الحديث قال: وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ فلما يكن بد من الكلام لأجل ذلك. والله أعلم. وقد قال بعض المخالفين: قول أبى هريرة صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتمل أن يكون مراده أنه صلى بالمسلمين وهو ليس منهم، كما روى عن النزال بن سبرة أنه قال قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إنا وإياكم كنا ندعى بنى عبد مناف وأنتم اليوم بنو عبد الله ونحن بنو عبد الله» وإنما عني به أنه قال لقومه وهذا بعيد، فإنه لا يجوز أن يقول صلى بنا وهو إذ ذاك كافر ليس من أهل الصلاة ويكون ذلك كذبا، وحديث النزال هو كان من جملة القوم وسمع من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سمع. وأما ما ادعته الحنفية من النسخ والإرسال فقد أجاب عن قولهم علماؤنا وغيرهم وأبطلوه، وخاصة الحافظ أبا عمر ابن عبد البر في كتابه المسمى بالتمهيد وذكر أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، وقدم المدينة في ذلك العام، وصحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة أعوام، وشهد قصة ذى اليدين وحضرها، وأنها لم تكن قبل بدر كما زعموا، وأن ذا اليدين قتل في بدر. قال: وحضور أبى هريرة يوم ذى اليدين محفوظ من رواية الحفاظ الثقات، وليس تقصير من قصر عن ذلك بحجة على من علم ذلك وحفظه وذكره.
الثامنة: القنوت: القيام، وهو أحد أقسامه فيما ذكر أبو بكر بن الأنباري، وأجمعت الامة على أن القيام في صلاة الفرض واجب على كل صحيح قادر عليه، منفردا كان أو إماما.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما» الحديث، أخرجه الأئمة، وهو بيان لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ}. واختلفوا في المأموم الصحيح يصلى قاعدا خلف إمام مريض لا يستطيع القيام، فأجازت ذلك طائفة من أهل العلم بل جمهورهم، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الامام: «وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون» وهذا هو الصحيح في المسألة على ما نبينه آنفا إن شاء الله تعالى. وقد أجاز طائفة من العلماء صلاة القائم خلف الامام المريض لان كلا يؤدى فرضه على قدر طاقته تأسيا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ صلى في مرضه الذي توفى فيه قاعدا وأبو بكر إلى جنبه قائما يصلى بصلاته والناس قيام خلفه، ولم يشر إلى أبى بكر ولا إليهم بالجلوس، وأكمل صلاته بهم جالسا وهم قيام، ومعلوم أن ذلك كان منه بعد سقوطه عن فرسه، فعلم أن الآخر من فعله ناسخ للأول. قال أبو عمر: وممن ذهب إلى هذا المذهب واحتج بهذه الحجة الشافعي وداود بن على، وهى رواية الوليد بن مسلم عن مالك قال: وأحب إلي أن يقوم إلى جنبه ممن يعلم الناس بصلاته، وهذه الرواية غريبة عن مالك.
وقال بهذا جماعة من أهل المدينة وغيرهم وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لأنها آخر صلاة صلاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمشهور عن مالك أنه لا يؤم القيام أحد جالسا، فإن أمهم قاعدا بطلت صلاته وصلاتهم، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «لا يؤمن أحد بعدي قاعدا». قال: «فإن كان الامام عليلا تمت صلاة الامام وفسدت صلاة من خلفه». قال: «ومن صلى قاعدا من غير علة أعاد الصلاة»، هذه رواية أبى مصعب في مختصره عن مالك، وعليها فيجب على من صلى قاعدا الإعادة في الوقت وبعده. وقد روى عن مالك في هذا أنهم يعيدون في الوقت خاصة، وقول محمد بن الحسن في هذا مثل قول مالك المشهور. واحتج لقوله ومذهبه بالحديث الذي ذكره أبو مصعب، أخرجه الدارقطني عن جابر عن الشعبي قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا يؤمن أحد بعدي جالسا». قال الدارقطني: لم يروه غير جابر الجعفي عن الشعبي وهو متروك الحديث، مرسل لا تقوم به حجة. قال أبو عمر: جابر الجعفي لا يحتج بشيء يرويه مسندا فكيف بما يرويه مرسلا؟ قال محمد بن الحسن: إذا صلى الامام المريض جالسا بقوم أصحاء ومرضى جلوسا فصلاته وصلاة من خلفه ممن لا يستطيع القيام صحيحة جائزة، وصلاة من صلى خلفه ممن حكمه القيام باطلة.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: صلاته وصلاتهم جائزة. وقالوا: لو صلى وهو يومئ بقوم وهم يركعون ويسجدون لم تجزهم في قولهم جميعا وأجزأت الامام صلاته. وكان زفر يقول: تجزيهم صلاتهم، لأنهم صلوا على فرضهم وصلي إمامهم على فرضه، كما قال الشافعي.
قلت: أما ما ذكره أبو عمر وغيره من العلماء قبله وبعده من أنها آخر صلاة صلاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد رأيت لغيرهم خلال ذلك ممن جمع طرق الأحاديث في هذا الباب، وتكلم عليها وذكر اختلاف الفقهاء في ذلك، ونحن نذكر ما ذكره ملخصا حتى يتبين لك الصواب إن شاء الله تعالى. وصحة قول من قال إن صلاة المأموم الصحيح قاعدا خلف الامام المريض جائزة، فذكر أبو حاتم محمد بن حبان البستي في المسند الصحيح له عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في نفر من أصحابه فقال: «ألستم تعلمون أنى رسول الله إليكم؟» قالوا: بلى، نشهد أنك رسول الله! قال: «ألستم تعلمون أنه من أطاعني فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ومن طاعة الله طاعتي؟» قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعك فقد أطاع الله ومن طاعة الله طاعتك. قال: «فإن من طاعة الله أن تطيعوني ومن طاعتي أن تطيعوا أمراءكم فإن صلوا قعودا فصلوا قعودا». في طريقه عقبة بن أبى الصهباء وهو ثقة، قال يحيى بن معين. قال أبو حاتم: في هذا الخبر بيان واضح أن صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا من طاعة الله جل وعلا التي أمر الله بها عباده، وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته، لأن من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة أفتوا به: جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن قهد، ولم يرو عن أحد من الصحابة الذين شهدوا هبوط الوحى والتنزيل وأعيذوا من التحريف والتبديل خلاف لهؤلاء الاربعة، لا بإسناد متصل ولا منقطع، فكأن الصحابة أجمعوا على أن الامام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين أن يصلوا قعودا. وبه قال جابر بن زيد والأوزاعي ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة وابن أبى شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. وهذه السنة رواها عن المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنس بن مالك وعائشة وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبو أمامة الباهلي. وأول من أبطل في هذه الامة صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي واخذ عنه حماد بن أبى سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من بعده من أصحابه. وأعلى شيء احتجوا به فيه شيء رواه جابر الجعفي عن الشعبي قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا يؤمن أحد بعدي جالسا» وهذا لو صح إسناده لكان مرسلا، والمرسل من الخبر وما لم يرو سيان في الحكم عندنا، ثم إن أبا حنيفة يقول: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، وما أتيته بشيء قط من رأى إلا جاءني فيه بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينطق بها، فهذا أبو حنيفة يجرح جابرا الجعفي ويكذبه ضد قول من انتحل من أصحابه مذهبه. قال أبو حاتم: وأما صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه فجاءت الاخبار فيها مجملة ومختصرة، وبعضها مفصلة مبينة، ففي بعضها: فجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس إلى جنب أبى بكر فكان أبو بكر يأتم بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس يأتمون بأبى بكر. وفى بعضها: فجلس عن يسار أبى بكر وهذا مفسر. وفيه: فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بالناس قاعدا وأبو بكر قائما. قال أبو حاتم: وأما إجمال هذا الخبر فإن عائشة حكت هذه الصلاة إلى هذا الموضع، وآخر القصة عند جابر ابن عبد الله: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالقعود أيضا في هذه الصلاة كما أمرهم به عند سقوطه عن فرسه، أنبأنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال أنبأنا يزيد بن موهب قال حدثني الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر قال: اشتكى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، قال: فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا، فلما سلم قال: «كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا». قال أبو حاتم: ففي هذا الخبر المفسر بيان واضح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قعد عن يسار أبى بكر وتحول أبو بكر مأموما يقتدى بصلاته ويكبر يسمع الناس التكبير ليقتدوا بصلاته، أمرهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ بالقعود حين رآهم قياما، ولما فرغ من صلاته أمرهم أيضا بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدا. وقد شهد جابر بن عبد الله صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سقط عن فرسه فجحش شقه الأيمن، وكان سقوطه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ذى الحجة آخر سنة خمس من الهجرة، وشهد هذه الصلاة في علته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غير هذا التاريخ فأدى كل خبر بلفظه، ألا تراه يذكر في هذه الصلاة: رفع أبو بكر صوته بالتكبير ليقتدى به الناس، وتلك الصلاة التي صلاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته عند سقوطه عن فرسه، لم يحتج إلى أن يرفع صوته بالتكبير ليسمع الناس تكبيره على صغر حجرة عائشة، وإنما كان رفعه صوته بالتكبير في المسجد الأعظم الذي صلى فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علته، فلما صح ما وصفنا لم يجز أن نجعل بعض هذه الاخبار ناسخا لبعض، وهذه الصلاة كان خروجه إليها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين رجلين، وكان فيها إماما وصلي بهم قاعدا وأمرهم بالقعود. وأما الصلاة التي صلاها آخر عمره فكان خروجه إليها بين بريرة وثوبه، وكان فيها مأموما، وصلي قاعدا خلف أبى بكر في ثوب واحد متوشحا به. رواه أنس بن مالك قال: آخر صلاة صلاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع القوم في ثوب واحد متوشحا به قاعدا خلف أبى بكر، فصلى عليه السلام صلاتين في المسجد جماعة لا صلاة واحدة. وإن في خبر عبيد الله بنعبد الله عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج بين رجلين. يريد أحدهما العباس والآخر عليا. وفى خبر مسروق عن عائشة: ثم إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد من نفسه خفة فخرج بين بريرة وثوبه، إنى لأنظر إلى نعليه تخطان في الحصى وانظر إلى بطون قدميه، الحديث. فهذا يدلك على أنهما كانتا صلاتين لا صلاة واحدة. قال أبو حاتم: أخبرنا محمد ابن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا بدل بن المحبر قال حدثنا شعبة عن موسى بن أبى عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصف خلفه. قال أبو حاتم: خالف شعبة بن الحجاج زائدة بن قدامة في متن هذا الخبر عن موسى بن أبى عائشة فجعل شعبة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مأموما حيث صلى قاعدا والقوم قيام، وجعل زائدة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إماما حيث صلى قاعدا والقوم قيام، وهما متقنان حافظان. فكيف يجوز أن يجعل إحدى الروايتين اللتين تضادتا في الظاهر في فعل واحد ناسخا لأمر مطلق متقدم! فمن جعل أحد الخبرين ناسخا لما تقدم من أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترك الآخر من غير دليل ثبت له على صحته، سوغ لخصمه أخذ ما ترك من الخبرين وترك ما أخذ منهما. ونظير هذا النوع من السنن خبر ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكح ميمونة وهو محرم، وخبر أبى رافع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكحها وهما حلالان فتضاد الخبران في فعل واحد في الظاهر من غير أن يكون بينهما تضاد عندنا، فجعل جماعة من أصحاب الحديث الخبرين اللذين رويا في نكاح ميمونة متعارضين، وذهبوا إلى خبر عثمان بن عفان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا ينكح المحرم ولا ينكح» فأخذوا به، إذ هو يوافق إحدى الروايتين اللتين رويتا في نكاح ميمونة، وتركوا خبر ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكحها وهو محرم، فمن فعل هذا لزمه أن يقول: تضاد الخبران في صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علته على حسب ما ذكرناه قبل، فيجب أن يجئ إلى الخبر الذي فيه الامر بصلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا فيأخذ به، إذ هو يوافق إحدى الروايتين اللتين رويتا في صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علته ويترك الخبر المنفرد عنهما كما فعل ذلك في نكاح ميمونة. قال أبو حاتم: زعم بعض العراقيين ممن كان ينتحل مذهب الكوفيين أن قوله: «وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا»أراد به وإذا تشهد قاعدا فتشهدوا قعودا أجمعون فحرف الخبر عن عموم ما ورد الخبر فيه بغير دليل ثبت له على تأويله.