فصل: إعراب الآية رقم (40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجدول في إعراب القرآن



.إعراب الآية رقم (40):

{حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)}.
الإعراب:
(حتّى) حرف ابتداء (إذا) ظرف للزمن المستقبل فيه معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق ب (قلنا)، (جاء) فعل ماض (أمر) فاعل مرفوع و(نا) ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (فار التنور) مثل جاء أمرنا (قلنا) فعل ماض وفاعله (احمل) فعل أمر والفاعل أنت (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (احمل)، (من كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من زوجين- نعت تقدّم على المنعوت- (زوجين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء (اثنين) نعت لزوجين منصوب وعلامة النصب الياء فهو ملحق بالمثنى الواو عاطفة (أهل) معطوف على زوجين منصوب والكاف مضاف إليه (إلّا) حرف للاستثناء (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء (سبق.. القول) مثل جاء أمرنا (عليه) مثل فيها متعلّق ب (سبق)، الواو عاطفة (من آمن) مثل من سبق ومعطوف عليه الواو واو الحال (ما) نافية (آمن) مثل جاء (مع) ظرف منصوب متعلّق ب (آمن)، الهاء ضمير مضاف إليه (إلّا) أداة حصر (قليل) فاعل مرفوع.
جملة: (جاء أمرنا...) في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: (فار التنّور...) في محلّ جرّ معطوفة على جملة جاء أمرنا.
وجملة: (قلنا...) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: (احمل...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (سبق عليه القول) لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة: (آمن) لا محلّ لها صلة الموصول (من) الثاني.
وجملة: (آمن (الثانية) في محلّ نصب حال.
(فار) فيه إعلال بالقلب أصله فور بفتحتين قلبت الواو ألفا لمجيئها بعد فتح وزنه فعل.
الصرف:
(التّنور)، جاء في لسان العرب مادة (ت ن ر): (التنور: الذي يخبز فيه، يقال هو في جميع اللغات كذلك، وقال أحمد بن يحيى: التّنور تفعول من النار، قال ابن سيده: وهذا من الفساد بحيث تراه وإنّما هو أصل لم يستعمل إلّا في هذا الحرف وبالزيادة، وصاحبه تنّار. والتنور: وجه الأرض فارسيّ معرّب، وقيل هو بكلّ لغة) أهـ، فوزن تنّور فعّول لأن اشتقاقه من (تنر).

.إعراب الآية رقم (41):

{وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (قال) فعل ماض، والفاعل هو أي نوح بحسب الظاهر (اركبوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (فيها) كالسابقة متعلّق ب (اركبوا) بتضمينه معنى ادخلوا (باسم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (مجرى) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف و(ها) ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (مرساها) مثل مجراها ومعطوف عليه عليه (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (ربّ) اسم إنّ منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء والياء ضمير مضاف إليه اللام المزحلقة (غفور) خبر إنّ مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
جملة: (قال...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (اركبوا فيها...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (باسم اللّه مجراها...) في محلّ نصب حال من الضمير في (فيها).
وجملة: (إنّ ربّي لغفور...) لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
الصرف:
(باسم)، رسمت في المصحف بحذف همزة الوصل (بسم)، والقاعدة الإملائيّة بعدم الحذف لأن حذف همزة الوصل لا يتمّ إلّا في البسملة الكاملة (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، أمّا إذا قلت باسم اللّه آكل، أو باسم اللّه أركب فلا حذف.
(مجرى)، اسم زمان أو مكان من فعل جرى الثلاثيّ، ووزنه مفعل بفتح الميم والعين، وهو مصدر ميميّ من الفعل نفسه والوزن نفسه لأن الفعل معتلّ ناقص.
(مرسى)، اسم زمان أو مكان من فعل أرسى الرباعيّ، وزنه مفعل بضمّ الميم وفتح العين، أو هو مصدر ميميّ من الفعل نفسه، والوزن نفسه.

.إعراب الآية رقم (42):

{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (هي) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (تجري) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل هي الباء حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بحال من الفاعل (في موج) جارّ ومجرور حال ثانية من فاعل تجري (كالجبال) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لموج الواو عاطفة لا للترتيب (نادى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف (نوح) فاعل مرفوع (ابن) مفعول به منصوب والهاء مضاف إليه الواو اعتراضيّة، (كان) فعل ماض ناقص- ناسخ- واسمه ضمير مستتر تقديره هو (في معزل) جارّ ومجرور خبر كان (يا) أداة نداء (بنيّ) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة والياء المحذوفة تخفيفا ضمير مضاف إليه (اركب) فعل أمر، والفاعل أنت (معنا) مثل معه متعلّق ب (اركب)، الواو عاطفة (لا) ناهية جازمة (تكن) مضارع ناقص مجزوم، واسمه ضمير مستتر تقديره أنت (مع) مثل السابق متعلّق بخبر تكن (الكافرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
جملة: (هي تجري...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (تجري...) في محلّ رفع خبر المبتدأ هي.
وجملة: (نادى...) معطوفة على جملة هي تجري.
وجملة: (كان في معزل...) لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: (يا بنيّ...) في محلّ نصب مقول القول لقول محذوف أي نادى يقول يا بني.
وجملة: (اركب معنا...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (لا تكن مع الكافرين...) لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.
الصرف:
(معزل)، اسم مكان من عزل الثلاثيّ باب ضرب، وزنه مفعل بفتح الميم وكسر العين لأن عينه في المضارع مكسورة.
(بنيّ)، هو تصغير ابن، وأصله بثلاث ياءات، الأولى ياء التصغير والثانية لام الكلمة- أو عينها على الأصل- والثالثة ياء المتكلّم، ثمّ حذفت ياء المتكلّم تخفيفا وأدغمت ياء التصغير في لام الكلمة.

.إعراب الآية رقم (43):

{قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}.
الإعراب:
(قال) فعل ماض، والفاعل هو أي ابن نوح السين حرف استقبال (آوي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل أنا (إلى جبل) جارّ ومجرور متعلّق ب (آوي)، (يعصمني) مضارع مرفوع.. والنون للوقاية والياء مفعول به، والفاعل هو (من الماء) جارّ ومجرور متعلّق ب (يعصم)، (قال) مثل الأول، والفاعل هو أي نوح (لا) نافية للجنس (عاصم) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بحال من أمر اللّه، (من أمر) جارّ ومجرور متعلّق بخبر لا (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (إلّا) أداة استثناء (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء المتّصل أو المنقطع بحسب تأويل معنى عاصم، (رحم) فعل ماض، والفاعل هو أي اللّه الواو عاطفة (حال) فعل ماض (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (حال)، و(هما) ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه (الموج) فاعل مرفوع الفاء عاطفة (كان) ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من المغرقين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كان.
جملة: (قال...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (سآوي...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (يعصمني...) في محلّ جرّ نعت لجبل.
وجملة: (قال: (الثانية)...) لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: (لا عاصم.. من أمر اللّه...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (رحم...) لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة: (حال.. الموج...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (كان من المغرقين...) لا محلّ لها معطوفة على جملة حال.

.إعراب الآية رقم (44):

{وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (قيل) فعل ماض مبنيّ للمجهول (يا) أداة نداء (أرض) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (ابلعي) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والياء ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل (ماءك) مفعول به منصوب.. والكاف مضاف إليه الواو عاطفة (يا سماء أقلعي) مثل يا أرض ابلعي الواو عاطفة (غيض) مثل قيل، (الماء) نائب الفاعل مرفوع الواو عاطفة (قضي الأمر) مثل غيض الماء الواو عاطفة (استوت) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. والتاء للتأنيث، والفاعل هي أي السفينة (على الجوديّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (استوت)، الواو عاطفة (قيل) مثل الأول (بعدا) مفعول مطلق لفعل محذوف أي ابعدوا أو بعدوا على الدعاء (للقوم) جارّ ومجرور متعلّق بالمصدر (بعدا)، (الظالمين) نعت للقوم مجرور وعلامة الجرّ الياء.
جملة: (قيل...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (يا أرض...) في محلّ رفع نائب الفاعل.
وجملة: (ابلعي...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (يا سماء...) في محلّ رفع معطوفة على جملة يا أرض.
وجملة: (أقلعي...) لا محلّ لها جواب النداء الثاني.
وجملة: (غيض الماء...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (قضي الأمر...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (استوت على الجوديّ) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (قيل (الثانية)...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (بعد) بعدا..) في محلّ رفع نائب الفاعل.
الصرف:
(غيض)، فيه عودة الألف إلى الياء وكسر فاء الكلمة.
لمناسبة الياء.
(استوت)، فيه إعلال بالحذف لالتقاء الساكنين، جاءت الألف ساكنة قبل تاء التأنيث فحذفت، وزنه افتعت.
(الجوديّ)، اسم جامد لجبل بعينه، ويقال: كلّ جبل يقال له جوديّ.
(بعدا)، مصدر سماعيّ لفعل بعد يبعد باب كرم وزنه فعل بضمّ فسكون.
البلاغة:
1- النظر في هذه الآية الكريمة من أربع جهات: من جهة علم البيان ومن جهة علم المعاني، وهما مرجعا البلاغة ومن جهة الفصاحة المعنوية ومن جهة الفصاحة اللفظية. أما النظر فيها من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بذلك من القرينة والترشيح والتعريض، فهو أنه عز سلطانه لما أراد أن يبني معنى: أردنا أن نردّ ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتدّ، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن نفيض الماء النازل من السماء ففاض، وأن نقضي أمر نوح عليه السلام وهو إنجاز ما كنا وعدناه من إغراق قومه فقضي، وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت وأبقينا الظّلمة غرقى بنى سبحانه الكلام على تشبيه المراد منه بالمأمور الذي لا يتأتّى منه- لكمال هيبته من الآمر- العصيان وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود تصويرا لاقتداره سبحانه العظيم، وأن هذه الأجرام العظيمة من السموات والأرض تابعة لإرادته تعالى إيجادا وإعداما لمشيئته فيها تغييرا وتبديلا كأنها عقلاء مميزون ثم بنى على مجموع التشبيهين نظم الكلام فقال جل وعلا: (قيل...) على سبيل المجاز عن الإرادة من باب ذكر المسبب وإرادة السبب، لأن الإرادة تكون سببا لوقوع القول في الجملة، وجعل قرينة هذا المجاز خطاب الجماد وهو (يا أرض...) (ويا سماء...)، وهذا الخطاب للأرض والسماء على سبيل الاستعارة للشبه المذكور، والظاهر أنه أراد أن هناك استعارة بالكناية حيث ذكر المشبه (أعني السماء والأرض المراد منهما حصول أمر) وأريد المشبه به (أعني المأمور الموصوف بأنه لا يتأتى منه العصيان ادعاء) بقرينة نسبة الخطاب إليه ودخول حرف النداء عليه- وهما من خواص المأمور المطيع- ويكون هذا تخييلا. ثم استعار لغور الماء في الأرض البلع الذي هو عمل الجذب في المطعوم للشبه بينهما وهو الذهاب إلى مقر خفي.
وفي الكشاف: جعل البلع مستعارا لنشف الأرض الماء وهو أولى، فإن النشف دال على جذب من أجزاء الأرض لما عليها كالبلع بالنسبة إلى الحيوان، ولأن النشف فعل الأرض والغور فعل الماء، مع الطباق بين الفعلين تعديا، ثم استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيها له بالغذاء لتقوى الأرض بالماء في الإنبات للزروع والأشجار تقوي الآكل بالطعام، وجعل قرينة الاستعارة لفظة (ابلعي...) لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء.
ثم قال جل وعلا: (ماءك...) بإضافة الماء إلى الأرض، على سبيل المجاز تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك، واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح، وحاصله أن هناك مجازا لغويا في الهيئة الإضافية الدالة على الاختصاص الملكي، ولهذا جعل الخطاب ترشيحا لهذه الاستعارة من حيث أن الخطاب يدل على صلوح الأرض للمالكية.
ثم اختار لاحتباس لمطر الإقلاع الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان من المطر أو الفعل، ففي (أقلعي...) استعارة باعتبار جوهره، وكذا باعتبار صيغته أيضا. وهي مبنية على تشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ، والخطاب فيه أيضا ترشيح لاستعارة النداء.
ثم قال سبحانه (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً...)
فلم يصرح جل وعلا بمن غاض الماء، ولا بمن قضى الأمر وسوى السفينة وقال بعدا. كما لم يصرح سبحانه بقائل (يا أَرْضُ...) (وَيا سَماءُ...) في صدر الآية، سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية، لأن تلك الأمور العظام لا تصدر إلا من ذي قدرة لا يكتنه، قهار لا يغالب فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون غيره جلت عظمته قائلا: (يا أَرْضُ...) و(يا سَماءُ...)، ولا غائضا ما غاض، ولا قاضيا مثل ذلك الأمر الهائل، أو أن يكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره.
ثم إنه تعالى ختم الكلام بالتعريض، تنبيها لسالكي مسلك أولئك القوم، في تكذيب الرسل عليهم السلام، ظلما لأنفسهم لا غير وإظهارا لمكان السخط ولجهة استحقاقهم إياه، وأن قيامة الطوفان، وتلك الصورة الهائلة، ما كانت إلا لظلمهم، كما يؤذن بذلك الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم، والوصف بالظلم مع تعليق الحكم به.
وأما النظر فيها من جهة علم المعاني، وهو النظر في فائدة كل كلمة فيها، وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها، فذلك أنه اختير (يا...) دون سائر أخواتها لكونها أكثر في الاستعمال، وأنها دالة على بعد المنادي الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة، وإبداء شأن العزة والجبروت. وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل، فذلك أنه قدم النداء على الأمر، فقيل: (يا أَرْضُ ابْلَعِي...) (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي...)
دون أن يقال: ابلعي يا أرض واقلعي يا سماء، جريا على مقتضى اللازم- فيمن كان مأمورا حقيقة- من تقديم التنبيه، ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادي، قصدا بذلك لمعنى الترشيح للاستعارة المكنية في الأرض والسماء، ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء، لكونها الأصل، نظرا إلى كون ابتداء الطوفان منها حيث فار تنورها أولا.
هذا كله نظرا في الآية من جانبي البلاغة، وقد ذكر ابن أبي الإصبع أن فيها عشرين ضربا من البديع مع أنها سبع عشرة لفظة، وذلك: المناسبة التامة في (ابلعي...) و(اقلعي...)، والاستعارة فيها، والطباق بين الأرض والسماء، والمجاز في (يا سَماءُ...) فإن الحقيقة يا مطر السماء، والإشارة في (وَغِيضَ الْماءُ...) فإنه عبر به عن معان كثيرة لأن الماء لا يفيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها فينقص ما على وجه الأرض، والإرداف في (وَاسْتَوَتْ...)، والتمثيل في (وَقُضِيَ الْأَمْرُ...)، والتعليل فإن غيض الماء علة للاستواء، وصحة التقسيم فإنه استوعب أقسام الماء حال نقصه، والاحتراس في الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق لعمومه شمل من لا يستحق الهلاك فإن عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق، وحسن النسق، وائتلاف اللفظ مع المعنى، والإيجاز فإنه سبحانه قص القصة مستوعبة بأخصر عبارة، والتسهيم لأن أول الآية يدل على آخرها، والتهذيب لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن، وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيء منه، والتمكين لأن الفاصلة مستقرة في محلها مطمئنة في مكانها والانسجام، وزاد الجلال السيوطي الاعتراض.
الفوائد:
1- الإعجاز البلاغيّ في القرآن:
لقد اشتملت هذه الآية على فنون من البلاغة تجاوزت خمسة وعشرين فنا، قد ذكرها علماء البلاغة مفصلة ولا مجال لعرضها، ولا يسع الإنسان إلا أن يخر ساجدا لعظمة اللّه عز وجل، وينحني أمام بيانه المعجز، مقرا بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. ويروى أن عالما كبيرا حاول أن ينتقد القرآن الكريم وذلك باكتشاف عيب بسيط فيه، واستمرت المحاولة شهورا، وكان له جماعه يترددون عليه ويسألونه ما صنع؟ ولكنه في نهاية المطاف كسر القلم والدواة وقال: هذا كلام اللّه لا يناقش، ثم مر على مسجد فسمع غلاما يتلو هذه الآية فقال: ما كان لبشر أن يقول مثل هذا الكلام.
2- تعليق الإمام النسفي على هذه الآية:
ومن جهة الفصاحة المعنوية، وهي كما ترى نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبينة، لا تعقيد يعتري الفكر في طلب المراد، ولا التواء يشكّك الطريق إلى المرتاد. ومن جهة الفصاحة اللفظية، فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة، سليمة عن التنافر، بعيدة عن البشاعة، عذبة على العذبات، سلسة على الأسلات، كل منها كالماء في السلاسة، وكالعسل في الحلاوة، وكالنسيم في الرقة ومن ثم أطبق المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية. وللّه درّ شأن التنزيل، لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر، ولا تظنّن الآية مقصورة على المذكور، فلعلّ المتروك أكثر من المسطور.