فصل: مقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»




.مقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
يقول العبد الفقير إلى الله المعترف بذنبه الراجي رحمة ربه عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين وبسائر المؤمنين:
الحمد لله رب العالمين، وصلوات ربنا وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه السادة المكرمين، والحمد لله الذي من علينا بالإيمان، وشرفنا بتلاوة القرآن، فأشرقت علينا بحمد الله أنواره، وبدت لذوي المعارف عند التلاوة أسراره، وفاضت على العارفين عند التدبر والتأمل بحاره، فسبحان من أنزل على عبده الكتاب، وجعله لأهل الفهم المتمسكين به من أعظم الأسباب {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، أما بعد:
أيها الأخ، أشرق الله قلبي وقلبك بأنوار اليقين، وجعلني وإياك من أوليائه المتقين الذين شرفهم بنزل قدسه، وأوحشهم من الخليقة بأنسه، وخصهم من معرفته ومشاهدة عجائب ملكوته وآثار قدرته، بما ملأ قلوبهم حبره، ووله عقولهم في عظمته حيره، فجعلوا همهم به واحدا، ولم يروا في الدارين غيره، فهم بمشاهدة كماله وجلاله يتنعمون، وبين آثار قدرته وعجائب عظمته يترددون، وبالانقطاع إليه والتوكل عليه يتعززون، لهجين بصادق قوله: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون}، فإني جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر ما أرجو أن يقر الله به عيني وعينك في الدارين، فقد ضمنته بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية، وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأئمة، وثقات أعلام هذه الأمة، حسبما رأيته، أو رويته عن الأثبات، وذلك قريب من مائة تأليف، وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين، ومعدود في المحققين، وكل من نقلت عنه من المفسرين شيئا فمن تأليفه نقلت، وعلى لفظ صاحبه عولت، ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزلل، وإنما هي عبارات وألفاظ لمن أعزوها إليه، وما انفردت بنقله عن الطبري فمن اختصار الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي النحوي لتفسير الطبري نقلت؛ لأنه اعتنى بتهذيبه، وقد أطنب أبو بكر بن الخطيب في حسن الثناء على الطبري، ومدح تفسيره وأثنى عليه غاية، نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياهم برحمته، وكل ما في آخره انتهى فليس هو من كلام ابن عطية، بل ذلك مما انفردت بنقله عن غيره، ومن أشكل عليه لفظ في هذا المختصر فليراجع الأمهات المنقول منها، فليصلحه منها، ولا يصلحه برأيه وبديهة عقله، فيقع في الزلل من حيث لا يشعر، وجعلت علامة التاء لنفسي بدلا من قلت، ومن شاء كتبها قلت، وأما العين فلابن عطية، وما نقلته من الأعراب عن غير ابن عطية فمن الصفاقسي مختصر أبي حيان غالبا، وجعلت الصاد علامة عليه، وربما نقلت عن غيره معزوا لمن عنه نقلت، وكل ما نقلته عن أبي حيان فإنما نقلي له بواسطة الصفاقسي غالبا قال الصقاقسي وجعلت علامة ما زدته على أبي حيان م، وما يتفق لي إن أمكن فعلامته قلت، وبالجملة فحيث أطلق فالكلام لأبي حيان، وما نقلته من الأحاديث الصحاح والحسان عن غير البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي في باب الأذكار والدعوات، فأكثره من النووي وسلاح المؤمن وفي الترغيب والترهيب وأحوال الآخرة فمعظمه من التذكرة للقرطبي، والعاقبة لعبد الحق، وربما زدت زيادات كثيرة من مصابيح البغوي وغيره، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، كل ذلك معزو لمحاله، وبالجملة فكتابي هذا محشو بنفائس الحكم وجواهر السنن الصحيحة والحسان المأثورة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التقصي: وأولى الأمور بمن نصح نفسه، وألهم رشده معرفة السنن التي هي البيان لمجمل القرآن بها يوصل إلى مراد الله تعالى من عباده فيما تعبدهم به من شرائع دينه الذي به الابتلاء، وعليه الجزاء في دار الخلود والبقاء التي لها يسعى الألباء العقلاء والعلماء الحكماء، فمن من الله عليه بحفظ السنن والقرآن، فقد جعل بيده لواء الإيمان، فإن فقه وفهم واستعمل ما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما، ونال فضلا جسيما. انتهى، والله اسأل أن يجعل هذا السعي خالصا لوجهه، وعملا صالحا يقربنا إلى مرضاته، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسميته بالجواهر الحسان في تفسير القرآن.
أسأل الله أن ينفع به كل من حصله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا عدد ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وها أنا إن شاء الله أشرع في المقصود، وألتقط من كلام ابن عطية رحمه الله ما ستقف عليه من النبذ الحسنة المختارة ما تقر به العين، وإذا نقلت شيئا من غيره عزوته لصاحبه كما تقدم.
قال ع رحمه الله بعد كلام في أثناء خطبته: ولما أردت أن أختار لنفسي، وانظر في علم أعد أنواره لظلم رمسي، سبرت العلوم بالتنويع والتقسيم، وعلمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم، فوجدت أمتنها حبالا وأرسخها جبالا وأجملها آثارا وأسطعها أنوارا علم كتاب الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، الذي استقل بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، وأيقنت أنه أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى وتخليصا للنيات، ونهيا عن الباطل وحضا على الصالحات؛ إذ ليس من علوم الدنيا فيختل حامله من منازلها صيدا، ويمشي في التلطف لها رويدا، ورجوت أن الله تعالى يحرم على النار فكرا عمرته أكثر عمره معانيه، ونفسا ميزت براعة رصفه ومبانيه، ثم قال: قال الله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} قال المفسرون: أي علم معانيه والعمل بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قيدوا العلم بالكتب». ففزعت إلى تعليق ما يتنخل لي في المناظرة من علم التفسير، قال: ولنقدم بين يدي القول في التفسير أشياء قد قدم أكثرها المفسرون، وأشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم مجتمعة لذهنه.

.باب في فضل القرآن:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم». قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو فصل ليس بالهزل، من تركه تجبرا قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، من علم علمه سبق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي يتعاهد القرآن ويشتد عليه له أجران، والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة».
وقال صلى الله عليه وسلم: «اتلوا هذا القرآن؛ فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات، أما إني لا أقول {الم} حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف».
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك».
وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل عبادة أمتي القرآن».
وحدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن».
قال الشيخ يحيى بن شرف النووي: اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار وأفضلها، فينبغي المداومة عليها، فلا يخلو عنها يوما وليلة، ويحصل له أصل القراءة بقراءة الآيات القليلة، والمطلوب القراءة بالتدبر والخشوع والخضوع، وقد روينا في كتاب ابن السني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ خمسين آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة، ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الأجر».
وفي رواية: «من قرأ أربعين آية» بدل: «خمسين» وفي رواية: «عشرين آية». وفي رواية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين». وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا. انتهى من الحلية.
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أشراف أمتي حملة القرآن».
وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، ومن شفع له القرآن نجا، ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار، وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته، وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه».
وقال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح، فقال لهم: «فلعله قرأ سورة البقرة». فسئل ثابت بن قيس فقال: نعم قرأت سورة البقرة.
وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير في تنزل الملائكة في الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة قلت وفي رواية سورة الكهف وهذا الحديث خرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي انتهى وقال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: «عليكم بالقرآن».
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول، ويخزن الفعل، ويرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، وأن تقرأ المثناة على رءوس الناس لا تغير. قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله. قيل له: فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أخذتموه عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه، وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم؛ فإنكم عنه تسألون، وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.
وقال رجل لعبد الله ابن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: «الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى».
وقال صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه».
وروي أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون، فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} فأن أنة عيد منها عشرين يوما.
قال القرطبي في التذكرة: وما تقرب المتقربون إلى الله تعالى بشيء مثل القرآن.
قال صلى الله عليه وسلم: «يقول الرب تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين». رواه الترمذي. انتهى.
قلت: ولفظ الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
وعن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. انتهى.
وعماد الأمر التدبر والتفهم؛ فقلة القراءة مع التفهم أفضل من كثرتها من غير تفهم، وهذا الذي عليه المحققون، وهو الذي يدل عليه القرآن وصحيح الآثار ولولا الإطالة لأتينا من ذلك بما يثلج له الصدر، وقد ذكر بعض شراح الرسالة في الذي يقرأ القرآن من غير تأمل ولا تفهم هل له أجر أم لا؟ قولان، وهذا الخلاف والله اعلم في غير المتعلم، والقول بعدم الأجر على ضعفه هو ظاهر ما حكاه عياض في المدارك عن الشلبي في قصته مع الإمام المقرئ.
وبالجملة فالتدبر والتفهم هو الذي يحصل معه الإنابة والخشوع وكل خير.
ونقل الباجي في سنن الصالحين عن محمد بن كعب القرظي قال: لأن أقرأ في ليلي حتى أصبح بإذا زلزلت وبالقارعة لا أزيد عليها وأتردد فيها وأتفكر أحب إلى من أن أهذ القرآن ليلي هذا. أو قال: انثره نثرا.
ونحوه عن مجاهد وغيره وعن ابن عباس قال: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه. انتهى.
قال ابن أبي جمرة: والمرغب فيه التدبر في القراءة وإن قلت، وهو خير من كثرة القراءة بلا تدبر.
وفائدة التدبر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي. انتهى.
وقال الحسن بن أبي الحسن: إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل، وجعلتم الليل جملا تركبونه، فتقطعون به المراحل، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونه بالليل وينفذونه بالنهار.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا؛ إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا، وقد أسقط العمل به.
قال ع: قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}، وقال تعالى: {إنا سنلقي عليكم قولا ثقيلا} أي علم معانيه والعمل به، والقيام بحقوقه ثقيل، فمال الناس إلى الميسر، وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
وقيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعوا إذا ختمت القرآن؟ فقال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته ثم تركت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال: فلما ختمته أردت الرجوع من أوله، فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه.
قال الغزالي في كتاب التفكر: وأما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب أحوال محمودة أو التنزه عن صفات مذمومة، فلا يوجد فيه أنفع من تلاوة القرآن بالفكر؛ فإنه جامع لجميع المقامات والأحوال، وفيه شفاء للعالمين، وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر والمحبة والشوق وسائر الأحوال المحمودة، وفيه ما يزجر عن سائر الصفات المذمومة، فينبغي أن يقرأه العبد ويردد الآية التي هو محتاج إلى التفكر فيها مرة بعد أخرى، ولو ليلة كاملة؛ فقراءة آية بتفكر وفهم خير من ختمة من غير تدبر وفهم، فإن تحت كل كلمة منه أسرارا لا تنحصر، ولا يوقف عليها إلا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد صدق المعاملة، وكذلك حكم مطالعة أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد أوتي عليه السلام جوامع الكلم، فكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة، لو تأمله العالم حق تأمله لم ينقطع فيه نظره طول عمره، وشرح آحاد الآيات والأخبار يطول، وانظر قوله صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت؛ فإنك مفارقه، وعش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به»، فإن هذه الكلمات جامعة لحكم الأولين والآخرين، وهي كافية للمتأملين، ولو وقفوا على معانيها، وغلبت على قلوبهم غلبة يقين لاستغرقتهم ولجالت بينهم وبين التلفت إلى الدنيا بالكلية. انتهى. من الإحياء.

.باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه؛ فإن الله تعالى يحب أن يعرب».
قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} قال: الحكمة الفهم في القرآن.
وقال قتادة: الحكمة القرآن والفقه فيه.
وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
وقال الشعبي: رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.
وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت. فقال: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}.
وقال إياس بن معاوية: مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب، ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب.
وقال ابن عباس: الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر.
وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله.
وقال الحسن: والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن أنزلت وما يعني بها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة».