فصل: تفسير الآيات (17- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (17- 18):

{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}
وقوله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت...} الآية، قال ابن زيد: إن سببَ نزولِها زيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَسَلْمَانُ الفَارِسِيُّ وأبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ، والإشارةُ إليهم.
* ت *: سُلَيْمَانُ إنما أسلم بالمدينةِ، فَيَلْزَمُ على هذا التأويلِ أن تكونَ الآيةُ مدنيةً، وقال ابن إسْحَاق: الإشَارةُ بِها إلى عَبْدِ الرحمنِ بْنِ عَوْفٍ، وسَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، والزُّبَيْرِ، وذَلك أنه لما أسْلم أَبو بَكْرٍ سَمِعُوا ذلك؛ فَجَاؤُوهُ، فقالوا: أَأَسْلَمْتَ؟ قال: نَعَمْ؛ وذَكَّرَهُمْ باللَّه سبحانه، فآمَنُوا بأجمعهم، فنزلَتْ فيهم هذه الآية، وهي على كلِّ حالٍ عامَّةٌ في الناس إلى يوم القيامة يتناولُهُمْ حُكْمُهَا، و{الطاغوت}: كلُّ ما عُبِدَ من دون اللَّه.
وقوله سبحانه: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}: كَلاَمٌ عامٌّ في جميع الأقوال، والمَقْصِدُ الثناءُ على هؤلاءِ في نفوذِ بصائرهم، وقوام نَظَرِهِم، حتى إنهم إذا سمعوا قولاً مَيَّزوه واتبعوا أحْسَنه، قال أبو حيَّان: {الذين يَسْتَمِعُونَ} صفةٌ ل {عِبَادِ}، وقيلَ: الوَقْفُ على عباد، {والذين} مبتدأٌ خبرُهُ {أولئك} ومَا بَعْدَهُ، انتهى.

.تفسير الآيات (19- 21):

{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)}
وقوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن في النار} قالت فرقةٌ: معنى الآيةِ: أَفَمَنْ حَقَّتْ عَلَيْه كلمةُ العَذَابِ فَأَنْتَ تُنْقِذهُ، لكنَّه زَادَ الهَمْزَةَ الثانيةَ؛ تَوْكِيداً، وأظْهرَ الضميرَ تَشْهيراً لهؤلاءِ القَومِ وإظهاراً لِخِسَّةِ منازِلهم.
وقوله تعالى: {لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} الآية مُعَادَلَةٌ وتَحْضِيضٌ على التقوى، وعَادَلَتْ {غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} ما تَقَدَّمَ مِنَ الظُّلَلِ فَوْقَهُمْ وَتَحْتَهُمْ، والأحاديثُ الصحيحةُ في هذا البابِ كثِيرةٌ، ثُمَّ وَقَفَ تعالى نبيَّه عليه السلام وأُمَّتَهُ على مُعْتَبَرٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً...} الآية، قال الطبريُّ: الإشارةُ إلى ماءِ المطرِ ونَبْعِ العيونِ منه، {فَسَلَكَهُ} معناه: أجْرَاهُ وأدْخَلَهُ في الأرضِ، و{يَهِيجُ} معناه: يَيْبَسُ، وهاجَ الزَّرْعُ والنباتُ: إذَا يَبِسَ، والحُطَامُ: اليابِسُ المُتَفَتِّتُ، ومعنى لذكرى أيْ: للبَعْث من القبورِ وإحياء الموتى؛ على قياسِ هذا المِثَالِ المذكورِ.

.تفسير الآية رقم (22):

{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}
وقوله تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام...} الآية، رُوِيَ أنَّ هذهِ الآيةَ نزلَتْ في عَلِيٍّ وحمزةَ وأبي لَهَبٍ وابنه؛ وهمَا اللذان كَانا من القَاسِيَةِ قلوبُهُمْ، وفي الكلامِ محذوفٌ يدلُّ عليه الظاهِرُ؛ تقديره: أفمن شَرَحَ اللَّه صدره كالقاسِي القَلْبِ المُعْرِضِ عن أمرِ اللَّه، وشَرْحُ الصدرِ: استعارةٌ لتحصيلهِ للنظر الجَيِّدِ والإيمانِ باللَّه، والنُّورُ: هدايةُ اللَّه تعالى، وهي أشبهُ شَيْءٍ بالوضَّوْءِ، قال ابن مسعود: قلنا يا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ انشراح الصَّدْرِ؟ قال: إذا دَخَلَ النُّورُ القَلْبَ، انشرح وَانْفَسَحَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الإنَابَةُ إلَى دَارِ الخُلُودِ، والتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والتَّأَهُّبُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ، والقسوةُ: شِدَّةُ القَلْب، وهي مأخوذةٌ من قَسْوَةِ الحَجَرِ، شَبَّهَ قَلْبَ الكافرِ بهِ في صَلاَبَتِهِ وقِلَّةِ انفعاله، للوَعْظِ، وَرَوَى الترمذيُّ عن ابن عُمَرَ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وإنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ القَلْبُ القَاسِي»، قال الترمذيُّ: هذا حديث حسنٌ غريبٌ. انتهى وقال مالكُ بن دِينَارٍ: مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بعقوبةٍ أعْظَمَ من قَسْوَةِ قلبهِ، قال ابن هِشَامٍ: قوله تعالى: {فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} {من} هنا: مرادِفَةٌ عَنْ، وقيل: هي للتعليلِ، أي: مِنْ أجْلِ ذكر اللَّه؛ لأنه إذا ذُكِرَ اللَّه، قَسَتْ قلوبُهُمْ؛ عياذاً باللَّه، وقيل: هي للابتداءِ، انتهى من المغني.
قال الفَخْرُ: اعلم أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ سببٌ لحصولِ النُّورِ والهدايةِ وزيادةِ الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية، وقد يُوجِبُ القَسْوَةَ والبُعْدَ عنِ الحَقِّ في النفوسِ الخبيثة الشيطانية، فإذا عَرَفْتَ هذا، فنقول: إنَّ رأسَ الأدْوِيَةِ التي تفيدُ الصحةَ الروحانيةَ ورُتْبَتَها هو ذِكْرُ اللَّهِ، فإذا اتفق لبعضِ النفوسِ أنْ صَارَ ذِكْرُ اللَّهِ سبباً لازْدِيادِ مَرَضِها، كانَ مَرَضُ تلكَ النفوسِ مَرَضاً لا يرجى زوالُهُ، ولا يُتَوَقَّعُ علاجُهُ، وكانَتْ في نِهَايَةِ الشَّرِّ والرَّدَاءَةِ، فلهذا المعنى قال تعالى: {فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله أُوْلَئِكَ في ضلال مُّبِينٍ} وهذا كَلاَمُ كَامِلٍ مُحَقِّقٍ، انتهى.

.تفسير الآية رقم (23):

{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)}
وقوله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} يريد القرآن، وروي عَنِ ابْنِ عبَّاس أن سبَبَ هذه الآيةِ أنَّ قَوْماً من الصحابةِ قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنَا بِأَحَادِيثَ حِسَانٍ، وَأَخْبِرْنَا بِأَخْبَارِ الدَّهْرِ، فنزلَت الآية.
وقوله: {متشابها} معناه مُسْتَوِياً لا تَنَاقُضَ فيه ولا تَدَافُعَ، بل يُشْبِهُ بَعْضُهُ بعضاً في رَصْفِ اللَّفْظِ، ووَثَاقَةِ البراهينِ، وشَرَفِ المعاني؛ إذْ هِيَ اليَقِينُ في العقائدِ في اللَّهِ وصفاته وأفعالهِ وشرعهِ، و{مَّثَانِيَ} معناه: مَوْضِعُ تَثْنِيَةٍ للقصَصِ والأقضيةِ والمَوَاعِظِ تثنى فيهِ ولاَ تُمَلُّ مَع ذلك ولا يَعْرِضُهَا ما يَعْرِضُ الحديثَ المَعَادَ، وقال ابن عباس، ثنى فِيه الأَمْرَ مِرَاراً، ولا ينصرفُ {مَّثَانِيَ} لأنه جمعٌ لا نَظِيرَ له في الواحد.
وقوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} عبارة عَنْ قفِّ شَعْرِ الإنسانِ عندَما يُدَاخِلُهُ خَوْفٌ ولِينُ قَلْبٍ عند سماعِ موعظةٍ أو زَجْرِ قرآن ونحوهِ، وهذه علامةُ وقوعِ المعنى المُخْشِعِ في قلبِ السامعِ، وفي الحديث؛ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قرأ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَقَّتِ الْقُلُوبُ؛ فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «اغتنموا الدُّعَاءَ عِنْدَ الرِّقَّةِ؛ فإنَّهَا رَحْمَةٌ» وقال العبَّاسُ بن عبد المُطَّلِبِ: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقشعر جِلْدُهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تعالى، تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ اليَابِسَةِ وَرَقُهَا»، وَقَالَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ: «كان أَصْحَابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ وتقشعرُّ جلودُهم عند سماع القرآن، قيل لها: إن أقواماً اليومَ إذا سَمِعوا القرآن خَرَّ أحدُهم مَغْشِياً عليه، فقالت: أعوذُ باللَّهِ من الشيطانِ»، وعن ابن عمر نحوُه، وقال ابن سيرين: بينَنَا وبين هؤلاء الذين يُصْرَعُونَ عند قراءة القرآن أن يُجْعَلَ أحَدُهم عَلى حَائِطٍ مَادًّا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُقْرأُ عَلَيْه القرآن كلُّه، فإن رمى بِنَفْسِهِ، فهو صَادِقٌ.
* ت *: وهذا كله تغليظٌ على المُرَائِينَ والمتصنِّعين، ولا خلاف أعلمهُ بين أربابِ القلوبِ وأئمَّةِ التصوُّفِ أن المُتَصَنِّعَ عندهم بهذه الأمور مَمْقُوتٌ، وأما مَنْ غَلَبَه الحالُ لِضَعْفِهِ وقَوِيَ الوارِدُ عليه حتى أذْهَبَهُ عَنْ حِسِّه؛ فهو إن شاء اللَّهُ مِن السادةِ الأخْيارِ والأولياء الأبرار، وقَد وَقَعَ ذلك لكثير من الأخْيارِ يَطُولُ تَعْدَادُهم؛ كابن وهب وأحمد بن مُعَتِّبٍ المالكيَّيْنِ، ذكرهما عياض في مداركه، وأنهما ماتا من ذلك؛ وكذلك مالك بن دينار ماتَ مِنْ ذلك؛ ذكره عبد الحَقِّ في العاقبة، وغيرهم ممن لا يحصى كثرةً، ومن كلام عزِّ الدين بن عَبْدِ السَّلامِ رحمه اللَّه في قواعده الصغرى قال: وقَدْ يَصِيحُ بَعْضُهُمْ لِغَلَبَةِ الحَالِ عَلَيْهِ، وَإلْجَائِهَا إِيَّاهُ إلى الصِّيَاحِ، وهو في ذلك مَعْذُورٌ، ومَنْ صَاحَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَمُتَصَنِّعٌ لَيْسَ مِنَ القَوْمِ في شَيْءٍ، وكذلِكَ من أظهر شيئاً من الأحوال رياءً أو تسميعاً، فإنه ملحَقٌ بالفجَّار دونَ الأبْرَارِ، انتهى.
وقوله تعالى: {ذلك هُدَى الله} يحتملُ أَنْ يشيرَ إلى القرآن ويحتملُ أنْ يشير إلى الخَشْيَةِ واقشعرار الجُلُودِ، أيْ: ذلك أَمَارَةُ هدَى اللَّهِ.
قال الغَزَّالِيُّ في الإحياء: والمُسْتَحَبُّ من التالِي للقرآن أن يَتأثر قلبهُ بآثار مختلفةٍ بحسْبِ اخْتِلاَفِ الآيات، فيكون له بحسَبِ كُلِّ فهمٍ حالٌ يَتَّصِفُ به قلبُهُ من الحُزْن والخَوْفِ والرجاءِ وغَيْرِ ذلك، ومَهْمَا تَمَّتْ معرفتُهُ كانَتِ الخشْيَةُ أَغْلَبَ الأحْوَالِ على قلبهِ، انتهى، قال الشيخ الوليُّ عبد اللَّه بن أبي جَمْرَةَ: وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قيامِهِ يَكْسُوهُ من كل آية يَقْرَؤُهَا حَالٌ يُنَاسِبُ معنى تلكَ الآية، وكذلك يَنْبَغِي أن تَكُونَ تلاوةُ القرآن وألاَّ يكونَ تالِيهِ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً، انتهى.

.تفسير الآيات (24- 28):

{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)}
وقوله تعالى: {أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ العذاب...} الآية، تقريرٌ بمعنى التَّعْجِيبِ، والمعنى: أَفَمَنْ يَتَّقِي بوجْهِهِ سُوءَ العَذَابِ كَالمُنَعَّمِينَ في الجنةِ، قال مجاهد: {يَتَّقِى بِوَجْهِهِ}، أي: يُجَرُّ على وَجْهِه في النَّارِ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: ذلك لِمَا رُوِيَ أنَّ الكافرَ يلقى في النارِ مكتُوفاً مربوطةً يداه إلى رِجْلَيْهِ مَعَ عُنُقِهِ، ويُكَبُّ على وجهِه، فليس له شَيْءٌ يَتَّقِي به إلا وَجْهَهُ، وقالت فرقَة: المعنى في ذلك صفةُ كَثْرَةِ مَا يَنَالُهُمْ من العذابِ يتَّقِيهِ بِكَلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُ حتى بِوَجْهِهِ الذي هُوَ أشْرَفُ جوارحِهِ، وهذا المعنى أَبْيَنُ بلاغةً، ثم مَثَّلَ لقريشٍ بالأمم الذين مِنْ قبلهم، وما نالَهُمْ مِنَ العذابِ في الدنيا المتَّصِلِ بعذابِ الآخرةِ الذي هو أكبر، ونَفَى اللَّهُ سبحانه عن القرآن العِوَجَ؛ لأنَّهُ لا اخْتِلاَفَ فيه، ولا تناقُضَ، ولا مَغْمَزَ بِوَجْهٍ.

.تفسير الآيات (29- 31):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)}
وقوله سبحانه: {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ متشاكسون}، هَذا مَثَلٌ ضربَه اللَّهُ سبحانه في التوحيدِ، فَمَثَّلَ تعالى الكافرَ العابِدَ للأوثانِ والشياطينِ بِعَبْدٍ لرِجَالٍ عِدَّةٍ؛ في أَخْلاَقِهِم شَكَاسَةٌ وَعَدَمُ مُسَامَحَةٍ؛ فهم لذلك يُعَذِّبُونَ ذلك العَبْدَ بتضايقهم في أوقاتهم، ويضايِقُون العبدَ في كثْرَةِ العَمَلِ؛ فهو أبَداً في نَصَبٍ منهم وعناءٍ، فكذلك عَابِدُ الأوْثَانِ الذي يَعْتَقِدُ أَنَّ ضُرَّهُ ونَفْعَهُ عِنْدَهَا؛ هو معذَّبُ الفِكْرِ بِهَا وبحراسَةِ حَالِهِ مِنْهَا، ومتى تَوَهَّمَ أنه أرضى صَنَماً بالذبحِ له في زعمِه، تَفَكّر فيما يصنعُ معَ الآخرِ؛ فهو أبداً تَعِبٌ في ضلالٍ، وكذلك هو المُصَانِعُ للنَّاس المُمْتَحَنُ بخدمةِ الملوكِ، ومَثَّلَ تَعالى المُؤْمِنَ باللَّهِ وحدَهُ؛ بعَبْدٍ لرجُلٍ واحدٍ يُكَلِّفُه شُغْلَهُ؛ فهو يعمله على تُؤدَةٍ وقَدْ سَاسَ مَوْلاَهُ، فالمولى يَغْفِر زَلَّتهُ ويشكُرُه على إجادةِ عَمَلهِ، و{مَثَلاً} مفعولُ ب {ضَرِبَ} و{رَجُلاً} نَصْبٌ على البَدَلِ و{متشاكسون} معناه: لا سَمْحَ في أخلاقِهم؛ بل فيها لَجَاجٌ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {سالماً} أي: سالماً من الشّرْكَة، ثم وَقَفَ تعالى الكفارَ بقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} ونَصْبُ {مَثَلاً} على التمييز؛ وهذا التوقيفُ لا يجيبُ عَنْهُ أحدٌ إلاَّ بأنهما لا يستويان؛ فلذلك عَامَلَتْهُمُ العِبَارَةُ الوجيزةُ على أنهم قد أجابوا، فقال: {الحمد للَّهِ} أي: على ظهور الحجَّةِ عليكم من أقوالِكم، وباقي الآية بيِّن.
والاخْتِصَامُ في الآية قيلَ: عَامٌّ في المؤمنِين والكَافِرين، قال * ع *: ومعنى الآيةِ عندي: أن اللَّه تعالى تَوَعَّدَهُم بأنهم سيَتَخاصَمُونَ يَوْمَ القيامةِ في معنى ردِّهم في وجهِ الشريعةِ وتكذيبِهمْ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى الترمذيُّ من حديث عبد اللَّه بن الزُّبَيْرِ قال: «لما نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قال الزُّبَيْرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الخُصُومَةُ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا في الدُّنْيَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: إنَّ الأَمْرَ إِذَنْ لَشَدِيدٌ» انتهى.

.تفسير الآيات (32- 35):

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
وقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله...} الآية، الإِشارةُ بهذا الكذبِ إلى قولهم: إن للَّه صاحبةً وولداً وقولِهِمْ: هذا حلالٌ، وهذا حرامٌ، افتراءً على اللَّه، ونحوَ ذلك، وكذَّبُوا أيضاً بالصِّدْقِ، وذلك تكذيبُهم بما جاءَ به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ثم توعَّدَهم سبحانه تَوَعُّداً فيه احتقارُهم بقوله: {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} وقرأ ابن مسعود: {والَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ} والصدقُ هنا القرآن والشَّرْعُ بجُمْلَتِهِ؛ وقالتْ فرقةٌ {الذي} يراد بِهِ: الذين، وحُذِفَتِ النونُ، قال * ع *: وهذا غيرُ جَيِّدٍ وَترْكِيبُ {جاء} عليه يَرُدُّ ذلك، بل {الذي} هاهنا هي للجنس، والآيةُ مُعَادِلة لقولهِ: {فَمَنْ أَظْلَمُ}. قال قتادة وغَيْرُهُ: الذي جاء بالصِّدْقِ هو محمَّدُ عليه السلام والَّذي صَدَّقَ به همُ المؤمنونَ؛ وهذا أَصْوَبُ الأقْوالِ، وذَهَبَ قومٌ إلى أن الذي صدَّقَ به أبو بكرٍ، وقيل: عليٌّ وتَعْمِيمُ اللفظ أَصْوَبُ.
وقولهُ سبحانه: {أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون} قال ابن عبَّاس: اتَّقَوُا الشِّرْكَ.
وقوله تعالى: {لِيُكَفِّرَ} يحتملُ أن يَتَعَلَّقَ بقوله: {المحسنين} أي: الذين أحسنوا، لكَيْ يُكَفِّرَ؛ وقاله ابن زيد، ويحتملُ أن يتعلَّقَ بفعلٍ مُضْمَرٍ مَقْطُوعٍ مما قَبْلَهُ؛ تقديرهُ: يَسَّرَهُمُ اللَّهُ لذلكَ؛ لِيُكَفِّرَ، لأنَّ التَّكْفِيرَ لاَ يكونُ إلا بَعْدَ التَّيْسِيرِ لِلْخَيْرِ.

.تفسير الآيات (36- 44):

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)}
وقوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} تقوِيَةٌ لنَفْسِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ: {عباده} يريد الأنبياءَ، وأنتَ يَا محمدُ أحدُهُمْ، فيدخلُ في ذلكَ المُؤْمِنُونَ المطيعُونَ والمتوكِّلُونَ على اللَّه سُبْحَانَهُ.
وقوله سبحانه: {وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} أيْ: بالذين يَعْبُدُونَ، وباقي الآية بَيِّنٌ، وقد تقدَّم تفسيرُ نظيرِهِ.
وقوله تعالى: {فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ}، أيْ: فلنفسه عَمِلَ وسعى، ومَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا جنى، ثم نبَّه تعالى على آية مِنْ آياته الكبرى، تدِلُّ الناظِرَ على الوحدانيَّةِ، وأنَّ ذلك لا شِرْكَةَ فيه لِصَنَمٍ، وهي حالةُ التَّوَفِّي، وذلكَ أَنَّ ما تَوَفَّاهُ اللَّهُ تعالى على الكَمَالِ، فهو الذي يَمُوتُ، وما تَوَفَّاهُ تَوفِّياً غَيرَ مُكَمَّلٍ فهو الذي يكونُ في النَّوْم، قال ابن زيدٍ: النومُ وفاةٌ والموتُ وفاة وكثَّرَ الناسُ في هذه الآية، وفي الفَرْقِ بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وَفَرَقَ قَوْمٌ بَيْنَ نَفْسِ التمييزِ ونفس التخيُّل؛ إلى غير ذلك مِن الأقوال التي هي غَلَبةُ ظَنٍّ، وحقيقةُ الأمْرِ في هذا هي مما استأثر اللَّه به وَغَيَّبَهُ عن عِبَادِهِ في قوله: {الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّى} [الإسراء: 85] ويكفيكَ أن في هذه الآية {يَتَوَفَّى الأنفس}، وفي الحديثِ الصحيحِ: «إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أرْوَاحَنَا حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْنَا حِينَ شَاءَ»، وفي حديث بلالٍ في الوَادي؛ فقد نطقتِ الشريعةُ بقَبْضِ الرُّوحِ والنَّفْس، وقد قال تعالى: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّى} والظاهرُ أنَّ الخَوْضَ في هذا كُلِّهِ عَنَاءٌ، وإنْ كَان قَد تعرَّضَ للقَوْلِ في هذا ونحوه أئمةٌ، ذَكَرَ الثعلبيُّ عن ابن عباس؛ أنه قال: في ابن آدم نَفْسٌ ورُوحٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ، فالنَّفْسُ هِيَ الَّتي بها العَقْلُ والتمييزُ، والرُّوحُ هي التي بها النَّفَسُ والتَّحَرُّكُ، فإذا نام العَبْدُ قَبَضَ اللَّهُ تعالى نَفْسَهُ ولم يَقْبِضْ رُوحَه، وجاءَ في آداب النَّوم وأذكار النائِم أحاديثُ صحيحةٌ؛ ينبغي للعبدِ ألاَّ يُخْلِيَ نفسَه مِنها، وقد روى جابرُ بن عبد اللَّه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا أَوَى الرَّجُلُ إلى فِرَاشِهِ، ابتدره مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، فيقُولُ المَلَكُ: اختم بِخَيْرٍ، ويقُولُ الشَّيْطَانُ: اختم بِشَرٍّ، فَإنْ ذَكَرَ اللَّهَ تعالى، ثُمَّ نَامَ؛ بَاتَ المَلَكُ يَكْلَؤُهُ، فَإنِ استيقظ؛ قال الملكُ: افتح بِخَيْرٍ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ: افتح بِشَرٍّ، فإنْ قَالَ: الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي رَدَّ إلَيَّ نَفْسِي، وَلَمْ يُمِتْهَا في مَنَامِهَا، الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ، وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إلاَّ بِإذْنِهِ، إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ، فإن وَقَعَ مِنْ سَرِيرهِ، فَمَاتَ، دَخَلَ الجَنةَ»، رواه النسائي، واللفظ له، والحاكمُ في المستدرك وابن حِبَّانَ في صحيحه، وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ، وزاد آخره: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» انتهى من السِّلاح، وفيه عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ قَالَ حِينَ يَأوِي إلى فِرَاشِهِ: «لا إله إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ؛ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ أَوْ خَطَايَاهُ شَكَّ مِسْعَرٌ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» رواه ابن حِبَّان في صحيحه، ورواه النسائي موقوفاً، انتهى، وروى الترمذيُّ عن أبي أُمَامَةَ قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ أوى إلى فِرَاشِهِ طَاهِراً يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ، لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يسألُ اللَّهَ شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ»، انتهى، والأجَلُ المسمى في هذه الآيةِ: هُوَ عُمْرُ كُلِّ إنْسَانٍ، والضمائرُ في قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ}: للأصنام.