فصل: تفسير الآيات (26- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (26- 33):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى...} الآية، الظاهرُ مِنْ أمرِ فِرْعَوْنَ أنه لمَّا بَهَرَتْهُمْ آيات موسى عليه السلام انهد رُكْنُهُ، واضطربت معتقداتُ أَصْحَابِهِ، ولم يَفْقِدْ مِنْهُمْ من يجاذبُهُ الْخِلاَفُ في أمْرِه، وذلك بَيِّنٌ مِنْ غَيرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ قِصَّتهما، وفي هذه الآية على ذلك دَلِيلاَنِ:
أحدُهما: قوله: {ذروني}؛ فليستْ هذه مِنْ ألفاظِ الجَبَابِرَةِ المتمكِّنِينَ مِنْ إنفاذ أوامِرِهمْ.
والدليل الثاني: مَقَالَةُ المُؤْمِنِ وَمَا صَدَعَ به، وإنَّ مكاشَفَتَهُ لِفِرْعَوْنَ أكْثَرُ مِنْ مُسَاتَرَتِهِ، وحُكْمُه بِنُبُوَّةِ موسى أظْهَرُ من تَوْرِيَتِهِ في أَمْرِهِ، وأَمَّا فِرْعَوْنُ فإنما نَحا إلى المَخْرَقَةِ والتَمْوِيهِ والاضْطرابِ، ومن ذلك قوله: {ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي: إني لا أبالي بربِّ موسى، ثم رجَعَ إلى قومِه يُرِيهُم النَّصِيحَةَ والحمايةُ لهم، فقالَ: {إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} والدين: السلطانُ؛ ومنه قولُ زُهَيْرٍ: [البسيط]
لَئِنْ حَلَلْتَ بِحَيٍّ في بَنِي أَسَدٍ ** في دِينِ عَمْرٍو وَحَالَتْ بَيْنَنَا فَدَكُ

وقرأ حمزةُ والكسائي وعاصم: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ} وقرأ الباقون: {وَأَنْ يُظْهِرَ}؛ فعلَى القراءةِ الأولى: خافَ فِرْعَوْنُ أَحَدَ أمْرَيْنِ، وعلى الثانيَةِ: خَافَ الأَمْرَيْنِ معاً، ولَمَّا سَمِعَ موسى مقالةَ فِرْعَوْنَ دَعَا، وقال: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ...} الآية، ثم حكَى اللَّهُ سبحانه مقالةَ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ؛ شرَّفَه بالذكْرِ وخلَّدَ ثَنَاءَه في الأُمَمِ غَابِرَ الدَّهْرِ، قال * ع *: سمعتُ أبي رحمه اللَّه يقول: سمعتُ أَبا الفَضْلِ ابْنَ الجَوْهَرِيِّ على المنبر يقول؛ وَقَدْ سُئِلَ أن يتكلَّمَ في شيءٍ من فضَائِل الصحابةِ، فأَطْرَقَ قليلاً، ثُمَّ رَفَع رأْسَهُ، وأنشد: [الطويل]
عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِه ** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنِ مُقْتَدِ

مَاذَا تُرِيدُ من قومٍ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بنبيِّه، وخصَّهم بمشاهدةِ وَحْيِهِ، وقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تعالى على رَجُلٍ مُؤْمِنٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، كَتَمَ إيمانَهُ وأَسَرَّهُ، فجعلَه تعالى في كتابهِ، وأثْبَتَ ذِكْرَهُ في المصاحِفِ، لكلامٍ قَالَه في مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْكُفْرِ، وأَيْنَ هُوَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي اللَّه عنه؛ إذْ جَرَّدَ سَيْفَهُ بمكَّةَ، وقال: واللَّهِ، لاَ أَعْبُدُ اللَّهَ سِرًّا بَعْدَ اليَوْمِ، قال مقاتل: كان هذا المؤمنُ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ، قال الفَخْرُ: قيل: إنَّه كانَ ابْنَ عَمٍّ لِفِرْعَوْنَ، وكانَ جَارِياً مجرى وَلِيِّ العهدِ له، ومجرى صاحبِ السِّرِّ لَه، وقيلَ: كانَ قِبْطِيًّا مِنْ قومِ فرعونَ، وقيل: إنه كانَ من بني إسرائيل، والقولُ الأولُ أَقْرَبُ؛ لأن لَفْظَ الآلِ يقعُ على القَرَابَةِ والعشيرةِ، انتهى.
قال الثعلبيُّ: قال ابنُ عباس وأكْثَرُ العُلَمَاءِ: كانَ اسمُهُ حَزْقِيلَ، وقيل: حَزِيقَال، وقيل: غير هذا، انتهى.
وقوله: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} قال أبو عُبَيْدَةَ وغَيْره: {بَعْضُ} هنا بمعنى: كل، وقال الزَّجَّاج: هو إلْزَامُ الحُجَّةِ بِأَيْسَرِ ما في الأمرِ، وليسَ فيه نَفْيُ إصَابَةِ الكُلِّ، قال * ع *: ويظهرُ لي أنَّ المعنى: يُصِبْكُمُ القَسْمُ الواحدُ مما يَعِدُ بِهِ، لأنَّه عليه السلام وَعَدَهُمْ إنْ آمَنُوا بالنَّعِيمِ، وإنْ كَفَرُوا بالعذابِ الأَلِيمِ، فإن كانَ صادِقاً، فالعذابُ بَعْضُ مَا وَعَدَ بِهِ، وقولُ المؤمِن: {ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين في الأرض} اسْتِنْزَالٌ لهم وَوَعْظٌ.
***وقوله: {فِى الأرض} يريدُ أرْضَ مِصْرَ، وهذه الأقوالُ تَقْتَضِي زَوالَ هَيْبَةِ فرعونَ؛ ولذلكَ اسْتَكَانَ هُوَ، وَرَاجَعَ بقوله: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أرى} واخْتَلَفَ الناسُ مِنَ المُرَادِ بقوله تعالى: {وَقَالَ الذي آمَنَ}، فقالَ الجمهورُ: هو المُؤْمِنُ المَذْكُورُ؛ قَصَّ اللَّهُ تعالى أقاويله- الذي آمَنَ ** إلى آخر الآيات، وقالت فرقةٌ: بلْ كَلاَمُ ذلك المُؤْمِنِ قد تَمَّ؛ وإنما أراد تعالى: {الذي آمَنَ} موسَى عليه السلام مُحْتَجِّينَ بقوَّةِ كَلاَمِهِ، وذكْرِ عذابِ الآخرةِ وغير ذلك؛ ولم يَكُنْ كَلاَمُ الأوَّلِ إلا بملاينةٍ لهم.
وقوله: {مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب} أي: مثلَ يَوْمٍ منْ أَيَّامِهِمْ؛ لأنَّ عذابَهُمْ لم يكُنْ في عَصْرٍ واحِدٍ، والمرادُ بالأحزابِ المُتَحَزِّبُونَ على الأنبياءِ، و{مِثْلَ} الثاني: بدلٌ مِن الأوَّل، والدَّأْبُ: العادةُ، ويوم التنادي معناه: يَوْمَ يُنَادِي قَومٌ قَوْماً، ويناديهمُ الآخرُونَ؛ واختلف في التنادِي المُشَارِ إلَيْهِ، فقال قتادةُ: هو نِدَاءُ أهْلِ الجَنَّةِ أَهْلَ النارِ، {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} [الأعراف: 44] وقيل: هو النداءُ الذي يَتَضَمَّنهُ قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسِ بإمامهم} [الإسراء: 71] قال * ع *: ويحتملُ أَنْ يكُونَ المُرَادُ التَّذْكِيرَ بِكُلِّ نِدَاءٍ في الْقَيَامَةِ فيه مَشَقَّةٌ على الكُفَّار والعُصَاةِ؛ وذلك كثِيرٌ. وقرأ ابن عبَّاس والضَّحَّاك وأبو صَالِحٍ: {يوم التَنَادِّ} بشدِّ الدال؛ وهذا معنًى آخرُ لَيْسَ من النداءِ، بل هُو مِنْ: نَدَّ البعيرُ: إذا هَرَبَ؛ وبهذا المعنى فسَّر ابنُ عبَّاسٍ والسُّدِّيُّ هذه الآيةَ، وَرَوَتْ هذه الفِرْقَةُ، في هذا المعنى حَدِيثاً أنَّ اللَّهَ تعالى إذا طَوَى السَّمَوَاتِ نَزَلَتْ مَلاَئِكَةُ كُلِّ سَمَاءٍ، فكانَتْ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ مستديرةً بالأرْضِ التي عليها الناسُ لِلْحِسَابِ؛ فَإذَا رَأَى الخَلْقُ هولَ القيامةِ، وأخْرَجَتْ جَهَنَّمُ عنقاً إلى أصحابها، فَرَّ الكُفَّارُ ونَدُّوا مدْبِرينَ إلى كل جهةٍ، فتردُّهم الملائِكَةُ إلَى المَحْشَرِ؛ لا عَاصِمَ لَهُمْ، والعاصمُ: المُنْجِي.

.تفسير الآيات (34- 40):

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)}
وقوله: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ...} الآية، قالت فرقةٌ منهمُ الطبريُّ: يوسفُ المذكورُ هنا هو يوسفُ بنُ يَعْقُوبَ عليهما السلام وَرُوِيَ عن وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ أن فرعونَ موسى هُو فِرْعَوْنُ يُوسُفَ عُمِّر إلى زَمَنِ موسى، وروى أَشْهَبُ عَنْ مالِكٍ أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِرْعَوْنَ عَمَّرَ أرْبَعْمِائَةِ سَنَةٍ وأرْبَعِينَ سَنَةً، وقالَتْ فرقةٌ: بل هُو فِرْعَونٌ آخر.
وقوله: {كَبُرَ مَقْتاً} أي: كَبُرَ مَقْتاً جِدَالُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فاختصر ذِكْرَ الْجِدَالِ؛ لدلالة تقدُّمِ ذِكْرِهِ عليه، وقرأ أبو عَمْرٍو وَحْدَهُ: {على كُلِّ قَلْبٍ} بالتنوينِ، وقرأ الباقونَ بغيرِ تنوينٍ، وفي مصحف ابن مسعود: {على قَلْبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}، ثم إن فرعونَ لما أعْيَتْهُ الْحِيَلُ في مُقَاوَمَةِ موسى، نحا إلى المَخْرَقَةِ، ونادى هَامَانَ وزيرَهُ أنْ يَبْنِيَ لَهُ صُرْحاً؛ فيروى أنه طَبَخَ الآجُرَّ لهذا الصَّرْحِ، ولم يُطْبَخْ قبْلَهُ، وبناه ارتفاعَ أربعمائةِ ذراعٍ، فبعثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ فَمَسَحَهُ بجَنَاحِه، فكسَرَهُ ثَلاَثَ كِسَرٍ، تَفَرَّقَتِ اثنتانِ، ووقَعَتْ ثالثةٌ في البَحْرِ، {الأسباب} الطُّرُقُ؛ قاله السُّدِّيُّ، وقال قتادةُ: أرادَ الأبوابَ، وقيل عَنَى لعلَّه يَجِدُ مَعَ قُرْبِه مِنَ السَّمَاءِ سَبَباً يَتَعَلَّقُ به.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: {وَصُدَّ عنِ السَّبِيلِ} بضم الصاد وفتح الدالِ، عطفاً على {زُيِّنَ}، والباقونَ بفَتْحِ الصاد والتَّبَابُ: الخسرانُ؛ ومنه {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وبه فَسَرها مجاهدٌ وقتادة، ثم وعظهمُ الذي آمن، فَدَعا إلى اتباع أَمْرِ اللَّهِ.
وقوله: {اتبعون أَهْدِكُمْ} يقَوِّي أنَّ المتكلمَ موسى، وإنْ كان الآخرُ يُحْتَملُ أنْ يقولَ ذلك، أي: اتبعوني في اتباع موسى، ثم زَهَّدَهُمْ في الدنيا، وأنَّهَا شَيْءٌ يُتَمَتَّعُ بِهِ قليلاً، ورَغَّبَ في الآخرةِ، إذْ هي دَارُ الاستِقْرَارِ، قال الغَزَّالِيُّ في الإحْياءِ: مَنْ أَرَادَ أنْ يدخلَ الجنةَ بغيرِ حسابٍ، فليستَغْرِقْ أوقَاته في التلاوةِ والذكرِ والتفكُّرِ في حسن المآبِ، ومَنْ أرادَ أن تَرْجُحَ كفَّةُ حَسَنَاتِهِ وتَثْقُلَ موازينُ خَيْرَاتِهِ، فليستوعبْ في الطاعةِ أَكْثَرَ أوقاتِهِ، فإنْ خَلَطَ عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً، فأمْرُهُ في خَطَر، لكنَّ الرجاءَ غَيْرُ منْقَطِعٍ، والعفوُ من كَرَمِ اللَّهِ منتَظَرٌ، انتهى.

.تفسير الآيات (41- 56):

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)}
وقوله تعالى: {وياقوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة...} الآية، قد تقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلاَفِ، هل هذهِ المقالاتُ لموسى أو لمؤمنِ آل فرعون، والدعاءُ إلى النجاةِ هو الدعاءُ إلى سبَبِها؛ وهو توحيدُ اللَّهِ تعالى وطاعتُه، وباقي الآية بيِّنٌ.
وقوله: {أَنَّمَا تدعونني} المعنى: وإنَّ الذي تدعونَني إليه من عبادةِ غيرِ اللَّهِ لَيْسَ له دعوة، أي: قَدْرٌ وَحَقٌ يجب أنْ يدعى أحدٌ إليه ثم توعَّدَهم بأنَّهم سَيَذْكُرُونَ قولَه عند حُلُولِ العذابِ بهم، والضميرُ في {فَوقَاهُ} يحتملُ أنْ يعودَ على موسى، أو على مؤمنِ آل فرعون؛ علَى ما تقدَّم من الخلاف.
وقال القائلون بأنه مؤمن آل فرعون: إن ذلك المؤمنَ نجا مع موسى عليه السلام في البَحْرِ، وَفَرَّ في جملةِ مَنْ فَرَّ معَه مِنَ المتَّبِعينَ.
وقوله تعالى في آل فرعون: {النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً...} الآية، قوله: {النار} رَفْعٌ على البَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: {سواء} وقيلَ رفعٌ بالابتداءِ، وخَبَرُهُ {يُعْرَضُونَ} قالت فرقةٌ: هذا الغُدُوُّ والعَشِيُّ هو في الدنيا، أي: في كل غُدُوٍّ وَعَشِيٍّ من أيام الدنيا يُعْرَضُ آلُ فِرْعَوْنَ على النَّارِ، قال القرطبيُّ في التذكرة: وهذا هو عذابُ القَبْرِ في البَرْزَخِ، انتهى؛ وكذا قال الإمام الفخر، ورُوِيَ في ذلك أنَّ أرواحَهُمْ في أجوافِ طَيْرٍ سُودٍ تَرُوحُ بِهِمْ وَتَغْدُو إلى النارِ؛ وقالَهُ الأوزاعِيُّ عافانا اللَّه من عذابه، وخرَّج البخاريُّ ومسلمٌ عن ابْنِ عمر؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَمنْ أَهْلِ النَّارِ، يقالُ لَهُ: هذا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، انتهى.
وقوله تعالى {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} أي: وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُقَالُ: {أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} وآل فرعون: أتْبَاعُهُ وأهْلُ دينهِ، والضميرُ في قولهِ: {يَتَحَاجُّونَ} لجميعِ كفارِ الأُمَمِ، وهذا ابتداءُ قصص لا يَخْتَصُّ بآل فرعونَ، والعامِلُ في: {إذ} فَعْلٌ مضمرٌ، تقديره: اذْكُرْ، ثم قال جميعُ مَنْ في النارِ لخَزَنَتِهَا: {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ العذاب}؛ فراجَعَتْهُمُ الخَزَنَةُ على مَعْنَى التَّوبِيخِ والتقريرِ: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بالبينات}، فأقَرَّ الكُفَّارُ عند ذلك، و{قَالُواْ بلى}، أي: قَدْ كَانَ ذلك، فقالَ لهم الخَزَنَةُ عِنْدَ ذلك: ادعوا أنتم إذن، وهذا على معنى الهُزْءِ بهِم.
وقوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} قيل: هو من قول الخَزَنَةِ، وقيل: هو من قول اللَّه تعالى إخباراً منه لمحمَّدٍ عليه السلام، ثم أخبَر تعالى أنه ينصر رسلَه والمؤمنينَ في الدنيا والآخرةِ، ونصرُ المؤمِنينَ داخلٌ في نَصْرِ الرُّسُلِ، وأَيْضاً، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ للمؤمنينَ الفضلاءِ وُدًّا، وَوَهَبَهُمْ نَصْراً إذا ظُلِمُوا، وَحَضَّتِ الشريعَةُ على نَصْرِهِمْ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ رَدَّ عَنْ أخِيهِ في عِرْضِهِ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ»، وقوله عليه السلام: «مَنْ حمى مُؤْمِناً مِنْ مُنَافِقٍ يَغْتَابُهُ، بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَاً يَحْمِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} يريدُ يَوْمَ القيامةِ، قال الزَّجَّاج، و{الأشهاد}: جَمْعُ شَاهِدٍ، وقال الطبري: جمع شَهِيدٍ، كَشريفِ وأشْرَافٍ، و{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ} بَدَلٌ من الأوَّلِ، والمَعْذِرَةُ، مَصْدَرٌ، كالعُذْرِ، ثم أخبرَ تعالى بقصَّةِ موسى ومَا آتاه منَ النُّبوَّةِ، تأنيساً لمحمَّدٍ، وضَرْبَ أُسْوَةٍ وتذكيراً بما كانتِ العربُ تَعْرفُه مِنْ أمرِ موسى، فبيَّنَ ذلكَ أن محمداً لَيْسَ ببِدْعٍ من الرسل، والهُدَى: النُّبُوَّةُ والحكمةُ؛ التوراةُ تَعُمُّ جميعَ ذلك.
وقوله تعالى: {واستغفر لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشى والإبكار} قال الطبريُّ: {الإبكار}: من طلوع الفَجْرِ إلى طلُوعِ الشَّمْسِ، وقيلَ: مِنْ طلوعِ الشمْسِ إلى ارْتِفَاعِ الضحى، وقال الحَسَنُ: {بالعشى} يريدُ صلاةَ العَصْرِ، {والإبكار} يريدُ صلاةَ الصُّبْحِ.
وقوله تعالى: {إِن في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} أي: ليسُوا على شَيْءٍ، بَلْ في صُدُورِهُمْ كِبْر وأَنَفَةٌ عليك، ثُمَّ نفى أنْ يكونُوا يَبلغُون آمالهم بِحَسَبِ ذلكَ الكِبْرِ، ثم أمَرَهُ تعالى بالاسْتِعَاذَةِ باللَّهِ في كل أمْرِه مِنْ كُلِّ مُسْتَعَاذٍ مِنْه.

.تفسير الآيات (57- 59):

{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)}
وقوله تعالى: {لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس}: فيه توبيخٌ لهؤلاءِ الكفرةِ المتكبِّرينَ، كأنه قال: مخلوقاتُ اللَّهِ أَكْبَرُ وأَجَلُّ قَدْراً مِنْ خَلْقِ البَشَرِ، فما لأحدٍ منْهم يَتَكَبّرُ على خالقِه، ويحتملُ أنْ يكونَ الكلامُ في مَعْنَى البَعْثِ، وأنَّ الذي خلقَ السمواتِ والأرْضَ قادِرٌ على خَلْقِ الناسِ تَارَةً أخرى، والخَلْقُ هنا: مَصْدَرٌ مضافٌ إلى المفعولِ، {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يعادلهم قولُهُ: {وَلاَ المسياء} وهو اسمُ جِنْسٍ يَعُمُّ المسيئينَ.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}
وقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} آيةُ تَفَضُّلٍ ونِعْمَةٍ وَوَعْدٍ لأمَّةِ محمَّدِ صلى الله عليه وسلم بالإجابَةِ عنْدَ الدُّعَاءِ؛ قال النوويُّ: ورُوِّينا في كتاب الترمذيِّ عَنْ عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تعالى بِدَعْوَةٍ إلاَّ آتَاهُ إيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، فقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إذَنْ نُكْثِرَ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ» قَال الترمذيُّ: حَديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وَرَوَاهُ الحاكِم في المستدرك من رواية أبي سعيد الخُدَرِيِّ، وزاد فيه: «أَو يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَهَا»، انتهى، قال ابنُ عَطَاءِ اللَّهِ: لاَ يَكُنْ تَأَخّرُ أمَدِ العَطَاءِ مَعَ الإلْحَاحِ في الدُّعَاءِ مُوجِباً لِيَأْسِكَ؛ فهُو ضَمِنَ لَكَ الإجَابَةَ فِيمَا يختارُ لكَ لاَ فِيمَا تختَارُ لنفسِكَ، وفي الوَقْتِ الذي يُرِيدُ لاَ في الوَقْتِ الذي تُرِيدُ، انتهى، وعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وأَنَا مَعَهُ إذَا دَعَاني» رواه الجماعةُ إلاَّ أَبا داود: واللفظ لِمُسْلِمٍ، انتهى من السِّلاَح، وقالت فرقة: معنى {ادعوني}: اعبدوني، و{أَسْتَجِبْ} معناه: بِالنَّصْرِ والثوابِ؛ ويدلُّ على هذا قوله: {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى...} الآية، * ت *: وهذا التأويلُ غَيْرُ صحيحٍ، والأولُ هو الصَّوَابُ إن شاء اللَّه؛ للحَدِيثِ الصحيحِ؛ فَقَدْ رَوَى النعمانُ بنُ بَشِيرٍ رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ». وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} رواه أبو داودَ والترمذي والنسائي وابنُ ماجه والحاكم وَابن حِبَّان في صَحيحهما؛ وقال الترمذيُّ، واللفظ له: حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، وقال الحاكم: صحيحُ الإسناد، انتهى من السِّلاَح والدَّاخِرُ، الصَّاغِرُ الذَّلِيلُ.