فصل: تفسير سورة الملك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير سورة الملك:

وهي مكية بإجماع.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها عند أخذ مضجعه. رواه جماعة مرفوعا.
وروي أنها تنجي من عذاب القبر تجادل عن صاحبها حتى لا يعذب.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وددت أن سورة تبارك الذي بيده الملك في قلب كل مؤمن».
ت: وقد خرج مالك في الموطأ أنها تجادل عن صاحبها.
وخرج أبو داود والترمذي والنسائي وأبو الحسن بن صخر وأبو ذر الهروي وغيرهم أحاديث في فضل هذه السورة نحو ما تقدم، ولولا ما قصدته من الاختصار لنقلتها هنا، ولكن خشية الإطالة منعتني من جلب كثير من الآثار الصحيحة في هذا المختصر، وانظر الغافقي فقد استوفى نقل الآثار في فضل هذه السورة.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
قوله تعالى: {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك} {تبارك} مِنَ البركةِ وهي التَزَيُّدِ في الخيراتِ، الثعلبي: {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك} أي: تَعَالَى وتَعَاظَمَ وَقَالَ الحسنُ: تَقَدَّسَ الذي بيده الملكُ في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس: {بِيَدِهِ الملك}: يُعِزُّ مَنْ يَشاء ويذل من يشاء. انتهى.

.تفسير الآيات (2- 5):

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}
وقوله سبحانه: {الذى خَلَقَ الموت والحياة...} الآية، الموتُ والحياةُ مَعْنَيَانِ يَتَعَاقَبَانِ جِسْمَ الحيوانِ، يَرْتَفِعُ أحدهما بحلُولِ الآخَرِ، وما جاء في الحديثِ الصحيحِ من قولهِ عليه الصلاة والسلام: «يُؤتَى بِالمَوْتِ يَوْمَ القِيَامَةِ في صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ» الحديث، فقال أهْلُ العِلْمِ: إنَّما ذَلِكَ تِمْثَالُ كَبْشٍ يُوقِعُ اللَّهُ العِلْمَ الضَّرُورِيَّ لأَهْلِ الدَّارَيْنِ أَنَّه الموتُ الذي ذَاقُوه في الدنيا، ويكونُ ذلك التمثالُ حَامِلاً للموتِ، لاَ عَلى أنه يَحُلُّ الموتُ فيه فَتَذْهَبُ عنهُ حياةٌ، ثم يَقْرِنُ اللَّه تعالى في ذلك التمثالِ إعْدَامَ الموتِ.
وقوله سبحانه: {لِيَبْلُوَكُمْ} أي: جَعَلَ لَكُمْ هاتينِ الحالتَيْنِ ليبلوَكم، أي: ليختبرَكم في حالِ الحياةِ ويُجَازِيكُم بَعْدَ الممات، وقال أبو قتادة، ونحوه عن ابن عمر، «قلت: يا رسول اللَّه، مَا مَعْنى قولِه تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}؟ فَقَال: يقول: أَيُّكُمْ أحْسَنُ عَقلاً، وأشَدُّكم للَّهِ خَوْفاً، وأحْسَنُكم في أمْرِه ونهيهِ نَظَراً، وإن كَانُوا أقلَّكم تطوُّعاً»، وقال ابن عباس وسفيان الثوري والحسن: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أزْهَدُكُمْ في الدنيا، قال القرطبي: وقال السدي: أحْسَنُكُمْ عَمَلاً، أي: أكثَركم للموت ذِكْراً، وله أحْسَنُ استعداداً، ومِنْه أشَدُّ خوفاً وحذَراً، انتهى من التذكرة، وللَّه در القائل: [الطويل]
وَفِي ذِكْرِ هَوْلِ المَوْتِ وَالقَبْرِ والبلى ** عَنِ الشُّغْلِ باللَّذَّاتِ لِلْمَرْءِ زَاجِرُ

أَبَعْدَ اقتراب الأَرْبَعِينَ تَرَبُّصٌ ** وَشَيْبٌ فَذَاكَ مُنْذِرٌ لَكَ ذَاعِرُ

فَكَمْ في بُطُونِ الأَرْضِ بَعْدَ ظُهُورِهَا ** مَحَاسِنُهُمْ فِيهَا بَوَالٍ دَوَاثِرُ

وَأَنْتَ عَلَى الدّنْيَا مُكِبٌّ مُنَافِس ** لِخُطَّابِهَا فِيهَا حَرِيصٌ مُكَاثِرُ

على خَطَرٍ تُمْسِي وَتُصْبِحُ لاَهِياً ** أَتَدْرِي بِمَاذَا لَوْ عَقَلْتَ تُخَاطِرُ

وَإنَّ امرأ يسعى لِدُنْيَاه جَاهِداً ** وَيَذْهَلُ عَنْ أُخْرَاهُ لاَ شَكَّ خَاسِرُ

كَأَنَّكَ مُغْتَرٌّ بِمَا أَنْتَ صَائِرٌ ** لِنَفْسِكَ عَمْداً أوْ عَنِ الرُّشْدِ جَائِرُ

فَجِدَّ وَلاَ تَغْفُلْ فَعَيْشُكَ زَائِلٌ ** وَأَنْتَ إلى دَارِ المَنِيَّةِ صَائِرُ

وَلاَ تَطْلُبِ الدُّنْيَا فَإنَّ طِلاَبَهَا ** وَإنْ نِلْتَ مِنْهَا ثَرْوَةً لَكَ ضَائِرُ

وَكَيْفَ يَلَذُّ العَيْشَ مَنْ هُوَ مُوقِنٌ ** بِمَوْقِفِ عَدْلٍ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ

لَقَدْ خَضَعَتْ واستسلمت وَتَضَاءَلَتْ ** لِعِزَّةِ ذِي العَرْشِ المُلُوكُ الجَبَابِرُ

انتهى،، و{طِبَاقاً} قال الزَّجَّاجُ: هو مصدرٌ، وقيل: جمعُ طَبَقَةٍ، أو جَمْعُ طَبَقِ، والمعنى: بعضُها فوق بعض، وقال إبان بن ثعلب: سمعتُ أعْرابياً يذُمّ رَجُلاً فقال: شَرُّهُ طِبَاقُ وَخَيْرُه غَيْر باقٍ، وما ذَكره بعضُ المفسرينَ في السموات منْ أنَّ بعضَها مِن ذَهَبٍ وفضةٍ وياقوتٍ ونحوِ هذا، ضعيفٌ لم يَثْبُتْ بذلك حديث.
وقوله سبحانه: {مَّا ترى في خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت} معناه من قِلَّةِ تَنَاسُبٍ، ومنْ خروجٍ عن إتقانٍ، قال بعض العلماء: خَلْقُ الرحمن، معنيٌّ بهِ السموات وإيَّاها أرادَ بقوله: {هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} وبقوله: {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ...} الآية، وقال آخرون: بلْ يعني بهِ جَميعَ مَا خَلَقَ سبحانه من الأشياء فإنَّها لاَ تَفَاوُتَ فيها، ولا فطورَ جاريةً عَلى غَيْرِ إتْقَانٍ، قال منذر بن سعيد: أمَرَ اللَّهُ تعالى بالنظرِ إلى السماءِ وخَلْقِها، ثم أمرَ بتكريرِ النظرِ، وكذلك جميعُ المخلوقاتِ مَتَى نَظَرَها ناظرٌ لِيَرَى فيها خَلَلاً أو نَقْصاً فإنَّ بصرَه ينقلبُ خَاسِئاً حَسِيراً، وَرَجْعُ البصرِ: ترديدُه في الشيءِ المبْصَرِ، و{كَرَّتَيْنِ} معناه مرتين، والخاسئ المبْعَدُ عن شيءٍ أرَادَه، وحَرَصَ عليه، ومنه قوله تعالى:
{اخسئوا فِيهَا} [المؤمنون: 108] وكذلكَ البصرُ يحرصُ على رؤيةِ فطورٍ أو تفاوتٍ، فلا يَجِدُ ذلك، فينقلبَ خاسِئاً، والحسيرُ العَيِيُّ الكالُّ.
وقوله تعالى: {بمصابيح} يعني: النجومَ، قال الفخر: ومعنى {السماء الدنيا} أي: القريبةُ مِنَ الناسِ، وليسَ في هذهِ الآيةِ ما يدلُّ عَلى أنّ الكواكبَ مركوزةٌ في السماء الدنيا، وذلك لأَنَّ السموات إذا كَانَتْ شَفَّافَةً فالكواكبُ سَواءٌ كَانَتْ في السماءِ الدنيا، أو كانَتْ في سموات أخْرَى فَوقَها، فهي لابد أنْ تَظْهَرَ في السماء الدنيا، وتَلُوحُ فِيها، فَعَلَى كِلاَ التَّقْدِيرَيْنِ فالسَّماء الدُّنْيَا مُزَيَّنَةٌ بها، انتهى.
وقوله: {وجعلناها} معناه وجَعَلْنَا مِنْها ويُوجِبُ هذا التأويلُ في الآيةِ أنَّ الكواكبَ الثابتةَ، والبروجَ، وكلَّ ما يُهْتَدَى به في البرِّ والبحرِ؛ لَيْسَت براجمةٍ، وهذا نصّ في حديثِ السير قال الثعلبي: {رُجُوماً للشياطين} يُرْجَمُونَ بِها إذَا اسْتَرَقُوا السّمْعَ فلا تُخْطِئُهُم، فمنهم مَنْ يُقْتَلُ ومنهم من يُخْبَلُ، انتهى.

.تفسير الآيات (6- 11):

{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}
وقوله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} قال * ع *: تضمنتِ الآيةُ أنَّ عذابَ جهنمَ للكفارِ المُخَلّدِينَ، وقد جاءَ في الأثر: أنه يَمُرُّ على جهنَم زَمانٌ تُخْفِق أبوابَها، قد أخْلَتْها الشفاعةُ، والذي يقال في هذا أن جهنَّمَ اسْمٌ تُخْتَصُّ به الطبقةُ العُلْيَا من النارِ، ثم قَدْ تُسَمَّى الطبقاتُ كلها باسْمِ بَعْضِها، فالتي في الأثرِ هي الطبقةُ العُلْيَا لأنَّها مَقَرُ العُصَاةِ من المؤمنينَ، وَالَّتي في هذهِ الآية هي جهنمَ بأسرها، أي: جميعُ الطبقاتِ، والشَّهِيقُ أقْبَحُ ما يكونُ من صوتِ الحمارِ، فاشْتِعَالُ النار وغَلَيَانُها يُصَوِّتُ مِثْل ذلك.
وقوله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ} أي يُزَايِلُ بَعْضُها بَعْضاً لشِدَّةِ الاضْطِرَابِ، و{مِنَ الغيظ} معناه: على الكَفَرَةِ باللَّهِ، والفَوْجُ: الفريقُ من الناس، وظاهر الآية أَنَّه لا يُلْقَى في جهنَّمَ أحَدٌ إلا سُئِلَ عَلى جهة التوبيخ.
وقوله سبحانه: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال كَبِيرٍ} يحتملُ أنْ يكونَ من قولِ الملائكةِ، ويحتملُ أنْ يكونَ من تمامِ كَلاَمِ الكفارِ للنُّذُرِ، قال الفخر: وقوله تعالى عنهم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أصحاب السعير} إنما جَمَعُوا بين السَّمْعِ والعَقْلِ؛ لأن مَدَارَ التكليفِ على أدلة السمعِ والعقلِ، انتهى.

.تفسير الآيات (12- 20):

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)}
وقوله سبحانه: {إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب} يحتملُ معنيين: أحدُهما بالغَيْبِ الذي أُخْبِروا بهِ مِن النَّشْرِ والحشر والجنة والنار، فآمنوا بذلك وخَشُوا ربَّهم فيه؛ ونحا إلى هذا قتادة، والمعنى الثاني: أنهم يَخْشَوْنَ ربهم إذا غَابُوا عن أعْيُنِ الناس، أي: في خلَواتِهم في صلاتهم وعباداتهم.
وقوله تعالى: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ...} الآية، خطابٌ لجميعِ الخَلْقِ، و{ذَلُولاً} بمعنى مَذْلُولَةٍ، و{مَنَاكِبِهَا} قال مجاهد: هي الطُّرُقُ والفجاجُ، وقال البخارِي: {مَنَاكِبِهَا}: جَوَانِبُها، قال الغزالي رحمه اللَّه: جَعَلَ اللَّهُ سبحانَه الأَرْضَ ذَلُولاً لِعِبَادِه لاَ لِيَسْتَقِرُّوا في مناكِبها، بلْ لِيَتَّخِذُوهَا مَنْزِلاً فَيَتزَوَّدُونَ منها مُحْتَرِزِينَ من مصائدِها ومَعَاطبِها، ويتحقَّقُون أنّ العُمْرَ يَسِيرُ بهم سَيْرَ السفينةِ بِرَاكِبِها، فالناسُ في هَذَا العَالَمِ سُفْرُ وأوَّلُ منازلِهم المَهْدُ، وآخرُها اللحدُ، والوَطَنُ هو الجنَّةُ أو النَّارُ، والعُمْرُ مسَاقَةُ السَّفَرِ، فَسِنُوه مَرَاحِلهُ، وشُهورُه فَرَاسِخُه، وأيامُه أمْيَالُه، وأنْفَاسُه خُطُواتُه، وطَاعَتُه بضاعتُه، وأوقَاتُه رؤوس أموالِه، وشَهَواتُه وأغْرَاضُه قطاع طريقِه، وربحُه الفوزُ بلقاءِ اللَّه عز وجل في دار السلام مع المُلْكِ الكبيرِ والنَّعِيمِ المُقِيمِ، وخسرانُه البُعْد من اللَّه عز وجل مع الأنْكَالِ والأَغْلاَلِ والعذاب الأليمِ في دَرَكَاتِ الجحيم، فالغافلُ عن نَفسِ واحدٍ من أنْفَاسِهِ، حتى يَنْقَضِيَ في غَيْرِ طاعةٍ تُقُرِّبُه إلى اللَّهِ تعالى زُلْفَى مُتَعَرِّضٌ في يوم التَّغابُن لغَبِينَةٍ وحَسْرَةٍ مَا لها مُنْتَهَى، ولهذا الخطرِ العظيمِ والخَطْبِ الهائلِ شَمَّر المُوفَّقُونَ عن ساقِ الجِدِّ، وَوَدَّعُوا بالكليةِ ملاذَّ النَّفْسِ، واغْتَنَمُوا بَقايَا العُمْرِ، فَعَمَّرُوها بالطاعاتِ، بِحَسَبِ تَكَرُّرِ الأوقَاتِ، انتهى، قال الشيخُ أبو مدين رحمه اللَّه: عُمْرُكَ نَفَسٌ وَاحِدٌ فَاحْرِصْ أنْ يَكُونَ لَكَ لاَ عليك، انتهى، واللَّه الموفِّقُ بفضلِه، و{النشور}: الحياةُ بعدَ الموتِ، و{تَمُورُ} معناه: تَذْهَبُ وتَجِيءُ، كما يَذْهَبُ التراب المَوَارُ في الرِّيحِ، والحَاصِبُ البَرْدُ ومَا جَرى مَجْرَاه، والنَّكِيرُ مَصْدَرٌ بمعنى الإنْكَارِ، والنَّذِيرُ كذَلِكَ ومنه قول حسان بن ثابت: [الوافر]
فَأُنْذِرُ مِثْلَهَا نُصْحاً قُرَيْشاً ** مِنَ الرحمن إنْ قَبِلَتْ نَذِيرِي

ثم أحال سبحانه على العِبْرَةِ في أمْرِ الطير وما أحكمَ من خِلْقَتِها، وذلك بيَّنَ عَجْزَ الأصنامِ والأوثانِ عنه، و{صافات} جَمْع صَافَّة، وهي التي تَبْسُطَ جَنَاحَها وتَصُفُّه، وقَبْضُ الجَنَاحِ ضَمُّه إلى الجنبِ، وهاتان حالتَان للطائر يَسْتَرِيحُ مِنْ إحْدَاهما إلى الأخرى.

.تفسير الآيات (21- 24):

{أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
وقوله سبحانه: {أَمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} هذا أيضاً توقيفٌ على أمْرٍ لاَ مَدْخَل للأصنامِ فيه.
وقوله سبحانه: {أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً على وَجْهِهِ} قال ابن عباس والضحاك ومجاهد: نزلَتْ مثَلاً للمؤمنينَ والكافرين؛ على العمومِ، وقال قتادةُ: نزلت مُخْبِرةً عن حال القِيَامَةِ، وأنَّ الكفارَ يَمْشُونَ على وجوهِهم، والمؤمنينَ يمشُون على استقامةٍ، كما جاء في الحديث، ويُقالُ: أكَبَّ الرجلُ إذا دَرَّ وَجْهَهُ إلَى الأَرْضِ، وكَبَّه غَيْرُهُ، قال عليه الصلاة والسلام: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» فَهَذَا الفِعْلُ على خلافِ القَاعِدَة المعلومةِ؛ لأَنَّ أَفْعَلْ هنا لا يتعدّى، وفَعَلَ يَتَعَدَّى، ونظيرُه قَشَعَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ فانْقَشَعَ، وقال * ص *: {مُكِبّاً} حالٌ وهو مِنْ أَكَبَّ غَيْرَ مُتَعَدٍّ، وَكَبَّ متعدٍ، قال تعالى: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النار} [النمل: 90] والهَمْزَةُ فيه للدخولِ في الشيءِ، أو للصيرورَةِ، ومطاوع كَبَّ: انْكَبّ، تَقُولُ كَبَبْتُه فانْكَبَّ، قال بَعْضُ الناس: ولاَ شَيْءَ من بناءِ أفْعَلَ مطاوعاً، انتهى، و{أهدى} في هذه الآية أفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الهُدَى.

.تفسير الآيات (25- 30):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} يريدونَ أمْرَ القيامةِ والعذابِ المتوعَّدِ به، ثم أمرَ سبحانَه نبيه عليه السلام أنْ يخبرَهم بأنَّ علمَ القيامةِ والوعدَ الصدقَ مما تفرَّدَ اللَّهُ سبحانه بعلمهِ.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} الضميرُ للعَذَابِ الذي تَضَمَّنَه الوعدُ، وهذهِ حكايةُ حَالٍ تأتِي، والمَعْنى: فإذا رأوه.
و{زُلْفَةً} معناه قريباً، قال الحسن: عِيَاناً.
و{سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} معناهُ: ظَهَرَ فيها السوءُ.
و{تَدَّعُونَ} معناه: تَتَدَاعَوْنَ أمْرَه بينكم، وقال الحسن: تدعون أنَّه لاَ جَنَّةَ ولاَ نار، ورُوِيَ في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ الله وَمَن مَّعِىَ...} الآية، أنَّهم كانُوا يَدْعُونَ على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابَه بالهلاكِ، فقال اللَّه تعالى لنبيه: قلْ لهم: أرأيتم إنْ أهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ معي أو رحمَنا، فمن يُجِيرُكُم مِنْ العذاب الذي يُوجِبُه كفرُكم؟، ثم وَقَفَهم سبحانه على مِيَاهِهِم التي يَعيشُونَ منها، إنْ غَارَتْ، أي: ذَهَبَتْ في الأرضِ، مَنْ يَجِيئُهم بماءٍ كثيرٍ كافٍ؟ * ص *: والغَوْرُ: مَصْدَرٌ بمعنى الغَائِر، انتهى، والمَعِينُ: فَعِيلٌ مِنْ مَعَنَ المَاءُ إذا كَثُرَ، وقالَ ابن عباس: مَعينٌ عَذْبٌ.

.تفسير سورة القلم:

وهي مكية بلا خلاف.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 7):

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)}
قوله عز وجل: {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ} {ن} حَرْفٌ مقطع في قول الجمهور، فيدخُلُه من الاخْتِلاَفِ ما يَدْخُلُ أوائِلَ السُّورِ، ويختصُّ هذَا الموضعُ مِنَ الأقوال، بأنْ قَالَ مُجاهِدٌ وابن عباس: {ن} اسْمُ الحوتِ الأعْظَمِ الَّذِي عَلَيْه الأَرضُونَ السَّبْعُ فِيما يُرْوَى، وقال ابن عباس أيضاً وغيره: {ن} اسمُ الدَّوَاةِ، فَمَنْ قَال بأنه اسْمُ الحوتِ جَعَلَ القَلَمَ القَلَمَ الذي خلقَه اللَّهُ وأمَرَهُ بِكَتْبِ الكائناتِ، وجَعَلَ الضميرَ في {يَسْطُرُونَ} للملائِكَةِ، ومَنْ قَال بأنَّ {ن} اسْمٌ للدَّوَاةِ جَعَلَ القَلم هَذَا القلمَ المتعارفَ بأيْدِي الناسِ؛ نَصَّ على ذَلِكَ ابنُ عَبّاسٍ وَجَعَل الضميرَ في {يَسْطُرُونَ} للنَّاسِ فَجَاء القَسَمُ على هذا بمجموع أمْرِ الكِتَابِ الذي هو قِوَامٌ للعلومِ والمعَارِفِ، وأمورِ الدنيا، والآخِرَةِ، فَإنَّ القَلَمَ أخُو اللسانِ، وعَضُدُ الإنْسَانِ، ومَطِيَّةُ الفِطْنَةِ، ونِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَامَّة، ورَوَى معاويةُ بن قرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{ن} لَوحٌ من نُورٍ». وقالَ ابنُ عباسٍ أيضاً وغيره: {ن} هو حَرْفٌ من حروفِ الرحمن، وقالوا إنَّه تَقَطَّع في القرآن {الر} و{حم} و{ن}، و{يَسْطُرُونَ}: معناه: يكْتُبُونَ سُطُوراً، فإنْ أرَادَ الملائكةَ فهُوَ كَتْبُ الأَعْمَالِ وَمَا يؤْمَرُون به، وإنْ أرادَ بني آدم؛ فهي الكُتُبُ المنزلةُ والعلومَ وما جَرَى مَجْرَاهَا، قال ابن العربي في أحكامه: رَوَى الوليدُ بن مُسْلِمٍ عَنْ مالكٍ عَنْ سُمَيٍّ مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: «أوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ، ثُمَّ خَلَق النّونَ، وهي الدوَّاةُ، وذَلِكَ قَوْلُه: {ن والقلم} ثم قَالَ لَهُ: اكتب؛ قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا كَانَ وَمَا هُو كَائِنٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، قال: ثُمَّ خَتَمَ العَمَلَ، فَلَمْ يَنْطِقْ وَلاَ يَنْطِقُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، ثُمَّ خَلَقَ العَقْلَ، فَقَالَ الجَبَّارُ: مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أعْجَبَ إليَّ مِنْكَ، وعِزَّتِي لأكَمِّلَنَّكَ فِيمَنْ أَحْبَبْتُ، وَلأَنْقُصَنَّكَ فِيمَنْ أَبْغَضْتُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلاً أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وأعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ» انتهى، * ت *: وهذا الحديثُ هُوَ الذي يُعَوَّلُ عليهِ في تفسير الآيةِ، لصحته، واللَّه سبحانه أعلم.
وقوله تعالى: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} هُوَ جَوابُ القَسَمِ، و{مَا} هُنَا عَاملةٌ لها اسْمٌ وَخَبَرٌ، وكذلِك هي متَى دَخَلَتِ البَاءُ في الخَبَرِ، وقوله: {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} اعْتِرَاضٌ، كما تقولُ لإنْسَانٍ: أنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ فاضلٌ، وسَبَبُ الآيةِ هُوَ مَا كَانَ من قريشٍ في رَمْيِهِم النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجُنُونِ، فَنَفَى اللَّهُ تعالى ذلك عنه، وأخبره بأنَّ له الأَجْرَ، وأنَّه على الخُلُقِ العظيمِ تَشْريفاً له، وَمَدْحاً واخْتُلِفَ في معنى {مَمْنُونٍ} فَقَال أكْثَرُ المفسرينَ: هو الوَاهِنُ المنْقَطِعُ، يقال: حَبْل مَنِينُ أي: ضعيفٌ، وقال آخرون: معناه: غير مَمْنُونٍ عَلَيْكَ، أي: لا يُكَدِّرُه مَنٌّ بِه، وفي الصحيحِ: سُئِلَتْ عائشةُ رضي اللَّه عنها عن خلقِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقَالَتْ: «كَانَ خُلقُهُ القُرْآنَ»، وقال الجُنَيْدُ: سمّي خلقُه عَظِيماً؛ إذ لَمْ تَكُنْ له همةٌ سِوَى اللَّهِ تعالى؛ عَاشَرَ الخَلْقَ بخُلُقِه، وزَايَلَهُمْ بِقَلْبهِ فكانَ ظاهرُه مَعَ الخلقِ، وباطِنهُ مع الحق، وفي وَصِيَّةِ بعض الحكماء: عليكَ بالخُلُقِ مَعَ الخَلْقِ، وبالصِّدقِ مَعَ الحقِّ، وحسْنُ الخلقِ خيرٌ كلّه، وقال عليه السلام:
«إنَّ المؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ، صَائِمِ النَّهَارِ» وَجَاءَ في حُسْنِ الخُلُقِ آثارٌ كثيرةٌ مَنَعَنَا مِنْ جَلْبِها خَشْيَةُ الإطَالةِ، وقد رَوَى الترمذيُّ عَنْ أبي هريرةَ قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ؟ فقَال: تَقْوَى اللَّهِ وحُسْنُ الخُلُقِ، وسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ: الفَمُ وَالْفَرْجُ»، قَالَ أبو عيسى: هذَا حديثٌ صحيحٌ غَرِيبٌ، انتهى، ورَوى الترمذيُّ عَنْ أبي الدرداءِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ في مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ من خُلُقٍ حَسَنٍ، وإنَّ اللَّهَ لَيَبْغَضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ»، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، انتهى، قَال أبو عُمَرَ في التمهيد: قال اللَّه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قَال المفسرونَ: كان خلقُهُ مَا قَالَ اللَّهُ سبحانَه: {خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين} [الأعراف: 199] انتهى.
وقَوْلهُ تعالى: {فَسَتُبْصِرُ} أي: أنْتَ وأمَّتكَ، {وَيُبْصِرُونَ} أي: هُمُ، {بِأَييِّكُمُ المفتون} قال الأخفش: والعاملُ في الجملةِ المسْتَفْهَمُ عَنْها الإبصَارُ، وأمّا البَاءُ فقال أبو عبيدةَ معمر وقتادةُ: هي زائدةٌ والمعنى: أيكم المفتونُ، قال الثعلبيّ: المفْتُونُ المَجْنُونُ الذي فَتَنَهُ الشيطانُ، انتهى.