فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (1- 3):

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)}
قوله عز وجل: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} أصل {عم}: عَنْ مَا ثُمَّ أُدْغمتِ النونُ بَعْدَ قَلْبِهَا في الميم لاشْتِرَاكِهِما في الغُنَّة فبقي عما في الخبرِ وفي الاستفهام، ثم حذفوا الألفَ في الاستفهامِ فرقاً بينَه وبين الخبر، ثم مِنَ العرب مَنْ يخففُ الميم فيقول: {عَمْ}، وهذا الاستفهامُ ب عم استفهامُ توقيفٍ وتعجيبٍ، و{النبإ العظيم} قال ابن عباس وقتادة: هو الشَّرعُ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وقال مجاهد: هو القرآن خاصةً، وقال قتادة أيضاً: هو البعثُ من القبور، والضميرُ في: {يَتَسَاءَلُونَ} لكفارِ قريشٍ ومن نَحا نَحْوَهم، وأكْثَر النحاة أن قوله: {عَنِ النبإ العظيم} متعلقٌ ب {يَتَسَاءَلُونَ}، وقال الزجاج: الكلام تامُّ في قوله: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ثُمَّ كان مقتضَى القولِ أن يجيبَ مجيبٌ فيقول: يتساءلونَ عن النبأ العظيم، وله أمثلة في القرآن اقتضَاها إيجازُ القرآن وبلاغتُه، واختلافُهم هو شكُّ بعضٍ وتكذيبُ بعضٍ، وقولهُم: سِحْرٌ وكهانةٌ إلى غير ذلك من باطلِهم.

.تفسير الآيات (4- 7):

{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)}
وقوله تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} رَدّ على الكفارِ في تكذيبِهم ووعيدٌ لهم في المستقبلِ، وكَرَّرَ عليهمُ الزَّجْرَ والوعيدَ تأكيداً، والمعنى: سيعلمون عاقبةَ تكذيبِهم،، ثم وقفَهُم تعالى ودَلَّهم على آياتِه، وغرائبِ مخلوقاتِه، وقدرته التي تُوجِبُ للناظرِ فيها؛ الإقْرَارَ بالبعثِ والإيمانَ باللَّه تعالى، * ت *: وفي ضِمْنِ ذلكَ تَعْدِيدُ نِعَمِهِ سبحانه التي يجب شُكْرُها، والمِهادَ: الفراشُ المُمَهَّدُ، وشَبَّه الجبالَ بالأوتادِ؛ لأنها تَمْنَعُ الأرضَ أن تَمِيد بهم.

.تفسير الآيات (8- 23):

{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)}
{وخلقناكم أزواجا} أي: أنواعاً، والسُّبَاتُ: السُّكُونُ، وسَبَتَ الرجلُ: معناه استراحَ، ورُوِّينَا في سنن أبي داودَ عن معاذِ بن جبلٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ طَاهِراً فَيَتَعَارُّ مِنَ الليلِ، فَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى خَيْراً مِنْ أمُورِ الدنيا والآخِرَةِ إلاَّ أعطَاهُ اللَّه إياه»؛ ورَوَى أبو داودَ عن بعضِ آلِ أم سلمةَ قال: كان فراشُ النبي صلى الله عليه وسلم نحواً مِمَّا يوضَعُ الإنْسَانُ في قبره، وكانَ المسجدُ عِنْدَ رأْسِهِ، انتهى، و{لِبَاساً} مصدرٌ، وكأنَّ الليلَ كذلكَ مِنْ حيثُ يَغْشَى الأشْخَاصَ، فهي تَلْبِسُه وَتتدَرَعُه، و{النهار مَعَاشاً} على حذفِ مضافٍ، أو على النَّسَبِ، والسبعُ الشدادُ: السمواتُ، والسراجُ: الشمسُ، والوهَّاج: الحارُّ المضْطَرِمُ الاتِّقادِ المُتَعَالِي اللهبِ، قالَ ابن عباس وغيره: {المعصرات} السحائب القاطِرة، وهو مَأْخوذٌ مِن العَصْرِ؛ لأن السَحابَ يَنْعَصِرُ فيخرج منه الماءُ، وهذا قول الجمهور، والثَّجَاج: السريعُ الاندفاعِ، كما يَنْدَفِع الدمُ مِنْ عروقِ الذبيحةِ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «وَقَدْ قِيلَ له ما أفْضَلُ الحَجِّ؟ فقال: العَجُّ والثَجُّ» أرادَ التَّضَرّعُ إلى اللَّهِ تعالى بالدعاءِ الجَهيرِ، وذَبْحِ الهَدْيِ، و{أَلْفَافاً} أي: مُلْتَفَّةَ الأغْصَانِ والأوراقِ، و{يَوْمَ الفصل} هُو يوم القيامةِ، والأفواجُ: الجماعاتُ، يتلو بعضُها بعضاً، {وفُتِحَتِ السماء} بتشديد التَّاء قراءةُ نافعٍ وأبي عمرٍو وابن كثير وابن عامر، والباقون دون تشديد.
وقوله تعالى: {فَكَانَتْ أبوابا} قيل معناه: تَتَشَقَّقُ حتَى يكونَ فيها فُتُوحٌ كالأَبوابِ في الجدرات، وقيل: إنها تتقطعُ السماء قِطَعاً صغاراً حتى تكونَ كألواح الأَبواب، والقولُ الأول أحسَنُ، وقد قال بعض أهل العلم: تَنْفَتِح في السماء أبواب للملائِكَةِ من حيثُ ينزلونَ ويصعَدون.
وقوله تعالى: {فَكَانَتْ سَرَاباً} عبارةٌ عَنْ تَلاشِيها بعد كونها هباءً مُنْبَثًّا، و{مِرْصَاداً}: مَوْضع الرصدِ، وقيل: {مِرْصَاداً} بمعنى رَاصِدٍ، والأحقاب: جمع حُقُبٍ وهي المدةُ الطويلةُ من الدهر غيرَ محدودة، وقال ابن عباس وابن عمر الحُقْبُ: ثمانونَ سنةٍ. وقال أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثلاثون ألفَ سَنَة، وقد أكثر الناسُ في هذا، واللازمُ أنّ اللَّه تعالى أخبرَ عن الكفارِ أنهم يلبثُونَ أحْقَاباً، كلما مَرَّ حُقْبٌ جَاءَ غيره إلى غير نهاية، نجانا اللَّه من سَخَطِه، قال الحسنُ: ليسَ للأحْقَابِ عِدَّةٌ إلا الخلودُ في النار.

.تفسير الآيات (24- 37):

{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)}
وقوله سبحانه: {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً...} الآية، قال الجمهورُ: البَرْدُ في الآية مَسُّ الهَوَاءِ البَاردِ، أي: لا يمسُّهم منه مَا يُسْتَلَذُّ، وقال أبو عبيدة وغيره: البردُ في الآية النوم، والعَرَبُ تُسَمِّيه بذلكَ لأنَّه يُبَرِّدُ سورَةَ العَطَشِ، وقال ابن عباس: البردُ الشرابُ البارد المستلذّ، وقال قتادة وجماعة: الغَسَّاقُ: هو ما يسيل من أجْسَامِ أهل النارِ من صديدٍ ونحوِه.
وقوله تعالى: {وفاقا} معناه لأعمالِهم وكفرِهم، و{لاَ يَرْجُونَ} قال أبو عبيدَة وغيره معناه: لا يَخافُونَ، وقال غيره: الرجاء هنا على بابه، و{كِذَّاباً} مصدرٌ لغةٌ فصيحةٌ يَمَانِيَّة، وعن ابن عمرَ قال: ما نَزَلَتْ في أهل النار آية أشدَ مِن قوله تعالى: {فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} ورواه أبو هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحدائقُ: هي البساتينُ علَيها حَلَقٌ وحظائرُ وجدرات، البخاريِّ، {وَكَوَاعِبَ} أي: نَوَاهد، انتهى، والدِّهَاقُ: المُتْرَعَة؛ فيما قال الجمهورُ، وقيل: الصافيةُ، وقال مجاهد: متتابعةٌ، وعبارة البخاريِّ وقال ابن عباس: {دِهَاقاً}: ممتلِئة، انتهى، و{كِذَّاباً}: مصدرٌ وهو الكَذِبُ.
وقوله: {عَطَاءً حِسَاباً} أي: كَافِياً؛ قاله الجمهور من قولهم، أحْسَبَنِي هذَا الأمْرُ، أي: كَفَاني، ومنه حَسْبِي اللَّهُ، وقال مجاهد: {حِسَاباً} معناه: بتَقْسِيطٍ، فالحِسَابُ على هذا بمَوازنةِ أعمالِ القَومِ؛ إذ منهم المُكْثِرُ مِنَ الأعمال، والمُقِلُّ ولكلٍ بحسْبِ عملهِ.
وقوله تعالى: {لاَّ يَمْلِكُونَ} الضميرُ للكفارِ، أي: لاَ يَمْلِكُونَ منْ أفضالهِ وإجماله سبحانه أنْ يخاطبوه بمعذرةٍ ولا غيرها؛ وهذا أيضاً في موطنٍ خاصٍّ.

.تفسير الآيات (38- 40):

{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)}
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الروح} اخْتُلِفَ في الرُّوحِ المذكورِ هنا فقال الشعبي والضحاك: هو جبريلُ عليه السلام؛ وقال ابن مسعودٍ: هو مَلَكٌ عظيم أكبرُ الملائكةِ خِلْقَةً يسمَى الرُّوح، وقال ابن زيد: هو القرآن، وقال مجاهدٌ: الروحُ خَلْقٌ على صورة بني آدمَ يأكلُون ويَشْرَبُونَ، وقالَ ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الرُّوحُ خَلْقٌ غَيْرُ المَلاَئِكَةِ هُمْ حَفَظَةٌ لِلْمَلاَئِكَةِ؛ كَمَا المَلاَئِكَةُ حَفَظَةٌ لَنَا»، وقيلَ الرُّوح اسمُ جنسٍ لأرواحِ بني آدم، والمعنى: يوم تَقُوم الأرواحُ في أجسادها إثْرَ البَعْثِ، ويكونُ الجميعُ من الإنس والملائِكَةِ صفًّا ولاَ يتكلمُ أحدٌ منهم هَيْبَةً وفَزَعاً إلا مَنْ أذنَ له الرحمنُ مِنْ مَلَكٍ أو نبي؛ وكان أهلاً أنْ يقولَ صواباً في ذلك الموطنِ، وقال البخاريُّ: {صَوَاباً}: حَقًّا في الدنيا وعَمِلَ به، انتهى،، وفي قوله: {فَمَن شَاءَ اتخذ إلى رَبِّهِ مَئَاباً} وعدٌ ووعيدٌ وتحريضٌ، والعذابُ القريبُ: هو عذاب الآخرةِ، إذ كلُّ آتٍ قريبٌ، وقال أبو هريرةَ وعبدُ اللَّه بن عمر: إن اللَّه تعالى يُحْضِرُ البهائم يَومَ القيامةِ فيقتصُّ لبعضها من بعضٍ، ثم يقول لَها بَعْدَ ذلكَ: كوني تراباً فيعودُ جميعُها تراباً؛ فعند ذلك يقول الكافر: {ياليتنى كُنتُ ترابا} * قلت *: وَاعْلَمْ رحمكَ اللَّه أَني لم أقفْ على حديثٍ صحيحٍ في عَوْدِها تراباً، وقدْ نَقَلَ الشيخُ أبُو العباسِ القَسْطَلاَّنِيُّ عن الشيخ أبي الحكم بن أبي الرَّجَّالِ إنكارَ هذا القولِ، وقال: ما نُفِثَ روحُ الحياةِ في شَيْءٍ فَفَنِيَ بَعْدَ وجودِه، وقد نقَلَ الفَخْرُ هنا عن قَوْم بقاءَها وأن هذه الحيواناتِ إذا انْتَهَتْ مدةُ إعراضِها جعلَ اللَّه كلَّ ما كانَ مِنْهَا حَسَنَ الصُّورَةِ ثواباً لأهلِ الجنةِ، وما كانَ قَبيحَ الصورةِ عقاباً لأَهْلِ النارِ، انتهى، والمُعَوَّلُ عليه في هذا: النقلُ فإنْ صَحَّ فيه شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وَجَبَ اعْتِقَادُه وصِيرَ إليه، وإلا فلا مدخلَ للعَقْلِ هنا، واللَّه أعلم.

.تفسير سورة والنازعات:

وهي مكية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 9):

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)}
قوله عز وجل: {والنازعات غَرْقاً} قال ابن عباس وابن مسعود: {النازعات}: الملائكةُ، تَنْزِعُ نفوسَ بني آدم، و{غَرْقاً} على هذا القول إما أن يكونَ مصدراً بمعنى الإغْراقِ والمبالغةِ في الفعل، وإما أنْ يكونَ كما قال علي وابن عباس: تُغْرِقُ نفوسَ الكفرةِ في نار جهنم، وقيل غيرُ هذا، واخْتُلِفَ في {الناشطات} فقال ابن عباس ومجاهد: هي الملائكةُ تَنْشطُ النفوسَ عند الموتِ، أي: تَحُلُّها كَحَلِّ العِقَالِ، وتَنْشَطُ بأمْرِ اللَّه إلى حيثُ شَاء، وقال ابن عباس أيضاً: الناشطاتُ النفوسُ المؤمِنَة تَنْشَط عند الموتِ للخروج، * ت *: زاد الثعلبيُّ عنه: وذلك أنَّه ليسَ مؤمنٌ يَحْضُرُهُ الموتُ إلا عُرِضَتْ عليه الجنةُ قَبْلَ أَن يموتَ فَيَرى فيها أشْبَاهَاً من أهلِه وأزْواجهِ من الحُور العينِ، فَهُمْ يَدْعُونه إليها فَنَفْسُه إليهم نَشِيطَة أن تخرج فتأتيهم، انتهى، وقيل غيرُ هذا واخْتُلِف في {السابحات} هنا فقِيلَ: هي النجوُمُ، وقيل: هي الملائِكَةُ؛ لأَنَّهَا تَتَصَّرفُ في الآفاقِ بأمْرِ اللَّه، وقيلَ: هي الخيلُ، وقيل: هي السفنُ، وقيل: هي الحيتانُ ودوابُّ البَحْرِ، واللَّه أعلم، واخْتُلِفَ في {السابقات}، فقيلَ هي الملائكةُ، وقيل: الرياحُ، وقيل: الخيلُ، وقيل: النُّجُوم، وقيل: المَنايَا تَسْبِقُ الآمالَ، وأما {المدبرات} فَهِي الملائكة قَولاً واحداً فيما علمتُ، تدبّر الأمورَ التي سخَّرَها اللَّهُ لَها وصَرَّفَها فيها؛ كالرياحِ والسحابِ، وغير ذلك، و{الراجفة} النفخةُ الأولى، و{الرادفة} النفخة الأخِيرَة، وقال ابن زيد: {الراجفة}: الموتُ، و{الرادفة}: الساعة، وفي جَامِع الترمذي عن أُبيِّ بن كَعْبٍ قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ، اذكروا اللَّهَ، اذكروا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُها الرَّادِفَةُ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيه، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ» الحديثَ، قَال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ، انْتَهَى، وقد أتى به * ع * هنا وقال: إذا ذَهَبَ رُبُعُ الليل، والصوابُ ما تقدَّم، ثم أخبرَ تعالى عن قلوبٍ تَجِفُ في ذلكَ اليومِ، أي: تَرْتَعِدُ خوفاً وفَرَقاً من العذابِ، واخْتُلِفَ في جوابِ القسم: أين هو؟ فقال الزجاج والفراء: هو محذوفٌ دَلَّ عليهِ الظاهرُ تقديرُه: لَتَبْعَثُنَّ ونحوُه، وقال آخرونَ: هو موجودٌ في جملة قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} كأنه قَال لَتَجِفَنَّ قلوبُ قومٍ يومَ كَذَا.

.تفسير الآيات (10- 29):

{يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)}
وقوله تعالى: {يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ في الحافرة} حكايةُ حالِهم في الدنيا، والمعنَى: هم الذينَ يقولونَ، و{الحافرة}: قال مجاهد والخليل: هي الأرضُ، حافرة بمعنى مَحْفُورَة، والمرادُ: القبورُ والمعنى: أئنا لمردُودُون أحْيَاءً في قبورِنا؟، وقيل غير هذا، و{نَّخِرَةً} معناه بالية، وقرأ حمزة {نَاخِرَةٌ} بألف، والنَّاخِرةُ المصوِّتَةُ بالريحِ المُجَوَّفَة، وحُكِيَ عَنْ أبي عُبَيْدَة وغيره: أن الناخرةَ والنَّخِرَةَ بمعنًى واحد، وقولهم: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسرة} أي: إذ هي إلى النارِ لتكذيبِهم بالبعثِ، وقال الحسن: {خاسرة} معناه عندَهم كاذبة، أي: ليست بكائِنةٍ، ثم أخبر تعالى عن حالِ القيامةِ فقال: {إنما هي زجرة واحدة} أي: نفخةٌ في الصور، {فَإِذَا هُم بالساهرة} وهي أرضُ المحشر.
وقوله: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} اسْتِدْعَاءٌ حسنٌ، والتزكِّي: التَّطهرُ من النَقَائِص، والتلبُّسِ بالفَضَائِل، ثم فَسَّر لَه موسى التزكِّي الذِي دَعَاه إليه بقوله: {وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى} والعلمُ تابعٌ للهدى، والخَشْيَةُ تابعةٌ للعِلْمِ، {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] {الآية الكبرى} العَصَا واليدُ؛ قاله مجاهد وغَيره: و{أَدْبَرَ}: كِنَايَةً عن إعْرَاضِه، وقيل: حقيقةً قَامَ مُوَلِّيًا عن مُجَالَسَةِ موسى، {فَحَشَرَ} أي: جمع أهل مملكتِه، وقولُ فرعونَ: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} نهايةٌ في السِّخَافَةِ والمَخْرَقَةِ، قال ابن زيد: {نَكَالَ الأخرة} أي: الدار الآخرة، و{الأولى}: يعني: الدنيا، أخَذَه اللَّهُ بعذابِ جهنَّمَ وبالغَرَقِ، وقيل غيرُ هذا، ثم وقفهم سبحانه مخاطبةً مِنْه تعالى للعَالَم؛ والمقصدُ الكفارُ فقال: {ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً...} الآية، والسَّمْكُ: الارْتِفَاعُ، الثعلبي: والمعنى: أأنتم أيها المنكرونَ للبعثِ أشَدُّ خلقاً أم السَّماءُ أشد خلقاً، ثم بيَّن كَيْفَ خَلَقَها، أي: فالذي قَدِرَ على خَلْقِها قادرٌ على إحيائِكم بعدَ الموتِ، نظيره: {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض} [يس: 81] انتهى، و{أَغْطَشَ} معناه: أظْلَمَ.

.تفسير الآيات (30- 36):

{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)}
وقوله تعالى: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} متوجِّه على أن اللَّهَ خلقَ الأرضَ ولم يَدْحُهَا ثم استوى إلى السَّمَاءِ وهي دُخَانُ فخلقَها، وبنَاها، ثم دَحَا الأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، ودَحْوُها بَسْطُها، وباقي الآية بيِّنٌ، و{الطامة الكبرى} هي يومُ القيامة؛ قاله ابن عباس وغيره.

.تفسير الآيات (37- 41):

{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}
{فَأَمَّا مَن طغى} أي تجاوزَ الحَدَّ، {وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} على الآخرةِ لتكذيبه بالآخرةِ، و{مَقَامَ رَبِّهِ} هو يومُ القِيَامَةِ، وإنما المرادُ مَقَامُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، و{الهوى} هو شَهَواتُ النفسِ؛ وما جرى مَجْرَاها المذمومة.