فصل: (كِتَابُ الْإِيلَاءِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(كِتَابُ الرَّجْعَةِ):

هِيَ الْمُرَاجَعَةُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِجَاعِ الْمُطَلِّقِ مُطَلَّقَتَهُ عَلَى حُكْمِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ تَثْبُتُ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ جُمْلَةَ عَدَدِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهَا عِوَضٌ وَيُعْتَبَرُ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْضَ) إنَّمَا شُرِطَ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إذَا انْقَضَتْ زَالَ الْمِلْكُ وَحُقُوقُهُ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الظِّهَارِ عَلَيْهَا وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالتَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً بِالْإِجْمَاعِ وَلِلزَّوْجِ إمْسَاكُ زَوْجَتِهِ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} سَمَّاهُ بَعْلًا وَهَذَا يَقْتَضِي بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَالرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْتُ امْرَأَتِي) هَذَا صَرِيحُ الرَّجْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَقَوْلُهُ رَاجَعْتُك هَذَا فِي الْحَضْرَةِ وَقَوْلُهُ رَاجَعْت امْرَأَتِي فِي الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ ثُمَّ الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا شَاهِدِينَ وَيُعْلِمَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لَهَا رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِذَلِكَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْفِعْلِ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا عِنْدَنَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ نَظَرَ إلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ مُرَاجِعًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ) يَعْنِي الْفَرْجَ الدَّاخِلَ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ انْكِبَابِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا عِوَضَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِهِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا صَارَ مُرَاجِعًا لَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ امْرَأَتِي وَنَوَى الرَّجْعَةَ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ هُوَ رَجْعَةٌ وَمِنْ أَلْفَاظِ الرَّجْعَةِ أَيْضًا رَدَدْتُك وَأَمْسَكْتُك أَوْ أَنْتَ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ كِنَايَاتُ الرَّجْعَةِ وَلَوْ جَامَعَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ صَارَ مُرَاجِعًا وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ يَعْنِي عَلَى الْفَمِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْخَدِّ أَوْ الذَّقَنِ أَوْ الْجَبْهَةِ أَوْ الرَّأْسِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَظَاهِرُ مَا أَطْلَقَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ تُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ.
وَكَذَا إذَا لَمَسَتْهُ هِيَ أَيْضًا بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمَسَتْهُ فَتَرَكَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَهُوَ رَجْعَةٌ وَإِنْ مَنَعَهَا وَلَمْ يَتْرُكْهَا لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا لَمَسَتْهُ مُخْتَلِسَةً وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ نَائِمٌ أَوْ زَائِلُ الْعَقْلِ وَأَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا إذَا تَرَكَهَا وَهُوَ يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً بِالْإِجْمَاعِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ لَا يُشَاهِدُونَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لِلشَّهْوَةِ نَشَاطٌ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْجِمَاعِ جَازَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى شَرْطِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ نَظَرَتْ هِيَ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رَجْعَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَإِنْ نَظَرَ إلَى دُبُرِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْفَرْجِ.
وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إذَا فَعَلْت كَذَا فَهَذَا لَا يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ) يَقُولُ لَهُمَا: اشْهَدَا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ أَوْ مَا يُؤَدِّي عَنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَلَا تُصَدِّقُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ لِلْآيَةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْإِشْهَادِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وقَوْله تَعَالَى {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِشْهَادَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلِأَنَّهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ كَيْ لَا يَجْرِيَ التَّنَاكُرُ فِيهَا وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ أَيْ قَرَنَ الْمُرَاجَعَةَ بِالْمُفَارَقَةِ فِي قَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَالْإِشْهَادُ فِي الْمُفَارَقَةِ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا فِي الْمُرَاجَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الَّتِي لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي النِّكَاحِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ).
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَتُسْتَحْلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا بِنُكُولِهَا تَبْذُلُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالْكَوْنِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَهَذَا مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ فَلِهَذَا صَحَّ مِنْهَا وَلَا يُقَالُ إذَا نَكَلَتْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَالرَّجْعَةُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا فَنَقُولُ إنَّمَا ثَبَتَ بِنُكُولِهَا الْعِدَّةُ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لَا بِقَوْلِهَا وَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِالْكَلَامِ فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي فَقَالَ الزَّوْجُ مُجِيبًا لَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهَا: رَاجَعْتُك لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ لِلزَّوْجِ فَشَابَهُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَلَهُمَا أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَى الزَّوْجِ وَالْعِدَّةَ مِنْ الْأَمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَالَ لِلزَّوْجِ أَنْتَ قَدْ رَاجَعْتهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ وَقَدْ ظَهَرَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لِعَشْرَةِ أَيَّامٍ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ)؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ) كَامِلَةً؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ أَوْ مُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَانْقَطَعَتْ رَجْعَتُهَا سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لِأَقَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ لَا يَلْزَمُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ، وَهَذَا إذَا انْقَطَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَإِنْ انْقَطَعَ آخِرَهُ يُعْتَبَرُ أَدْنَى وَقْتٍ تَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَيَمَّمَتْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً فَتَيَمَّمَتْ.
لَهُمَا إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهَا وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالتَّيَمُّمِ حُكْمٌ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ لَمْ تُبْطِلْ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَارَ كَالْغُسْلِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا تَيَمَّمَتْ اسْتَبَاحَتْ بِهِ مَا تَسْتَبِيحُهُ بِالْغُسْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ، ثُمَّ قِيلَ: تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا، وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) وَذَلِكَ قَدْرُ إصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ غَسَلَتْ أَكْثَرَ بَدَنِهَا، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ تَبْقَى الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ بِبَقَائِهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْتَسِلْ.
وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا تَيَقُّنَ لِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا: تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ إلَّا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ احْتِيَاطًا وَأَمَّا إذَا بَقِيَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ قَالَ مُحَمَّدٌ أُبِينُهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ مَا لَمْ تَأْتِ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ فِي عُضْوٍ كَامِلٍ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِمَا وَالرَّجْعَةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاحْتِيَاطُ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالشَّكِّ، وَلَا تَسْتَبِيحُ الْأَزْوَاجَ بِالشَّكِّ وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَتَيَمَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا بَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ فَاعْتُبِرَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَيْثِيَّتَيْنِ فَقَالُوا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّقُ وَتَتَزَيَّنُ)؛ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ: تَتَشَوَّقُ أَيْ تَنْتَظِرُ وَتَتَطَاوَلُ كَيْ يَرَاهَا الزَّوْجُ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا) يَعْنِي بِالتَّنَحْنُحِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُسْمِعَهَا خَفْقَ نَعْلَيْهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمُرَاجَعَةَ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ مُتَجَرِّدَةً فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إلَّا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَكَادَتْ تَبِينُ مِنْهُ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَشْهُرٍ مُضَارَّةً لَهَا بِذَلِكَ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَارَّ امْرَأَتَهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ} الْآيَةَ وَمَعْنَاهَا {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ} تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أَيْ قَارَبْنَ وَقْتَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أَيْ أَمْسِكُوهُنَّ بِالرَّجْعَةِ عَلَى أَحْسَنِ الصُّحْبَةِ لَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أَيْ اُتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} أَيْ وَلَا تَحْبِسُوهُنَّ مُضَارَّةً لَهُنَّ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ {لِتَعْتَدُوا} عَلَيْهِنَّ أَيْ تَظْلِمُوهُنَّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجَعْتهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} نَزَلَتْ فِي الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ الرَّجْعِيِّ فَإِنْ قِيلَ الرَّجْعَةُ تَصِحُّ بِدَلَالَةِ فِعْلٍ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ فَلِمَ لَا تَكُونُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا رَجْعَةً قُلْنَا الْمُسَافَرَةُ لَا تَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ السُّكْنَى مَعَهَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً فَكَذَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُهُ وَفَائِدَتُهُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُ يَجِبُ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا.
لَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا وَيَلْحَقُهَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَاللِّعَانُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ دَخَلَتْ فِي جُمْلَتِهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا)؛ لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهُ وَلَهُ مَنْعُ الْغَيْرِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا) الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ الْوَطْءُ حَقِيقَةً وَثَبَتَ شَرْطُ الْوَطْءِ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ قَدْ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ يُزَادُ عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَأَغْلَقَ الْبَابَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَكَشَفَ الْخِمَارَ ثُمَّ فَارَقَهَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ» وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} قُلْنَا لَا حُجَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ وَالزَّوْجَ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ أَمْرَيْنِ وَلَوْ كَانَ يَكْفِي أَحَدُهُمَا لَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْوَطْءِ هُوَ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ كَمَالٌ وَمُبَالَغَةُ وَالْكَمَالِ قَيْدٌ وَالنَّصُّ مُطْلَقٌ وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ الْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ ثَالِثٍ فَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلَيْنِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ.
مَسْأَلَةٌ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ مُفْضَاةً فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَصَلَ فِي الدُّبُرِ فَإِذَا حَبِلَتْ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي الْقُبُلِ وَقَدْ نَظَمَ الْفَقِيهُ الْأَجَلُّ سِرَاجُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيِّ بِنْ مُوسَى الْهَامِلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ نَظْمًا جَيِّدًا فَقَالَ وَفِي الْمُفْضَاةِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَهْ لَدَى مَنْ لَيْسَ يَعْرِفُهَا غَرِيبَهْ إذَا حَرُمَتْ عَلَى زَوْجٍ وَحَلَّتْ لِثَانٍ نَالَ مِنْ وَطْءٍ نَصِيبَهْ فَطَلَّقَهَا فَلَمْ تَحْبِلْ فَلَيْسَتْ حَلَالًا لِلْقَدِيمِ وَلَا خَطِيبَهْ لِشَكٍّ أَنَّ ذَاكَ الْوَطْءَ مِنْهَا بِفَرْجٍ أَوْ شَكِيلَتِهِ الْقَرِيبَهْ فَإِنْ حَبِلَتْ فَقَدْ وُطِئَتْ بِفَرْجٍ وَلَمْ تَبْقَ الشُّكُوكُ لَنَا مُرِيبَهْ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّحْلِيلِ كَالْبَالِغِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ آلَتُهُ تَتَحَرَّك وَتَشْتَهِي وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ بِوَطْئِهِ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي مَسْلُولًا يَنْتَشِرُ وَيُجَامِعُ حَلَّتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ الْمُخَالَطَةُ وَإِنَّمَا يُعْدَمُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَارَ كَالْفَحْلِ إذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ وَالْمَسْلُولُ هُوَ الَّذِي خُلِسَتْ أُنْثَيَاهُ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ فَإِنَّ وَطْأَهُ لَا يَحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا الْمُلَاصَقَةُ وَالْإِبَاحَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ مُحْصَنَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً.
قَوْلُهُ: (وَوَطْءُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لَا يَحِلُّهَا لَهُ)؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ مِنْ زَوْجٍ وَالْمَوْلَى لَيْسَ بِزَوْجٍ وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَقَدْ قَالُوا فِي الْأَمَةِ إذَا اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ وَقَدْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ وَيَدْخُلَ بِهَا وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَوْجَبَ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِوَطْءِ الزَّوْجِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَوْ لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَقَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، قِيلَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ الْمُحَلِّلُ»، وَهَذَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحَلِّلَكِ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا أَضْمَرَ الثَّانِي فِي قَلْبِهِ الْإِحْلَالَ لِلْأَوَّلِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْعَقْدِ لَفْظًا وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَقَوْلُهُ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ يَعْنِي لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَقَّتِ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِمَنْعِ مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُورِثِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ)، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْتُ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ) إنَّمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ: إنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَدْخُلْ بِي إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرْطِ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ لَمْ تُصَدَّقْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِهِ صُدِّقَتْ وَأَمَّا إذَا ذَكَرَتْهُ مُطَوَّلًا كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك لَا تَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا وَلَمْ تُخْبِرْهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ أَتَزَوَّجْ زَوْجًا آخَرَ أَوْ تَزَوَّجْتُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَعْرِفُ شَرَائِطَ الْحِلِّ فَدُخُولُهَا فِي الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ أَنْكَرَ الدُّخُولَ وَادَّعَتْ هِيَ الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَهِيَ تُنْكِرُ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُصَدِّقُ الثَّانِي عَلَيْهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الْإِيلَاءِ):

هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْيَمِينُ وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْإِيلَاءُ مَمْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ آلَى إيلَاءً وَالْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَأَنْتِ حَائِضٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَلَمْ يَكُنْ الْمَنْعُ مُضَافًا إلَى الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَقْرَبُكِ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَطَؤُكِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَأَرَادَ بِهِ الْجِمَاعَ فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أَطَؤُكِ أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْكِ مِنْ جَنَابَةٍ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُمْسِكُ أَوْ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُك أَوْ لَا أَدْنُو مِنْك أَوْ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك أَوْ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهَا الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا.
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا أَوْ لَا يَغْشَاهَا إنْ نَوَى الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَيَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ إنْ قَرَبْتُكِ وَإِنْ جَعَلَ لِلْإِيلَاءِ غَايَةً إنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ كَانَ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ لَا أَقْرَبُكِ إلَّا فِي مَكَانِ كَذَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَفْطِمِي طِفْلَك وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِطَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى وُجُودُ ذَلِكَ سَاعَةً فَسَاعَةً وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ فِي الْمُدَّةِ لَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَمُوتِي أَوْ تُقْتَلِي أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ أُقْتَلَ أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَك ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إجْمَاعًا.
وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَقَالَ لَا: أَقْرَبُكِ حَتَّى أَمْلِكَك أَوْ أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْك يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَكَذَا لَوْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ شِرَاءً فَاسِدًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي وَأَقْبِضَك كَانَ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ كَانَ مُولِيًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي الْأُخْرَى طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قَالَ: فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ وَإِنْ قَالَ فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ جَعَلَهُ غَايَةً فَقَالَ حَتَّى أُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي كَانَ مُولِيًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا.
وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى يُجْعَلُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى يَوْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ صَارَ كُلُّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ كَأَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: صُمْت فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَوْمًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي ابْتِدَائِهِمَا وَأَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا وَأَمَّا إذَا قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ كَانَ مُولِيًا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا بَقِيَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَرْتَفِعُ بِالْحِنْثِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ) بَائِنَةٍ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ)؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِهَا فَزَالَتْ بِانْقِضَائِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ)؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ إلَّا إنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْعُ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا عَادَ الْإِيلَاءُ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ (فَإِنْ وَطِئَهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى) فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ حِينِ التَّزْوِيجِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا عَادَ الْإِيلَاءُ وَوَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إنْ لَمْ يَقْرَبْهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ مَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ) لِتَقْيِيدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكَ وَالْآنَ قَدْ اسْتَفَادَ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْيَمِينِ، وَلَا أَضَافَ يَمِينَهُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) لِعَدَمِ الْحِنْثِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِوُجُودِ الْحِنْثِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا)؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى جِمَاعِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ، وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى بِشَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ يَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْمَنْعِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْي صَارَ الثَّانِي إيجَابًا آخَرَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَا أَجَلَيْنِ فَتَدَاخَلَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَنَّ الْيَمِينَ يَنْقَضِي بِيَوْمَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مُولٍ) لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ أَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهِ مَالٌ فِي الْغَالِبِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِعُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إلَى مَالٍ، وَالْهَدْيُ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا الصَّوْمُ مِنْ مُوجِبِ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالِاعْتِكَافُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا إنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ يَمْضِي قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى أَمْكَنَهُ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى وَطْئِهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِصِيَامٍ يَلْزَمُهُ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى وَطْئِهَا إلَّا بِمَعْنًى يَلْزَمُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْيَمِينِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِظِهَارٍ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ حَلَفَ بِصَلَاةٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ وَزُفَرُ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ يَصِحُّ إيجَابُهَا بِالنَّذْرِ فَصَارَتْ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَلَهُمَا إنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْأَيْمَانِ وَلَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهَا مَالٌ فِي الْغَالِبِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ بِالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَأَمَّا إذَا آلَى بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ يَكُونُ مُولِيًا بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالصَّوْمِ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَمَّا إذَا قَالَ هَذَا الشَّهْرِ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالْحَجِّ أَنْ يَقُولَ: إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ حِجَّةٌ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالصَّدَقَةِ أَنْ يَقُولَ: إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ كَذَا وَصُورَتُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا وَفِي الطَّلَاقِ إنْ قَرَبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَزَوْجَةٌ لَهُ أُخْرَى، وَفِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ.
ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْقُرْبَانِ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ، مِثَالُهُ إذَا قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْقُرْبَانِ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدَايَ هَذَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ عِتْقُ الْبَاقِي وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا أَوْ بَاعَهُمَا جَمِيعًا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بَطَلَ الْإِيلَاءُ فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاء ثُمَّ إذَا دَخَلَ الْآخَرُ فِي مِلْكِهِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ دُخُولِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي فَهُوَ مُولٍ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مُولِيًا، وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّذْرَ يُوجِبُ ذَبْحَ شَاةٍ وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَانَ مُولِيًا)؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ آلَى مِنْ الْبَائِنٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا)؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا حَقَّهَا بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَإِذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِيلَاءِ كَانَ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَصَحَّ الْإِيلَاءُ فَإِذَا أَبَانَهَا فَالْمَبْتُوتَةُ تَلْحَقُهَا الْبَيْنُونَةُ بِعَقْدٍ سَابِقٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْحَقُهَا ابْتِدَاءً كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ وَالتَّشْدِيدَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ قَرَبَهَا أَوْجَبَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْإِيلَاءُ ثَلَاثٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ وَالْإِيلَاءُ الْأَوَّلُ يَنْعَقِدُ حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالثَّالِثِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ بَانَتْ بِأُخْرَى فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ بَانَتْ بِأُخْرَى وَإِذَا قَرَبَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَالْإِيلَاءُ ثَلَاثٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ ثُمَّ الْإِيلَاءُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إيلَاءٌ وَاحِدٌ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِيلَاءَانِ وَيَمِينَانِ وَهُوَ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجْلِسَيْنِ أَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِيلَاءٌ وَاحِدٌ وَيَمِينَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ إذَا قَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَأَرَادَ بِهِ التَّغْلِيظَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ ثِنْتَانِ عِنْدَهُمَا حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ قَرَبَهَا وَجَبَ كَفَّارَتَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْإِيلَاءُ اثْنَانِ وَالْيَمِينُ ثِنْتَانِ وَإِيلَاءَانِ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلَّمَا دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا دَخْلَتَيْنِ أَوْ دَخَلَتْهُمَا جَمِيعًا دَخْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ إيلَاءَانِ وَيَمِينٌ وَاحِدٌ فَالْأَوَّلُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الدَّخْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي عِنْدَ الدَّخْلَةِ الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) وَذَلِكَ نِصْفُ مُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ فَإِنْ أُعْتِقَتْ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ تَصِيرُ مُدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ تَكُونُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْإِمَاءِ وَمُدَّةُ إيلَائِهَا مُدَّةُ الْحَرَائِرِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا تَتَحَوَّلُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ تَحَوَّلَتْ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَالْعَبْدُ فِي الْإِيلَاءِ كَالْحُرِّ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الزَّوْجَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَمُدَّتُهَا شَهْرَانِ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ فَلَمَّا كَانَ الزَّوْجُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ مَانِعًا لَهَا مِنْ حَقِّهَا جُعِلَ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيْئًا وَالْفَيْءُ يَخْتَصُّ بِالْمُدَّةِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ وَالْفَيْءُ عِنْدَنَا هُوَ الْوَطْءُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ قَامَ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ مَقَامَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ ثُمَّ الْعَجْزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَجْزٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ هِيَ كَذَلِكَ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا.
أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ يَكُونَ هُوَ مَجْبُوبًا أَوْ تَكُونَ هِيَ مَحْبُوسَةً فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَوْ نَاشِزَةً لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَفَيْؤُهُ فِي جَمِيعِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْخِلُوهَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ فَيْؤُهُ الْقَوْلُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ فَيْؤُهُ الْجِمَاعُ وَالْعَجْزُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا أَوْ هِيَ كَذَلِكَ فَهَذَا فَيْؤُهُ الْوَطْءُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَالْمَنْعِ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَقَوْلُهُ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا أَوْ رَاجَعْتهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي فِئْت إلَى امْرَأَتِي وَأَبْطَلْت إيلَاءَهَا، وَهَذَا الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ حَتَّى إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَادَّعَى الزَّوْجُ الْقَوْلَ فَكَذَّبَتْهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْفَيْءِ مَعَ بَقَاءِ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فِيهَا الْفَيْءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْفَيْءَ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُهُ فِيهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ وَقَوْلُهُ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا هَذَا إذَا آلَى وَهُوَ مَرِيضٌ أَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ فَفَيْؤُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْجِمَاعِ ثُمَّ إذَا كَانَ فَيْؤُهُ بِالْقَوْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَمَّا الْيَمِينُ إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَهِيَ عَلَى حَالِهَا وَإِذَا وَطِئَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ إلَّا بِالْحِنْثِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْقَوْلُ فَلَيْسَ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفَاءً فِيهَا ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ يَعْنِي إذَا قَالَ فِئْت إلَيْهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إذَا قَرَبَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَحَّ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَيْءُ وَصَارَ فَيْؤُهُ الْجِمَاعَ) أَيْ إذَا قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَصَارَ فَيْؤُهُ الْجِمَاعَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَصِحَّ الْفَيْءُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ بِالْقَوْلِ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَا تَبِينَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ثُمَّ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ يَرْفَعُ الْمُدَّةَ وَلَا يَرْفَعُ الْيَمِينَ وَالْفَيْءُ بِالْفِعْلِ يَرْفَعُ الْمُدَّةَ وَالْيَمِينَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ هُوَ كَذِبٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَكُونُ إيلَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ، وَهَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يُصَدَّقُ وَيَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَرَامَ فِي الشَّرْعِ يَمِينٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ نَوَيْت الطَّلَاقَ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى نِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِانْعِدَامِ التَّشْبِيهِ بِالْمَحَارِمِ وَلَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالتَّحْرِيمِ وَفِي الظِّهَارِ نَوْعُ تَحْرِيمٍ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا نَوَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهَا مُولِيًا)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إنَّمَا هُوَ الْيَمِينُ عِنْدَنَا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ فَقَدْ أَرَادَ الْيَمِينَ وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ شَيْئًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ الْيَمِينِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ كَانَ بِهَا مُولِيًا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُولٍ إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ نَوَى جَمِيعَ الْمُبَاحَاتِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ نَوَى الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ شَرَابًا أَوْ لِبَاسًا دُونَ غَيْرِهِ أَوْ امْرَأَتَهُ دُونَ غَيْرِهَا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ خَاصَّةً وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَالدَّمِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ كَالْخَمْرِ إنْ نَوَى كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ.
وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ أُمِّي يُرِيدُ بِهِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا جَعَلَهَا مِثْلَ أُمِّهِ فَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي حَرَامٌ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِيلَاءَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَمْرَيْنِ فَإِذَا أَرَادَهُمَا حُمِلَ عَلَى أَغْلَظِهِمَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ هَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ وَهَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ، وَإِنْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا، وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَهُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَغْلَظِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الْخُلْعِ):

هُوَ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْخِلَاعِ وَمِنْهُ خَلْعُ النَّعْلِ وَالْقَمِيصِ وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمَالُ فِيهِ مِنْ الْمَرْأَةِ تَبْذُلُهُ فَيَخْلَعُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَجُوزَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَبْطُلَ بِإِعْرَاضِهَا وَيَجُوزَ لَهَا فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ أَيْ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَا يَبْطُلُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْخَطَرِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ) الْمُشَاقَّةُ الْمُخَالَفَةُ وَالتَّبَاعُدُ عَنْ الْحَقِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يُدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا جَاءَ النُّشُوزُ وَحُدُودُ اللَّهِ مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مُوجِبِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا وَلَهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّشَاقُقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا نُشُوزٌ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً) سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالٌ؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْخُلْعِ يَتَعَيَّنُ الِانْخِلَاعُ مِنْ النِّكَاحِ مُرَادًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْهُ مَالٌ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ الْمَالُ فَوُجُودِ الْمَالِ مُغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ ثُمَّ الْخُلْعُ عِنْدَنَا طَلَاقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ وَفَائِدَتُهُ إذَا خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَتْ إلَيْهِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ لَا غَيْرُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِثَلَاثٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَزِمَهَا الْمَالُ)؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضُ مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَزِمَهَا الْمَالُ وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ إلَّا بِالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ.
فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهَا لَا مَجْلِسُهُ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ قَبُولُهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَمِنْ جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ حَتَّى إنَّهَا تَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ بَيَانُهُ إذَا قَالَ خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى أَلْفٍ أَوْ طَلَّقْتهَا عَلَى أَلْفٍ وَهِيَ غَائِبَةٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَهُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِوَقْتٍ فَيَقُولُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَإِنْ قَبِلْت قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَتْ هِيَ فَقَالَتْ خَالَعْت نَفْسِي عَنْك بِأَلْفٍ فَذَلِكَ مِثْلُ إيجَابِ الْبَيْعِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَرْطٍ وَلَا وَقْتٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ إذَا قَبِلَتْ وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لَهَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ أَوْ شَرَطَتْ هِيَ لِنَفْسِهَا الْخِيَارَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ تَمَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ خَالَعْتُكِ بَارَأْتُكِ بَايَنْتُكِ فَارَقْتُكِ طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِوَضًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} إلَى أَنْ قَالَ {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) يَعْنِي مِنْ الْمَهْرِ دُونَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ جَاءَتْ إلَيْهِ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ فَقَالَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَكَذَا إذَا أَخَذَتْ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) صُورَتُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَبُولَهَا يُوقَفُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمَةَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إلَى إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ خَمْرًا؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا فَيَجِبُ الْمَهْرُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُولِي فِيهِ مُتَقَوِّمٌ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا أَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ رَجْعِيًّا) هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إذَا خَلَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالْبَيْنُونَةِ كَانَ رَجْعِيًّا، وَهَذَا أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ إذَا بَذَلَتْ مَالًا لِلزَّوْجِ وَطَلَّقَهَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُون بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْوَسَطُ مِنْهُ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ دَفْعِ عَيْنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ عَلَى الْبُضْعِ فَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي النِّكَاحِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْخُلْعِ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُ النِّكَاحَ فِي أَنَّهَا إذَا سَمَّتْ فِي الْخُلْعِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَخُلْعُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَصَحَّ الْخُلْعُ وَفِي النِّكَاحِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ لَهُ قِيمَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثَبَتَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَفِي الْخُلْعِ لَوْ خَالَعَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ لَهُ مَالًا وَلَا سَمَّتْ لَهُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ وَكَذَا إذَا قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا شَيْءٌ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا)؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَا لَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى أَوْ قِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ مَا قَامَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَهْرِ وَكَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا لَرَجَعَ لِأَجْلِ الْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تُوجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ ضَمَانًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ)؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْجَمْعَ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِهَا دَرَاهِمُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى أَكْثَرَ فَهِيَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ صَحَّ فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ الْمَرْأَةُ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ قَبَضَتْهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهَا وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ النَّفَقَةُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ)؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَلَبَتْ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ طَلَبَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِكُلِّ الْأَلْفِ فَلَمْ يَجُزْ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ بِبَعْضِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَعِنْدَهُمَا هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَوَّضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا} وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ شَرْطًا وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ لَا يَتَقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الْمَشْرُوطِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَشْرُوطُ عِنْدَ وُجُودِ جَمِيعِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَدَخَلَتْ الدَّارَ مَرَّةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِعَدَمِ كَمَالِ الشَّرْطِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ الشَّرْطِ الْمُسْتَحِقِّ بِهِ جَمِيعُ الْبَدَلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ الْأَلْفَ غَيْرَ مُعَلَّقَةٍ بِالطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِوَضٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأَعْوَاضِ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْوَاوِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ احْمِلْ لِي هَذَا الْمَتَاعَ وَلَك دِرْهَمٌ فَحَمَلَهُ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ فَكَذَا هَذَا وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالطَّلَاقُ بِخِلَافِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ لِزَوْجٍ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ)؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا لِتُسَلِّمَ لَهُ الْأَلْفَ كُلَّهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَرْضَى، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ) وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ بَرِئْت مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ.
قَوْلُهُ: (وَالْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي النِّكَاحَ الْقَائِمَ حَالَةَ الْمُبَارَأَةِ أَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ لَا يُسْقِطُ حُقُوقَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا الْخُلْعُ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا يُسْقِطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ وَكَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَزِمَهَا مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بِنِصْفِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ ثُمَّ بَارَأَهَا أَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْمَهْرُ كُلُّهُ لَهَا وَلَا يَتْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْمَهْرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِلزَّوْجِ مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَهْرِ.
وَفِي التَّتِمَّةِ إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ وَقَبِلَتْ هَلْ يَسْقُطُ الْمَهْرُ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِهِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بِنِصْفِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَفِي شَرْحِهِ إذَا خَالَعَهَا أَوْ بَارَأَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ وَكَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلَمْ يُوَافِقْهُ وَقَالَ إنَّ الْخُلْعَ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِلَيْهِمَا هُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إنْ كَانَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ بَرِئَ الزَّوْجُ مِنْ كُلِّ حَقٍّ وَجَبَ لَهَا بِالنِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا سَلَّمَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا مَا سَمَّيَا عِنْدَ الْخُلْعِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَا سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَعَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُوَ لَهَا وَلَهُ عَلَيْهَا جَمِيعُ مَا سَمَّتْ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ غَيْرُ الْمَهْرِ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الَّذِي احْتَرَزَ بِهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ.