فصل: تفسير الآية رقم (102):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}.
البديع الذي لا مثل له، أو هو المنشئ لا على مثال، وكلاهما في وصفه مستحق.
والواحد يستحيل له الوَلَدُ لاقتضائه البعضية، والتوحيد ينافيه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ}.
والحق سبحانه وتعالى قال في آيات أخرى: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57].
فإن كنت ترى في نفسك عجائب كثيرة، وكل يوم يعطيك العلم التشريحي أو علم وظائف الأعضاء سرا جديدا فلا تتعجب من هذا الأمر؛ لأن السماء والأرض إيجاد من عدم، وسبحانه هنا يقول: {بديع} أي أنه سبحانه خلقهما على غير مثال سابق، فمن الناس من يصنع أشياء على ضوء خبرات أو نماذج سابقة، لكن الحق سبحانه بديع السموات والأرض، وقد عرفنا بالعلم أن الأرض التي نعيش عليها وهي كوكب تابع من توابع الشمس، وقديما كانوا يقولون عن توابع الشمس إنها سبعة، ولذلك خدع كثير من العلماء والمفكرين وقالوا: إن السبعة التوابع هي السموات، فأراد الحق أن يبطل هذه المسألة بعد أن قالوا سبعة. فقد اكتشف العلماء تابعا ثامنا للشمس، ثم اكتشفوا التاسع، ثم صارت التوابع عشرة، ثم زاد الأمر إلى توابع لا نعرفها. وأين هذه المجموعة الشمسية من السموات؟ وكلها مجرد زينة للسماء الدنيا، وعندما اكتشفت المجاهر والآلات التي تقرب البعيد رأينا الطريق اللبني أو سكة التبانة ووجدناها مجرة وفيها مجموعات شمسية لا حصر لها، وجدنا مليون مجموعة مثل مجموعتنا الشمسية. هذه مجرة واحدة، وعندنا ملايين المجرات، ونجد عالمًا في الفلك يقول: لو امتلكنا آلات جديدة فسنكتشف مجرات جديدة.
ولنسمع قول الله: {والسماء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47].
إذن يجب أن نأخذ خلْق السموات والأرض في مرتبة أهم من مسألة خلق الناس.
{بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101].
وما دام سبحانه بديع السموات والأرض، وهو بقدرته الذاتية الفائقة خلق السموات والأرض الأكبر من خلق الناس، إذن فإن أراد ولدًا لطرأ عليه هذا الابن بالميلاد، ولا يمكن أن يسمى ولدًا إلا إذا وُلد، وسبحانه منزه عن ذلك، ثم لماذا يريد ولدًا، وصفات الكمال لن تزيد بالولد، ولم يكن الكون ناقصًا قبل ادّعاء البعض ان للحق سبحانه ولدًا، إن الكون مخلوق بذات الحق سبحانه وتعالى، والناس تحتاج إلى الولد لامتداد الذكرى، وسبحانه لا يموت؛ مصداقًا لقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88].
والبشر يحتاجون إلى الإنجاب ليعاونهم أولادهم، وسبحانه هو القوي الذي خلق وهو حي لا يموت؛ لذلك فلا معنى لأن يُدّعى عليه ذلك وما كان يصحّ أن تناقش هذه المسألة عقلا، ولكن الله- لطفا بخلقه- وضّح وبين مثل هذه القضايا.
يقول جل وعلا: {وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ}. وماذا يريد الحق من الصاحبة؟ إنه لا يريد شيئًا، فلماذا هذه اللجاجة في أمر الألوهية؟.
فلا الولد ولا الصاحبة يزيدان له قدرة تخلق، ولا حكمة ترتب، ولا علما يدبر، ولا أي شيء، ومجرد هذا اللون من التصور عبث، فإذا كان الشركاء ممتنعين، والقصد من الشركاء أن يعاونوه في الملك؛ إله يأخذ ملك السماء، وإله آخر يأخذ ملك الأرض. وإله للظلمة، وإله للنور. مثلما قال الاغريق القدامى حين نصّبوا إلهًا للشر. وإلهًا للخير، وغير ذلك. والحق واحد أحد ليس له شركاء يعاونونه فما المقصود بالولد والصاحبة؟ أعوذ بالله! ألا يمتنع ويرتدع هؤلاء من مثل هذا القول: {وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فسبحانه هو الخالق للكون والعليم بكل ما فيه ولا يحتاج إلى معاونة من أحد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{بَدِيعُ السماوات والأرض}
الإبداع: عبارة عن تَكْوينِ الشيء من غير سَبْقِ مثالٍ، وتقدَّم الكلامُ عليه في البقرة.
وقرأ الجمهور رفع العين، وفيها ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو بَدِيعٌ، فيكون الوَقْفُ على قوله: {والأرض} فهي جملة مستقلة بنفسها.
الثاني: أنه فاعل بقوله: {تعالى}، أي: بديع السموات، وتكون هذه الجملة الفعلية مَعْطُوفَةً على الفِعْلِ المقدر قبلها، وهو النَّاصب لسبحان فإن سبحان كما تقدَّم من المصادرِ اللازم إضمار ناصبها.
الثالث: أنه مبتدأ وخبره ما بعده من قوله: {أنَّى يَكُونُ لَهُ ولدٌ}.
وقرأ المنصور {بديع} بالجر قال الزمخشري: ردَّا على قوله: {وجعلوا لله}، أو على {سبحانه} كذا قاله، ولم يبيّن على أي وجه من وُجُوهِ الإعراب هو وكذا أبو حيَّان رحمه الله حَكَاهُ عنه ومرَّ عليه، ويريد بالرد كونه تابعًا، إما: لله، أو للضمير المجرور في {سُبْحَانَهُ} وتبعيته له على كونه بدلًا من {لله} تعالى أو من الهاء في {سُبْحَانَهُ} ويجوز أن يكون نَعْتًا لله على أن تكون إضافة {بديع} مَحْضَةً كما ستعرفه.
وأما تَبَعِيَّتُهُ للهاء فيتعين أن يكون بدلًا، ويمتنع أن يكون نَعْتًا، وإن اعتقدنا تعريفه بالإضافة لِمُعَارضِ آخر، وهوأن الضمير لا ينعت إلا ضمير الغائب على رأي الكسائي، فعلى رأيه قد يجوز ذلك.
وقرأ أبو صالح الشَّامي: {بديعَ} نصبًا، ونَصْبُهُ على المَدْحِ، وهي تؤيد قراءة الجر، وقرءاة الرفع المتقدمة يحتمل أن تكون أصْلِيَّة الإتباع بالجر على البَدَلِ ثم قطع التابع رفعًا.
و{بديع} يجوز أن يكون بمعنى مُبْدِعٍ وقد سَبَقَ معناه، أو تكون صِفَةً مشبهة أضيفت لرفوعها، كقولك: فلان بديعُ الشعر، أي: بديع شعره، وعلى هذيْنِ القولين، فإضافته لَفظِيَّةٌ، لأنه في الأوَّل من باب إضافة اسم الفاعل إلى منصوبه، وفي الثُّاني من باب إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها، ويجوز أن تكون بمعنى عديم النظير والمثل فيهما، كأنه قيل: البديع في السموات والأرض، فالإضافة على هذا إضافةٌ مَحْضَةٌ.
قوله: {أنى يَكُونُ لَهُ وَلَد} {أنَّى} بمعنى كيف أو من أين وفيها وجهان:
أحدهما: أنها خبر كان الناقصة، و{له} في محل نصبٍ على الحال، و{ولد} اسمها، ويجوز أن يتكون مَنْصُوبَةً على التشبيه بالحال أو الظرف، كقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} [البقرة: 28] والعامل فيها قال أبو البقاء: {يكون} وهذا على رَأي من يجيز في كان أن تعمل في الأحوال والظروف وشبههما، و{له} خبر يكون، و{ولد} اسمها.
ويجوز في {يكون} أن تكون تامَّةً، وهذا أحْسَنُ أي: كيف يوجد له ولدٌ، وأسباب الولدية مُنْتَفِيَةٌ؟
قوله: {وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَة} هذه الواو للحال، والجملة بعدها في مَحَل نصب على الحال من مضمون الجملة المتقدمة، أي: كيف يُوجد له ولد، والحال أنه لم يكن له زَوجٌ، وقد عُلِمَ أن الولدَ إنما يكون من بين ذكرٍ وأنثى، وهو مُنَزَّهٌ عن ذلك.
والجمهور على {تكن} بالتاء من فوق.
وقرأ النخعي بالياء من تحت وفيه أربعة أوجه:
أحدها: أن الفِعْلَ مسند إلى {صاحبه} أيضًا كالقراءة المشهورة، وإنما جاز التذكير لِلْفَصْلِ كقوله: [الوافر]
لَقَدْ وَلَدَ الأخَيْطِلَ أمُّ سَوْءٍ

وقول القائل: [البسيط]
إنَّ امْرَأ غَرَّهُ مِنْكُنَّ وَاحِدَةٌ ** بَعْدِي وبَعْدَكِ في الدُّنْيَا لَمَغْرُور

وقال ابن عطيَّة: وتذكير كان وأخواتها مع تأنيث اسمها أسْهَلُ من ذلك في سائر الأفعال.
قال أبو حيَّان رحمه الله: ولا أعرف هذا عن النحويين، ولم يُفَرِّقوا بين كان وغيرها.
قال شهاب الدين: هذا كلامٌ صحيح، ويؤديه أن الفارسيَّ وإن كان يقول بِحَرْفِيَّةِ بعضها كليس، فإنه لا يجيزحَذْفَ التاء منها لو قلت: ليس هند قائمة لم يَجْزْ.
الثاني: أن في يكون ضميرًا يعود على الله تعالى، وله خبر مُقدَّمٌ، وصاحبة مبتدأ مؤخر، والجملة خبر يكون.
الثالث: أن يكون له وحْدَهُ هو الخبر، وصاحبة فاعل به لاعْتِمَادِهِ وهذه أوْلَى مِمَّا قبله؛ لأن الجارَّ أقْرَبُ إلى المفرد، والأصل في الأخبار الإفراد.
الرابع: أنَّ في يكون ضمير الأمر والشأن، وله خبر مُقدَّمٌ، وصاحبة مبتدأ مؤخر، والجملة خبر يكون مفسّرة لضمير الشأن، ولا يجوز في هذا أن يكون له هو الخبر وَحْدَهُ، وصاحبة فاعل به، كما جاز في الوجه قبله.
والفرق أن ضمير الشَّأن لا يُفَسَّر إلا بجملة صريحة، وقد تقدَّم أن هذا النَّوعَ من قبيل المفردات، وتكن يَجُوزُ أن تكون النَّاقِصَةَ أو التامة حسبما تقدَّم فيما قبلها.
وقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شيءٍ} هذه جملة إخبارية مُسْتَأنَفَةٌ، ويجوز أن تكون حالًا وهي حال لازمة. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (102):

قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ثبت أنه لا كفوء له بما ذكر من صفاته وأفعاله، وبين فساد أقوال المشركين، وفصل مذاهبهم على أحسن الوجوه، وبين فساد كل واحد منها بأمتن الحجج، فثبت بذلك ما افتتح السورة به من إحاطته بصفات الكمال، قال مشيرًا إلى ذلك كله بمبتدأ خبر بعده أخبار: {ذلكم} أي العالي الأوصاف جدًا الذي لا حاجة له إلى شيء، وكل شيء محتاج إليه {الله} أي الذي له كل كمال {ربكم} أي الموجد لكم والمحسن بجميع أنواع الإحسان، فهي فذلكة ما قبلها وثمرته، لأن من اتصف بذلك كان هو رب الكل وحده والخالق للجميع واستحق العبادة وحده فلذا أتبع ذلك قوله: {لا إله إلا هو} لأن المقام للتوحيد اللازم للإحاطة بأوصاف الكمال التي هي معنى الحمد المفتتح به السورة، وساق قوله: {خالق كل شيء} الذي هو مطلع ما بعده مساق التعليل دليلًا على ذلك، فلما أقام الدليل سبب عنه الأمر بالعبادة فقال: {فاعبدوه} أي وحده، لأن من أشرك به لم يعبده، لأنه الغنى المطلق، ومن كان له الغنى المطلق لا يحسن أن يقبل مشركًا، وختم الآية بقوله: {وهو} ولما كان المقام لنفي احتياجه إلى شيء، قدم قوله: {على كل شيء وكيل} إشارة إلى أن الولد أو الشريك إنما يحتاجه العاجز المفتقر، وأما هو فهو القادر، ومن سواه عاجز، وهو الغني ومن سواه فقير، فكيف يحتاج القدير الغني إلى العاجز الفقير، هذا ما لا يكون، ولا ينبغي أن يتخيله الظنون، وفيه إشارة إلى أن العابد ينبغي أن يتفرغ لعبادته ويقطع أموره عن غير وكالته، فإنه يكفيه بفضله عمن سواه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما أقام الحجة على وجود الإله القادر المختار الحكيم الرحيم وبين فساد قول من ذهب إلى الإشراك بالله، وفصل مذاهبهم على أحسن الوجوه وبين فساد كل واحد منها بالدلائل اللائقة به.
ثم حكى مذهب من أثبت لله البنين والبنات، وبين بالدلائل القاطعة فساد القول بها فعند هذا ثبت أن إله العالم فرد واحد صمد منزه عن الشريك والنظير والضد والند، ومنزه عن الأولاد والبنين والبنات، فعند هذا صرح بالنتيجة فقال: ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل ما سواه فاعبدوه ولا تعبدوا غيره أحدًا فإنه هو المصلح لمهمات جميع العباد، وهو الذي يسمع دعاءهم ويرى ذلهم وخضوعهم، ويعلم حاجتهم، وهو الوكيل لكل أحد على حصول مهماته، ومن تأمل في هذا النظم والترتيب في تقرير الدعوة إلى التوحيد والتنزيه، وإظهار فساد الشرك، علم أنه لا طريق أوضح ولا أصلح منه. اهـ.