فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)} أي سَبَقَكَ- يا محمد- مَنْ كُذِّب به كما كُذِّبْتَ، فحقَّ لهم نصرنا، فانتقمنا ممن ناؤوهم، فعاد إليهم وبالُ كيدهم. اهـ.

.موعظة:

قال في روح البيان:
حكي أن شيعيًا يقال له ابن هيلان كان يتكلم بما لا ينبغي في حق الصحابة فبينما هو يهدم حائطًا إذ سقط عليه فهلك فدفن بالبقيع مقبرة المدينة فلم يوجد ثاني يوم في القبر الذي دفن فيه ولا التراب الذي ردم به القبر بحيث يستدل بذلك لنبشه وإنما وجدوا اللبن على حاله حسبما شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاضي جمال الدين، وصار الناس يجيئون لرؤيته إرسالًا إلى أن اشتهر أمره وعدّ ذلك من الآيات التي يعتبر بها من شرح الله صدره نسأل الله السلامة كذا في المقاصد الحسنة للإمام السخاوي، فعلم منه عاقبة الطعن والاستهزاء وأن الله تعالى ينقل جيفة الفاسق من المحل المتبرك به إلى المكان المتشائم منه.
كما ورد في الحديث الصحيح: «من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم».
كما في الدرر المنتثرة للإمام السيوطي وهذا صريح في نقل جسده لأن الحشر بالروح والجسد جميعًا فكما أن الله تعالى ينقل أجساد الأشرار من مقام شريف إلى محل وضيع كذلك ينقل أجسام الأخيار من مكان وضيع إلى مقام شريف كالبقيع والحجون مقبرتي المدينة، ومكة فإن الله تعالى يسوق الأهل إلى الأهل وهذا آخر الزمان وقلما يوجد فيه من هو متوجه إلى القبلة في الظاهر والباطن والحياة والممات، ونعم ما قيل: ذهب الناس وما بقي إلا النسناس وهم الذين يتشبهون بالناس وليسوا بالناس وهم يأجوج ومأجوج أو حيوان بحري صورته كصورة الإنسان أو خلق على صورة الناس أشبهوهم في شيء وخالفوهم في شيء وليسوا من بني آدم وقيل هم من بني آدم.
روي أن حيًّا من عاد عصوا رسولهم فمسخهم الله نسناسًا لكل رجل منهم يد ورجل من شق واحد ينقز كما ينقز الطير ويرعون كما ترعى البهائم فأين الأخيار واين أولو الأبصار مضوا والله ما بقي إلا القليل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
قال ابن عادل:
قرأ حمزة، وعاصمٌ، وأبو عمرو بكسر الدَّال على أصل الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، والباقون بالضمن على الإتباع، ولم يبالِ بالساكن؛ لأنه حَاجِزٌ غير حصين وقد تَقَرَّرَتُ هذه القاعدة بدلائلها في سورة البقرة عند قوله تعالى: {فَمَنِ اضطر} [الآية: 173] و{برسلٍ} متعلّق بـ {استهزئ} و{منْ قبلك} صفة لرسل، وتأويلُه ما تقدَّم في وقوع من قبل صلة.
والمرادُ من الآية: التَّسْلية لِقَلْبِ الرسول صلى الله عليه وسلم أي: أن هذه الأنواع الكثيرة التي يعاملونك بها كنت موجودة في سائِر القرون.
قوله: {فحاق بالذين سخِروا} ن فاعل {حاق}: {ما كانوا}، و{ما} يجوز أن تكون موصُولةٌ اسميةً، والعائد الهاء في به وبه يتعلَّق بـ {يستهزئون}، و{يستهزئون} خبر لـ {كان}، و{منهم} متعلّق بـ {سخروا} على أنَّ الضمير يعود على الرُّسل، قال تبارك وتعالى: {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} [هود: 38].
ويجوز أن يتعدَّى بالباء نحو: سَخِرْت به، ويجوز أن يتعلّق {منهم} بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من فاعل {سَخِروا} والضمير في {منهم} يعود على الساخرين.
وقال أبو البقاء: على المستهزئين.
وقال: الحوفي: على أمَمِ الرسل.
وقد رَدَّ أبو حيَّان على الحوفي بأنه يَلْزَمُ إعادته على غير مذكور.
وجوابُهُ في قوة المذكور، وردَّ على أبي البقاء بأنه يصير المعنى: فحاق بالذين سَخِرُوا كائنين من المستهزئين، فلا حَاجَة إلى هذه الحال؛ لأنها مفهومةٌ من قوله: {سخروا} وجوَّزوا أن تكون ما مصدريَّةً، ذكره أبو حيَّانَ ولم يتعرض للضمير في به.
والذي يظهر أنه يعود على الرسول الذي يَتَضَمَّنُهُ الجَمْعُ، فكأنه قيل: فَحَاقَ بهم عَاقِبَةُ استهزائهم بالرسول المُنْدَرجِ في جملة الرُّسُلِ، وأمَّا على رأى الأخْفَشِ، وابن السراج فتعود على ما المصدريّة؛ لأنها اسم عندهما.
وحاق ألفه مُنْقَلِبَةٌ عن ياء بدليل يَحِيق ن كباع يبيع، والمصدر حَيْق وحُيُوق وحَيَقان كالغَلَيان والنَّزَوان.
وزعم بعضهم أنه من الحَوْق، والمستدير بالشيء، وبعضهم أنه من الحقّ، فأبدلت إحدى القافين ياءً كَتَظَنَّنتُ، وهذان لَيْسَا بشيء.
أمَّا الأول فلاختلاف المَادَّةِ، إلاَّ أن يريدوا الاشتقاق الأكبر.
وأما الثاني: فلأنها دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ من غير دليلٍ، ومعنى حاق أحاط.
وقيل: عاد عليه وبَالُ مَكْرهِ، قاله الفراء.
وقيل: دَارَ.
وقال الربيع بن أنس: نَزَلَ.
وقال عطاء: حَلَّ، والمعنى يدور على الإحاطة والشمول، ولا تستعمل إلا في الشر.
قال الشاعر: [الطويل]
فأوْطَأ جُرْدَ الخَيْلْ عُقْرَ دِيَارِهِمْ ** وَحَاقَ بِهِمْ مِنْ بأسِ ضَبَّةَ حَائِقُ

وقال الراغب: قيل: وأصله: حَقَّ، فقلب نحو زَلَّ وزَال وقد قرئ فأزلهما وأزلَهُمَا وعلى هذا ذَمَّهُ وذّامه.
وقال الأزهري: جعل أبو إسحاق حاق بمعنى أحاط، كأنَّ مَأخَذَهُ من الحَوْق وهو ما اسْتَدَارَ بالكَمَرَة.
قال: وجائز أن يكون الحَوْق فِعْلًا من حاق يحيق، كأنه في الأصل: حُيْق، فقلبت الياء واوًا لانْضِمَامِ ما قلبها.
وهل يحتاج إلى تقدير مضاف قبل ما كانوا؟
نقل الوَاحِدِيُّ عن أكثر المفسرين ذلك، أي: عقوبة ما كانوا، أو جَزَاء ما كانوا، ثم قال: وهذا إذا جعلت ما عبارة عن القرآن والشريعة وما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإن جعلْتَ ما عبارة عن العذاب الذي كان صلى الله عليه وسلم يُوعدهم به إن لم يؤمنوا استَغْنَيْتَ عن تقدير المضاف، والمعنى: فَحَاقَ بهم العذابُ الذي يستهزئون به، وينكرونه.
والسُّخْرِيَةُ: الاسْتِهْزَاءُ والتهَكُّمُ؛ يقال: سِخِرَ منه وبه، ولا يُقَالُ إلاَّ اسْتَهْزَاءً به فلا يَتَعَدَّى بمِنْ.
وقال الراغب: سَخَرْتُهُ إذا سِخَّرْتَهُ للهُزْءِ منه، يقال: رجل سُخَرَةٍ بفتح الخاء إذا كان يَسْخَرُ من غيره، وسُخْرَة بِسُكُونها إذا كان يُسْخَر منه ومثله: ضُحَكة وضُحْكة، ولا ينقاس.
وقوله: {فاتخذتموهم سِخْرِيًّا} [المؤمنون: 110] يحتمل أن يكون من التسخير، وأن يكون من السُّخْرية.
وقد قرئ سُخْريًا وسِخْرياُ بضم السين وكسرها.
وسيأتي له مزيدُ بيان في موضعه إن شاء اللَّهُ تعالى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (11):

قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علم الله تعالى أنهم يقولون في جواب هذا: إن هذا إلا أساطير الأولين، أمره صلى الله عليه وسلم بعد ما مضى من التعجيب من كونهم لم ينظروا بقلوبهم أو أبصارهم مصارع الماضين في قوله: {ألم يروا كم أهلكنا} [الأنعام: 6] أن يأمرهم بأن يشاهدوا مصارع من تمكن في قلوبهم علم أنهم أهلكوا بمثل تكذيبهم من قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم ليغنيهم ذلك عن مشاهدة ما اقترحوا فقال تعالى: {قل سيروا} أي أوقعوا السير للاعتبار ولا تغتروا بإمهالكم وتمكينكم {في الأرض}- الآية، وهي كالدليل على قوله تعالى: {لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} [الأنعام: 6].
ولما كان السياق للتهديد بالتحذير من مثل أخذ الأمم الماضية، وكان قد سلف أنه لا تقدمهم عن آجالهم، أمهلهم في النظر فإنه أقوى في التهديد، وأدل على القدرة، وأدعى إلى النصفة ولاسيما والسورة من أوائل القرآن نزولًا وأوائله ترتيبًا فقال: {ثم انظروا} وأشار إلى أن هذا أهل لأن يسأل عنه بقوله: {كيف كان عاقبة} أي آخر أمر {المكذبين} أي أنعموا النظر وبالغوا في التفكر وأطيلوا التدبر إذا رأيتم آثار المعذبين لأجل تكذيب الرسل، فإنكم إذا شاهدتم تلك الآثار كمل لكم الاعتبار وقوي الاستبصار، وذلك إشارة إلى أن الأمر في غاية الانكشاف، فكلما طال الفكر فيه ازداد ظهورًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى كما صبر رسوله بالآية الأولى، فكذلك حذر القوم بهذه الآية، وقال لرسوله قل لهم لا تغتروا بما وجدتم من الدنيا وطيباتها ووصلتم إليه من لذاتها وشهواتها، بل سيروا في الأرض لتعرفوا صحة ما أخبركم الرسول عنه من نزول العذاب على الذين كذبوا الرسل في الأزمنة السالفة، فإنكم عند السير في الأرض والسفر في البلاد لابد وأن تشاهدوا تلك الآثار، فيكمل الاعتبار، ويقوى الاستبصار.
فإن قيل: ما الفرق بين قوله: {الأرض فانظروا} [آل عمران: 137] وبين قوله: {ثُمَّ انظروا}.
قلنا: قوله: {فانظروا} يدل على أنه تعالى جعل النظر سببًا عن السير، فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين.
وأما قوله: {سِيرُواْ في الأرض ثُمَّ انظروا} فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ثم نبّه الله تعالى على هذا الفرق بكلمة {ثُمَّ} لتباعد ما بين الواجب والمباح. والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض} أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين المستسخرين المكذبين: سافروا في الأرض فانظروا واستخبروا لتعرفوا ما حلّ بالكفرة قبلكم من العقاب وأليم العذاب؛ وهذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل الاعتبار بآثار من خلا من الأُمم وأهل الديار، والعاقبة آخر الأمر.
والمكذِّبون هنا من كذّب الحق وأهله لا من كذّب بالباطل. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.
لما ذكر تعالى ما حل بالمكذبين المستهزئين وكان المخاطبون بذلك أمّة أمّية، لم تدرس الكتب ولم تجالس العلماء فلها أن تظافر في الإخبار بهلاك من أهلك بذنوبهم أمروا بالسير في الأرض، والنظر فيما حل بالمكذبين ليعتبروا بذلك وتتظافر مع الأخبار الصادق الحس فللرؤية من مزيد الاعتبار ما لا يكون كما قال بعض العصريين:
لطائف معنى في العيان ولم تكن ** لتدرك إلا بالتزاور واللقا

والظاهر أن السير المأمور به، هو الانتقال من مكان إلى مكان وإن النظر المأمور به، هو نظر العين وإن الأرض هي ما قرب من بلادهم من ديار الهالكين بذنوبهم كأرض عاد ومدين ومدائن قوم لوط وثمود.
وقال قوم: السير والنظر هنا ليسا حسيين بل هما جولان الفكر والعقل في أحوال من مضى من الأمم التي كذبت رسلها، ولذلك قال الحسن: سيروا في الأرض لقراءة القرآن أي: اقرؤوا القرآن وانظروا ما آل إليه أمر المكذبين، واستعارة السير {في الأرض} لقراءة القرآن فيه بعد، وقال قوم: {الأرض} هنا عام، لأن في كل قطر منها آثارًا لهالكين وعبرًا للناظرين وجاء هنا خاصة {ثم انظروا} بحرف المهلة وفيما سوى ذلك بالفاء التي هي للتعقيب.
وقال الزمخشري: في الفرق جعل النظر متسببًا عن السير فكان السير سببًا للنظر، ثم قال: فكأنه قيل: {سيروا} لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين، وهنا معناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ونبه على ذلك ب {ثم} لتباعد ما بين الواجب والمباح، انتهى.
وما ذكره أولًا متناقض لأنه جعل النظر متسببًا عن السير، فكان السير سببًا للنظر ثم قال: فكأنما قيل: {سيروا} لأجل النظر فجعل السير معلولًا بالنظر فالنظر سبب له فتناقضا، ودعوى أن الفاء تكون سببية لا دليل عليها وإنما معناها التعقيب فقط وأما مثل ضربت زيدًا فبكى وزنى ماعز فرجم، فالتسبيب فهم من مضمون الجملة لأن الفاء موضوعة له وإنما يفيد تعقيب الضرب بالبكاء وتعقيب الزنا بالرجم فقط، وعلى تسليم أن الفاء تفيد التسبيب فلم كان السير هنا سير إباحة وفي غيره سير واجب؟ فيحتاج ذلك إلى فرق بين هذا الموضع وبين تلك المواضع. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.
خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بإنذار قومه وتذكيرهم بأحوال الأمم الخالية وما حاق بهم لسوء أفعالهم تخذيرًا لهم عما هم عليه مما يحاكي تلك الأفعال.
وفي ذلك أيضًا تكملة لتسليته عليه الصلاة والسلام بما في ضمنه من العدة اللطيفة بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم الأولين، وقد أنجز سبحانه وتعالى ذلك إنجازًا أظهر من الشمس يوم بدر، والمراد من النظر التفكر، وقيل: النظر بالأبصار، وجمع بينهما الطبرسي بناء على القول بجواز مثل ذلك.