فصل: تفسير الآية رقم (112):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {قُبُلًا} قرأ نَافِع، وابْن عَامِر: {قِبَلًا} هنا وفي الكَهْف بكسر القَافِ، وفَتْح البَاء، والكوفِيُّون هنا وفي الكَهْف، وقرأ الحسن البَصْرِي، وأبُو حَيْوة، وأبُو رَجَاء بالضَّمِّ والسُّكُون.
وقرأ أبَيّ والأعْمَش {قَبِيلًا} بياء مُثَنَّاة من تَحْت بعد بَاءٍ موحَّدة مَكْسُوةر، وقرأ طَلْحَة بن مُصَرِّف: {قَبْلًا} بفتح القَافِ وسُكون البَاء.
فأما قِرَاءة نَافِع، وابن عَامِر ففيها وجهان:
أحدهما: أنَّها مُقَابَلَة، أي: مُعَايَنَةً ومُشَاهَدَةً، وانتِصَابُه على هذا الحَالِ قاله أبو عُبَيْدة، والفرَّاء، والزَّجَّاج ونقله الوَاحِدي أيضًا عن جَمِيع أهْل اللُّغة، يُقَال: لَقِيته قِبَلًا أي عِيَانًا.
وقال ابن الأنْبَاري: قال أبُو ذَرّ: «قُلْت للنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أنبيًّا كان آدم؟ فقال: نعم، كان نبيًّا كلَّمه الله قبلًا» وبذلك فسًّرها ابن عبَّاس، وقتادة، وابن زَيْد، ولم يَحْكِ الزَّمَخْشَرِي غَيْره، فهو مَصْدر في مَوْضَع الحَال كما تقدَّم.
والثاني: أنَّها بمعنى نَاحِية وجِهَة قاله المُبَرِّد، وجماعة من أهل اللُّغَة كأبي زَيْد، وانتصابه حينئذٍ على الظَّرْف، كقولهم: لي قِبَلُ فلان دَيْنُ وما قِبَلك حَقُّ ويقال: لقِيْتُ فلانًا قِبَلا، ومُقابلة، وقُبُلًا، وقُبَلًا وقَبْلِيًا، وقَبِيلًا كله بِمَعْنَى واحد، ذكر ذلك أبُو زيد، وأتْبَعه بِكَلام طويل مُفيد فرحمه الله تعالى وجزاه اللَّه خيرًا.
وأمَّا قِرَاءة البَاقِين هُنَا ففيها أوْجُه:
أحدهما: أن يكون {قُبُلًا} جمع قِبِيل، بمعنى: كَلِيل؛ كرغيف ورُغُف، وقضيب وقُضُب ونَصِيب ون نُصُب. وانْتَصَابه حالًا.
قال الفرَّاء والزَّجَّاج: جَمْع قِبِيل بمعْنَى: كفيل أي: كَفِيلًا بِصِدْق محمد- عليه الصَّلاة والسَّلام-، ويقال: قَبَلْتُ الرِّجل أقْبَلُه قَبالة بفَتْح البَاء في الماضي والقاف في المَصْدَر، أي: تكفَّلْت به، والقَبِيل، والكَفِيل، والزَّعِيم، والأذِين والضّمِين، والحَمِيل، وبمعنى وَاحِد.
وإنما سُمِّيت الكَفَالة قَبَالة؛ لأنَّها أوْكَد تَقَبُّل، وباعْتِبَار معنى الكَفَالة سُمِّي العَهْد المَكْتوب: قَبالة.
وقال الفرًّاء في سُورة الأنعام: {قُبُلًا} جَمْع قَبِيل وهو الكَفِيل قال: وإنَّما اخْتَرت هنا أن يكُون القُبُل في المعنى الكفالة؛ لقولهم: {أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلًا} [الإسراء: 92] يَضْمَنُون ذلك.
الثاني: أن يَكُون جَمْع قِبِيل، بِمَعْنى: جماعةً جماعةً، أو صنْفًا صنفًا.
والمعنى: وحَشَرْنا عَلَيْهم كلَّ فوْجًا فوْجًا، ونوْعًا نوْعًا من سَائِر المَخْلُوقات.
الثالث: أن يكون {قُبُلًا} بِمَعْنى: قِبَلًا كالقِرَاءة الأولَى في أحد وجْهَيْهَا وهو المُواجَهة أي: مُواجَهَةً ومُعَايَنةً، ومنه آتِيكَ قُبُلًا لا دُبُرًا أى: آتِيك من قِبَل وَجْهِك، وقال تعالى: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} [يوسف: 26] وقُرئ: {لقبل عدتهن} [الطلاق: 41]، أي: لاسْتِقْبَالها، وقال الفرَّاء: وقد يكون قُبُلًا: من قِبَل وُجُوهِهِم.
وأمَّا الذي في سُورة الكَهْف: فإنه يَصِحُّ فيه مَعْنى المُواجهة، والمُعَاينة، والجماعة صنْفًا صنْفًا، لأن المُراد بالعَذَاب: الجِنْس، وسَيَأتي له مَزِيد بَيَان.
و{قُبُلًا} نَصْب على الحَالِ- كما مَرَّ- من كلِّ، وإن كان نكرة؛ لِعُمُومه، وتقدَّم أنَّه في أحد أوْجُهِهِ يُنْصَبُ على الظَّرف عند المُبَرِّد.
وأمّا قراءة الحسن فمخفَّفَة من المَضْمُوم، وقرأه أبَيُّ بالأصْل وهو المُفْرَدِ.
وأما قراءة طَلْحَة فهو ظَرْف مَقْطُوع عن الإضَافة، مَعْنَاه: أو يَأتِيَ باللَّه والملائِكَة قَبْلَه، ولكن كَانَ يَنْبَغِي أن يُبْنَى؛ لأن الإضافة مُرادَة.
قوله: {مَا كَانُوا} جواب {لَوْ} وقد تقدَّم أنَّه إذا كَانَ مَنْفيًّا، امتَنَعت اللاَّم.
وقال الحُوفِي: التَّقْدِير لما كَانُوا حُذِفَت اللاَّم وهي مُرَادة وهذا لَيْس بجيَّد؛ لأن الجواب المَنْفِي بما يَقِلُّ دُخُولها، بل لا يَجُوز عند بَعْضِهم، والمَنْفِي بلم مُمْتَنِع ألْبَتَّة.
وهذه اللاَّم لام الجُحُود جارَّة للمصْدَر المؤوّل من أنْ والمنْصُوب بِهَا، وقد تقدَّم تَحْقِيقه- بعون الله تعالى-.
قوله: {إلا أنْ يشاء اللَّه} يجُوز أن يكُون مُتَّصِلًا، أي: ما كانُوا لِيُؤمِنُوا في سَائرِ الأحْوال إلاَّ في حَالِ مَشِيئة اللَّه، أو في سَائرِ الأزْمَان إلا في زَمَان مَشِيئَتِه.
وقيل: إنه اسْتِثْنَاء من عِلَّة عامَّة، أي: ما كانوا لِيُؤمِنُوا لِشَيء من الأشْيَاء إلاَّ لمشيئة الله تعالى.
والثاني: أن يكُون مُنْقَطعًا، نقل ذلك الحُوفِيُّ وأبُو البَقَاء، واسْتَبْعَده أبو حيَّان. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (112):

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان مضمون ما تقدم إثبات عداوة الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم، كان كأنه قيل تسلية له وتثبيتًا لفؤاده: فقد جعلناهم أعداء لك لأنك عالم، والجاهلون لأهل العلم أعداء {وكذلك} أي ومثل ما جعلنا لك أعداء من كفار الإنس والجن {جعلنا لكل نبي} أي ممن كان قبلك، وعبر عن الجمع بالمفرد- والمراد به الجنس- إشارة إلى أنهم يد واحدة في العداوة فقال: {عدوًا} وبين أن المراد به الجنس، وأنهم أهل الشر فقال مبدلًا: {شياطين} أي أشرار {الإنس والجن} المتمردين منهم، وربما استعان شيطان الجن شيطان الإنس لقرب قلبه منه، أم يكون نوعه إليه أميل، وأشار إلى هوان أمرهم وسوء عاقبتهم بقوله: {يوحي بعضهم} أي الشياطين من النوعين {إلى بعض} أي يكلمه في خفاء {زخرف القول} أي مزينه ومنمقه.
ولما كان هذا يدل على أنه- لكونه لا حقيقة له- لولا الزخرفة ما قيل، زاده بيانًا بقوله: {غرورًا} أي لأجل أن يغروهم بذلك، أي يخدعوهم فيصيروا لقبولهم كلامهم كالغافلين الذين شأنهم عدم التحفظ، والغرور هو الذي يعتقد فيه النفع وليس بنافع.
ولما كان أول الآية معلمًا أن هذا كان بمشيئة الله وجعله، أيد ذلك ومكنه في آخرها بأنه لو شاء ما كان، وكل ذلك غيرة على مقام الإلهية وتنزيهًا لصفة الربوبية أن يخرج شيء عنها فيدل على الوهن، ويجر قطعًا إلى اعتقاد العجز، فقال: {ولو شاء} ولما كان في بيان أعدائه صلى الله عليه وسلم والمسلطين عليه، أشار إلى أن ذلك لإكرامه وإعزازه، لا لهوانه، فقال: {ربك} أي بما له إليك من حسن التربية وغزير الإحسان مع ما له من تمام العلم وشمول القدرة، أن لا يفعلوه {ما فعلوه} أي هذا الذي أنبأتك به من عداوتهم وما تفرع عليها.
ولما قرر أن هذا من باب التربية فعاقبته إلى خير، سبب عنه قطعًا قوله: {فذرهم} أي اتركهم على أيّ حالة اتفقت {وما يفترون} أي يتعمدون كذبه واختلافه، واذكر ما لربك عليك من العاطفة لتعلم أن الذي سلطهم على هذا في غاية الرأفة بك والرحمة لك وحسن التربية كما لا يخفى عليك، فثق به واعلم أن له في هذا لطيف سريرة تدق عن الأفكار، بخلاف الآيات الآتية التي عبر فيها باسم الجلالة، فإنها في عظيم تجرئهم على مقام الإلهية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {وكذلك} منسوق على شيء وفي تعيين ذلك الشيء قولان: الأول: أنه منسوق على قوله: {كذلك زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] أي كما فعلنا ذلك {كذلك جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا} الثاني: معناه: جعلنا لك عدوًا كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء فيكون قوله: {كذلك} عطفًا على معنى ما تقدم من الكلام، لأن ما تقدم يدل على أنه تعالى جعل له أعداء. اهـ.
قال الفخر:
ظاهر قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا} أنه تعالى هو الذي جعل أولئك الأعداء أعداء للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن تلك العداوة معصية وكفر فهذا يقتضي أن خالق الخير والشر والطاعة والمعصية والإيمان والكفر هو الله تعالى، أجاب الجبائي عنه: بأن المراد بهذا الجعل الحكم والبيان، فإن الرجل إذا حكم بكفر إنسان قيل: إنه كفره، وإذا أخبر عن عدالته قيل: إنه عدله، فكذا هاهنا أنه تعالى لما بين للرسول عليه الصلاة والسلام كونهم أعداء له لا جرم قال إنه جعلهم أعداء له، وأجاب أبو بكر الأصم عنه: بأنه تعالى لما أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وخصه بتلك المعجزة حسدوه، وصار ذلك الحسد سببًا للعداوة القوية، فلهذا التأويل قال إنه تعالى جعلهم أعداء له ونظيره قول المتنبي:
فأنت الذي صيرتهم لي حسدًا

وأجاب الكعبي عنه: بأنه تعالى أمر الأنبياء بعدواتهم وأعلمهم كونهم أعداء لهم، وذلك يقتضي صيرورتهم أعداء للأنبياء.
لأن العداوة لا تحصل إلا من الجانبين، فلهذا الوجه جاز أن يقال إنه تعالى جعلهم أعداء للأنبياء عليهم السلام.
واعلم أن هذه الأجوبة ضعيفة جدًا لما بينا أن الأفعال مستندة إلى الدواعي، وهي حادثة من قبل الله تعالى، ومتى كان الأمر كذلك. فقد صح مذهبنا.
ثم هاهنا بحث آخر: وهو أن العداوة والصداقة يمتنع أن تحصل باختيار الإنسان، فإن الرجل قد يبلغ في عداوة غيره إلى حيث لا يقدر ألبتة على إزالة تلك الحالة عن قلبه، بل قد لا يقدر على إخفاء آثار تلك العداوة، ولو أتى بكل تكلف وحيلة لعجز عنه، ولو كان حصول العداوة والصداقة في القلب باختيار الإنسان لوجب أن يكون الإنسان متمكنًا من قلب العداوة بالصداقة وبالضد وكيف لا نقول ذلك والشعراء عرفوا أن ذلك خارج عن الوسع؟ قال المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم ** وتأبى الطباع على الناقل

والعاشق الذي يشتد عشقه قد يحتال بجميع الحيل في إزالة عشقه ولا يقدر عليه، ولو كان حصول ذلك الحب والبغض باختياره لما عجز عن إزالته. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا} يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم يعني كما أتيناك بهؤلاء القوم وكذلك جعلنا {لِكُلِّ نِبِيٍّ} قبلك {عَدُوًّا} أعداء وفسّرهم فقال: {شَيَاطِينَ الإنس والجن}.
عكرمة والضحاك والسدي والكلبي: معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس وشياطين الجن التي مع الجن وليس للإنس شياطين.
وذلك أن إبليس قسم جنده فريقين، بعث منهم فريقًا إلى الإنس وفريقًا إلى الجن، شياطين الإنس والجن فهم ملتقون في كل حين، فيقول شيطان الإنس لشيطان الجن أضللت صاحبي بكذا فاضل صاحبك بمثله، ويقول شيطان الجن لشيطان الإنس كذلك فذلك يوحي بعضهم إلى بعض.
وقال آخرون: إنّ من الإنس شياطين ومن الجن شياطين، والشيطان: العاتي المتمرّد من كل شيء.
قالوا: إن الشيطان إذا أغوى المؤمن وعجز عن إغوائه ذهب إلى متمرد من الإنس وهو شيطان من الإنس فأغراه المؤمن.
قال أبو طلحة ما روى عوف بن مالك عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر هل تعوذت باللّه من شر شياطين الإنس والجن» قال: يا رسول اللّه فهل للإنس من شياطين؟ قال: «نعم هو شر من شياطين الجن».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلاّ وقد وكّل قرينه من الجن» قيل: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: «ولا أنا إلاّ أن اللّه قد أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلاّ بخير».
وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد من شيطان الجن وذلك إني إذا تعوذت باللّه ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يحبني فيجرني إلى المعاصي عيانًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ} يُعَزِّي نبيّه ويسلّيه، أي كما ابتليناك بهؤلاء القوم فكذلك جعلنا لكل نبي قَبْلَك {عَدُوًّا} أي أعداء. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا} كلام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما (كان) يشاهده من عداوة قريش وما بنوا عليها من الأقاويل والأفاعيل، وذلك إشارة إلى ما يفهم مما تقدم، والكاف في موضع نصب على أنه نعت لمصدر مؤكد لما بعده، والتقديم للقصر المفيد للمبالغة، و{عَدُوّا} بمعنى أعداء كما في قوله:
إذا أنا لم أنفع صديقي بوده ** فإن عدوي لم يضرهم بغضي

أي مثل ذلك الجعل في حقك حيث جعلنا لك أعداء يضادونك (ويضارونك) ولا يؤمنون ويبغونك الغوائل (ويدبرون في إبطال أمرك مكايد) جعلنا لكل نبي تقدمك فعلوا معهم نحو ما فعل معك أعداؤك لا جعلًا أنقص منه.
وجعله الإمام على هذا الوجه عطفًا على معنى ما تقدم من الكلام، ولعله ليس المراد منه العطف الإصطلاحي، وجوز أن يكون مرتبطًا بقوله سبحانه: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] أي كما فعلنا ذلك جعلنا لكل نبي عدوًا وفيه بعد.
وأيًا ما كان فالآية ظاهرة فيما ذهب إليه أهل السنة من أنه تعالى خالق الشر كما أنه خالق الخير، وحملها على أن المراد بها وكما خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأعدائهم لم نمنعهم من العداوة لما فيه من الإمتحان الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر وكثرة الثواب والأجر خلاف الظاهر.
ومثله قول أبي بكر الأصم إن هذا الجعل بطريق التسبب حيث أرسل سبحانه الأنبياء عليهم السلام وخصهم بالمعجزات فحسدهم من حسدهم وصار ذلك سببًا للعداوة القوية، ونظير ذلك قول المتنبي:
فأنت الذي صيرتهم حسدًا

وقيل: المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين كذلك أمرنا من قبلك من الأنبياء بمعاداة نحو أولئك أو كما أخبرناك بعداوة المشركين وحكمنا بذلك أخبرنا الأنبياء بعداوة أعدائهم وحكمنا بذلك والكل ليس بشيء، وهكذا غالب تأويلات المعتزلة. اهـ.