فصل: تفسير الآية رقم (113):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
الكاف في {كَذِلِك} في محلِّ نَصْب، نعتًا لِمَصْدَر مَحْذُوف، فقدَّره الزَّمَخْشَري: ما خَلَّيْنا بَيْنَك وبين أعْدَائِك، كذلك فَعَلْنا بِمَنْ قَبْلك.
وقال الوَاحِدي: {وكذلك} منسُوق على قوله: {وكَذَلِكَ زَيَّنَّا} أي: فَعَلْنا ذَلِك كذلك {جَعَلْنا لكلِّ نبيٍّ عَدُوًّا}، ثم قال: وقيل: مَعْنَاه جَعَلْنا لَكَ عَدُوًّا كما جَعْلْنا لمن قَبْلَك من الأنْبِيَاء، فَيَكُون قوله: {وكذلك} عَطْفًا على مَعْنَى ما تقدَّم من الكلام، وما تقدَّم من الكلام، وما تقدَّم يدلُّ مَعْنَاهُ على أنَّه جعل له أعْدَاء والمراد: تَسْلِيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أي: كما ابتُليت بِهَؤلاء القَوْم، فكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ قَبْلك أعْدَاء.
وجَعَلَ يتعدى لاثْنَيْن بمعنى: صَيَّر.
وأعْرَب الزَّمَخْشَري، وأبو البقاء والحوفي هنا نحو إعرابهم في قوله: تعالى: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ الجن} [الأنعام: 100] فَيَكُون المَفْعُول الأول {شَيَاطِين الإنْس}، والثاني {عَدُوًا}، و{لكلِّ}: حال من {عَدُوًا} لأنَّه صفته في الأصْل، أو مُتعلِّق بالحَعْل قَبْلَه، ويَجُوز أن يكون المَفْعُول الأول {عُدُوًّا} و{لكلِّ} هو الثَّانِي قُدِّم، و{شياطين}: بَدَل من المفعول الأوّل.
والإضافة في: {شَيَاطِين الإنْس} يحتمل أن تكون من بابِ إضافَة الصِّفةِ لِمَوْصُوفها، والأصْل: الإنْس والجن الشَّياطين، نحو: جَرْد قَطِيفَة، ورجَّحْتُه؛ بأنَّ المقصود: التَّسلِّي والاتِّسَاءُ بمن سَبَق من الأنْبِيَاء، إذ كان في أمَمِهم مَنْ يُعادِلُهم، كما في أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكُون من الإضافة الَّتِي بَمَعْنَى اللام، وليست من بابِ إضافة صِفَة لِمَوصُوف، والمعنى: الشَّياطين التي للإنْس، والشَّياطين التي لِلْجِنّ، فإن إلْليس قَسَّم جُنْده قسمين: قِسْمُ مُتسَلِّط على الإنْسِ، وآخر على الجِنِّ، كذا جاء في التَّفْسِير.
ووقع {عَدُوًا} مفعولًا ثَانِيًا لـ {شَيَاطِين} على أحَد الإعْرَابَيْنِ بِلَفْظ الإفْراد؛ لأنَّهُ يُكْتَفى به في ذلك، وتقدَّم شَوَاهِده، ومِنْه ما أنْشَده ابن الأنْبَارِي: [الطويل]
إذَا أنَا لَمْ أنْفَعْ صَدِيقِي بِوْدِّهِ ** فإنَّ عَدُوِّي لَنْ يَضُرَّهُمُ بُغْضِي

فأعاد الضَّمير مِنْ {يَضُرَّهُم} على عَدُوّ فدل على جَمْعِيَّته؛ وكقوله تعالى: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين} [الذاريات: 24]، {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ} [النور: 31] {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} [العصر: 2، 3].
وقيل لا حَاجَة إلى هذا التَّكْليف، والتَّقْدِير وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ واحد من الأنْبِيَاء عُدُوًّا واحِدًا، إذ لا يَجِبُ أن يَكُون واحدٍ من الأنْبِيَاء أكْثَر من عُدوّ واحد.
قوله: {غُرُورًا} قيل: نُصِب على المَفْعُول له، أي: لا يَغُرُّوا غيرهم.
وقيل: هو مَصْدر في مَوْضِع الحَالِ، أي: غارِّين، وأن يَكُون مَنْصُوبًا على المَصْدَر؛ لأن العَامِل فيه بِمَعْنَاه، كأنه قِيل: يَغُرُّون غُروًا بالوَحي.
قوله: {ولَوْ شَاءً ربُّكَ ما فَعَلُوه} ما ألْقواه من الوسْوَسة في القُلُوب، وقد تقدَّم الكلام في المَشِيئَة ومَدْلُولِها مع المُعتزلة.
قوله: {وما يَفْتَرُون} {ما} موصولة اسميَّة، أو نكرة مَوْصُوفة، والعَائِد على كلا هَذَين القَوْلَيْن محذُوفٌ، أي: وما يَفْتَرُونَه أو مصدريَّة، وعلى كُلِّ قوله فمحلُّهَا نَصْب، وفيه وَجهَان:
أحدهما: أنها نَسَق على المَفْعُول في: {فَذَرْهُمْ} أي: اتْرُكْهُم، واترك افْتِرَاءهم.
والثاني: أنَّها مفعول مَعَه، وهو مَرْجُوحٌ، لأنه متى أمكن العَطْف من غير ضَعْفٍ في التركب، أو في المَعْنَى، كان أوْلَى من المَفْعُول معه. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (113):

قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: ذرهم لتعرض عنهم قلوب الذين يؤمنون بالآخرة وليسخطوه، وليعلموا ما هم له مبصرون وبه عارفون، فترفع بذلك درجاتهم، عطف عليه قوله: {ولتصغى} أي تميل ميلًا قويًا تعرض به {إليه} أي كذبهم وما في حيزه {أفئدة} أي قلوب {الذين لا يؤمنون بالآخرة} أي ليس في طبعهم الإيمان بها لأنها غيب، وهم لبلادتهم واقفون مع الوهم، ولذلك استولت عليهم الدنيا التي هي أصل الغرور {وليرضوه} أي بما تمكن من ميلهم إليه {وليقترفوا} أي يفعلوا بجهدهم {ما هم مقترفون} وهذه الجمل- كما نبه عليه أبو حيان- على غاية الفصاحة، لأنه أولًا يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضى فيكون فعل الاقتراف، فكأن كل واحد مسبب عما قبله. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن الصغو في اللغة معناه: الميل.
يقال في المستمع إذا مال بحاسته إلى ناحية الصوت أنه يصغي، ويقال: أصغى الإناء إذا أماله حتى انصب بعضه في البعض، ويقال للقمر إذا مال إلى الغروب صغا وأصغى.
فقوله: {وَلِتَصْغَى} أي ولتميل.

.فائدة: في لام {وَلِتَصْغَى}:

اللام {وَلِتَصْغَى} لابد له من متعلق.
فقال أصحابنا: التقدير: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من شياطين الجن والإنس، ومن صفته أنه يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، وإنما فعلنا ذلك لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون أي وإنما أوجدنا العداوة في قلب الشياطين الذين من صفتهم ما ذكرناه ليكون كلامهم المزخرف مقبولًا عند هؤلاء الكفار، قالوا: وإذا حملنا الآية على هذا الوجه يظهر أنه تعالى يريد الكفر من الكافر أما المعتزلة فقد أجابوا عنه من ثلاثة أوجه.
الوجه الأول: وهو الذي ذكره الجبائي قال: إن هذا الكلام خرج مخرج الأمر ومعناه الزجر، كقوله تعالى: {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ} [الإسراء: 64] وكذلك قوله: {وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ} [الأنعام: 113] وتقدير الكلام كأنه قال للرسول: فذرهم وما يفترون ثم قال لهم على سبيل التهديد ولتصغى إليه أفئدتهم وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون.
والوجه الثاني: وهو الذي اختاره الكعبي أن هذه اللام لام العاقبة أي ستؤل عاقبة أمرهم إلى هذه الأحوال.
قال القاضي: ويبعد أن يقال: هذه العاقبة تحصل في الآخرة، لأن الإلجاء حاصل في الآخرة، فلا يجوز أن تميل قلوب الكفار إلى قبول المذهب الباطل، ولا أن يرضوه ولا أن يقترفوا الذنب، بل يجب أن تحمل على أن عاقبة أمرهم تؤل إلى أن يقبلوا الأباطيل ويرضوا بها ويعملوا بها.
والوجه الثالث: وهو الذي اختاره أبو مسلم.
قال: اللام في قوله: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة} متعلق بقوله: {يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُورًا} [الأنعام: 112] والتقدير أن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول ليغروا بذلك {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ} الذنوب ويكون المراد أن مقصود الشياطين من ذلك الإيحاء هو مجموع هذه المعاني.
فهذا جملة ما ذكروه في هذا الباب.
أما الوجه الأول: وهو الذي عول عليه الحبائي فضعيف من وجوه ذكرها القاضي.
فأحدها: أن الواو في قوله: {وَلِتَصْغَى} تقتضي تعلقه بما قبله فحمله على الابتداء بعيد.
وثانيها: أن اللام في قوله: {وَلِتَصْغَى} لام كي فيبعد أن يقال: إنها لام الأمر ويقرب ذلك من أن يكون تحريفًا لكلام الله تعالى وأنه لا يجوز.
وأما الوجه الثاني: وهو أن يقال: هذه اللام لام العاقبة فهو ضعيف، لأنهم أجمعوا على أن هذا مجاز وحمله على كي حقيقة فكان قولنا أولى.
وأما الوجه الثالث: وهو الذي ذكره أبو مسلم فهو أحسن الوجوه المذكورة في هذا الباب: لأنا نقول: إن قوله: {يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُورًا} يقتضي أن يكون الغرض من ذلك الإيحاء هو التغرير.
وإذا عطفنا عليه قوله: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} فهذا أيضًا عين التغرير لا معنى التغرير، إلا أنه يستميله إلى ما يكون باطنه قبيحًا.
وظاهره حسنًا، وقوله: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} عين هذه الاستمالة فلو عطفنا لزم أن يكون المعطوف عين المعطوف عليه وأنه لا يجوز، أما إذا قلنا: تقدير الكلام وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من شأنه أن يوحي زخرف القول لأجل التغرير وإنما جعلنا مثل هذا الشخص عدوًا للنبي لتصغى إليه أفئدة الكفار، فيبعدوا بذلك السبب عن قبول دعوة ذلك النبي، وحينئذ لا يلزم على هذا التقدير عطف الشيء على نفسه.
فثبت أن ما ذكرناه أولى. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الثعلبي:

{ولتصغى} أي ولكي تميل.
وقال ابن عباس: ترجع يقال: صغى يصغى صغًا وصغى يصغى ويصغو صغوًا وصغوًا إذا مال.
قال الفطامي:
أصغت إليه هجائن بنحدودها ** آذانهن تلى الحداة السوق

ترى عينها صغواء في جنب ماقها ** تراقب كفي والقطيع المحرما

{إِلَيْهِ} يعني إلى الزخرف والغرور، ويقال: صغو فلان معك، وصغاه معك أي ميله وهواه.
وقرأ النجعي: ولتصغي بضم التاء وكسر الغين أي تميل، والإصغاء الإمالة. ومنه الحديث: «إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء للهرة».
{أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} الأفئدة جمع الفؤاد مثل غراب وأغربة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ}
تصغى تميل؛ يقال: صغوت أصْغُو صَغْوًا وصُغُوًّا، وصَغَيت أصغى، وصَغِيت بالكسر أيضًا.
يقال منه: صغِي يَصْغَى صغًى وصُغِيًّا، وأصغيت إليه إصغاء بمعنًى.
قال الشاعر:
تَرَى السَّفيهَ به عن كلّ مُحْكَمَة ** زَيْغٌ وفيه إلى التشبيه إصغاءُ

ويقال: أصغيت الإناء إذا أملْته ليجتمع ما فيه.
وأصله الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض.
ومنه صَغَت النجوم: مالت للغروب.
وفي التنزيل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4].
قال أبو زيد: يقال صَغْوُه معك وصِغْوُه، وصَغاه معك، أي ميله.
وفي الحديث: «فأصْغَى لها الإناء» يعني للهرة.
وأكرموا فلانًا في صاغِيته، أي في قرابته الذين يميلون إليه ويطلبون ما عنده.
وأصغت الناقة إذا أمالت رأسها إلى الرجل كأنها تستمع شيئًا حين يَشُدّ عليها الرَّحْل.
قال ذو الرُّمَّة:
تُصْغِي إذا شدّها بالكُورِ جانِحةً ** حتى إذا ما استَوَى في غَرْزِها تَثِبُ

واللام في {ولِتَصْغَى} لام كَيّ، والعامل فيها {يوحِي} تقديره: يُوحِي بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغى.
وزعم بعضهم أنها لام الأمر، وهو غلط؛ لأنه كان يجب ولْتصغ إليه بحذف الألف، وإنما هي لام كي.
وكذلك {وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ} إلا أن الحسن قرأ {ولْيرضوه وليقترفوا} بإسكان اللام، جعلها لام أمر فيه معنى التهديد؛ كما يقال: افعل ما شئت. اهـ.