فصل: تفسير الآية رقم (13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الرابع: أنه بَدَلٌ منهم، وهذان الوَجْهَانِ بعيدان.
الخامس: أنه مَنْصُوبٌ على البَدَلِ من ضمير المُخَاطب، وهذا قد عرفت ما فيه غير مَرَّةٍ، وهو أنه يُبْدَل من ضمير الحَاضِر بَدَل كُلِّ من كل في غير إحاطة ولا شمول أم لا؟
ومذهبُ الأخفشِ جوازه، وقد تقدَّم دَلِيلُ الفَريقَيْنِ، وردَّ المبردُ عليه مَذْهَبَهُ، بأنَّ البَدَلَ من ضمير الخطابِ لا يجوز، كما لا يجوز: مررتُ بَكَ زيد وهذا عجيب؛ أنه اسْتِشْهَادٌ بمحلِّ النزاع، وهو مَرَتُ بك زيدٍ، وردَّ ابن عطيَّة رحمه الله تعالى ردَّه فقال: ما في الآية مُخَالِفُ للمثال؛ لأنَّ الفائدة في البدل مُتَرتِّبَةٌ من الثاني، فأمَّا في مررتُ بك زيدٍ فلا فائدة في الثاني.
وقوله: {لِيَجمَعَنَّكُمْ} يَصْلُحُ لِمُخَاطَبةِ النَّاس كافَّةً، فيفيدنُا إبدال الَّذينَ من الضمير أنهم هم المختصُّون بالخِطَابِ، وخُصُّوا على جهة الوَعيدِ، ويجيءُ هذا إبْدال البعضِ من الكُلِّ.
قال أبو حيَّان: هذا الرَّدُ ليس بِجَيِّدٍ؛ لأنه إذا جعلنا {لِيَجْمَعَنَّكُم} صالحًا لخِطَابِ جميع النَّاس كان {الَّذين} بَدَلَ بعض، ويحتاج إذا ذالك إلى ضميرٍ، تقديره: خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ فِيْهُمْ وقوله: فيفيدنا إبْدَال الذين من الضمير أنهم هم المُخْتَصُّون بالخَطَابِ، وخُصُّوا على جِهَةِ الوعيدِ وهذا يقتضي أن يكون بدل كلّ، فتناقَضَ أوَّل كلامه مع آخره؛ لأنه من حَيْثُ الصَّلاحِيّةُ بدل بعض، ومن حيث اخْتِصاص الخِطَابِ بهم يكون بدلَ كُلّ، فَتَنَاقَضَا.
قال شهابُ الدِّينِ: ما أبْعَدَهُ عن التَّنَاقُضِ، لأن بدل البعض من الكُلِّ من حملةِ الخصِّصَات، كالتخصيص بالصِّفةِ والغاية والشرط، نصَّ العلماء- رضي الله عنهم- على ذلك فإذا تقرَّرَ هذا، فالمُبْدَلُ منه بالنسبة إلى اللَّفظِ في الظاهرِ عامُّ، وفي المعنى ليس المُرَادُ به إلاَّ ما أرَادَهُ المتكلِّم، فإذا وردَ: واقتلوا المُشركين بين فلان مثلًا، فالمشركون صالحٌ لكُلِّ مُشْرِكٍ من حيثُ اللَّفظِ، ولكنَّ المُرادَ به بَنُو فلان، فالعموم في اللفظ والخُصُوص في المعنى، فكذا قَوْلُ أبي مُحَمَّدٍ لمُخَاطَبةِ الناس، معناه أنه يَعُمُّهُمْ لَفْظًا.
وقوله: فيفيدنا إبدال الضمير إلى آخره هذا هو المُخَصِّص فلا يجيء تناقُقَ ألْبَتَّة، وهذا مقرر في أصول الفقه.
السادس: أنه مَرْفُوعٌ على الذَّمِّ، قاله الزَّمخشري، وعبارته فيه وفي الوجه الأول: نَصْبٌ على الذم أو رَفْعٌ، أي: أريد الذين خَسِرُوا أنفسهم، أو أنتم الذين خَسِرُوا أنفسهم. انتهى.
قال شهابُ الدين رحمه الله تعالى: إنما قَدَّر المبتد أنتم ليرتبط مع قوله: {ليجمعنَّكم}، وقوله: {خسروا أنفسهم} من مُراعاةِ الموصول، ولو قال: أنتم الَّذين خسروا أنفسكم مُراعَاةً للخطابٍ لجَازَ، تقول: أنت الذي قَعَدَ وإن شئت: قَعَدْت. اهـ. باختصار.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: حمد نفسه القديم الأزلي بكلامه القديم الأزلي على أن خلق سموات القلوب وأرض النفوس وجعل الظلمات. أي الصفات البهيمية والسبعية في النفوس والنور في القلوب وهو صفاتها الملكية والروحانية، فخص الجعل بالمعاني التي هي من عالم الأمر والخلق بالأعيان لأنها من عالم الصورة، ولهذا لما ذكر صورة آدم قال: {إني خالق بشرًا من طين} [ص: 71] وحيث أراد معناه قال: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] ثم بعد هذا الجعل والخلق مال نفوس الكفار بغلبات الظلمات إلى طاغوت الهوى فجعلوه عديلًا لربهم {ثم قضى أجلًا} للروح المفارق عن حضرته لأيام فراقه {وأجل مسمى عنده} وهو أجل الوصال بعد الفراق بجذبة {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28] {ثم أنتم تمترون} يا أهل الوصال كما يمتري أهل الفراق وهذا محال {وهو الله} في سموات القلوب وفي أرض النفوس يعلم سر الخلافة الذي أودع فيكم {وجهركم} الذي يظهر عنكم {ويعلم ما تكسبون} باستعمال الاستعداد السري والجهري في المأمورات والمنهيات في الخير أو الشر {من آية من آيات ربهم} في الآفاق وفي أنفسهم مكناهم في طلب الحق من قهر النفس وأسباب الخيرات والطاعات.
وأرسلنا مطر الواردات من سماء القلوب عليهم مدرارًا متواليًا، وجعلنا أنهار الحكمة تجري من تحت نظرهم فأهلكنا مع هذه المقدمات أرواحهم بسموم ذنوب طلب الدنيا مالها وجاهها {وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين} من الطلاب الصادقين التائبين المستقيمين {لجعلناه رجلًا} ليفهموا خطابه ويكون واقفًا على الأحوال البشرية فيعالجهم بما يرى فيه صلاح حالهم كما قال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [إبراهيم: 4] قل سيروا في أرض النفوس بقدم التقوى ومخالفة الهوى إلى أن تبلغوا سواحل بحار القلوب فتشاهدوا بأنوار الله المودعة فيها عاقبة من هلكوا في بوادي القطيعة إذ ساروا بقدم الطبيعة. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض} أي سموات عالم الأرواح وأرض عالم الجسم، ويقال: الروح سماء القلب لأن منها ينزل غيث الإلهام والقلب أرضها لأنه فيه ينبت زهر الحكمة ونور المعرفة {وَجَعَلَ الظلمات} أي وأنشأ في عالم الجسم ظلمات المراتب التي هي حجب ظلمانية للذات المقدس وأنشأ في عالم الأرواح نور العلم والإدراك، ويقال: الظلمات الهواجس والخواطر الباطلة والنور الإلهام وقال بعضهم: الظلمات أعمال البدن والنور أحوال القلب.
ثم بعد ظهور ذلك {الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] غيره ويثبتون معه سبحانه وتعالى من يساويه في الوجود وهو الله الذي لا نظير له في سائر صفاته {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ} وهو طين المادة الهيولانية {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا} أي حدًا معينًا من الزمان إذا بلغه السالك إلى ربه سبحانه وتعالى فنى فيه عز شأنه {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} وهو البقاء بعد الفناء، وقيل: الأجل الأول هو الذي يقتضيه الاستعداد طبعًا بحسب الهوية وهو المسمى أجلًا طبيعيًا للشخص بالنظر إلى مزاجه الخاص وتركيبه المخصوص بلا اعتبار عارض من العوارض الزمانية.
ونكر لأنه من أحكام القضاء السابق الذي هو أم الكتاب وهي كلية منزهة عن التشخصات إذ محلها الروح الأول المقدس.
والأجل الثاني هو الأجل المقدر الزماني الذي يقع عند اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع وهو مثبت في كتاب النفس الفلكية التي هي لوح القدر {ثُمَّ أَنتُمْ} بعد ما علمتم ذلك {تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] وتشكون في تصرفه فيكم كما يشاء {وَهُوَ الله في السموات وَفِى الأرض} أي سواء ألوهيته بالنسبة إلى العالم العلوي والسفلي {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ} في عالم الأرواح وهو عالم الغيب {وَجَهْرَكُمْ} في عالم الأجسام وهو عالم الشهادة {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3] فيهما من العلوم والحركات والسكنات وغيرها فيجازيكم بحسبها، وقيل: المعنى يعلم جولان أرواحكم في السماء لطلب معادن الأفراح وتقلب أشباحكم في الأرض لطلب الوسيلة إلى مشاهدته ويعلم ما تحصلونه بذلك {وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايات رَبّهِمْ} الأنفسية والآفاقية {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الأنعام: 4] لسوء اختيارهم وعمى أعينهم عن مشاهدة أنوار الله تعالى الساطعة على صفحات الوجود {وَقَالُواْ} لضعف يقينهم {لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} فنراه لتزول شبهتنا {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِىَ الأمر} [الأنعام: 8] أي أمر هلاكهم لعدم قدرتهم على تحمل مشاهدته {وَلَوْ جعلناه مَلَكًا لجعلناه رَجُلًا} [الأنعام: 9] ليمكنهم مشاهدته {قُل لّمَن مَّا في السموات والأرض} أي ما في العالمين {قُل لِلَّهِ} إيجادًا وإفناءً {كَتَبَ على نَفْسِهِ الرحمة}.
قال سيدي الشيخ الأكبر قدس الله تعالى سره: إن رحمة الله تعالى عامة وهي نعمة الامتنان التي تنال من غير استحقاق، وهي المرادة في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران: 951] وإليها الإشارة بالرحمن في البسملة وخاصة وهي الواجبة المرادة بقوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156] وإليها الإشارة بالرحيم فيها.
ويشير كلامه قدس الله تعالى سره في الفتوحات إلى أن ما في الآية هو الرحمة الخاصة، ومقتضى السياق أنها الرحمة العامة.
وذكر قدس الله تعالى سره في أثناء الكلام على الرحمة وقول الله عز شأنه يوم القيامة «شفعت الملائكة وشفعت النبيون والمؤمنون وبقي أرحم الراحمين إن رحمة الله تعالى سبقت غضبه» كما في الخبر فهي أمام الغضب فلا يزال غضب الله تعالى يجري في شأواه بالانتقام من العباد حتى ينتهي إلى آخر مداه فيجد الرحمة قد سبقته فتتناول منه العبد المغضوب عليه فتبسط عليه ويرجع الحكم لها فيه، والمدى الذي يقطعه الغضب ما بين {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] الذي في البسملة وبين {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 3] الذي بعد {الحمد لله رب العالمين}[الفاتحة: 2].
فالحمد لله رب العالمين هو المدى وأوله وآخره ما قد علمت، وإنما كان ذلك عين المدى لأن فيه يظهر السراء والضراء، ولهذا كان فيه الحمد وهو الثناء ولم يقيد بسراء ولا ضراء فيعمهما، ويقول الشرع في حمد السراء: الحمد لله المنعم المتفضل، ويقول في حمد الضراء: الحمد لله على كل حال، فالحمد لله قد جاء في السراء والضراء فلهذا كان عين المدى، وما من أحد في الدار الآخرة إلا وهو يحمد الله تعالى ويرجو رحمته ويخاف عذابه واستمراره عليه فجعل الله تعالى عقيب {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} {الرحمن الرحيم} فالعالم بينهما بما هو عليه من محمود ومذموم، وهذا شبيه بما جاء في سورة ألم نشرح وهو تنبيه عجيب منه سبحانه وتعالى لعباده ليتقوى عندهم الرجاء والطمع في رحمة الله تعالى.
وأنت إذا التفت أدنى التفات تعلم أنه ما من أثر من آثار البطش إلا وهو مطرز برحمة الله تعالى بل ما من سعد ونحس إلا وقد خرج من مطالع أفلاك الرحمة التي أفاضت شآبيبها على القوابل حسب القابليات؛ ومما يظهر سبق الرحمة أن كل شيء موجود مسبوق بتعلق الإرادة بإيجاده وإخراجه من حيز العدم الذي هو معدن كل نقص، ولا ريب في أن ذلك رحمة كما أنه لا ريب في سبقه، نعم تنقسم الرحمة من بعض الحيثيات إلى قسمين، رحمة محضة لا يشوبها شيء من النقمة كنعيم الجنة وهي الطالعة من بروح اسمه سبحانه الرحيم ولكونه صلى الله عليه وسلم يحب دخول أمته الجنة ويكره لهم النار سماه الحق عز اسمه الرحيم في قوله سبحانه وتعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]، ورحمة قد يشوبها نقمة كتأديب الولد بالضرب رحمة به وكشرب الدواء المر البشع وهي المشرقة من مطالع آفاق اسمه عز اسمه الرحمن، ولعل هذه الرحمة العامة هي المرادة في قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء؛ 107] ثم اعلم أن سبق الرحمة الغضب يقتضي ظاهرًا سبق تجليات الجمال على تجليات الجلال لأن الرحمة من الجمال والغضب من الجلال.
وذكر مولانا الشيخ عبد الكريم الجيلي قدس سره أن الجلال أسبق من الجمال.
فقد ورد في الحديث: «العظمة إزاري والكبرياء ردائي» ولا أقرب من ثوب الرداء والإزار إلى الشخص.
ثم قال: ولا يناقض هذا قوله جل شأنه: «سبقت رحمتي غضبي» فإن الرحمة السابقة إنما هي بشرط العموم والعموم من الجلال.
وادعى أن الصفة الواحدة الجمالية إذا استوفت كمالها في الظهور أو قاربت سميت جلالًا لقوة ظهور سلطان الجمال فمفهوم الرحمة من الجمال وعمومها وانتهاؤها جلال، وأنت تعلم أنه إذا فسر السبق بالمعنى الذي نقله النووي عن العلماء سابقًا وهو الكثرة والشمول فهو مما لا ريب في تحققه في الرحمة إذ في كل غضب رحمة وليس في كل رحمة غضب كما لا يخفى على من حقق النظر.
وبالجملة في رحمته سبحانه مطمع أي مطمع حتى أن إبليس يرجوها يوم القيامة على ما يدل عليه بعض الآثار.
وأحظى الناس بها إن شاء الله تعالى هذه الأمة.
نسأل الله تعالى لنا ولكم الحظ الأوفر منها {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} الصغرى أو الكبرى {لاَ رَيْبَ فِيهِ} في نفس الأمر وإن لم يشعر به المحجوبون {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} بإهلاكها في الشهوات واللذات الفانية فحجبوا عن الحقائق الباقية النورانية واستبدلوا بها المحسوسات الفانية الظلمانية {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 21] لذلك، نسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (13):

قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما استنارت الأدلة استنارة الشمس وانتصبت البراهين حتى لم يبق أصلًا نوع لبس، عم بالخبر عما تقدم مما يشاهدونه وغيره، فقال ذاكرًا الزمان بعد المكان، وقدمه لأنه أظهر، والمعلم الكامل هو الذي يبدأ بالأظهر فالأظهر مترقيًا إلى الأخفى فالأخفى، فتم بذلك الخبر عن الزمان والزمانيات والمكان والمكانيات: {وله} أي وحده {ما سكن} أي حل وتحيز وحصل {في الليل والنهار} أي ما من شأنه أن يسكن فيهما وإن كان متحركًا، ولكنه عبر بذلك دون التحرك لأنها دار الموت، ودخل في ذلك النور والظلمة اللذان أشرك بهما من أشرك.
ولما دل ما مضى على القدرة التامة، وانقسم إلى متحرك وساكن، وكانت القدرة لا تتم إلا بالعلم، دل عليه بقوله: {وهو} أي لا غيره {السميع} أي البالغ السمع لكل متحرك {العليم} أي العام العلم بالبصر والسمع وغيرهما بكل متحرك وبكل ساكن من أقوالكم وأفعالكم وغيرهما، فلا تطمعوا في أن يترك شيء من مجازاتكم، والعليم هنا أبلغ من البصير، وذلك مثل ما تقدم في قوله: {قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعًا والله هو السميع العليم} [المائدة: 76] وهو ترجمة قوله: {يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} [الأنعام: 3]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن أحسن ما قيل في نظم هذه الآية ما ذكره أبو مسلم رحمه الله تعالى فقال: ذكر في الآية الأولى السماوات والأرض، إذ لا مكان سواهما.
وفي هذه الآية ذكر الليل والنهار إذ لا زمان سواهما، فالزمان والمكان ظرفان للمحدثات، فأخبر سبحانه أنه مالك للمكان والمكانيات، ومالك للزمان والزمانيات، وهذا بيان في غاية الجلالة.
وأقول هاهنا دقيقة أخرى، وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات، ثم ذكر عقيبه الزمان والزمانيات، وذلك لأن المكان والمكانيات أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة، والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقيًا إلى الأخفى فالأخفى، فهذا ما يتعلق بوجه النظم. اهـ.